التعليم في فترة الحكم التركي (5)

 


 

 

في هذه الفترة تطور التعليم ، ويمكن القول أن جذور التعليم المدني والتبشيري قد تمّ غرسه في هذه الفترة الذي قام ليلبي احتياجات الدولة التي شكلت تطورا جديد في مسار تطور الدولة السودانية كما في: دولة كرمه ، نبته ، مروى، والنوبة المسيحية، الفونج ودارفور.الخ. وتلك الدول كانت مستقلة وكانت نتائج تطور باطني. ولكن الجديد أن السودان خلال فترة الحكم التركي (1821م-1885م) عرف دولة تابعة ضمت رقعة واسعة في البلاد،بعد ضم دارفور والمديريات الجنوبية الاستوائية، أعالي النيل ، بحر الغزال، وكانت مفرطة المركزية وتقوم علي القهر والنهب والضرائب الباهظة مما أدي لانفجار الثور المهدية التي اطاحت بالحكم التركي.
1.
كان من أهداف احتلال محمد على باشا للسودان نهب ثروات البلاد (ذهب ، معادن أخرى ،محاصيل نقدية، والقوى البشرية - الرقيق)، بهدف تحقيق التراكم الراسمالي اللازم لمشاريعه الزراعية والصناعية والعسكرية ، في أكبر احتلال بربري ودموي تم فيه تدمير القوى الاقتصادية واالبشرية السودانية ، حققت منه الطبقات الحاكمة في مصر ارباحا هائلة ( للمزيد من التفاصيل ، راجع تاج السر عثمان الحاج ، التاريخ الاجتماعي لفترة الحكم التركي (1821- 1885)، مركز محمد عمر بشير نوفمبر 2004).
لتحقيق تلك الأهداف تم الآتي :
- شهدت دولة الحكم التركي توسعا في مساحة الأراضي الصالحة للزراعة ، مما أدى ألي زيادة المحاصيل الزراعية في الأسواق ، فنجد أن الحكومة في هذه الفترة تجلب عدداً من خوليه الزراعة ، وتعمل على تطور زراعة القطن وتشق القنوات للتوسع في زراعة الأحواض وتشجيع تعمير السواقي وترسل الطلاب إلى مصر للتعليم والتدريب الزراعي وتجلب المحاريث لحراثة الأرض وتعمل على بناء المخازن في المراكز الرئيسية على طول الطريق إلى مصر لتوفير مياه الشرب لتسهيل الحركة التجارية وتصدير المواشي بشكل خاص كما اهتمت الحكومة بإدخال محاصيل نقدية جديدة مثل الصمغ، السنامكي ،النيلة.الخ.واهتمت بالثروة الحيوانية وجلبت الفلاحين والعمال المهرة في الزراعة واهتمت بالتقاوي المحسنة والأشجار المثمرة واهتمت بمكافحة الآفات مثل الجراد .
- رغم تلك التحسينات التي أدخلتها الحكومة بهدف تطوير القوى المنتجة في الزراعة والإنتاج الحيواني ألا أن الضرائب الباهظة التي كانت الحكومة تفرضها على المزارعين والرعاة أدت إلى هزيمة هذا الهدف، فقد هجرالاف المزارعين سواقيهم في الشمالية ، كما هرب الاف الرعاة بمواشيهم إلى تخوم البلاد.
هكذا نجد أن سياسة الحكومة التي كانت تعتمد على القهر والضرائب الباهظة أدت إلى انخفاض الإنتاج الزراعي والحيواني، وبالتالي أدي ألي تدهور الأحوال المعيشية وأدي ذلك ألي المجاعات والأمراض والخراب الاقتصادي وغير ذلك مما شهده السودان في السنوات الأخيرة للحكم التركي- المصري عشية انفجار الثورة المهدية.
- شهدت تلك الفترة قيام صناعات جديدة مثل صناعة البارود وصناعة النيلة وصناعة حلج القطن وصناعة الذخيرة كما تطور قطاع الخدمات حيث تطورت المواصلات (بواخر نهرية) إدخال التلغراف، تم تحسين ميناء سواكن وتم توصيل خط السكة الحديد إلى مدينة وادي حلفا (الشلال).
2
نتيجة لتلك التحولات في الزراعة والصناعة وخدمات النقل الاتصالات ، تطور التعليم الأكاديمي والمهنى في تلك الفترة اعلاه ليلبي احتياجات جهاز الدولة التركي وقامت مدارس ارقى من الخلاوى مثل :
- فتح مدارس حكومية جديدة لسد احتياجات جهاز الدولة في المجالات الجديدة التي فتحها، وارسال بعثات للتدريب في فنون الزراعة والهندسة ، اضافة لاستمرار التعليم في الخلاوى، واضافة لتزايد اقبال السودانيين لدراسة بالأزهر الشريف، وتم قيام رواق السنارية في الأزهر.
- قام الخديوي عباس (1848- 1854م) بتأسيس مدرسة ابتدائية في الخرطوم، كان رفاعة رافع الطهطاوى أول ناظر لها.
في عهد الخديوي اسماعيل (1863- 1879) تم تأسيس خمس مدارس صغيرة في عواصم المديريات : الخرطوم ، بربر ، دنقلا، التاكا ، كردفان ، وقد سارت هذه المدارس وفق مناهج المدارس الابتدائية المصرية ، وكان التلاميذ يدرسون اللغتين العربية والتركية والحساب والهندسة والخط.
كما تم ايضا فتح مدرستتين في سواكن وسنار، وعندما تمّ مد خطوط التلغراف الي بين الخرطوم والابيض وفازوغلى وبربر وكسلا وسواكن ، والكوة ،فُتحت تباعا مدرستان في الخرطوم وكسلا لتدريب العاملين في تلك الخطوط تدريبا مهنيا ، وكان يقبل لها التلاميذ الذين اكملوا المدرسة الايتدائية ، كما انشأت مصلحة الوابورات فرقة تدريبية لخريجي المدارس الابتدائية بهدف استيعابهم كعمال مهرة وحرفيين( للمزيد من التفاصيل ، راجع تاج السر عثمان الحاج ، التاريخ الاجتماعي لفترة الحكم التركي ، مرجع سابق).
- كانت فترة الخديوى اسماعيل في التعليم مثمرة ، فقد تم خلق كادر من العاملين والموظفين السودانيين ، كتاب ومحاسبين وعمال التلغراف و ترسانة الخرطوم .
- تم دخول بدايات بدايات علوم الطب والصيدلة والكيمياء والعلوم الطبيعية في تلك الفترة..
- شهدت تلك الفترة التعليم التبشيري كما في مدارس الأب كمبوني التي قامت في الخرطوم والأبيض، وجنوب السودان ،الخ وشمل التعليم التبشيري تعليم البنات والتدريب المهني.
ساعد عل انتشار التعليم التبشيرى صدور أمر من محمد على باشا للولاة في الخرطوم لتقديم كل عون للتعليم التبشيري ولللارساليات واعفائها من الضرائب.
- بالنسبة للمعلمين تم توفير معلمين من الحكومة المصرية لتدريس اللغة العربية واللغة التركية ، ومعلم لكل مدرسة ، وكانت المدارس تشرف عليها وزارة المعارف المصرية، واستمر تدريب معلمين لانشاء مدارس جديدة .
- تم تكوين فرق تدريبية في أعمال الطب والصيدلة ليلتحق بها من أكملوا التعليم الابتدائي، لاحقا تم تأسيس مدرسة للطب لتحل محل الفرق التدريبية ، وقد عُين معلم للكيمياء والعلوم الطبيعية من مصر في 1879 ، وفعلا حضر من مصر ليتولى هذه المسؤولية.
3
التحولات التي أحدثها نظام الحكم التركي كانت محدودة (الاقتصاد ، التعليم ، الصحة، المواصلات . الخ).وظل الجزء الأكبر من النشاط الاقتصادي في السودان خلال تلك الفترة حبيس القطاع المعيشي ( التقليدي) وظلت قوي الإنتاج وعلائق الإنتاج بدائية ومتخلفة.
فضلا عن أن التعليم لم يكن معزولا عن مصالح الفئات الحاكمة وأهدافها في نهب ثروات البلاد، وكان التركيب الطبقي للدولة يتكون من : الحكام وكبار موظفي الدولة الأجانب والمحليين ،زعماء ومشايخ الطرق الصوفية، الجنود، المزارعون، العمال والموظفين.
بالتالي يجب الا نبالغ في حجم التعليم في فترة الحكم التركي الذي شهد بدايات التعليم الحديث ، فقد كان حجم التعليم ضئيلا بالنسبة لعدد السكان في العهد التركي الذي بلغ 8,525,000 ،بينما كان عدد المدارس سبع ، كما أن الحكومة ركزت المدارس في عواصم المديريات مهملة بذلك القرى والبوادى مأوى الكثرة الغالبة من السكان.
للمزيد من التفاصيل راجع:
- بشير كوكو حميدة : الخديوى اسماعيل والتعليم الديني والمدني في السودان، مجلة الدراسات السودانية ، العدد الأول ، المجلد "7" ، ديسمبر 1982.
- تاج السر عثمان الحاج : التاريخ الاجتماعي لفترة الحكم التركي، مركز محمد عمر بشير 2004م.
- محمد عمر بشير : تطور التعليم في السودان ، ترجمة هنرى رياض وآخرون ،دار الثقافة بيروت 1970
- ناصر السيد : تاريخ السياسة والتعليم في السودان ، دار جامعة الخرطوم 1990.


alsirbabo@yahoo.co.uk

 

آراء