التأثير المصري القديم في السودان (2/2)
بدر الدين حامد الهاشمي
31 May, 2024
31 May, 2024
التأثير المصري القديم في السودان (2/2)
Ancient Egyptian Influence in The Sudan (2/2)
J. Vercoutter جان فيكوتير
ترجمة: بدر الدين حامد الهاشمي
تقديم: هذا هو الجزء الثاني والأخير من ترجمة مختصرة لبعض ما ورد في مقال بقلم جان فيكوتير عالم المصريات الفرنسي (1911 – 2000م) عن التأثير المصري القديم على السودان. والرجل من رواد البحث الأثري في السودان منذ عام 1953م، وكان قد عمل بصورة دائمة بين عامي 1960 و1964م على دراسة كور وعكاشة، حينما كانا مهددين بقيام السد العالي في أسوان. وشغل منصب مدير المعهد الفرنسي للآثار الشرقية بين عامي1977 و1981م. وقام فيكوتير بالتنقيب في هياكل عديدة مثل معبد رمسيس الثاني، والمقبرة المروية، وفي جزيرة "صاي"، بالإضافة إلى تنقيبه في مقابر صغيرة أخرى. ولفيكوتير العديد من الكتب والمقالات المحكمة في مجال تخصصه.
نُشِرَ هذه المقال في المجلد الأربعين من "مجلة السودان في رسائل ومدونات SNR"، الصادرة عام 1959م، صفحات 8 – 18. وهذا المقال هو نص محاضرة ألقاها العالم الفرنسي في ندوة عامة بالخرطوم ترأسها ب. التجاني الماحي، وأورد المقال أيضاً الأسئلة التي طرحها الحضور من السودانيين والأجانب على العالم الفرنسي بعد نهاية المحاضرة، وكان منهم د. الهادي النقر وطه بعشر ومصطفى محمد خوجلي ودوليب محمد المهدي ومحمد أحمد علي ونصر الحاج علي وآخرين. وأختتم الندوة ب. التجاني الماحي بشكر المحاضر، وذكر أن ورقته المتقنة والمهمة هي مِثَال رائع يجسد مقولة السير ونستن شيرشل: “The longer you can look backward, the further you can look forward” "كلما نظرت إلى الوراء لفترة أطول، تمكنت من النظر أكثر إلى الأمام".
المترجم
************ ********* ***********
1/ بينما كانت المجموعة ج (the C- Group) ترسخ أقدامها في المملكة الوسيطة، حدثت تغير مهم في السياسة المصرية، إذ لم تعد ممفيس (القريبة من القاهرة الحديثة) هي مركز السلطة بالبلاد، بل انتقلت السلطة إلى طيبة Thebes (التي هي الأقصر اليوم). ولعل في ذلك الانتقال ما يدل على مدى الاهتمام الشديد الذي كانت توليه السلطة الجديدة للجنوب، مقارنة بالسلطة السابقة (الأسرة السادسة). صحيح أنه بعد فترة من الزمن عاد فراعنة الأسرة الثانية عشرة إلى وسط مصر، غير أنهم كانوا جميعا في الأصل من جنوب مصر، وكانوا جميعا يمارسون ذات السياسة التي اختطها أسلافهم (فراعنة الأسرة الحادية عشرة)، والتي كانت تعمل على التوسع جنوباً.
*********** *********** ***********
2/ ومع صعود المملكة الوسيطة، تغيرت السياسة المصرية تجاه السودان تغيراً كبيرا، إذ لم يعد الفرعون يَقْنَعْ بإرسال القوافل التجارية (وبعث بعض الحملات الحربية بين كل فترة وأخرى)، بل سعى للانتصار العسكري على الجنوب، وشرع في زرع بذور سياسة مستقبلية لمملكة جديدة. وربما كانت دوافع تلك السياسة هي أولاً: وضع الوافدين الجدد (شعب المجموعة ج، the C- Group people) قرب حدود مصر، وثانياً: البحث عن مناجم الذهب. ويعتقد الكثيرون أن شعب المجموعة ج شعب محب للسلم، غير أن المرء لا يملك إلا أن يعجب بقوة ومتانة الحصون التي كانوا يقيمون فيها. ويقوم الآن (أي في نهاية خمسينيات القرن العشرين. المترجم) البروفسير والتر اميري Emery Walter (1903 – 1971م) بالتنقيب في تلك الحصون ببوهين. ومن المؤكد أن المصريين لم يكونوا ليجهدوا أنفسهم كثيرا في بناء تلك الحصون القوية لو لم يشعروا بعدم الأمان وهم بين سكان البلاد. ولعل الرغبة في تأمين الحدود الجنوبية كان هو الدافع الرئيس لتلك السياسة المصرية الجديدة. أما الدافع الثاني لاحتلال السودان فهو دافع "جديد" أيضاً. ففي غضون سنوات المملكة القديمة كان المصريون يجلبون الأخشاب والعاج وريش النعام والبخور وجلود النمور من جنوب بلادهم، غير أنهم صاروا الآن يبحثون عن الذهب، والسودان سوف يغدو، ولعقود قادمة، واحداً من المصادر المهمة للذهب (في الأصل one of the Eldorados of the Ancient World، في إشارة لأسطورة قديمة https://shorturl.at/DDrdO. المترجم).
******* ********** *********
3/ منذ متى بدأ البحث عن الذهب؟ لا تذكر قوائم منتجات الجنوب في المملكة القديمة شيئاً عن ذلك – ولكن يُعْتَقَدُ بأن قادة القوافل من الأسرة السادسة كانوا قد حصلوا على معلومات عن الذهب إبان إقامتهم في الجنوب، أو أنهم شاهدوا غبار الذهب في حوزة السودانيين. من المحتمل أيضاً، أن يكون بعض المصريين قد شاهدوا خلال الحملات العسكرية للأسرة الحادية عشرة، نفس الظاهرة التي شاهدها (المهندس والمستكشف الفرنسي) لينان دو بلفون Linant Bellefonds في عام 1820م عندما رأى، أثناء فيضان وادي العلاقي، غبار الذهب في الطمي الذي جرفته المياه. وهذا من شأنه أن يفسر سبب بدء التنقيب في كل المناطق الجبلية بالقرب من الشلالين الأول والثاني.
4/ بدأ الغزو المصري على يد ملوك الأسرة الحادية عشرة منذ عام 2060 ق.م. وواصل فيه بنجاح فراعنة الأسرة الثانية عشرة. ومن المرجح أن سيزوستريس الأول، ثاني ملوك الأسرة، وصل إلى منطقة الشلال الثالث، وبحلول عهد سيزوستريس الثالث في حوالي عام 1800 ق.م بُنِيَتْ ما لا يقل عن 14 قلعة بين سمنا Semna (عند رأس الشلال الثاني) والفنتين Elephantine، وتمركز المستوطنون المصريون من منطقة طيبة في مدن صغيرة محصنة على أطراف تلك القلاع. ومن الملاحظ أن كل القلاع المصرية التي شِيدَتْ في السودان – باستثناء تلك التي أُقِيمَتْ في كوبان Kuban وسيرا Serrah– كانت قد بُنِيَتْ على الشاطئ الغربي للنيل، أو على جزر صغيرة. وكانت قلعتا كوبان وسيرا، تقومان بحماية الطريق إلى وادي العلاقي المتجه إلى مناجم الذهب. ولعل في هذا ما يشير إلى عدم شعور المصريين بالأمان في الضفة الشرقية للنيل بتلك المنطقة بسبب وجود القبائل السودانية المترحلة القادمة من صحراء السودان الشرقية.
وعند نهاية حكم الأسرة الثانية عشرة غدا كل الشاطئ الغربي للنيل (بين أسوان وسمنا) تابعاً لمصر. وأقام سيزوستريس الثالث حواجز على الحدود، وأمر قادة قلاعه بمنع دخول أي شخص من عبور الحدود، إلا لأغراض تجارية. وبعد ترسيخ تلك الحدود في سمنا، لم يقف المصريون عند ذلك الحد، بل تابعوا مسيرهم جنوباً بقوافل تجارية، حتى بلغوا دنقلا، وشرعوا في التجارة مع حكامها. وكانت عاصمتها في ذلك العهد في كرمة (ليس بعيدا عن دنقلا الجديدة). وأدخل المصريون في تلك المنطقة طرقهم في البناء، وشيدوا بالطوب اللَّبِن – إنابة عن الملك السوداني – معبداً (chapel) ضخماً، يعرف الآن بالدفوفة الشرقية. وانتهزوا فرصة وجودهم في المنطقة فبنوا لأنفسهم قلعة لتحمي مركزهم التجاري. وذهب بعض علماء التاريخ والآثار إلى أن حاكماً مصريا اسمه هيبيدجيفا Hepidjefa كان قد حل محل ملك تلك المنطقة، وحكمها باسم فرعون مصر، ومات بكرمة ودُفِنَ فيها بحسب العادات المحلية. وعُثِرَ على تماثيل له ولزوجه في إحدى مقابر كرمة. غير أن علماء آخرين يعتقدون بأن تماثيل هيبيدجيفا التي وُجدت في كرمة كانت إما قد أعطاها هيبيدجيفا بنفسه للملك السوداني، أو أن الملك السوداني كان قد حملها من مصر عند عودته لكرمة. وأنا أميل لتصديق الاحتمال الأخير لسبب بسيط، وهو أن مكان قبر هيبيدجيفا معروف... في مصر!
******** ********* **********
5/ يتضح من المواد التي عُثِرَ عليها أثناء عمليات التنقيب في آثار كرمة إبان عهد المملكة الوسيطة أن المستوطنة المصرية في تلك المنطقة لم تكن سوى مركز تجاري. ومن هنا يمكننا تقدير حجم ومدى التأثير المصري على المملكة السودانية. فقد وُجدت بكرمة العديد من المواد المصرية الممتازة الصنع مثل التماثيل والمجوهرات والخرز والمصنوعات الفخارية والخزفية وتلك المصنوعة من المرمر. مع العلم أن المواد السودانية التي وُجدت بالقرب من تلك المواد المصرية لم تكن بنفس مستوى الجودة. وتطورت الثقافة (المزدوجة) في كرمة، التي كانت سودانية في الأساس، ومصرية ظاهرياً. وكانت "حضارة كرمة" قد نجت وبقيت بعد سقوط الدولة الوسيطة في مصر وما تبع ذلك من استسلام للحصون الواقعة جنوب أسوان.
******** ******* ******
6/ اُكْتُشِفَتْ مؤخراً (في منتصف خمسينيات القرن العشرين. المترجم) معلومات مهمة عن تاريخ السودان في غضون السنوات المظلمة التي أعقبت فترة المملكة الوسيطة، كان أهمها اكتشاف لوحة / نص كاموس Kamose text في الكرنك، الذي كانت يحكي عن الحملة العسكرية الناجحة التي شنها الفرعون كاموس في حوالي عام 1600 ق.م. ضد أعدائه ملوك الهكسوس الذين كانوا يحتلون الجزء السفلي من مصر. وورد في تلك اللوحة أن دورية مصرية اعترضت في الصحراء رسالة من ملك الهكسوس بعث بها إلى ملك كوش. ويبدو من نص الرسالة (المكتوبة باللغة المصرية) أن ملك الهكسوس كان يحاول ترتيب هجوم مشترك على مصر من الجنوب عن طريق قوات كوش، ومن الشمال عن طريق جيشه الخاص. وأغرى ملك الهكسوس ملك كوش بقوله بشكل غامض "ثم سنقسم مدن مصر بيننا". ولا نعلم إن كان ملك الهكسوس قد أرسل رسالة أخرى لملك كوش بعد اعتراض رسالته الأولى. غير أنه يبدو بشكل واضح من نص الرسالة أن المملكة السودانية كانت قوية بما يكفي لتؤدي دوراً مهماً في سياسة القرن السابع عشر ق.م. وهذا ما يفسر أنه بعد انسحاب الجيش المصري من النوبة (في حوالي عام 1780 ق.م.)، تولت قوة سودانية موحدة زمام الأمور من المصريين. غير أن تلك القوة السودانية لم تكن تعادي مصر بصورة منهجية. فقد واصلت في إرسال مرتزقة إلى ملوك طيبة، وعينت بعض المصريين في خدمتها، كان منهم ضابط مصري اسمه هاناخيف Hanankhef ذكر في شاهده/ لوحته الجنائزية funerary stela أنه كان قد عمل في خدمة ملك كوش لستة أعوام، وبعد أن تقاعد عن العمل عاد إلى مصر وهو يحمل مكافأة تقدر بنحو خمسة أرطال من الذهب. وهذا يعني أن "الحكومة السودانية" في تلك السنوات كانت تعين في خدمتها "خبراء أجانب" بعقود قصيرة الأجل، وتمنحهم مكافأة عند نهاية خدمتهم. ولم يكن هاناخيف هو المصري الوحيد الذي عينه ملك كوش في خدمته، ويمكن الافتراض بأنه هناك مصريين كثر عملوا في مملكة كوش. وبذا يمكن اعتبار وجود موظفين مصريين في مملكة كوش هو أحد عوامل التأثير المصري في السودان قديماً.
لقد قادت إنجازات المملكة السودانية في القرن السابع عشر ق.م. على المدى الطويل، إلى الغزو المصري في القرن السادس عشر ق.م. غير أن بذور الاستقلال لم تضع سدى. وليس لدي شخصياً أدنى شك في أن ملوك نبتة السودانيين، الذين وصلوا إلى السلطة في منطقة دنقلا بعد تسعة قرون، كانوا من أحفاد حكام كرمة.
*********** ******** ***********
بعد انتهاء المحاضرة تقدم بعض الحاضرين بأسئلة للعالم الفرنسي، فيما يلي تلخيص لبعضها:
1/ سأل نصر الحاج علي عن السبب في عدم تسمية شعوب النوبة القديمة، والاكتفاء بوصفهم فقط بالمجموعة (أ) أو (ب) أو (ج)، وسأل القاضي م. النور عن سبب تجسيد نظام التسميات لهذه الفجوة الكبيرة جداً بين المجموعة ج C والمجموعة اكس X.
أجاب المحاضر بأن تلك التسميات الحرفية تشير إلى جهلنا بالهوية الحقيقية لهؤلاء الناس، فيما عدا المجموعة اكس X. أما الفجوة الكبيرة جداً بين المجموعة ج C والمجموعة اكس X فقد قُصد منها إبراز الزمن الطويل الذي مر بين فترتي ظهور المجموعتين.
2/ قال د. فوزي جاد الله بأنه يؤمن بأن ما جاء بالنقوش المصرية القديمة من أن أعداد هائلة من (المجموعة أ) قد قُتِلَتْ أو أُسِرَّتْ، هي مزاعم مبالغ فيها؛ إذ لا يمكن تصديق أن غارات (محدودة) يمكن أن تسبب في مقتل أو إصابة تلك الأعداد الكبيرة التي ذُكِرَتْ.
أجاب بروفيسور فيكوتير بأن شكوك د/ جاد الله مبررة. غير أن تلك النقوش هي مصدرنا الوحيد، وما من سبيل لتقويم صحة أو دقة ما ورد فيها.
3/ سأل مصطفي محمد خوجلي عما إذا كانت الديانة المصرية القديمة قد أثرت على النوبة بأي صورة من الصور.
أجاب المحاضر بأن هناك دليل على احتمال تبادل الأفكار الدينية في منطقة كرمة. وفي أحد مقابر كرمة تم العثور على قارب جنائزي (funerary boat). ولذا الممكن أن تكون الديانة المصرية قد أُدْخِلَتْ في كرمة؛ لكن مجرد وجود ذلك القارب لم يكن بالطبع دليلاً على ذلك.
4/ سأل ناصف اسحق عن أنواع الفخار الذي عُثِرَ عليه في منطقة كرمة
أجاب بروفيسور فيكوتير بأن الفخار الذي عُثِرَ عليه بكرمة كان من نوعين: الأول باللونين الأسود والأحمر، والثاني ملون بعدد من الألوان. والنوعان كانا يمتازان بالرقة والصلابة.
5/ سأل مصطفي محمد خوجلي إن كانت هناك أي معلومات عن تأثير مصر القديمة على النوبة القديمة في مجالات المعمار والدين.
أجاب المحاضر بأن معرفتنا بتاريخ النوبة القديمة لا تزال محدودة. ويوجد الآن (أي في عام 1959م. المترجم) أكثر من 400 موقع معماري مهم في شمال السودان؛ لم يستكشف جزئياً منها إلى الآن سوى 26 موقعاً. ولم يستكشف أي موقع معماري في أرض النوبة بصورة كاملة.
6/ سأل محمد أحمد علي عن صحة الروايات المحلية عن وجود نفق بين بوهين والاهرامات القريبة منها. أجاب بروفيسور فيكوتير بأنه لا يوجد ما يؤكد صحة تلك الروايات.
7/ سأل د. طه بعشر عن الأهمية التاريخية للموقع الذي تم التنقيب فيه بأم درمان. وسأل عن شكل وحالة الجثث التي وجدت به، ووضعها الجسماني (attitude). وهل اُسْتُنْتِجَتْ منها أي معلومة تتعلق بالأفكار الدينية أو الثقافية في ذلك العهد؟
أجاب المحاضر بأن د. آركل هو من قام بتلك الحفريات، ولم يعثر على أي أجساد مدفونة في المنطقة التي نقب فيها، لكنه وجد فيها فقط بعض المشغولات / الأدوات الحرفية artifacts. وكانت الأدوات الفخارية التي عثر عليها آركل تشابه تلك التي تُسْتَخْدَمُ في مصر قبل عهد الأُسْرات (predynastic Egypt). وخلص إلى أن سكان أم درمان في ذلك الزمان كانت لهم نفس ثقافة سكان شمال السودان. غير أنه لا يمكن تأكيد ذلك الرأي إلا بالعثور على بقايا بشرية.
8/ ذكر دوليب محمد المهدي أن المحاضر قد أشار إلى التجارة في سلع مثل الأصماغ والبخور. وهذه المواد لا تُنْتَجُ حالياً في بلاد النوبة. هل كان المناخ/ الطقس في تلك الأزمان أكثر ملائمةً لإنتاج تلك المواد، أم أنها كانت تُسْتَوْرَدُ من أماكن أخرى؟
رد المحاضر بأن تلك المواد ربما كانت تُنْتَجُ في دنقلا أو مناطق قريبة منها، أو أنها جُلِبَتْ من مناطق أخرى إلى الجنوب أو الشرق، وهذا هو الاحتمال الأرجح.
9/ أشار مصطفي محمد خوجلي إلى أن المحاضر قد أبان بصورة واضحة بأن العوامل الرئيسية في تأثير مصر القديمة على السودان كانت هي: التجارة والاحتلال والهجرة. وسأل المحاضر عن أي تلك العوامل أكبر أهمية في نظره.
أجاب المحاضر بأن اهتمام قدماء المصريين الأساسي كان يتركز في الحصول على المواد الخام من السودان. وقويت لاحقاً شوكة الممالك السودانية، وغدت تمثل تهديدا محتملاً وممكناً لمصر. وقادت خشية المصريين على حدودهم الجنوبية إلى غزو واحتلال أجزاء من شمال السودان.
10/ سأل ميرزا حمزة عما إذا كان هناك تعريف دقيق للمنطقة المعروفة بـ "كوش Kush"؛ إذ أن بعض الكُتَّاب فيما يبدو يَعِدُونَ إثيوبيا، بل بعض مناطق الهند، ضمن حدود كوش.
أجاب بروفيسور فيكوتير بأنه حتى وقت الدولة الوسيطة، كان اسم "كوش" يُطْلَقُ فقط على المنطقة الواقعة بين صاي وسمنا Semna. ومنذ عصر الدولة الحديثة، تم استخدام كلمة "كوش" للإشارة إلى المنطقة الممتدة حتى كورجس Kurgus، ولكن ليس إلى الجنوب. وفي وقت لاحق، استخدم الكُتَّاب الساميون اسم "كوش" للإشارة إلى المملكة المروية بأكملها. وقال عالم الآثار البريطاني لورنس كيروان Kirwanبأنه يعتقد أن اسم "كوش" لم يُستخدم بدقة إلا في الفترة الأولى.
11/ ذكر د. هادي النقر بأنه شاهد منذ فترة قريبة في متحف بدمشق أدوات جراحية مميزة كان يستخدمها من قبل المصريون القدماء. هل لدى المحاضر أي معلومات عن الأدوات الجراحية التي اُسْتُخْدِمَتْ في السودان في تلك العصور القديمة؟
أجاب بروفيسور فيكوتير بأنه لا يملك أي معلومات حول هذا الأمر، إذ لم يُعْثَرُ بعد في السودان على أي قبر لجراح.
12/ سأل بروفيسور بتلر Butler إن كان هناك أي دليل موثوق من اللوحات المصرية عن المظهر الجسماني في تلك العصور السحيقة القدم.
أجاب المحاضر بأنه قد وُجدت بالفعل لوحات في مقبرة بالقرب من وادي حلفا، يبدو أنها من سنوات المملكة القديمة الباكرة، عندما كانت بالسودان أعراق ثلاثة لونهم، بالتتابع، أسود، وأحمر – برونزي، وأصفر تقريباً.
alibadreldin@hotmail.com
//////////////////////////
Ancient Egyptian Influence in The Sudan (2/2)
J. Vercoutter جان فيكوتير
ترجمة: بدر الدين حامد الهاشمي
تقديم: هذا هو الجزء الثاني والأخير من ترجمة مختصرة لبعض ما ورد في مقال بقلم جان فيكوتير عالم المصريات الفرنسي (1911 – 2000م) عن التأثير المصري القديم على السودان. والرجل من رواد البحث الأثري في السودان منذ عام 1953م، وكان قد عمل بصورة دائمة بين عامي 1960 و1964م على دراسة كور وعكاشة، حينما كانا مهددين بقيام السد العالي في أسوان. وشغل منصب مدير المعهد الفرنسي للآثار الشرقية بين عامي1977 و1981م. وقام فيكوتير بالتنقيب في هياكل عديدة مثل معبد رمسيس الثاني، والمقبرة المروية، وفي جزيرة "صاي"، بالإضافة إلى تنقيبه في مقابر صغيرة أخرى. ولفيكوتير العديد من الكتب والمقالات المحكمة في مجال تخصصه.
نُشِرَ هذه المقال في المجلد الأربعين من "مجلة السودان في رسائل ومدونات SNR"، الصادرة عام 1959م، صفحات 8 – 18. وهذا المقال هو نص محاضرة ألقاها العالم الفرنسي في ندوة عامة بالخرطوم ترأسها ب. التجاني الماحي، وأورد المقال أيضاً الأسئلة التي طرحها الحضور من السودانيين والأجانب على العالم الفرنسي بعد نهاية المحاضرة، وكان منهم د. الهادي النقر وطه بعشر ومصطفى محمد خوجلي ودوليب محمد المهدي ومحمد أحمد علي ونصر الحاج علي وآخرين. وأختتم الندوة ب. التجاني الماحي بشكر المحاضر، وذكر أن ورقته المتقنة والمهمة هي مِثَال رائع يجسد مقولة السير ونستن شيرشل: “The longer you can look backward, the further you can look forward” "كلما نظرت إلى الوراء لفترة أطول، تمكنت من النظر أكثر إلى الأمام".
المترجم
************ ********* ***********
1/ بينما كانت المجموعة ج (the C- Group) ترسخ أقدامها في المملكة الوسيطة، حدثت تغير مهم في السياسة المصرية، إذ لم تعد ممفيس (القريبة من القاهرة الحديثة) هي مركز السلطة بالبلاد، بل انتقلت السلطة إلى طيبة Thebes (التي هي الأقصر اليوم). ولعل في ذلك الانتقال ما يدل على مدى الاهتمام الشديد الذي كانت توليه السلطة الجديدة للجنوب، مقارنة بالسلطة السابقة (الأسرة السادسة). صحيح أنه بعد فترة من الزمن عاد فراعنة الأسرة الثانية عشرة إلى وسط مصر، غير أنهم كانوا جميعا في الأصل من جنوب مصر، وكانوا جميعا يمارسون ذات السياسة التي اختطها أسلافهم (فراعنة الأسرة الحادية عشرة)، والتي كانت تعمل على التوسع جنوباً.
*********** *********** ***********
2/ ومع صعود المملكة الوسيطة، تغيرت السياسة المصرية تجاه السودان تغيراً كبيرا، إذ لم يعد الفرعون يَقْنَعْ بإرسال القوافل التجارية (وبعث بعض الحملات الحربية بين كل فترة وأخرى)، بل سعى للانتصار العسكري على الجنوب، وشرع في زرع بذور سياسة مستقبلية لمملكة جديدة. وربما كانت دوافع تلك السياسة هي أولاً: وضع الوافدين الجدد (شعب المجموعة ج، the C- Group people) قرب حدود مصر، وثانياً: البحث عن مناجم الذهب. ويعتقد الكثيرون أن شعب المجموعة ج شعب محب للسلم، غير أن المرء لا يملك إلا أن يعجب بقوة ومتانة الحصون التي كانوا يقيمون فيها. ويقوم الآن (أي في نهاية خمسينيات القرن العشرين. المترجم) البروفسير والتر اميري Emery Walter (1903 – 1971م) بالتنقيب في تلك الحصون ببوهين. ومن المؤكد أن المصريين لم يكونوا ليجهدوا أنفسهم كثيرا في بناء تلك الحصون القوية لو لم يشعروا بعدم الأمان وهم بين سكان البلاد. ولعل الرغبة في تأمين الحدود الجنوبية كان هو الدافع الرئيس لتلك السياسة المصرية الجديدة. أما الدافع الثاني لاحتلال السودان فهو دافع "جديد" أيضاً. ففي غضون سنوات المملكة القديمة كان المصريون يجلبون الأخشاب والعاج وريش النعام والبخور وجلود النمور من جنوب بلادهم، غير أنهم صاروا الآن يبحثون عن الذهب، والسودان سوف يغدو، ولعقود قادمة، واحداً من المصادر المهمة للذهب (في الأصل one of the Eldorados of the Ancient World، في إشارة لأسطورة قديمة https://shorturl.at/DDrdO. المترجم).
******* ********** *********
3/ منذ متى بدأ البحث عن الذهب؟ لا تذكر قوائم منتجات الجنوب في المملكة القديمة شيئاً عن ذلك – ولكن يُعْتَقَدُ بأن قادة القوافل من الأسرة السادسة كانوا قد حصلوا على معلومات عن الذهب إبان إقامتهم في الجنوب، أو أنهم شاهدوا غبار الذهب في حوزة السودانيين. من المحتمل أيضاً، أن يكون بعض المصريين قد شاهدوا خلال الحملات العسكرية للأسرة الحادية عشرة، نفس الظاهرة التي شاهدها (المهندس والمستكشف الفرنسي) لينان دو بلفون Linant Bellefonds في عام 1820م عندما رأى، أثناء فيضان وادي العلاقي، غبار الذهب في الطمي الذي جرفته المياه. وهذا من شأنه أن يفسر سبب بدء التنقيب في كل المناطق الجبلية بالقرب من الشلالين الأول والثاني.
4/ بدأ الغزو المصري على يد ملوك الأسرة الحادية عشرة منذ عام 2060 ق.م. وواصل فيه بنجاح فراعنة الأسرة الثانية عشرة. ومن المرجح أن سيزوستريس الأول، ثاني ملوك الأسرة، وصل إلى منطقة الشلال الثالث، وبحلول عهد سيزوستريس الثالث في حوالي عام 1800 ق.م بُنِيَتْ ما لا يقل عن 14 قلعة بين سمنا Semna (عند رأس الشلال الثاني) والفنتين Elephantine، وتمركز المستوطنون المصريون من منطقة طيبة في مدن صغيرة محصنة على أطراف تلك القلاع. ومن الملاحظ أن كل القلاع المصرية التي شِيدَتْ في السودان – باستثناء تلك التي أُقِيمَتْ في كوبان Kuban وسيرا Serrah– كانت قد بُنِيَتْ على الشاطئ الغربي للنيل، أو على جزر صغيرة. وكانت قلعتا كوبان وسيرا، تقومان بحماية الطريق إلى وادي العلاقي المتجه إلى مناجم الذهب. ولعل في هذا ما يشير إلى عدم شعور المصريين بالأمان في الضفة الشرقية للنيل بتلك المنطقة بسبب وجود القبائل السودانية المترحلة القادمة من صحراء السودان الشرقية.
وعند نهاية حكم الأسرة الثانية عشرة غدا كل الشاطئ الغربي للنيل (بين أسوان وسمنا) تابعاً لمصر. وأقام سيزوستريس الثالث حواجز على الحدود، وأمر قادة قلاعه بمنع دخول أي شخص من عبور الحدود، إلا لأغراض تجارية. وبعد ترسيخ تلك الحدود في سمنا، لم يقف المصريون عند ذلك الحد، بل تابعوا مسيرهم جنوباً بقوافل تجارية، حتى بلغوا دنقلا، وشرعوا في التجارة مع حكامها. وكانت عاصمتها في ذلك العهد في كرمة (ليس بعيدا عن دنقلا الجديدة). وأدخل المصريون في تلك المنطقة طرقهم في البناء، وشيدوا بالطوب اللَّبِن – إنابة عن الملك السوداني – معبداً (chapel) ضخماً، يعرف الآن بالدفوفة الشرقية. وانتهزوا فرصة وجودهم في المنطقة فبنوا لأنفسهم قلعة لتحمي مركزهم التجاري. وذهب بعض علماء التاريخ والآثار إلى أن حاكماً مصريا اسمه هيبيدجيفا Hepidjefa كان قد حل محل ملك تلك المنطقة، وحكمها باسم فرعون مصر، ومات بكرمة ودُفِنَ فيها بحسب العادات المحلية. وعُثِرَ على تماثيل له ولزوجه في إحدى مقابر كرمة. غير أن علماء آخرين يعتقدون بأن تماثيل هيبيدجيفا التي وُجدت في كرمة كانت إما قد أعطاها هيبيدجيفا بنفسه للملك السوداني، أو أن الملك السوداني كان قد حملها من مصر عند عودته لكرمة. وأنا أميل لتصديق الاحتمال الأخير لسبب بسيط، وهو أن مكان قبر هيبيدجيفا معروف... في مصر!
******** ********* **********
5/ يتضح من المواد التي عُثِرَ عليها أثناء عمليات التنقيب في آثار كرمة إبان عهد المملكة الوسيطة أن المستوطنة المصرية في تلك المنطقة لم تكن سوى مركز تجاري. ومن هنا يمكننا تقدير حجم ومدى التأثير المصري على المملكة السودانية. فقد وُجدت بكرمة العديد من المواد المصرية الممتازة الصنع مثل التماثيل والمجوهرات والخرز والمصنوعات الفخارية والخزفية وتلك المصنوعة من المرمر. مع العلم أن المواد السودانية التي وُجدت بالقرب من تلك المواد المصرية لم تكن بنفس مستوى الجودة. وتطورت الثقافة (المزدوجة) في كرمة، التي كانت سودانية في الأساس، ومصرية ظاهرياً. وكانت "حضارة كرمة" قد نجت وبقيت بعد سقوط الدولة الوسيطة في مصر وما تبع ذلك من استسلام للحصون الواقعة جنوب أسوان.
******** ******* ******
6/ اُكْتُشِفَتْ مؤخراً (في منتصف خمسينيات القرن العشرين. المترجم) معلومات مهمة عن تاريخ السودان في غضون السنوات المظلمة التي أعقبت فترة المملكة الوسيطة، كان أهمها اكتشاف لوحة / نص كاموس Kamose text في الكرنك، الذي كانت يحكي عن الحملة العسكرية الناجحة التي شنها الفرعون كاموس في حوالي عام 1600 ق.م. ضد أعدائه ملوك الهكسوس الذين كانوا يحتلون الجزء السفلي من مصر. وورد في تلك اللوحة أن دورية مصرية اعترضت في الصحراء رسالة من ملك الهكسوس بعث بها إلى ملك كوش. ويبدو من نص الرسالة (المكتوبة باللغة المصرية) أن ملك الهكسوس كان يحاول ترتيب هجوم مشترك على مصر من الجنوب عن طريق قوات كوش، ومن الشمال عن طريق جيشه الخاص. وأغرى ملك الهكسوس ملك كوش بقوله بشكل غامض "ثم سنقسم مدن مصر بيننا". ولا نعلم إن كان ملك الهكسوس قد أرسل رسالة أخرى لملك كوش بعد اعتراض رسالته الأولى. غير أنه يبدو بشكل واضح من نص الرسالة أن المملكة السودانية كانت قوية بما يكفي لتؤدي دوراً مهماً في سياسة القرن السابع عشر ق.م. وهذا ما يفسر أنه بعد انسحاب الجيش المصري من النوبة (في حوالي عام 1780 ق.م.)، تولت قوة سودانية موحدة زمام الأمور من المصريين. غير أن تلك القوة السودانية لم تكن تعادي مصر بصورة منهجية. فقد واصلت في إرسال مرتزقة إلى ملوك طيبة، وعينت بعض المصريين في خدمتها، كان منهم ضابط مصري اسمه هاناخيف Hanankhef ذكر في شاهده/ لوحته الجنائزية funerary stela أنه كان قد عمل في خدمة ملك كوش لستة أعوام، وبعد أن تقاعد عن العمل عاد إلى مصر وهو يحمل مكافأة تقدر بنحو خمسة أرطال من الذهب. وهذا يعني أن "الحكومة السودانية" في تلك السنوات كانت تعين في خدمتها "خبراء أجانب" بعقود قصيرة الأجل، وتمنحهم مكافأة عند نهاية خدمتهم. ولم يكن هاناخيف هو المصري الوحيد الذي عينه ملك كوش في خدمته، ويمكن الافتراض بأنه هناك مصريين كثر عملوا في مملكة كوش. وبذا يمكن اعتبار وجود موظفين مصريين في مملكة كوش هو أحد عوامل التأثير المصري في السودان قديماً.
لقد قادت إنجازات المملكة السودانية في القرن السابع عشر ق.م. على المدى الطويل، إلى الغزو المصري في القرن السادس عشر ق.م. غير أن بذور الاستقلال لم تضع سدى. وليس لدي شخصياً أدنى شك في أن ملوك نبتة السودانيين، الذين وصلوا إلى السلطة في منطقة دنقلا بعد تسعة قرون، كانوا من أحفاد حكام كرمة.
*********** ******** ***********
بعد انتهاء المحاضرة تقدم بعض الحاضرين بأسئلة للعالم الفرنسي، فيما يلي تلخيص لبعضها:
1/ سأل نصر الحاج علي عن السبب في عدم تسمية شعوب النوبة القديمة، والاكتفاء بوصفهم فقط بالمجموعة (أ) أو (ب) أو (ج)، وسأل القاضي م. النور عن سبب تجسيد نظام التسميات لهذه الفجوة الكبيرة جداً بين المجموعة ج C والمجموعة اكس X.
أجاب المحاضر بأن تلك التسميات الحرفية تشير إلى جهلنا بالهوية الحقيقية لهؤلاء الناس، فيما عدا المجموعة اكس X. أما الفجوة الكبيرة جداً بين المجموعة ج C والمجموعة اكس X فقد قُصد منها إبراز الزمن الطويل الذي مر بين فترتي ظهور المجموعتين.
2/ قال د. فوزي جاد الله بأنه يؤمن بأن ما جاء بالنقوش المصرية القديمة من أن أعداد هائلة من (المجموعة أ) قد قُتِلَتْ أو أُسِرَّتْ، هي مزاعم مبالغ فيها؛ إذ لا يمكن تصديق أن غارات (محدودة) يمكن أن تسبب في مقتل أو إصابة تلك الأعداد الكبيرة التي ذُكِرَتْ.
أجاب بروفيسور فيكوتير بأن شكوك د/ جاد الله مبررة. غير أن تلك النقوش هي مصدرنا الوحيد، وما من سبيل لتقويم صحة أو دقة ما ورد فيها.
3/ سأل مصطفي محمد خوجلي عما إذا كانت الديانة المصرية القديمة قد أثرت على النوبة بأي صورة من الصور.
أجاب المحاضر بأن هناك دليل على احتمال تبادل الأفكار الدينية في منطقة كرمة. وفي أحد مقابر كرمة تم العثور على قارب جنائزي (funerary boat). ولذا الممكن أن تكون الديانة المصرية قد أُدْخِلَتْ في كرمة؛ لكن مجرد وجود ذلك القارب لم يكن بالطبع دليلاً على ذلك.
4/ سأل ناصف اسحق عن أنواع الفخار الذي عُثِرَ عليه في منطقة كرمة
أجاب بروفيسور فيكوتير بأن الفخار الذي عُثِرَ عليه بكرمة كان من نوعين: الأول باللونين الأسود والأحمر، والثاني ملون بعدد من الألوان. والنوعان كانا يمتازان بالرقة والصلابة.
5/ سأل مصطفي محمد خوجلي إن كانت هناك أي معلومات عن تأثير مصر القديمة على النوبة القديمة في مجالات المعمار والدين.
أجاب المحاضر بأن معرفتنا بتاريخ النوبة القديمة لا تزال محدودة. ويوجد الآن (أي في عام 1959م. المترجم) أكثر من 400 موقع معماري مهم في شمال السودان؛ لم يستكشف جزئياً منها إلى الآن سوى 26 موقعاً. ولم يستكشف أي موقع معماري في أرض النوبة بصورة كاملة.
6/ سأل محمد أحمد علي عن صحة الروايات المحلية عن وجود نفق بين بوهين والاهرامات القريبة منها. أجاب بروفيسور فيكوتير بأنه لا يوجد ما يؤكد صحة تلك الروايات.
7/ سأل د. طه بعشر عن الأهمية التاريخية للموقع الذي تم التنقيب فيه بأم درمان. وسأل عن شكل وحالة الجثث التي وجدت به، ووضعها الجسماني (attitude). وهل اُسْتُنْتِجَتْ منها أي معلومة تتعلق بالأفكار الدينية أو الثقافية في ذلك العهد؟
أجاب المحاضر بأن د. آركل هو من قام بتلك الحفريات، ولم يعثر على أي أجساد مدفونة في المنطقة التي نقب فيها، لكنه وجد فيها فقط بعض المشغولات / الأدوات الحرفية artifacts. وكانت الأدوات الفخارية التي عثر عليها آركل تشابه تلك التي تُسْتَخْدَمُ في مصر قبل عهد الأُسْرات (predynastic Egypt). وخلص إلى أن سكان أم درمان في ذلك الزمان كانت لهم نفس ثقافة سكان شمال السودان. غير أنه لا يمكن تأكيد ذلك الرأي إلا بالعثور على بقايا بشرية.
8/ ذكر دوليب محمد المهدي أن المحاضر قد أشار إلى التجارة في سلع مثل الأصماغ والبخور. وهذه المواد لا تُنْتَجُ حالياً في بلاد النوبة. هل كان المناخ/ الطقس في تلك الأزمان أكثر ملائمةً لإنتاج تلك المواد، أم أنها كانت تُسْتَوْرَدُ من أماكن أخرى؟
رد المحاضر بأن تلك المواد ربما كانت تُنْتَجُ في دنقلا أو مناطق قريبة منها، أو أنها جُلِبَتْ من مناطق أخرى إلى الجنوب أو الشرق، وهذا هو الاحتمال الأرجح.
9/ أشار مصطفي محمد خوجلي إلى أن المحاضر قد أبان بصورة واضحة بأن العوامل الرئيسية في تأثير مصر القديمة على السودان كانت هي: التجارة والاحتلال والهجرة. وسأل المحاضر عن أي تلك العوامل أكبر أهمية في نظره.
أجاب المحاضر بأن اهتمام قدماء المصريين الأساسي كان يتركز في الحصول على المواد الخام من السودان. وقويت لاحقاً شوكة الممالك السودانية، وغدت تمثل تهديدا محتملاً وممكناً لمصر. وقادت خشية المصريين على حدودهم الجنوبية إلى غزو واحتلال أجزاء من شمال السودان.
10/ سأل ميرزا حمزة عما إذا كان هناك تعريف دقيق للمنطقة المعروفة بـ "كوش Kush"؛ إذ أن بعض الكُتَّاب فيما يبدو يَعِدُونَ إثيوبيا، بل بعض مناطق الهند، ضمن حدود كوش.
أجاب بروفيسور فيكوتير بأنه حتى وقت الدولة الوسيطة، كان اسم "كوش" يُطْلَقُ فقط على المنطقة الواقعة بين صاي وسمنا Semna. ومنذ عصر الدولة الحديثة، تم استخدام كلمة "كوش" للإشارة إلى المنطقة الممتدة حتى كورجس Kurgus، ولكن ليس إلى الجنوب. وفي وقت لاحق، استخدم الكُتَّاب الساميون اسم "كوش" للإشارة إلى المملكة المروية بأكملها. وقال عالم الآثار البريطاني لورنس كيروان Kirwanبأنه يعتقد أن اسم "كوش" لم يُستخدم بدقة إلا في الفترة الأولى.
11/ ذكر د. هادي النقر بأنه شاهد منذ فترة قريبة في متحف بدمشق أدوات جراحية مميزة كان يستخدمها من قبل المصريون القدماء. هل لدى المحاضر أي معلومات عن الأدوات الجراحية التي اُسْتُخْدِمَتْ في السودان في تلك العصور القديمة؟
أجاب بروفيسور فيكوتير بأنه لا يملك أي معلومات حول هذا الأمر، إذ لم يُعْثَرُ بعد في السودان على أي قبر لجراح.
12/ سأل بروفيسور بتلر Butler إن كان هناك أي دليل موثوق من اللوحات المصرية عن المظهر الجسماني في تلك العصور السحيقة القدم.
أجاب المحاضر بأنه قد وُجدت بالفعل لوحات في مقبرة بالقرب من وادي حلفا، يبدو أنها من سنوات المملكة القديمة الباكرة، عندما كانت بالسودان أعراق ثلاثة لونهم، بالتتابع، أسود، وأحمر – برونزي، وأصفر تقريباً.
alibadreldin@hotmail.com
//////////////////////////