التغيير الجذري للخروج من التبعية والتخلف (5) والأخيرة

 


 

 

1
التغيير الجذري بمعني الحل النهائي والحاسم الذي لا يعيد إنتاج الأزمة، ليس ضربا من الخيال و الأحلام والأوهام ، ولم يكن النضال من أجل التغيير الاجتماعي الذي ضحى من أجله رواد التنوير والتغيير في التاريخ اضغاث أحلام ، ولكنه أثمر وأحدث ثورات ، رغم أنها استمرت لفترات طويلة لكن كان لها الأثر في تغيير مجرى التاريخ الانساني ، رغم الانتكاسات الهزائم المؤقتة الناتجة من صراع قوي القديم التى تصارع من أجل الحفاظ علي مصالحها الطبقية وامتيازاتها الاجتماعية التي مسها التغيير.
فقد أشرنا في مقال سابق الي ثورات أحدثت تغييرات عميقة وجذرية في مجري التاريخ الانساني مثل:
– الثورة الانجليزية 1688 التي قضت علي حق الملوك الالهي ، واصبح للبرلمان الكلمة العليا في شؤون الحكم، كما كان لها الأثر الكبير الانتقال من الاقطاع الي الرأسمالية ، وعلي شعوب اوربا التي تطلعت لتحقيق نظام الحكم البرلماني كما في الثورة الانجليزية التي نتج عنها سيادة البرلمان علي التاج والتطورالي الأمام، رغم الحروب الأهلية الطويلة.
– الثورة الفرنسية 1789، رغم أنها استغرقت عشر سنوات وعانت من الانتكاسات وعودة الملكية ،الا أنها أثرت في التاريخ الانساني ، بإعلان الجمهورية وإلغاء الملكية المطلقة، وفصل السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية ، وفصل الدين عن الدولة ، والعلمانية ، والمساواة وحرية التعبير ، وإلغاء الاقطاع وامتيازات النبلاء ورجال الدين ومصادرة املاك الكنيسة ، واقرار مبدأ مجانية والزامية التعليم والعدالة الاجتماعية . الخ، مما أدي في النهاية لانتصار نمط الإنتاج الراسمالي.
- - ثورة تحرير الرقيق في أمريكا ، وإعلان تحرير الرقيق في 1 يناير 1863 ، وتم ادراج الإعلان الرسمي في الدستور الأمريكي يوم 19 يونيو 1865 ، وكانت تلك خطوة مهمة في تطور الرأسمالية و مسار التحرر الاجتماعي ، بالغاء نظام الرق البغيض، ليحل محله نمط الإنتاج الرأسمالي القائم علي امتصاص فائص القيمة من العاملين.
2
- ثورات العمال في اوربا 1848 التي دافع عنها مؤسسو الماركسية ، وطرح ماركس ضرورة تحرير الطبقة العاملة من الاستغلال الرأسمالي الذي حل محل العبودية، باستحواذ فائض القيمة من العاملين ، واستبداله بنظام اشتراكي ، كما طرحت الماركسية عموميات الحل الديمقراطي للمسألة القومية مثل : القضاء علي كل أشكال الاضطهاد الطبقي والقومي والديني والثقافي والعنصري والجنسي، وبازالة استغلال الانسان للانسان نزيل استغلال أمة لأمة ، وحق تقرير المصير كحق ديمقراطي انساني في ظروف الديمقراطية وحرية الإرادة، والوحدة من خلال التنوع والاعتراف بالفوارق الثقافية ، وحق كل قومية في تطوير ثقافتها واستخدام لغتها الخاصة في التعليم، الديمقراطية كحقوق سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، رفض الاستعلاء القومي والثقافي والديني، واستغلال الدين في السياسة.

- الثورة الروسية 1917 التي كانت من أهم أحداث القرن العشرين، اذا كانت الثورة الفرنسية طرحت شعارات : حقوق الإنسان - الإخاء – المساواة، فان الثورة الروسية طرحت شعارات : السلام- – الحرية – الخبز، وما زالت تلك الشعارت حية رغم هزيمة الثورة الفرنسية وعودة الملكية، وعودة الرأسمالية البشعة التي أفقرت الشعب الروسي ونهبت ثرواته وهربتها للخارج.
كان لثورة أكتوبر الروسية التي يحتفل العالم هذه الأيام بذكراها ال (105) أثرها علي شعوب العالم و المستعمرات ، بانهاء ويلات ومآسي الحرب العالمية الأولي بتوقيع معاهدة صلح “بريست - ليتوفسك” مع المانيا، وتوفير احتياجات الجماهير الكادحة الأساسية في التعليم والصحة والسكن والعمل ومحو الأمية ، وأعطت المرأة حقوقها في الأجر المتساوي للعمل المتساوي ، ومساواتها بالرجل ، وحماية الأمومة والطفولة والشيخوخة، وتطوير الثقافة والفنون والموسيقي والرياضة، وأكدت امكانية التنمية المستقلة والسيادة الوطنية، وحررت شعوب روسيا من الإضطهاد القومي علي أساس المساواة وحق تقرير المصير بما في ذلك حق الإنفصال وتكوين الدولة المستقلة في ظروف حرية الارادة والديمقراطية، وحق كل قومية في تطوير لغتها وثقافتها الخاصة، وساهمت في تحرير شعوب المستعمرات من النير الاستعماري، وكشفت المعاهدات السرية مثل: معاهدة “ سايكس - بيكو” التي تم بموجبها تقسيم العالم العربي الي مناطق نفوذ وانتداب ، كما ساهمت في اندلاع ثورات المستعمرات في : الهند والصين ومصر وفيتنام والعراق وسوريا والسودان “ ثورة 1924”، والتي كانت تطالب بالاستقلال، ونقلت روسيا من دولة متخلفة إلي دولة صناعية متقدمة ، وساهمت بفعالية في تحرير البشرية من البربرية النازية والفاشية في الحرب العالمية الثانية.
بعد الحرب العالمية الثانية ، تحررت شعوب المستعمرات من النير الاستعماري، وقامت الثورات الاشتراكية في بلدان شرق اوربا ، والصين وفيتنام وكوبا وكوريا ، ونهضت حركة الطبقة العاملة في البلدان الرأسمالية المتقدمة وحققت مكاسب كثيرة بأثر الثورة الروسية مثل : الحق في التعليم والصحة والضمان الاجتماعي.. الخ.
3
لكن في ظروف السودان وبعد ثورة ديسمبر 2018 التي مازالت مستمرة ، والذي سوف يتم الاحتفال بذكراها الرابعة في شهر ديسمبر القادم ، فإن الهدف المباشر للتغيير الجذري تحقيق أهداف الثورة ومهام الفترة الانتقالية، وعدم تكرار انتكاسات الفترات الانتقالية السابقة، وإعادة إنتاج الأزمة بالانقلابات العسكرية، ووضع حد للانقلابات العسكرية واستدامة الديمقراطية والحكم المدني الديمقراطي ، بتحقيق مهام الفترة الانتقالية كما في الآتي :
- إسقاط الانقلاب العسكري و انتزاع الحكم المدني الديمقراطي، والغاء كل القوانين المقيدة للحريات، واستدامة الديمقراطية والخروج من الحلقة الشريرة للانقلابات العسكرية..
- الغاء اتفاق جوبا والحل الشامل والعادل والمؤتمرالجامع الذي يشترك فيه النازحون في المعسكرات والتنظيمات السياسية والمدنية الذي يضمن وقف الحرب وعودة اللاجئين لحواكيرهم ورجوع المستوطنين لبلدانهم ، والتعويض العادل وإعمار مناطقهم ، وحل المليشيات، ومحاسبة مرتكبي جرائم الحرب،وقيام المؤتمر الدستوري في نهاية الفنرة الانتقالية الذي يقرر في شكل الحكم.
- قيام المجلس التشريعي الذي يختار رئيس الوزراء، والحكومة، يجيز القوانين المطلوبة.
- محاكمة مرتكبي الجرائم في مجازر دارفور بتسليم البشير ومن معه للمحكمة الجنائية ، والمحاكم للمجازر والانتهاكات الأخيرة في دارفور وجنوب النيل الأزرق وكردفان وبقية المناطق بهدف نهب الأراضي الموارد، ومجزرة فض الاعتصام ، ومجازر مابعد انقلاب 25 أكتوبر.
- الترتيبات الأمنية لحل وتسريح مليشيات الدعم السريع ، ومليشيات الكيزان،وجيوش الحركات المسلحة وجمع السلاح في يد الجيش، وقيام الجيش القومي المهني الموحد.
- ضم كل شركات الجيش والدعم السريع والشرطة والأمن لولاية وزارة المالية.
- تحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية وتركيز الأسعار، ومجانية التعليم والعلاج ، ودعم السلع الأساسية ،وتركيز الأسعار، وتوفير خدمات الكهرباء والمياه ، وتحسين صحة البيئة.
- التفكيك الكامل لنظام انقلاب 30 يونيو 1989 واستعادة أموال وممتلكات الشعب المنهوبة.
السيادة الوطنية وعدم الارتباط بالمحاور الخارجية والرفض الحازم للتدخل في الشؤون الداخلية للبلاد.
- استعادة أراضي السودان المحتلة ووقف خصخصة الميناء او قيام ميناء جديد والقواعد العسكرية علي البحر الأحمر.
- وقف نهب ثروات البلاد.
- إعادة النظر في كل الاتفاقات حول الأراضي والتعدين المجحفة بشعب السودان ومستقبل أجياله.
- قيام علاقات خارجية متوازنة مع كل دول العالم.
- عقد المؤتمر الدستوري في نهاية الفترة الانتقالية للتوافق علي شكل الحكم ودستور ديمقراطي وقانون انتخابات ديمقراطي لقيام انتخابات حرة نزيهة في نهاية الفترة الانتقالية.
.
.
alsirbabo@yahoo.co.uk
//////////////////////////

 

آراء