التراكم الكمي للاحداث يؤدي إلى تغير نوعي في الواقع والفكر

 


 

 

عبد المنعم عجب الفَيا

تعلمنا فلسفة التاريخ ان العلاقة بين الواقع والفكر علاقة ذات تأثير متبادل (ديالكتيكية) بمعنى ان كل منهما يؤثر في الآخر ويتاثر به . فكل تغير في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية يفرز معطيات جديدة تؤدي حتما الي تغير في الفكر وفي نظرة الناس للحياة وفي طريقة تعاملهم مع الواقع الجديد وتدفعهم للعمل على ابتكار الأساليب والحلول وإعادة ترتيب المواقف والاولويات بما يناسب ظروف المرحلة التاريخية الراهنة، وما تفرزه من معطيات وما تقتضيه من معادلات جديدة.
وكل ذلك يعود ليؤثر بدوره في دفع حركة الواقع مرة أخرى والتي سوف ينتج عنها هي الأخرى أفكار جديدة ورؤى جديدة، وهكذا دواليك تسير حركة التاريخ وتطور المجتمعات.
إن التاريخ لا يسير بحسب رغبات الناس أو على هدى من تصاميم مرسومة سلفا، وهذا لا ينفي الفعل الإنساني في التفكير والتخطيط، بل هو ضرورة لا مندوحة عنها. ذلك أن فاعلية الإنسان هي قطب الرحي في حركة التاريخ، ولكن كثيرا ما تأتي الخطط والبرامج التي يضعها الإنسان بعكس ما يشتهي أو على أقل تقدير لا تحقق النتايج المرجوة على الوجه المطلوب. فصيرورة التاريخ حافلة بالمفاجات والاحداث غير المتوقعة وبالمنعطفات الحادة وبالصعود والهبوط. وكل مرحلة تاريخية لها ظروفها وشروطها ومقتضياتها التي تستدعي الافكار والمواقف التي تناسبها.
والسياسي الحصيف هو الذي يقرأ حركة الواقع جيدا قبل أن يتخذ اي موقف حتى يكون الموقف الذي يتخذه ملايما للظرف التاريخي الذي يواجهه. وهو الذي يعيد حساباته وتحالفاته للتوافق مع ما يفرزه الواقع من معطيات ومعادلات جديدة، فان لم يفعل، فسوف يتجاوزه الواقع ويجد نفسه متخلفا عن الركب وعن حركة التاريخ التي تكتسح كل من لا يتواكب مع ما تطرحه من متغيرات.
إن من أسباب فشل التنظيمات والاحزاب والجماعات السياسية، هو تمسكها بموقف واحد وبرؤية واحدة على طول الخط، تطبقها في كل الظروف والأحوال بغض النظر عن تغيرات الواقع النوعية على الأرض، وعلى الرغم من حقيقة ان هذه الرؤى والمواقف لم تعد قادرة على الاستجابة لمتطلبات المرحلة التاريخية الماثلة واستيعاب المستجدات النوعية. فتحدث المفارقة بين الفكر والواقع، بين النظرية وتطورات الاحداث. ذلك ان النظريات والبرامج والشعارات السياسية متناهية، والوقايع والاحداث غير متناهية. والفيصل في النهاية هو الواقع، لا الأيديولوجيا والنظريات.
إن شجرة النظرية عجفا ضامرة، وشجرة الحياة دايمة الاخضرار. أو كما قال جوته.

عبد المنعم عجب الفيا
١٢ يناير ٢٠٢٥

abusara21@gmail.com

 

آراء