التجاني السيسا .. آمال وتحديات
5 March, 2010
أقاصي الدنيا
3-3
قدمنا في الزاويتين الماضيتين جزءاً من مواقف عامة طبعت سيرة السيسا السياسية وتعرضنا لعبدالواحد محمد نور وأشرنا إلى مساعيه الجادة لإبقاء أزمة دارفور لمدى زمني مفتوح امتثالا لاستراتيجيات مراكز غربية خفية لها مصلحة في ديمومة الأزمة ، وتعرضنا لطبيعة المصلحة المشتركة بينهما غير أننا نبهنا إلى أن لهذه المصلحة ضحايا ومن هنا يدخل السيسا لإنقاذ ما تبقى من بريق أرواح تزهق كل يوم بعضا من خصائصها.
السيسا ليس هو ذلك المثقف القومي وليس ذلك الموظف الأممي المتقولم ، إنه أيضا ابن قبيلته المهددة بتصفية الوجدان وبوقف التخصيب الجمالي المنسوب لها وبمحو معالمها وثوابتها وطبيعتها وإرثها وتراثها ، وكل ما يتصل باستقرارها وبإسهاماتها الزراعية المنتجة وبثقافاتها الراسخة في تقاليد الحكم والأمثال الشعبية والكنف القبلي الذي يبدأ به الإنسان عادة في الانطلاق نحو القومية على أساسه وخلفيته ، هو أيضا العصب اللاحم لهذا النسيج الفريد ، ومن هنا يدخل لهذه القضية المعقدة في ظروف تتيح معطياتها إمكانيات للتواصل لحل لكن التحديات التي ستواجهه أكبر من نبل مقصده بكثير ، فأول تلك الصعوبات ستبرز من أبناء الفور الذين حملوا السلاح وسيكون تبريرهم أن السيسا لم يحمل السلاح معهم ، وهو ليس جزءا من هذه المعضلة ليكون جزءا في حلها ، فعبدالواحد يعي أن دور التجاني الممهد لإنهاء الأزمة سيكون خصما على دوره الرامي لإبقاء الأزمة وبذلك سيصوب مل أسلحته في مرمى التجاني وربما استعان ببعض مراكز اللوبي الحريص على استدامة أزمة دارفور وسيواجه التجاني أيضا حربا من أمراء الحرب ومن المستفيدين الحقيقيين من الأزمة وتداعياتها وتشابكاتها وتعقيداتها.
هذا على صعيد ، وعلى منحى آخر بدأ الدكتور خليل إبراهيم بالفعل هذه التصويبات برفضه المطلق لإشراك أي حركة أخرى غير العدل والمساواة في العملية التفاوضية الجارية الآن في الدوحة معللا ذلك بأن الحركات الموجودة هنا لا رصيد لها من الرصاص والبنادق والقتلى وأن العدل والمساواة وحدها هي المالك الحصري للمدافع والكلاشنكوفات والراجمات والبأس والعنف والشدة ورباط الخيل وبحكم امتلاكها لكل أدوات الفناء فهي الجديرة بالبقاء وعقد الحل محرضا الوساطة بطرد كل من تسول له نفسه برغبة السلام دون بندقية !
بهذا الموقف تدفع حركة العدل والمساواة بحجر إضافي ثالث على طريق التجاني ومن يقف وراءه ومن سيتقدم نحوه وكيف سيضحي بوظيفة أممية مرموقة تدر عليه ما يفيض على سد الرمق ويمتد للرفاهية وبسط اليد للآخرين ، كيف يضحي بتلك الوظيفة ليخوض غمار رهان غير مضمون العواقب ؟
الواضح جليا أن معظم النازحين يرغبون في العودة لقراهم ولكي يتحقق ذلك لابد من رمز مؤيد ليقوم بهذه المهمة التفاوضية مع الحكومة ، والثابت أن قطاعا دارفوريا مرموقا ومهما وذا تأثير على تفاصيل النسيج الدارفوري بدأ يبحث في أفق الممكن عن بديل للقيادات العنيدة ، فرشح اسم التجاني السيسا بإلحاح كشخص تتوافر فيه الحرية والذكورة وبلوغ المقاصد واستبان أيضا لبعض الفاعليات الدولية أنه الأكفأ والأرجح والأصوب كما اتضح لبعض دول الجوار ذات اليد الطولى أن التجاني خير من تسعى به قدم فانعقد العزم بلا تردد لتقديمه كوسيط ومفاوض في آن معا.