البُرهان والجيش وجَنْجَويده – العَار ومَوَات الضَمِير !!

 


 

 

 

08 يونيو 2019

كيفن كارتر، صحفي أبيض من جنوب أفريقيا. قام برحلة إلى جنوب السودان مع زميل له في عام 1993م. وفي قرية "أيود" سمع صوتا ضعيفا لأنين طفلة صغيرة هزيلة كانت قد توقفت عن الزحف لبرهة وهي في طريقها إلى مركز لتوزيع الطعام. فيما كان كارتر يتحضر لإلتقاط الصور حط نسرٌ بقرب الطفلة. ذكر كارتر لاحقاً إنه انتظر نحو عشرين دقيقة آملاً أن يفرد النسر جناحيه من أجل أن يلتقط أفضل صورة ممكنة، إلا أنّ النسر لم يفعل. التقط الصورة على كل حال وقام بطردالنسر بعيداً. شاهد الطفلة بعد ذلك تستكمل زحفها نحو مركز توزيع الطعام. قال كارتر بأنه إلتقط الصورة، لأن عمله هو "التقاط الصور" فقط ومن ثم المغادرة؛ فقد حذروه مسبقاً من لمس الأطفال وذلك بسبب الأمراض المعدية. بيعت الصورة لصحيفة نيويورك تايمز ونشرت في عدد كبير من الصحف الاخرى حول العالم. قام المئات من القراء بالاتصال بالجريدة لمعرفة ماذا حل بالطفلة الصغيرة. أفادت الصحيفة لاحقاً إنهم لا يعرفون ما إذا وصلت الطفلة إلى مركز توزيع الطعام أم لم تصل. في 12 أبريل 1994 قامت نانسي بورسكي محررة الصور الأجنبية في نيويورك تايمز بمهاتفة كارتر لإعلامه بنيله أرفع جائزة في التصوير الصحفي وهي جائزة بولتزر للصور.. قام كارتر بالإنتحار بعد ثلاثة أشهر من تسلمه تلك الجائزة.

انتحر المصور، كيفن كارتر، من فرط تأنيب الضمير، فيما يبدو، لانه لم يحمي طفلة هزيلة من جنوب السودان، مرهقة وقعت على الأرض بعد أن أعياها الجوع وهي في طريقها لمركز توزيع الطعام. بركت على الأرض وكانت لاتقوى على الحركة بينما يتربص بها نسرٌ كاسر يفوقها حجما على مقربة منها لينقض عليها ويفترسها. أخذ كارتر تلك الصورة المشهورة للطفلة وهي قابعة على الأرض كسيرة وبجوارها النسر. لم تفارقه صورة الطفلة وهي على تلك الهيئة، فيما يبدو. مِسخَت عليه الدنيا. فقرر أن ينهي حياته التي صعب عليها الاستمرار فيها بضمير مُثقل. (المصدر وكيبيدبا الموسوعة الحرة، بتصرف)

في يوم الإثنين 03 يونيو 2019 حدثت مجزرة (Sudan Massacre#ٍ) في وسط الخرطوم عاصمة السودان. أصدر عبد الفتاح البرهان الأمر لجيش كامل من الأمن والجنجويد وكتائب الظل بقتل المعتصمين الشباب العزل بدم بارد وإلقاء جثامينهم في النيل حتى لا نعرف مطلقا كم قتلوا. لا أحد يعرف على وجه الدقة كم قتلوا. مئات، عدة مئات أو حتى آلاف لا أحد يدري. قتلوهم بوحشية بالغة وأهانوا الأحياء منهم بالتعذيب النفسي والجسدي والاغتصاب . كل ذلك تمّ بأمر البرهان ومجلسه العسكري مع سبق الإصرار والترصد.

لقد رأينا من هذا المجلس بالدليل والبرهان الكذب والنفاق والاحتيال الذي استمر لقرابة الشهرين قضوها في التسويف والوعود الكاذبة. ورأينا منهم العمالة للأجنبي والمذلة للسودان وأهله. يضاف الى ذلك الغدر والطعن من الخلف لمن وثقوا فيهم من قيادة قوى الحريّة والتغيير ومن أفراد الشعب السوداني كله. فكيف يمكن التعامل مع نفر هذا ديدنهم؟!

من أبسط قواعد التفاوض هو الجلوس بحسن نية مع الطرف الثاني. ولا نقل الخصم؛ فقد ظلّ البرهان ومجلسه العسكري يرددون للشعب السوداني كله أنهم شركاء في صنع الثورة وحريصون على نقل السلطة المدنية للشعب. فكيف لشريك في خلاص الوطن من حكم الفرد المتكبر أن يتحول الى ما هو أسوأ ممن جاء ليخلص الوطن منهم؟ كيف ذلك يا أيها البرهان؟ هل الغدر والخيانة والقتل وهتك أعراض الناس هي حقيقتكم كمجلس عسكري أم ماذا؟ وهل تنوون حكم الناس الى ما لا نهاية ومصادرة حرياتهم الى الأبد؟ قولوها فأنتم الآن تقفون عراة أمام الشعب والمجتمع الدولي.

أما الجيش السوداني المنوط به حماية الناس فأمره عجب. وقف عاجزا يتفرج على فظائع المجزرة. بل بكى أحد ضباطه وانتحب أمام الكاميرا. لم يفعلوا شيئا والقتل والسحل والاغتصاب يحدث على مرأى ومسمع منهم. قفلوا باب القيادة العامة للجيش في وجه من استغاثوا بهم ملطخين بالدماء طالبين الحماية وطردوهم. أين رئيس هيئة الأركان وهيئة الاستخبارات العسكرية وأين المدرعات والطيران والمدفعية والدفاع الجوي وسلاح الاشارة والبحرية والتصنيع الحربي والقوات البرية. أين كل هؤلاء؟ وهل بكاء الضايط الذي رأيناه هو كل ما تستطيع قوات الشعب المسلحة (كلها) فعله إذا تم غزو الخرطوم بجيش أجنبي مثلاً؟ إذا كانت الإجابة نعم فلا حاجة لنا كأمة بجيشٍ يبكي ضباطه عند منظر الموت فقط. وإذا كانت لا فأنتم والبرهان وجنجويده وكتائب ظله في سرجٍ واحد؛ أترك لكم اختيار اسم يناسبه للتاريخ!

انتحر الصحفي كيفن كارتر، عن عمر 33 عاما، من جراء صورة واحدة لطفلة صغيرة في بلد أجنبي طارده شبحها وأرهق ضميره الإنساني المرهف. فكم تحتاحون، يا برهان ويا هؤلاء، من صور الموت والتعذيب وصرخات المغتصبات لكي نحيي ضمائركم الميتة أن كنتم بشرا من لحم ودم كبقية الناس؛ فلدى منظمات حقوق الإنسان العالمية الآن من هذه الصور الفظيفة ليوم المجزرة ما يكفي مجلسكم الموقر وجيشكم وجنجويدكم مهما بالغتم في العدد والطلب!

- النهاية –
ballah.el.bakry@gmail.com//

* الكاتب مهندس مدني، زميل معهد المهندسين المدنيين، ومعهد التحكيم الدولي وعضو أكاديمية الخبراء في المملكة المتحدة ويعمل حاليا رئيسا تنقيذيا لشركة خبراء هندسية في الشرق الأقصى.

 

آراء