التعليم في فترة الاستعمار البريطاني (7)
تاج السر عثمان بابو
1 February, 2023
1 February, 2023
1
بعد سقوط دولة المهدية ، جاءت فترة الاستعمار البريطاني (1889- 1956) ، التي كانت وظيفة الدولة فيها ، الاشراف على مصالح الشركات والبنوك البريطانية في السودان ، وتنظيم عمليات تصدير الفائض الاقتصادي للخارج واستنزاف موارد السودان الاقتصادية بعلاقات التبادل غير المتكافئ :السودان مصدرا للمواد الخام ، ومستوردا للسلع الراسمالية، وسد حاجات بريطانيا بزراعة القطن لمصانعها في لانكشير علي حساب المحاصيل الغذائية..
لتحقيق تلك الأهداف تصدت الدولة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وقامت مشاريع القطن في الجزيرة والنيلين الأبيض والأزرق والقاش وطوكر وجبال النوبا . الخ، والسكك الحديدية ،النقل النهري ، والميناء ومؤسسات العلاج، ومؤسسات التعليم المدني الحديث مثل المدارس الحكومية و كلية غردون.الخ ، وأصبحت هذه المشاريع تابعة لقطاع الدولة ، ولم يلعب القطاع الخاص ( محلى وأجنبي ) دورا حاسما أو قياديا في قيام المنشات الهامة ، وكانت التنمية التي تمت كانت مقتصرة على شمال السودان ، ولم يكن هناك تطور موازى لها في جنوب السودان ، حيث كانت الإدارة هناك تركز على الأمن والنظام ، إضافة لتجاهلها مسالة تسريع وثائر التطور فيه ، وهذا أدي ألي التطور غير المتوازن الذي نشأ فى البلاد فيما بعد،مما أدي للقنابل الموقوتة بانفجار حرب الجنوب وحركات المناطق الطرفية الأخرى بعد الاستقلال، وجاءت أهداف وسياسة الاستعمار في التعليم لتلبية تلك الحاجات.
2.
كانت أهداف الاستعمار البريطاني حسب تصور اللورد كرومر ( المندوب السامي اليريطاني في مصر) ايجاد نوع من التعليم يخرج موظقين وكتبة للمساعدة في إدارة الحكم ، وفي الوقت نفسه يلهى المتعلمين عن الثورة ، ويؤهلهم أو يكيّفهم للتوظف بالحكومة. ولم يهتم كرومر بالتعليم الصناعي والمهني لدوره السياسي وفي ذلك كتب " بأن كل نجار أو بناء تخرجونه يمثل فئة تنفصل من صفوف الحانقين الذين يصبحون وطنيين مهرجين" ، وكان كرومر يهدف من ذلك الي اضعاف الحركة الوطنية ، لذا كان يوجه دائما بأن يقتصر التعليم على نفر تحتاج اليهم الدولة في وظائفها ، وكانت آراء كتشتر وونجت وكرى مماثلة لأفكار كرومر. ( للمزيد من التفاصيل راجع ، تاج السر عثمان ، دراسات في التاريخ الاجتماعي لفترة الحكم البريطاني، بحث غير منشور)
عندما عُين جيمس كرى مديرا لمصلحة المعارف في عام 1900 وضع الأهداف التالية للتعليم وعمل على تحقيقها وهي:
- خلق طبقة من الصناع المهرة .
- نشر نوع من التعليم بين الناس بالقدر الذي يساعدهم على معرفة القواعد الأولية لجهاز الدولة ، وخاصة فيما يختص بعدالة وحيدة القضاء .
- تدريب طبقة من أبناء لتشغل الوظائف الحكومية الصغرى في جهاز الإدارة.
( للمزيد من التفاصيل ، راجع محمد عمر بشير، تطور التعليم في السودان ، 1898- 1956 ،مرجع سابق).
كان من أهداف التعليم تدريب سودانيين ليحلوا محل المصريين في الجيش ، ويخلفوا المصريين والسوريين في وظائف الإدارة الصغرى ، فقد كان معظم ضباط الجيش في السودان أما بريطانيين أو سوريين. كما عمل كرى على اصلاح الخلاوى بايجاد مدارس كتاتيب نموذجية ودفع اعانات مالية لعدد قليل من الخلاوى ، وتشجيع الفقراء أو شيوخ الخلاوى على ادخال المواد العلمية كالحساب في الخلاوى المعانة. وبذلك اصبح التمازج بين التعليمين المدني والديني سواء أكان ذلك في الكنائس أم الخلاوى المعانة أساس التعليم في السودان ( محمد عمر بشير ، المرجع السابق).
لتحقيق أهداف سياسة المستعمر أُنشئت أول مدرستين ابتدائتين أحدهما في أم درمان 1900 ، والأخرى في الخرطوم 1901 ، كما انشئت كلية تدريب المعلمين والقضاء بام درمان في 1900 ، فضلا عن تأسيس مدرسة الصناعة في ام درمان 1901.
وعلى هذا كان الهيكل التعليمي في 1901 مكونا من تلك المدارس الآربع، فضلا عن مدرستين ابتدائيتين احداهما في سواكن والأخرى بحلفا ( تاج السر عثمان ، دراسات في التاريخ الاجتماعي لفترة الحكم الاستعماري ، 1898- 1956، بحث غير منشور.)
وكانت مدة الدراسة الابتدائية اربع سنوات ، ومقررات التعليم مماثلة لمقررات المدارس المصرية.
كما أنشئت مدرسة القضاء لتخريج القضاة الشرعيين والحقت في البداية بمدرسة أمدرمان الايتدائية ، وكانت مدة الدراسة فيها خمس سنوات ، والعلوم التي دُرست بها هي الشريعة واللغة العربية والحساب.
وكانت العلوم التي تُدرس بمدرسة الصناعة بأم درمان هي العلوم النظرية التطبيقية و البناء وأعمال الخزف والحدادة والبرادة وجنى القطن ، وكانت فترة الدراسة ثلاث سنوات.
كما عاد التعليم التبشيري في فترة الحكم البريطاني من جديد بعد أن اوقفته المهدية، وكان من أهداف كل من الحكومة والارساليات التبشيرية بالجنوب هى الحد من نفوذ الإسلام في الجنوب. وفي عام 1900 سُمح للارساليات بأن تؤسس مدارس للاطفال المسيحيين في الخرطوم ، وفي عام1901 صُدق لها بفتح مدارس خارج الخرطوم ، كما سُمح لأبناء المسلمين بالالتحاق بها بشرط أن يفى الآباء ويلتزموا بالشروط التي سُمح لابنائهم بالدراسة بها والتي أهمها موافقة الآباء وتفتيش الحاكم العام لها.
هكذا تطور في الشمال نظام تعليمي تديره وتوجهه الحكومة ونظام تقليدي وتبشيري لم يخضع لاشراف الحكومة.
من المشاكل التي حدت من تطور وانتشار التعليم :
- نسبة نفقات التعليم أقل من 1% من المصروفات الكلية حتى عام 1903 ، وبلغت حدها الأعلى عام 1912 4% ( محمد عمر بشير ، المرجع السابق).
- عدم توفر المعلمين ، وجرت محاولات لسد هذا النقص بانشاء معهد تدريب النعلمين والاستفادة من الإداريين المعلمين مع فتح فرص للترفي.
3
قيام كلية غردون :
التطور الآخر في التعليم هو قيام كلية غردون التي وضع حجر الأساس لها اللورد كرومر باسم الملكة فيكتوريا التي قبلت أن تكون راعية لها ، بتبرعات من انجلترا وبلدان أخرى، وتم افتتاح الكلية رسميا عام 1902 ، كخطوة في التعليم الثانوى والتي اصبحت مركزا للتدريب العالى والمصدر الأساسي لتدريب الإداريين والفنيين والمدرسين للعمل بخدمة الحكومة.
استمر التعليم في التوسع كما في قيام المدرسة الحربية 1905 ، وتأسيس المدارس الأولية والوسطى للبنين والبنات في المدن الرئيسية، كما تم انشاء مدارس حكومية بجنوب السودان ، اضافة للتعليم التبشيري هناك .
تعليم البنات :
كان تعليم البنات ضعيفا ، فخلال العشرين عاما الاولي من الحكم الاستعمارى لم تؤسس الا خمس مدارس للبنات في كل من رفاعة والكاملين ومروى ودنقلا والأبيض ، كما ساهمت المدارس الارسالية في التوسع في تعليم البنات، وفي عام 1921 افتتحت مدرسة أولية بام درمان كجزء من كلية تدريب المعلمات.
التعليم الفنى :
كان تطور التعليم الفتى بطيئا ، وفي عام 1914 بلغ عدد طلاب الفنية 281 طالبا.
تمويل التعليم :
لتمويل التعليم في بداية الحكم الاستعماري ، فرضت الحكومة ضريبة للتعليم في بعض المناطق تتراوح 1/10 ، 1/20 منقيمة العشور ، وكانت تتحصل نقدا أو عينا للتوسع في التعليم العالي ، وكانت حصيلة الضرائب تستخدم جميعها في انشاء المدارس الأولية في المناطق التي دفعتها ، ويلاحظ محمد عمر بشير أن المناطق التي دفعت أكثر من غيرها نتيجة زيادة سكانها وازدهار أحوالها الاقتصادية حظيت بمدارس أكبر.
4
خلال الفترة : 1924- 1946 ، تم انشاء كلية الطب " كلية كتشنر الطبية 1924" ، معهد بخت الرضا ، وتطور التعليم العالي ( انشاء مدارس عليا للزراعة ، الطب البيطري عام 1939) ، وقيام كليات الهندسة والعلوم 1939 ، وانشاء كلية الآداب 1945. في عام 1946 تم تحويل كلية غردون الي كلية جامعية.
وكان التعليم العالي ضئيلا ففي العام 1956 بلغ عدد الطلاب في الكليات والمدارس العليا 722 طالبا ، أما عن عدد الاساتذة الجامعيين ، فقد كان عدد السودانيين 3 من 150 أستاذا( تاج السر عثمان دراسات ي التاريخ الاجتماعي، مصدر سابق)
في عام 1940 تم تأسيس أول مدرسة أوسطى للبنات.
كان من نتائج حملة مؤتمر الخريجين لتوسيع التعليم وانشاء مدارس أهلية جديدة في الفترة 1941- 1952 ،أن أُسست 31 مدرسة وسطى اهلية في شتى ارجاء البلاد ، كما أُسست 4 مدارس ثانوية أهلية حتى عام 1956.
كما تطور التعليم المصرى ، ففي عام 1936 ارتفع عدد المدارس المصرية الي سبع بتأسيس مدارس الأبيض وبورتسودان ،ووأم درمان ، اضافة لمدارس عطبرة والخرطوم والخرطوم بحرى وكريمة.
هذا اضافة للطلاب السودانيين في مصر الذين بلغ عددهم 789 طالبا في العام 1949 .
5
حصيلة الحكم الاستعماري في التعليم :
في العام 1956 كانت حصيلة الحكم الاستعمارى في التعليم علي النحو التالي :
- التوزيع غير العادل بين المناطق المختلفة، نتيجة للتنمية غير المتوازنة التي خلفها الاستعمار.
- لم تكن هناك مساواة بين المرأة والرجل ، فقد كانت نسبة تعليم الذكور 22,9% ، بينما كانت الاناث 4%، أي أن نسبة الأمية بين الذكور بلغت 79,1% ، ووسط الاناث 96% .
- كان التعليم الفني ضئيلا مقارنةً بالتعليم الأكاديمي ، فقد كان جملة المستوعبين في المدارس والكليات والجامعة (219,831) طالبا، بينما عدد المستوعبين في المدارس الفنية (1027) طالبا،أي بنسبة 0,5%.
- كانت نسبة التعليم منخفضة ، فقد كانت 10% سنة 1956 ، أي أن نسبة الامية كانت 90%.
- تعدد مصادر التعليم في السودان ، فقد كان هناك تعليم الخلاوى والمعاهد الدينية الإسلامية، والتعليم المسيحي التبشيري ، والتعليم المصري وفق المنهج المصري ، والتعليم في المدارس التي شيدتها الحكومة أو أفراد من القطاع الخاص، وكان لكل من تلك المدارس والنظم أغراضها وأهدافها الخاصة، ولم يكن لخريجي تلك النظم المختلفة أساس مشترك في التعليم ، ومن ثم كان لكل نوع ميول وقدرات مختلفة عن الآخرين.
هكذا نصل الي هذا الحصاد البائس فيما يختص بسياسة الاستعمار البريطاني التعليمية في السودان .
alsirbabo@yahoo.co.uk
///////////////////////
بعد سقوط دولة المهدية ، جاءت فترة الاستعمار البريطاني (1889- 1956) ، التي كانت وظيفة الدولة فيها ، الاشراف على مصالح الشركات والبنوك البريطانية في السودان ، وتنظيم عمليات تصدير الفائض الاقتصادي للخارج واستنزاف موارد السودان الاقتصادية بعلاقات التبادل غير المتكافئ :السودان مصدرا للمواد الخام ، ومستوردا للسلع الراسمالية، وسد حاجات بريطانيا بزراعة القطن لمصانعها في لانكشير علي حساب المحاصيل الغذائية..
لتحقيق تلك الأهداف تصدت الدولة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وقامت مشاريع القطن في الجزيرة والنيلين الأبيض والأزرق والقاش وطوكر وجبال النوبا . الخ، والسكك الحديدية ،النقل النهري ، والميناء ومؤسسات العلاج، ومؤسسات التعليم المدني الحديث مثل المدارس الحكومية و كلية غردون.الخ ، وأصبحت هذه المشاريع تابعة لقطاع الدولة ، ولم يلعب القطاع الخاص ( محلى وأجنبي ) دورا حاسما أو قياديا في قيام المنشات الهامة ، وكانت التنمية التي تمت كانت مقتصرة على شمال السودان ، ولم يكن هناك تطور موازى لها في جنوب السودان ، حيث كانت الإدارة هناك تركز على الأمن والنظام ، إضافة لتجاهلها مسالة تسريع وثائر التطور فيه ، وهذا أدي ألي التطور غير المتوازن الذي نشأ فى البلاد فيما بعد،مما أدي للقنابل الموقوتة بانفجار حرب الجنوب وحركات المناطق الطرفية الأخرى بعد الاستقلال، وجاءت أهداف وسياسة الاستعمار في التعليم لتلبية تلك الحاجات.
2.
كانت أهداف الاستعمار البريطاني حسب تصور اللورد كرومر ( المندوب السامي اليريطاني في مصر) ايجاد نوع من التعليم يخرج موظقين وكتبة للمساعدة في إدارة الحكم ، وفي الوقت نفسه يلهى المتعلمين عن الثورة ، ويؤهلهم أو يكيّفهم للتوظف بالحكومة. ولم يهتم كرومر بالتعليم الصناعي والمهني لدوره السياسي وفي ذلك كتب " بأن كل نجار أو بناء تخرجونه يمثل فئة تنفصل من صفوف الحانقين الذين يصبحون وطنيين مهرجين" ، وكان كرومر يهدف من ذلك الي اضعاف الحركة الوطنية ، لذا كان يوجه دائما بأن يقتصر التعليم على نفر تحتاج اليهم الدولة في وظائفها ، وكانت آراء كتشتر وونجت وكرى مماثلة لأفكار كرومر. ( للمزيد من التفاصيل راجع ، تاج السر عثمان ، دراسات في التاريخ الاجتماعي لفترة الحكم البريطاني، بحث غير منشور)
عندما عُين جيمس كرى مديرا لمصلحة المعارف في عام 1900 وضع الأهداف التالية للتعليم وعمل على تحقيقها وهي:
- خلق طبقة من الصناع المهرة .
- نشر نوع من التعليم بين الناس بالقدر الذي يساعدهم على معرفة القواعد الأولية لجهاز الدولة ، وخاصة فيما يختص بعدالة وحيدة القضاء .
- تدريب طبقة من أبناء لتشغل الوظائف الحكومية الصغرى في جهاز الإدارة.
( للمزيد من التفاصيل ، راجع محمد عمر بشير، تطور التعليم في السودان ، 1898- 1956 ،مرجع سابق).
كان من أهداف التعليم تدريب سودانيين ليحلوا محل المصريين في الجيش ، ويخلفوا المصريين والسوريين في وظائف الإدارة الصغرى ، فقد كان معظم ضباط الجيش في السودان أما بريطانيين أو سوريين. كما عمل كرى على اصلاح الخلاوى بايجاد مدارس كتاتيب نموذجية ودفع اعانات مالية لعدد قليل من الخلاوى ، وتشجيع الفقراء أو شيوخ الخلاوى على ادخال المواد العلمية كالحساب في الخلاوى المعانة. وبذلك اصبح التمازج بين التعليمين المدني والديني سواء أكان ذلك في الكنائس أم الخلاوى المعانة أساس التعليم في السودان ( محمد عمر بشير ، المرجع السابق).
لتحقيق أهداف سياسة المستعمر أُنشئت أول مدرستين ابتدائتين أحدهما في أم درمان 1900 ، والأخرى في الخرطوم 1901 ، كما انشئت كلية تدريب المعلمين والقضاء بام درمان في 1900 ، فضلا عن تأسيس مدرسة الصناعة في ام درمان 1901.
وعلى هذا كان الهيكل التعليمي في 1901 مكونا من تلك المدارس الآربع، فضلا عن مدرستين ابتدائيتين احداهما في سواكن والأخرى بحلفا ( تاج السر عثمان ، دراسات في التاريخ الاجتماعي لفترة الحكم الاستعماري ، 1898- 1956، بحث غير منشور.)
وكانت مدة الدراسة الابتدائية اربع سنوات ، ومقررات التعليم مماثلة لمقررات المدارس المصرية.
كما أنشئت مدرسة القضاء لتخريج القضاة الشرعيين والحقت في البداية بمدرسة أمدرمان الايتدائية ، وكانت مدة الدراسة فيها خمس سنوات ، والعلوم التي دُرست بها هي الشريعة واللغة العربية والحساب.
وكانت العلوم التي تُدرس بمدرسة الصناعة بأم درمان هي العلوم النظرية التطبيقية و البناء وأعمال الخزف والحدادة والبرادة وجنى القطن ، وكانت فترة الدراسة ثلاث سنوات.
كما عاد التعليم التبشيري في فترة الحكم البريطاني من جديد بعد أن اوقفته المهدية، وكان من أهداف كل من الحكومة والارساليات التبشيرية بالجنوب هى الحد من نفوذ الإسلام في الجنوب. وفي عام 1900 سُمح للارساليات بأن تؤسس مدارس للاطفال المسيحيين في الخرطوم ، وفي عام1901 صُدق لها بفتح مدارس خارج الخرطوم ، كما سُمح لأبناء المسلمين بالالتحاق بها بشرط أن يفى الآباء ويلتزموا بالشروط التي سُمح لابنائهم بالدراسة بها والتي أهمها موافقة الآباء وتفتيش الحاكم العام لها.
هكذا تطور في الشمال نظام تعليمي تديره وتوجهه الحكومة ونظام تقليدي وتبشيري لم يخضع لاشراف الحكومة.
من المشاكل التي حدت من تطور وانتشار التعليم :
- نسبة نفقات التعليم أقل من 1% من المصروفات الكلية حتى عام 1903 ، وبلغت حدها الأعلى عام 1912 4% ( محمد عمر بشير ، المرجع السابق).
- عدم توفر المعلمين ، وجرت محاولات لسد هذا النقص بانشاء معهد تدريب النعلمين والاستفادة من الإداريين المعلمين مع فتح فرص للترفي.
3
قيام كلية غردون :
التطور الآخر في التعليم هو قيام كلية غردون التي وضع حجر الأساس لها اللورد كرومر باسم الملكة فيكتوريا التي قبلت أن تكون راعية لها ، بتبرعات من انجلترا وبلدان أخرى، وتم افتتاح الكلية رسميا عام 1902 ، كخطوة في التعليم الثانوى والتي اصبحت مركزا للتدريب العالى والمصدر الأساسي لتدريب الإداريين والفنيين والمدرسين للعمل بخدمة الحكومة.
استمر التعليم في التوسع كما في قيام المدرسة الحربية 1905 ، وتأسيس المدارس الأولية والوسطى للبنين والبنات في المدن الرئيسية، كما تم انشاء مدارس حكومية بجنوب السودان ، اضافة للتعليم التبشيري هناك .
تعليم البنات :
كان تعليم البنات ضعيفا ، فخلال العشرين عاما الاولي من الحكم الاستعمارى لم تؤسس الا خمس مدارس للبنات في كل من رفاعة والكاملين ومروى ودنقلا والأبيض ، كما ساهمت المدارس الارسالية في التوسع في تعليم البنات، وفي عام 1921 افتتحت مدرسة أولية بام درمان كجزء من كلية تدريب المعلمات.
التعليم الفنى :
كان تطور التعليم الفتى بطيئا ، وفي عام 1914 بلغ عدد طلاب الفنية 281 طالبا.
تمويل التعليم :
لتمويل التعليم في بداية الحكم الاستعماري ، فرضت الحكومة ضريبة للتعليم في بعض المناطق تتراوح 1/10 ، 1/20 منقيمة العشور ، وكانت تتحصل نقدا أو عينا للتوسع في التعليم العالي ، وكانت حصيلة الضرائب تستخدم جميعها في انشاء المدارس الأولية في المناطق التي دفعتها ، ويلاحظ محمد عمر بشير أن المناطق التي دفعت أكثر من غيرها نتيجة زيادة سكانها وازدهار أحوالها الاقتصادية حظيت بمدارس أكبر.
4
خلال الفترة : 1924- 1946 ، تم انشاء كلية الطب " كلية كتشنر الطبية 1924" ، معهد بخت الرضا ، وتطور التعليم العالي ( انشاء مدارس عليا للزراعة ، الطب البيطري عام 1939) ، وقيام كليات الهندسة والعلوم 1939 ، وانشاء كلية الآداب 1945. في عام 1946 تم تحويل كلية غردون الي كلية جامعية.
وكان التعليم العالي ضئيلا ففي العام 1956 بلغ عدد الطلاب في الكليات والمدارس العليا 722 طالبا ، أما عن عدد الاساتذة الجامعيين ، فقد كان عدد السودانيين 3 من 150 أستاذا( تاج السر عثمان دراسات ي التاريخ الاجتماعي، مصدر سابق)
في عام 1940 تم تأسيس أول مدرسة أوسطى للبنات.
كان من نتائج حملة مؤتمر الخريجين لتوسيع التعليم وانشاء مدارس أهلية جديدة في الفترة 1941- 1952 ،أن أُسست 31 مدرسة وسطى اهلية في شتى ارجاء البلاد ، كما أُسست 4 مدارس ثانوية أهلية حتى عام 1956.
كما تطور التعليم المصرى ، ففي عام 1936 ارتفع عدد المدارس المصرية الي سبع بتأسيس مدارس الأبيض وبورتسودان ،ووأم درمان ، اضافة لمدارس عطبرة والخرطوم والخرطوم بحرى وكريمة.
هذا اضافة للطلاب السودانيين في مصر الذين بلغ عددهم 789 طالبا في العام 1949 .
5
حصيلة الحكم الاستعماري في التعليم :
في العام 1956 كانت حصيلة الحكم الاستعمارى في التعليم علي النحو التالي :
- التوزيع غير العادل بين المناطق المختلفة، نتيجة للتنمية غير المتوازنة التي خلفها الاستعمار.
- لم تكن هناك مساواة بين المرأة والرجل ، فقد كانت نسبة تعليم الذكور 22,9% ، بينما كانت الاناث 4%، أي أن نسبة الأمية بين الذكور بلغت 79,1% ، ووسط الاناث 96% .
- كان التعليم الفني ضئيلا مقارنةً بالتعليم الأكاديمي ، فقد كان جملة المستوعبين في المدارس والكليات والجامعة (219,831) طالبا، بينما عدد المستوعبين في المدارس الفنية (1027) طالبا،أي بنسبة 0,5%.
- كانت نسبة التعليم منخفضة ، فقد كانت 10% سنة 1956 ، أي أن نسبة الامية كانت 90%.
- تعدد مصادر التعليم في السودان ، فقد كان هناك تعليم الخلاوى والمعاهد الدينية الإسلامية، والتعليم المسيحي التبشيري ، والتعليم المصري وفق المنهج المصري ، والتعليم في المدارس التي شيدتها الحكومة أو أفراد من القطاع الخاص، وكان لكل من تلك المدارس والنظم أغراضها وأهدافها الخاصة، ولم يكن لخريجي تلك النظم المختلفة أساس مشترك في التعليم ، ومن ثم كان لكل نوع ميول وقدرات مختلفة عن الآخرين.
هكذا نصل الي هذا الحصاد البائس فيما يختص بسياسة الاستعمار البريطاني التعليمية في السودان .
alsirbabo@yahoo.co.uk
///////////////////////