التطور القانوني لقوات الدعم السريع والصعود المتسارع خلال عشرين عاماً

 


 

 

شكل العام 2003 تاريخاً حاسماً في حياة السيد محمد حمدان دقلو، الذي كان يمتهن تجارة الابل والأقمشة بين السودان وشمال أفريقيا. فقد توقفت أعمال التجارة التي كان يعمل بها مع مجموعة من أهله، بسبب اندلاع التمرد في دارفور، ومقتل بعض ذوي قرباه القريبة في محرقته. وسعى من خلال معارفه إلى الانضمام إلى قوات حرس الحدود التابعة لقوات الشعب المسلحة، وتعمل على تأمين الحدود السودانية مع كل من دولتي تشاد وليبيا. وقد تسنى له ذلك، إلا أنه لم يكن راضياً عن أداء قوات حرس الحدود وتكتيكاتها العسكرية وطريقتها في العمل العسكري.

مع زيادة نشاط حركات التمرد في العام 2006 في دارفور وتحقيقها انتصارات مهمة في الميدان العسكري، سعى محمد حمدان للقاء عمر البشير رئيس الجمهورية، ويحكي هو عن ذلك اللقاء في المقابلة الصحفية مع الصحفي الطاهر حسن التوم، أفاد فيه أنه أخبر واسطته لرئيس الجمهورية (الجماعة التحت ديل كلهم قدر ما حاولنا ما قدرنا نصل معاهم لنتيجة. صحي ما دايرين نقصم ظهرهم لكن أحسن نصل الرئيس) ثم يواصل مستطرداً (بعد وصلنا السيد الرئيس ووريناه الحاصل قال انتو دايرين شنو؟ قلت ليه سعادتك نحن دايرين تشاركونا في السلطة مشاركة حقيقية، وترقونا ضباط زي مارقيتو الجنوبيين التجيبوهم من الغابة ترصو ليهم رتب ديل، وتودوا لينا التنمية لي أهلنا السايرين يمين وشمال تاني ما دايرين أي حاجة. السيد الرئيس حلف وقال "والله أديكم ليهم اتنين وثلاثة") وكان هذا اللقاء هو البداية الحقيقية لتأسيس قوات الدعم السريع كوحدة قائمة بذاتها ضمن حرس الحدود. فتشكلت كتيبتان ضمت ثمانمائة شخص اجتهد السيد دقلو في جمعها مبتدراً بها تشكيل قوات الدعم السريع.

كان واضحاً أن السيد دقلو بعد الخبرة التي قضاها ضمن حرس الحدود، قد أراد أن يختط منهجاً جديداً يختلف عن الذي تسير عليه القوات المسلحة في مجابهة التمرد، وذلك بإنشاء قوات أكثر رشاقة وقدرة على المناورة بعيداً عن الطرق التقليدية التي تتبعها القوات المسلحة. ويذكر هو عن ذلك (أول ما جيت لقيت قائد الفرقة الجديد علي الشريف. قلت ليه يا علي الشريف قالوا أنت صعب، وعسكريتك صعبة. لو بتتعامل معاي بطريقتك دي ما بننجح. تخليني على كيفي وقول لي العدو هنا. لكن تاني ما عندك معاي شغلة).

في العام 2013 تم إلحاق القوة التي أنشاها محمد حمدان بجهاز الأمن، ومن ثم استقل عن القوات المسلحة. وكانت الطفرة الأكبر بإصدار قانون قوات الدعم السريع لسنة 2017. وبموجب هذا التشريع تمتعت قوات الدعم السريع بمستوى من الاستقلالية ضمن القوات المسلحة، وأصبحت تعمل تحت إمرة رئيس الجمهورية مباشرة. وذكر الفريق أحمد إمام التهامي، رئيس لجنة الأمن والدفاع بالمجلس الوطني في إطار تقديم مشروع قانون قوات الدعم السريع للمجلس الوطني: إن قوات الدعم السريع كان لها دور واضح في حفظ الأمن والاستقرار في كثير من مناطق العمليات ضد التمرد، وخاصة في ولايات دارفور وكردفان والنيل الأزرق. وأكد على ضرورة تنظيم وترتيب وضع هذه القوات وعلاقتها بالقوات المسلحة السودانية والقوات النظامية الأخرى، في ظل المتغيرات السياسية في البلاد، وما خرجت به مخرجات الحوار الوطني .

تضمنت المادة (5) من القانون بندين أساسيين ينظم احدهما علاقة قوات الدعم السريع بقوات الشعب المسلحة، ويتعلق البند الآخر بقواعد دمج قوات الدعم السريع.

1- بخصوص علاقة قوات الدعم السريع بقوات الشعب المسلحة، فقد نصت المادة المذكورة على أنه في حالة الطوارئ أو في حالة الحرب في مناطق العمليات الحربية تكون قوات الدعم السريع تحت إمرة القوات المسلحة. ووفقاً لهذا النص فإن الاستقلالية النسبية التي تمتعت بها لم تحجبها من الانتظام في سلك العمل العسكري الذي تديره القوات المسلحة والعمل وفق ما يصدر عنها من أوامر في حالة الطوارئ وحالة الحرب. أما في غير ذلك فإنها تظل متمتعة باستقلاليتها وتتبع مباشرة لرئيس الجمهورية. وتأكيداً لهذه الاستقلالية فقد نص القانون على إنشاء مجلس لقوات الدعم السريع برئاسة رئيس الجمهورية لا يتبع للقوات المسلحة. ولهذا المجلس صلاحيات وضع خطط وسياسات قوات الدعم السريع وإصدار اللوائح ذات العلاقة بعمل الدعم السريع وأي قرار يتعلق بها.

2- نص البند الثاني على صلاحيات رئيس الجمهورية في أن يدمج قوات الدعم السريع مع القوات المسلحة في أي وقت وفي هذه الحالة تخضع قوات الدعم السريع لقوات الشعب المسلحة.

أوضح القانون مهام عامة لقوات الدعم السريع لا تخرج في مجملها عن دعم ومعاونة القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى في تنفيذ مهامها، والتصدي في حالات الطوارئ والدفاع عن البلاد في مواجهة المهددات الخارجية والداخلية. ويبدو أن التشريع هدف إلى الإبقاء على قوات الدعم السريع كقوات داعمة دون منحها أدواراً قانونية محددة.

حدد القانون وضعية خاصة لقائد قوات الدعم السريع، شبيهة بوضعية القائد العام للقوات المسلحة، وجعله مسؤولاً مباشرة أمام رئيس الجمهورية عن أداء قوات الدعم السريع. كما فتح الباب أمام تراتبية عسكرية لضباط قوات الدعم السريع تبدأ من رتبة ملازم وانتهاء برتبة فريق. وجعل صلاحية ترقية ضباط قوات الدعم السريع بيد رئيس الجمهورية. وأجاز ندب ونقل ضباط القوات المسلحة إلى قوات الدعم السريع.

باندلاع ثورة ديسمبر انحازت قوات الدعم السريع للمجلس العسكري الذي تشكل عقب سقوط نظام الانقاذ، وأصبح السيد محمد حمدان دقلو قائد قوات الدعم السريع نائباً لرئيس المجلس. وقبيل التوصل لاتفاق مع قوى الحرية والتغيير صدر قانون مهم هو المرسوم رقم (32) لسنة 2019 بتعديل قانون الدعم السريع بتاريخ 11 يوليو 2019، وأحدث تغييرات جوهرية عليه، بأن أضاف لقوات الدعم السريع مهاماً جديدة تشمل مكافحة الإرهاب ومكافحة الاتجار بالشر بكافة صوره ومكافحة الهجرة غير المشروعة ومكافحة التهريب ومكافحة المخدرات ومكافحة تهريب وتجارة السلاح غير المشروعة والحد من انتشاره ، كما استبق المرسوم الاتفاق مع قوى الحرية والتغيير فحول تبعية قوات الدعم السريع من رئيس الجمهورية إلى القائد العام لقوات الشعب المسلحة.

استتبع هذا التعديل تعديل آخر في 30 يوليو 2019، أصدره الفريق البرهان بصفته رئيس المجلس العسكري الانتقالي، ويعد التعديل الأخطر فقد الغى المادة (5) من قانون قوات الدعم السريع لسنة 2017، ومن ثم أحدث أثرين هما:

أ- أكد على استقلالية قوات الدعم السريع بأن أنهى ائتمارها بأمر القوات المسلحة في حالة الطوارئ أو حالة الحرب في العمليات الحربية. ومن ثم فإنها تحصل على أوامرها مباشرة من القائد العام للقوات المسلحة، وليس أي وحدة عسكرية أخرى.

ب- ألغى النص الذي يتيح دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة. وهو الوضع الذي عقد من إمكانية دمج قوات السريع في القوات الشعب المسلحة، وكان الشرارة التي أشعلت فتيل الحرب بين كل من كل من القوتين.

بعد الاتفاق بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير، وصدور الوثيقة الدستورية، في أغسطس 2019 وجدت قوات الدعم السريع وضعاً دستورياً مميزاً بالاعتراف بها دستوراً وتضمينها كجهاز نظامي بصورة مستقلة ونظيرة للقوات المسلحة، فأوردت المادة (35) من الوثيقة الدستورية. (القوات المسلحة وقوات الدعم السريع مؤسسة وطنية عسكرية حامية لوحدة الوطن وسيادته تتبع للقائد العام للقوات المسلحة وخاضعة للسلطة السيادية). ووقع على الوثيقة الدستورية مفوضاً عن المجلس العسكري السيد محمد حمدان دقلو نائب رئيس المجلس. وعلى هذا الأساس فإن قوات الدعم السريع حصلت على وضع دستوري باعتبارها قوات مستقلة تتبع للقائد العام للقوات المسلحة وتأتمر بأمره وينظم أعمالها قانون خاص.

خلال العشرين عاماً منذ أن برزت نواة تشكيل قوات الدعم السريع عام 2003 صعد نجم قوات الدعم السريع بصورة متسارعة جداً واحتلت موقعاً مميزاً في مسرح السياسة والحرب. حتى أصبح قوة منافسة للقوات المسلحة بفضل الدعم الذي وجدته من رئاسة الجمهورية ومن المجلس العسكري الانتقالي برئاسة السيد عبد الفتاح البرهان، ومن القوى الثورية التي تسيدت الموقف بعد ثورة ديسمبر بالموافقة على ايجاد موضع دستوري لها .

أبوذر الغفاري بشير عبد الحبيب

abuzerbashir@gmail.com

 

آراء