التسوية والشراكة مع اللجنة الأمنية للإنقاذ، تعني إحتواء الثورة بهدف تصفيتها (في الرد على صديق الزيلعي)
د. أحمد عثمان عمر
22 September, 2023
22 September, 2023
abusaeeda1966@gmail.com
التسوية والشراكة مع اللجنة الأمنية للإنقاذ، تعني إحتواء الثورة بهدف تصفيتها "لاتفاوض، لا شراكة، لا شرعية" .. بقلم: د. أحمد عثمان عمر
(في الرد على المقال الخامس للدكتور صديق الزيلعي)
في مقاله الخامس في الرد على أحد مقالاتي المنشورة، والذي عنونه "الحل السياسي هو أحد أدوات شعبنا لتحقيق أهدافه"، أورد صديقي د. صديق الزيلعي نقلاً عن مذكرة الحزب الشيوعي إلى قيادة التجمع الوطني الديمقراطي بتاريخ 11 نوفمبر 1999م ما يلي:" نؤكد قناعتنا بان الحل السياسي الشامل يدخل أيضا ضمن الخط الاستراتيجي للتجمع، لكن في موقعه الصحيح بالنسبة لأولويات تكتيكات العمل المعارض، بحيث يأتي هذا الحق متوجاً لخط هجومي متصاعد قوامه دعم توجهات الانتفاضة في الداخل وتصعيد العمل العسكري في الخارج . من جانبنا نعتمد الحل السياسي كخيار له، مثل خياري الانتفاضة والعمل المسلح، كل مقومات وأساليب العمل النضالي، ويمكن ان تشارك فيه أوسع القوى السياسية والشعبية وتخوض به معارك، وفق شروط معينة"، و نقل أيضاً " ومن هنا ينبثق مطلب تهيئة المناخ الملائم للحوار فهو مطلب مشروع لأن من حق شعبنا في الداخل (بجماهيره وقيادته على السواء) ان يشارك مشاركة حقيقية وكاملة في أي حوار يتعلق بمستقبله ومصيره وأن يتابع بعيون وآذان مفتوحة أي تفاوض من هذا النوع"، ليخلص إلى أن "هذا هو موقف الحزب الشيوعي المبدئي من الحل السياسي كأحد أساليب النضال المشروعة".
والواضح أن هذا النقل الذي أورده رداً على رفضي للإتفاق الإطاري تحديداً ، وللشراكة مع اللجنة الأمنية للإنقاذ دون غيرها، يحاول القول بأن قوى التغيير الجذري ترفض الحل السياسي بشكل مبدئي، وأنها تحرم شعبنا من أحد وسائل نضاله المشروعة، وأن هذا مخالف لما سبق أن فعله الحزب الشيوعي أيام التجمع الوطني الديمقراطي. وهذا القول غير صحيح بكل أسف لما يلي من أسباب:
1- المقال الذي تم الرد عليه لا يتحدث عن الحل السياسي في المطلق أو من حيث المبدأ ، بل يناقش الإتفاق الإطاري و العملية السياسية المرتبطة به، والتي لا يمكن أن تنتج غير شراكة دم تم تجريبها وفشلت مع اللجنة الأمنية للإنقاذ تحديداً. ويلاحظ أن د. صديق الزيلعي فضل إستخدام مصطلح "الحل السياسي" الذي يستخدمه فولكر، ولم يستخدم مصطلح "العملية السياسية" الذي تستخدمه (قحت)، ولا مصطلح "التسوية السياسية وشراكة الدم" الذي تستخدمه قوى التغيير الجذري، وهذا مكنه من النقل من موقف الحزب الشيوعي في ظروف مغايرة جداً، وأعفاه من الرد على تسوية سياسية واضحة وعيانية مرفوضة، وشراكة دم تمت تجربتها وفشلت، والإنتقال للحديث عن "الحل السياسي" بشكل مبدئي، في حين أنه حل يلجأ إليه "وفق شروط معينة"، كما تقول ورقة الحزب الشيوعي التي نقل عنها الدكتور أعلاه نفسها.
2- ينقل الدكتور موقف الحزب الشيوعي في العام 1999م ، ويحاول أن يسحبه على أوضاع ما بعد ثورة ديسمبر 2018م المجيدة، متناسياً الفروقات الضخمة بين الوضعين من حيث طبيعة العدو، وحالة الحركة الجماهيرية، والتجربة السياسية وخارطة صراعها ، وتوازن القوى في اللحظة التاريخية المحددة. فحين قدم الحزب الشيوعي ورقته تلك، كان الجناح السياسي للإنقاذ هو المسيطر على السلطة رغم وجود حالة إنقسام عرفت بالمفاصلة حينها، وكانت الحركة الجماهيرية في حالة إنحسار لا تقدم وصعود، وكان التجمع الوطني الديمقراطي "تحالف المعارضة" نفسه في حالة تراجع وضعف، وكان توازن الضعف سائداً بين السلطة والمعارضة. أما الظروف التي أعقبت ثورة ديسمبر المجيدة، فهي مختلفة جذرياً، حيث أن سلطة الأمر الواقع هي الجناح العسكري الأمني للإنقاذ "اللجنة الأمنية"، والحركة الجماهيرية في حالة ثورة ونهوض أعطتها اليد العليا والقدرة على فرض إرادتها، والسلطة الإنقلابية أضعف بسقوط جناحها المدني ومشروعها السياسي وإنحشارها في خانة الدفاع بمستوى ألزمها بالقيام بإنقلاب قصر للمحافظة على سلطتها، وتوازن القوى لمصلحة حركة الجماهير التي حققت إنتصارات كبيرة بنشاطها السلمي، فكيف يستقيم الطلب من جماهير الثورة أن تقدم تنازلات للعدو السياسي وتلتحق بتسوية سياسية معه من مواقع التبعية تحت دعاوى قبول مبدأ "الحل السياسي" دون النظر لشروطه التاريخية؟.
3- النقل عن الحزب الشيوعي وموقفه في لحظة تاريخية محددة ومحاولة تعميم هذا الموقف الذي يشكل قراءة للخارطة السياسية في حينها، يتجاهل طبيعة المرحلة الراهنة و أهدافها السياسية و يوقف عجلة التاريخ، ليكرر المواقف دون النظر للسياق التاريخي وخارطة صراعه المبنية على التناقض الرئيسي القائم على قانون الحركة. ولو فعل الحزب الشيوعي ذلك لتنكر لمنهجه المادي التاريخي الديالكتيكي، ولأصبح يعمل على أساس أن التاريخ ثابت وهو يعيد نفسه بصورة حرفية. وهذا النقل يتنكر لواجب الإجابة عن الأسئلة المباشرة التالية: أ- كيف يمكن تفكيك دولة الإنقاذ عبر الشراكة مع ذراعها الأمني العسكري الضارب ؟ ب- كيف يمكن الإنتقال من دولة التمكين عبر حل سياسي "تسوية وشراكة دم" مع اللجنة الأمنية للإنقاذ؟ ج- كيف يمكن إعادة العسكر للثكنات و حل الجنجويد عبر تسوية سياسية تعطيهم اليد العليا وتحتفظ بهم في خارطة السياسة كسلطة فعلية؟ د. كيف يمكن تحقيق العدالة ومنع الإفلات من العقاب ومحاسبة منفذي إنقلاب القصر و إنقلاب أكتوبر 2021م وقتل الشهداء بعد الإنقلاب ومجزرة القيادة العامة قبله، عبر تسوية وشراكة "حل سياسي" تستبقيهم كسلطة فعلية حاكمة؟ كيف يمكن أن يتحقق الإنتقال واللجنة الأمنية للإنقاذ رافضة الخضوع للحكومة الإنتقالية ومصرة على إخراج الجيش والجنجويد والقوات النظامية من سلطتها وجعلها سلطة تفتقر لأهم مظاهر السلطة وهي الإنفراد بإستخدام العنف بصورة شرعية؟.
4- النقل من عن مذكرة الحزب الشيوعي إلى قيادة التجمع الوطني الديمقراطي بتاريخ 11 نوفمبر 1999م، يتجاهل أن تجربة شراكة الدم إنتهت بإنقلاب أكتوبر 2021م وطرد الواجهة المدنية التجميلية للسلطة الفعلية (حكومة قحت) من السلطة، ولا يحدثنا عن ماهية المنجزات التي حققتها الحركة الجماهيرية والثورة من هذه الشراكة، وماذا حققت من شعار "حرية سلام وعدالة"، كما أنه لا يحدثنا عن ضمانات عدم إنقلاب اللجنة الأمنية للإنقاذ مجدداً على شركاء الإتفاق الإطاري. أي أنه يتجاهل التجربة العيانية الماثلة التي قادت إلى إحتواء الثورة وتحركت في إتجاه تصفيتها بصورة شاملة، ليحدثنا عن مبدأ "الحل السياسي" بشكل مجرد ومنفصل عن الواقع تماماً، وبعودة لماضٍ لايشبه مجرد الشبه ما نحن فيه. وفوق ذلك ينسى أن يحدثنا عن مآلات الحل السياسي مع التجمع وإتفاقية القاهرة الناتجة عنه وإلى أين أوصلت شعبنا، ولا عن مآلات إتفاقية نيفاشا التي أدت إلى فصل جنوب البلاد، ولا عن أي من الإتفاقات والتسويات التي تمت مع الإنقاذ ومآلاتها "السلام من الداخل، أبوجا و الدوحة ..... إلخ".
والواضح مما تقدم ، أن الدكتور صديق يريد أن يلزمنا بموقف الحزب الشيوعي التاريخي في العام 1999م من الحل السياسي أو التسوية التفاوضية، في تجاوز صريح لإختلاف الظروف والمعطيات وطبيعة الصراع العيانية الماثلة وتوازن قوى أطرافه، ووضع الحركة الجماهيرية من حيث الصعود و الإنحسار، وفي تجاهل لمعطى الثورة نفسه الذي يفرض أسئلة مباشرة لم تكن موجودة في لحظة المذكرة التي نقل عنها. ولسنا بالطبع في حاجة للقول بأن موقف الحزب الشيوعي التاريخي ذاك لا علاقة له بواقع الصراع السياسي بعد ثورة ديسمبر المجيدة، وهو لا يصلح لنقله حرفياً ودون تدبر لواقع اليوم، وهو ليس موقفاً معلقاً خارج التاريخ من الحل السياسي، الذي يظل معطى تاريخي لا مبدأ مجرداً خارج سياق الصراع الإجتماعي.ويجب حين يتم إستخدامه توضيح أسباب الإستخدام ، وتوفر شروط ذلك الإستخدام في اللحظة التاريخية المعينة، وميزات هذا الإستخدام ومآلاته، وأثره على مصالح شعبنا وحقوقه. وعلى الحزب الشيوعي وغيره من القوى السياسية في حال المناداة بالحل السياسي، توضيح أسس التسوية المطلوبة، و التنازلات التي يجب تقديمها للعدو، و الأهداف التي يمكن تحقيقها وما لا يمكن تحقيقه ويجب إسقاطه من برنامج حركة الجماهير، وإقناع الجماهير بذلك الإستخدام لا فرضه عليها.
وبالنظر إلى ما ورد أعلاه، نجد أن طرح "الحل السياسي" أو إن شئنا الدقة "التسوية التفاوضية وشراكة الدم" في ظروف ما بعد ثورة ديسمبر وتسوية وشراكة الإتفاق الإطاري، هي النقيض المباشر لشعارات الشارع الثائر و لاءاته الثلاثة "لاتفاوض، لا شراكة، لا شرعية"، وتهديم مباشر لها، بالرغم من إنسجامها مع أهداف الثورة وضرورات مرحلة الإنتقال، دون تقديم ردود واضحة على الأسئلة المثبتة أعلاه التي تطرحها الوقائع العيانية البادية لكل ذي عينين. لذلك أبقى مع رفض "التسوية التفاوضية وشراكة الدم (الحل السياسي)" مع اللجنة الأمنية للإنقاذ بطرفيها المتحاربين ، ومع طردهما معاً من خارطة العمل السياسي "العسكر للثكنات والجنجويد ينحل"، وبناء سلطة مدنية إنتقالية خالصة، تفتح الطريق أمام تحول ديمقراطي.
(نواصل الحوار)
التسوية والشراكة مع اللجنة الأمنية للإنقاذ، تعني إحتواء الثورة بهدف تصفيتها "لاتفاوض، لا شراكة، لا شرعية" .. بقلم: د. أحمد عثمان عمر
(في الرد على المقال الخامس للدكتور صديق الزيلعي)
في مقاله الخامس في الرد على أحد مقالاتي المنشورة، والذي عنونه "الحل السياسي هو أحد أدوات شعبنا لتحقيق أهدافه"، أورد صديقي د. صديق الزيلعي نقلاً عن مذكرة الحزب الشيوعي إلى قيادة التجمع الوطني الديمقراطي بتاريخ 11 نوفمبر 1999م ما يلي:" نؤكد قناعتنا بان الحل السياسي الشامل يدخل أيضا ضمن الخط الاستراتيجي للتجمع، لكن في موقعه الصحيح بالنسبة لأولويات تكتيكات العمل المعارض، بحيث يأتي هذا الحق متوجاً لخط هجومي متصاعد قوامه دعم توجهات الانتفاضة في الداخل وتصعيد العمل العسكري في الخارج . من جانبنا نعتمد الحل السياسي كخيار له، مثل خياري الانتفاضة والعمل المسلح، كل مقومات وأساليب العمل النضالي، ويمكن ان تشارك فيه أوسع القوى السياسية والشعبية وتخوض به معارك، وفق شروط معينة"، و نقل أيضاً " ومن هنا ينبثق مطلب تهيئة المناخ الملائم للحوار فهو مطلب مشروع لأن من حق شعبنا في الداخل (بجماهيره وقيادته على السواء) ان يشارك مشاركة حقيقية وكاملة في أي حوار يتعلق بمستقبله ومصيره وأن يتابع بعيون وآذان مفتوحة أي تفاوض من هذا النوع"، ليخلص إلى أن "هذا هو موقف الحزب الشيوعي المبدئي من الحل السياسي كأحد أساليب النضال المشروعة".
والواضح أن هذا النقل الذي أورده رداً على رفضي للإتفاق الإطاري تحديداً ، وللشراكة مع اللجنة الأمنية للإنقاذ دون غيرها، يحاول القول بأن قوى التغيير الجذري ترفض الحل السياسي بشكل مبدئي، وأنها تحرم شعبنا من أحد وسائل نضاله المشروعة، وأن هذا مخالف لما سبق أن فعله الحزب الشيوعي أيام التجمع الوطني الديمقراطي. وهذا القول غير صحيح بكل أسف لما يلي من أسباب:
1- المقال الذي تم الرد عليه لا يتحدث عن الحل السياسي في المطلق أو من حيث المبدأ ، بل يناقش الإتفاق الإطاري و العملية السياسية المرتبطة به، والتي لا يمكن أن تنتج غير شراكة دم تم تجريبها وفشلت مع اللجنة الأمنية للإنقاذ تحديداً. ويلاحظ أن د. صديق الزيلعي فضل إستخدام مصطلح "الحل السياسي" الذي يستخدمه فولكر، ولم يستخدم مصطلح "العملية السياسية" الذي تستخدمه (قحت)، ولا مصطلح "التسوية السياسية وشراكة الدم" الذي تستخدمه قوى التغيير الجذري، وهذا مكنه من النقل من موقف الحزب الشيوعي في ظروف مغايرة جداً، وأعفاه من الرد على تسوية سياسية واضحة وعيانية مرفوضة، وشراكة دم تمت تجربتها وفشلت، والإنتقال للحديث عن "الحل السياسي" بشكل مبدئي، في حين أنه حل يلجأ إليه "وفق شروط معينة"، كما تقول ورقة الحزب الشيوعي التي نقل عنها الدكتور أعلاه نفسها.
2- ينقل الدكتور موقف الحزب الشيوعي في العام 1999م ، ويحاول أن يسحبه على أوضاع ما بعد ثورة ديسمبر 2018م المجيدة، متناسياً الفروقات الضخمة بين الوضعين من حيث طبيعة العدو، وحالة الحركة الجماهيرية، والتجربة السياسية وخارطة صراعها ، وتوازن القوى في اللحظة التاريخية المحددة. فحين قدم الحزب الشيوعي ورقته تلك، كان الجناح السياسي للإنقاذ هو المسيطر على السلطة رغم وجود حالة إنقسام عرفت بالمفاصلة حينها، وكانت الحركة الجماهيرية في حالة إنحسار لا تقدم وصعود، وكان التجمع الوطني الديمقراطي "تحالف المعارضة" نفسه في حالة تراجع وضعف، وكان توازن الضعف سائداً بين السلطة والمعارضة. أما الظروف التي أعقبت ثورة ديسمبر المجيدة، فهي مختلفة جذرياً، حيث أن سلطة الأمر الواقع هي الجناح العسكري الأمني للإنقاذ "اللجنة الأمنية"، والحركة الجماهيرية في حالة ثورة ونهوض أعطتها اليد العليا والقدرة على فرض إرادتها، والسلطة الإنقلابية أضعف بسقوط جناحها المدني ومشروعها السياسي وإنحشارها في خانة الدفاع بمستوى ألزمها بالقيام بإنقلاب قصر للمحافظة على سلطتها، وتوازن القوى لمصلحة حركة الجماهير التي حققت إنتصارات كبيرة بنشاطها السلمي، فكيف يستقيم الطلب من جماهير الثورة أن تقدم تنازلات للعدو السياسي وتلتحق بتسوية سياسية معه من مواقع التبعية تحت دعاوى قبول مبدأ "الحل السياسي" دون النظر لشروطه التاريخية؟.
3- النقل عن الحزب الشيوعي وموقفه في لحظة تاريخية محددة ومحاولة تعميم هذا الموقف الذي يشكل قراءة للخارطة السياسية في حينها، يتجاهل طبيعة المرحلة الراهنة و أهدافها السياسية و يوقف عجلة التاريخ، ليكرر المواقف دون النظر للسياق التاريخي وخارطة صراعه المبنية على التناقض الرئيسي القائم على قانون الحركة. ولو فعل الحزب الشيوعي ذلك لتنكر لمنهجه المادي التاريخي الديالكتيكي، ولأصبح يعمل على أساس أن التاريخ ثابت وهو يعيد نفسه بصورة حرفية. وهذا النقل يتنكر لواجب الإجابة عن الأسئلة المباشرة التالية: أ- كيف يمكن تفكيك دولة الإنقاذ عبر الشراكة مع ذراعها الأمني العسكري الضارب ؟ ب- كيف يمكن الإنتقال من دولة التمكين عبر حل سياسي "تسوية وشراكة دم" مع اللجنة الأمنية للإنقاذ؟ ج- كيف يمكن إعادة العسكر للثكنات و حل الجنجويد عبر تسوية سياسية تعطيهم اليد العليا وتحتفظ بهم في خارطة السياسة كسلطة فعلية؟ د. كيف يمكن تحقيق العدالة ومنع الإفلات من العقاب ومحاسبة منفذي إنقلاب القصر و إنقلاب أكتوبر 2021م وقتل الشهداء بعد الإنقلاب ومجزرة القيادة العامة قبله، عبر تسوية وشراكة "حل سياسي" تستبقيهم كسلطة فعلية حاكمة؟ كيف يمكن أن يتحقق الإنتقال واللجنة الأمنية للإنقاذ رافضة الخضوع للحكومة الإنتقالية ومصرة على إخراج الجيش والجنجويد والقوات النظامية من سلطتها وجعلها سلطة تفتقر لأهم مظاهر السلطة وهي الإنفراد بإستخدام العنف بصورة شرعية؟.
4- النقل من عن مذكرة الحزب الشيوعي إلى قيادة التجمع الوطني الديمقراطي بتاريخ 11 نوفمبر 1999م، يتجاهل أن تجربة شراكة الدم إنتهت بإنقلاب أكتوبر 2021م وطرد الواجهة المدنية التجميلية للسلطة الفعلية (حكومة قحت) من السلطة، ولا يحدثنا عن ماهية المنجزات التي حققتها الحركة الجماهيرية والثورة من هذه الشراكة، وماذا حققت من شعار "حرية سلام وعدالة"، كما أنه لا يحدثنا عن ضمانات عدم إنقلاب اللجنة الأمنية للإنقاذ مجدداً على شركاء الإتفاق الإطاري. أي أنه يتجاهل التجربة العيانية الماثلة التي قادت إلى إحتواء الثورة وتحركت في إتجاه تصفيتها بصورة شاملة، ليحدثنا عن مبدأ "الحل السياسي" بشكل مجرد ومنفصل عن الواقع تماماً، وبعودة لماضٍ لايشبه مجرد الشبه ما نحن فيه. وفوق ذلك ينسى أن يحدثنا عن مآلات الحل السياسي مع التجمع وإتفاقية القاهرة الناتجة عنه وإلى أين أوصلت شعبنا، ولا عن مآلات إتفاقية نيفاشا التي أدت إلى فصل جنوب البلاد، ولا عن أي من الإتفاقات والتسويات التي تمت مع الإنقاذ ومآلاتها "السلام من الداخل، أبوجا و الدوحة ..... إلخ".
والواضح مما تقدم ، أن الدكتور صديق يريد أن يلزمنا بموقف الحزب الشيوعي التاريخي في العام 1999م من الحل السياسي أو التسوية التفاوضية، في تجاوز صريح لإختلاف الظروف والمعطيات وطبيعة الصراع العيانية الماثلة وتوازن قوى أطرافه، ووضع الحركة الجماهيرية من حيث الصعود و الإنحسار، وفي تجاهل لمعطى الثورة نفسه الذي يفرض أسئلة مباشرة لم تكن موجودة في لحظة المذكرة التي نقل عنها. ولسنا بالطبع في حاجة للقول بأن موقف الحزب الشيوعي التاريخي ذاك لا علاقة له بواقع الصراع السياسي بعد ثورة ديسمبر المجيدة، وهو لا يصلح لنقله حرفياً ودون تدبر لواقع اليوم، وهو ليس موقفاً معلقاً خارج التاريخ من الحل السياسي، الذي يظل معطى تاريخي لا مبدأ مجرداً خارج سياق الصراع الإجتماعي.ويجب حين يتم إستخدامه توضيح أسباب الإستخدام ، وتوفر شروط ذلك الإستخدام في اللحظة التاريخية المعينة، وميزات هذا الإستخدام ومآلاته، وأثره على مصالح شعبنا وحقوقه. وعلى الحزب الشيوعي وغيره من القوى السياسية في حال المناداة بالحل السياسي، توضيح أسس التسوية المطلوبة، و التنازلات التي يجب تقديمها للعدو، و الأهداف التي يمكن تحقيقها وما لا يمكن تحقيقه ويجب إسقاطه من برنامج حركة الجماهير، وإقناع الجماهير بذلك الإستخدام لا فرضه عليها.
وبالنظر إلى ما ورد أعلاه، نجد أن طرح "الحل السياسي" أو إن شئنا الدقة "التسوية التفاوضية وشراكة الدم" في ظروف ما بعد ثورة ديسمبر وتسوية وشراكة الإتفاق الإطاري، هي النقيض المباشر لشعارات الشارع الثائر و لاءاته الثلاثة "لاتفاوض، لا شراكة، لا شرعية"، وتهديم مباشر لها، بالرغم من إنسجامها مع أهداف الثورة وضرورات مرحلة الإنتقال، دون تقديم ردود واضحة على الأسئلة المثبتة أعلاه التي تطرحها الوقائع العيانية البادية لكل ذي عينين. لذلك أبقى مع رفض "التسوية التفاوضية وشراكة الدم (الحل السياسي)" مع اللجنة الأمنية للإنقاذ بطرفيها المتحاربين ، ومع طردهما معاً من خارطة العمل السياسي "العسكر للثكنات والجنجويد ينحل"، وبناء سلطة مدنية إنتقالية خالصة، تفتح الطريق أمام تحول ديمقراطي.
(نواصل الحوار)