التغيير وجرثومة العقل العاطفي.. لجان المقاومة

 


 

مجدي إسحق
22 July, 2022

 

1

التغيير لا يحدث صدفه بل له قوانينه العلميه التي تحكمه.
التغيير الفاعل المتطور يقوده العقل المنطقي والموضوعي ولا يسمح لجرثومة العقل العاطفي ان تسيطر عليه.لأن العقل العاطفي يدور حول نفسه لايستطيع ان يصل بك للهدف... لا تحكمه الوقائع والمعطيات بل تقوده المشاعر... عقل جامد يبدأ بالنتائج يرفض المتغيرات ويبحث عن التبريرات متمترسا في رؤيته الأولى.
لذا يطالبنا علم النفس السياسي ان نضع عملية التغيير تحت مجهر البحث دوما والبحث عن أي مظاهر لجرثومة العقل العاطفي والتخلص منها قبل ان تنتشر وتستفحل.
لا أحد ينكر دور لجان المقاومه وتضحياتها.. وكل صباح تبهرنا بمواقفها وتعجبنا تفاصيل إبداعها الثوري.. لكن لن نترك لإنبهارنا وإعجابنا أن يكون معيار التقييم لأننا بذلك سنترك القياد لجرثومة للعقل العاطفى لتمنعنا من النظر لقوانين التغيير الموضوعيه التي تحدد النجاح الحقيقي لأي مجموعه بمعرفة مدى التزامها بها ومدى تطابقها مع خطواتها.
إننا إذا نظرنا الى تفاعل شعبنا مع لجان المقاومه فسنجد ثلاث من أعراض العقل العاطفي
أولا
سيطرة مشاعر الإنبهار بتجربتها وتضخيم إمكانياتها وماعداها باطل والإيمان بأنها تحمل كل إجابات الواقع المعقد كأنها مسيح الثوره السودانيه القادم ليملأ الارض عدلا بعد ملئت جورا.
ثانيا
التقديس ورفض حقيقة بأنها تجربة فريدة في مرحلة التخلق... والوقوع في فخ النظر إليها كتجربة مكتمله لا تحتاج للتطوير والنضوج
ثالثا
محاصرة العقل المنطقي بالتخويف والتخوين.. ورفض النظرة النقدية البناءه.. وتجاوز السلبيات بحثا عن مداخل لقبولها بالتبرير والتجاهل.
إن علم النفس السياسي وتفكيكه لسايكولوجية قوى التغيير يؤكد إن نجاح أي مجموعه أو قروب لتحقيق أهداف التغيير يعتمد على أركان أربعه هي
أولا
الشكل التنظيمي تركيبته ومدى ملاءمته لدوره.
إن الشكل التنظيمي للجان المقاومه هو شكلا أفقيا لا يمتلك قيادة موحده بل يعتمد على التنسيق بين اللجان. هذا الشكل المرن يطرح تساؤلا موضوعيا هل نجاحه في مرحلة التعبير الثوري والاحتجاجات هل بالضروره يعني نجاحه في مرحلة البناء والفعل والسياسي؟
هذا الشكل الافقي كيف يستطيع التوحد حول رؤى سياسيه واقتصاديه وإجتماعيه ومشروع واحد يمثل الجميع.. وإذا وجد شكل التنسيق كيف سيحسم الإختلاف؟
كيف سيتم تمثيل اللجان في أجهزة الحكم؟ .. وماهي سلطة اللجان على عضويتها التي تمثلها؟.. وماهو البرنامج الذي سيتبعه كل ممثل؟وهل هناك مكاتب متخصصه في كل لجنه لتدعم ممثليها بالدراسات والخطط؟؟
وإلى أن يكتمل بناءاللجان ومعالجة هذه التساؤلات.. ما العمل. فعجلة الثورة لن تنتظر؟؟
ثانيا
أهمية الآخر
إنه من الأهمية بمكان الوعي بأن التغيير لا تحققه مجموعه دون الآخرين وأن التغيير الحقيقي يتحقق عندما تتوحد قوى التغيير لاتهدر قواها في التناحر. وتؤمن بأهمية الآخر في تحقيق الهدف.نشاهد الان الشرخ الحادث و الرفض للحركه السياسيه أما كاملا بالمطالبه بإقصائها ورفض التعامل معها أو القبول بها ولكن على شرط أن تأتي صاغرة لتبصم وتتبع ولاتشارك كقوى لها دورها ورؤيتها .
ثالثا
أهمية الإتصال والتواصل
نشاهد ضعفا في الإتصال فلا قنواتا معلومه ولا إسترتيجية واضحه حيث يغيب دور الإعلام المنظم الذي يشرح الخطوات يحارب الإحباط ويزرع التحفيز والأمل ويحاصر الإشاعة والوعي الزائف.
رابعا
الشفافيه
حيث تغيب المعلومه ولا يعلم الشعب ماذا تفعل قوى التغيير وماترتب له...وبذلك فهي لاتستفيد من طاقة الشعب وخبرته تحاورا وتشاورا.. إن غياب الشفافية يقود لعدم وجود وقفة مع الذات وقراءة نقديه للخطوات والتجارب.
إذن.....
إن القراءة الموضوعيه تعكس أعراضا لجراثيم العقل العاطفي وضعت حاجزا بين رؤيتنا لنقاط القصور في أركان بناء القروب الاربعه.
إن التغيير الحقيقي يعتمد على أركان التغيير الثلاثه.
أولا
التخلص من جراثيم العقل العاطفي وأعراضها... والقبول بإنجازات لجان المقاومة والإحتفاء بها و تجاوزمشاعر الفخر لصرامة القراءه الموضوعيه والتحليل.
ثانيا
التغيير يبدأ بالإعتراف بالحوجه للقراءة الموضوعيه التي لا تخاف من النقد والمراجعه.. تبتعد من جراثيم التخوين والتشكيك ولاتسمح لمشاعر الإحباط والترهل وجلد الذات
ثالثا
الإيمان بأن الثورة ناجحة وإن التغيير عملية علميه يقودها العقل المنطقي وعلينا الالتزام بقوانين التغيير ومراجعة واقع حركة لجان المقاومه إستنادا على العلم المتمثل في اركان سايكولوجة القروب الاربع.... .
القراءه النقديه هي رسالة محبه تحارب الترهل والإنتظار... هي رسالة لنا جميعا قوى التغيير ولجان المقاومة واسطة عقدها... أن نجلس سويا نتعلم من تجاربنا نضئ طريق الوعي سويا ونسير في دروب النصر القريب..
بإذن الله

(2)
إبتداء عندما نقول أحزابنا الوطنيه فإننا نقصد كل أحزابنا التي تسعى لخدمة شعبنا من خلال بناء دولة المؤسسات والقانون ونزعم أنه لايخرج من هذا التعريف الا الأحزاب المتأسلمه التي تقوم على نهب موارد شعبنا لمصلحة شريحة واحده وتمارس الإقصاء والقمع لبقية شعبنا ولا تؤمن بالحريات ودولة القانون.
نؤمن إن أحزابنا الوطنيه والتي تمثلها ق ح ت والخارجين عليها قد سعت لبناء دولة المؤسسات وقد تعثرت في مسارها ونزعم إن لجرثومة العقل العاطفي دور أساسي في هذا الإخفاق المؤقت.
إن علم النفس السياسي يؤكد إن التغيير تحققه قوى التغيير لامحالة لأن لها الغلبه ومعها قوة الشعب غضبه وجبروته.. لايمنعها الإ إذا فقدت المقدره على معرفة وإستغلال مواطن قوتها وجبروتها. إن جرثومة العقل العاطفي هي ربان الفشل .. بحصارها للعقل المنطقي وإعطائها القياد للمشاعر المنفلتة والوعي الزائف.
نزعم ان جرثومة العقل العاطفي قد تسللت الى أحزابنا الوطنيه حيث نجد إن طاقة الغضب من الواقع والتي يفترض ان تكون طاقة بناء وبوصلة تضئ الطريق للهدف قد أصبحت طاقة مهدره في معارك داخليه تتأرجح بين جلد الذات والتخوين والتشكيك في الآخر. لذا لا نستغرب عندما نجدخطواتها في دروب التغيير متعثره تتأرجح بين الترهل والإنتظار أوالجمود ومحاولة إستولاد تجارب التاريخ.
يؤكد علم النفس السياسي أن قوى التغيير لامحالة قادر على هدم دولة القهر اذا توفرت لديها أركان القروب الإيجابيه والفاعله المتمثله في
1.الهدف الواضح.
إن الهدف لبناء دولة الحريه يجب ان يرتكز على تفكيك أركان دولة القهر الاربع الاجتماعيه الاقتصاديه القانونيه و الثقافيه.
كان واضحا إن ق ح ت لم تصل للوعي والاتفاق على أن هذا الهدف هو جوهر التحالف وأساسه. حيث تفاوت مدى الوعي بحتمية التفكيك وضرورته بين من يرى فترة الانتقال مرحلة إجرائيه للترتيب للإنتخابات وبين من يرى محاسبة الأفراد قمة أحلامه فلا تفكيكا في جهاز الدوله ولا قوانينها القمعيه ولا إرثها الثقافي الإقصائي. إن عدم الإتفاق على الهدف و رسم برنامج يعبر عنه كان بداية بذرة التشرذم وظهور صراعات في تفاصيل إدارة الفترة الانتقاليه.
إن الشرخ الحقيقي كان يتمثل في عدم وضوح الهدف قد قاد لمصيبة عدم الوعي بأهمية الآخر في التحالف وضرورة وجوده لتحقيق الهدف.
2.التنظيم والأدوار
إن ق ح ت كانت تفتقد للفاعليه التنظيميه حيث جمعت في دواخلها بعض أحزاب بلا وجود وتجمعات بلا فاعليه مع عدم وجود طريقة معلومه للإتفاق وإتخاذ القرارات...لتصبح المواقف تعكس ثقافة التراضي بين الموقعين ولا تعكس النبض الحقيقي للجماهير... لذا لم يكن غريبا عندما حصل الشقاق في تجمع المهنيين وغيره لم يحتكموا للقواعد لأنهم يعلمون انها قيادات لنقابات بلا تفويض فلم يجرؤ أحد للإحتكام للجماهير صاحبة الحق بالدعوه لقيام نقابات حقيقيه قادره على حسم الخلاف.
إن الخلل التنظيمي القاتل كان في عدم وجود علاقه مؤسسيه مع جهاز الدوله من سيادي و خاصة مجلس الوزراء الذي كان يمثل دور الإبن العاق لقوى التغيير التي أنجبته وفشلت في السيطره عليه بالمتابعه والإشراف وبدون سلطة التبديل إذا لم ترض عنه. فإنتهى بها المطاف بلا حيلة كما يقول المثل (قد ولدت ذنوبها) تجري وراءه تستجديه ان يسمع لها ولا تستطيع تأديبه ولا فرض رأي عليه.
هذا الشرخ إزداد إتساعه لغياب الشكل القيادي الفاعل. إن عدم وجود قيادة معلومه الأدوار جعل التحالف يفتقد ليس فقط للفاعليه بل يفتقدايضا للنظره الاستراتيجيه للعمل الجماعي ذو البرامج المعلومه و المسئوليات الواضحه
3.الإتصال والتواصل..
ان المقصود بالإتصال هو العلاقه الرأسيه بين القيادة والقواعد.. بينما التواصل هو الحوار المفتوح بين الجماهير لخلق الرأي العام والبرنامج الموحد. أحزاب وطنيه في غرفها المغلقه بلا قنوات ولا منابر ولا لقاءات دوريه مع جماهيرها.هذا الغياب التام للإتصال مع الجماهير لم يكن له نتيجه سوى هذا الحاجز والغربه بين الأحزاب وشعبنا .
4.الشفافيه
عدم الوضوح وعدم تمليك الحقائق كان السمة السائده والذي يعكس عقلية العمل الفوقي الذي ينسى ان قوته الحقيقيه تكمن في استصحاب الجماهير وتنظيمها.
إن الفشل في إرساء أركان نجاح القروب الأربع قد أدى الى فشل قوى التغيير في تحقيق التمازج المطلوب.
إن عدم التمازج جعل من طاقة الغضب بدل ان تكون طاقة بناء يلتف حولها الجميع فإنها أصبحت طاقة هدم وصراع بين قوى التغيير وإختلاف دائم.
إن علم النفس السياسي يؤكد إن الاختلاف يتحرك بين ثلاث محاور نفسيه هي
1.حالة التناقض وهي حالة القبول باختلاف الآخر
2.حالة التنافر وهي حالة صعوبة قبول الآخر والتعامل المتعثر مع الآخر.
3.حال التناحر وهي حالة رفض الآخر والإيمان بأن وجوده سيكون عائقا من تحقيقي الهدف لذا وجب إزالته.
إن قوى التغيير التي لا تؤمن بأهمية الآخر في تحقيق الهدف تغذي الاختلاف و لاتستطيع أن تسيطر عليه مما يجعله دائرا فقط في مرحلة التناحر... وعلاقة الاحزاب فيما بينهما ومع لجان المقاومه والنقابات دليل ساطع لفشلها في تجاوز مرحلة التناحر وسيطرة العقل العاطفي ومشاعر الغضب الهدام
إن جرثومة العقل العاطفي قد جعلت العقل المنطقي يترنح فاقدا للبوصله.. ولا حل أمامنا سوى البحث عن ترياق في بناء الوعي الفعال ومحاربة الوعي الزائف بالاتي
أولا
الإيمان بأن التغيير الحقيقي لن يتحقق الا بهدم اركان القهر الأربع و يحب ان تكون الهدف الذي لاعداه هدف.. والسعي لبناء العقد الإجتماعي والتحالف الواسع الذي يحتوي كل قوى التغيير.
ثانيا
إن التغيير لن يتحقق الا إذا آمنا بأهمية الآخر في تحقيق الهدف.. وقبلنا بالتناقض وتجاوزنا بإختلافنا مناطق التناحر والشقاق
ثالثا
الإعتراف بمسئوليتنا في الخطأ.. وتجاوز جلد الذات ومحاولات التبرير أوالتمترس إدعاء النقاء ورمي الخطأ على الآخرين..
رابعا..
فتح قنوات الاتصال والتواصل مع شعبنا فهو الأساس وقوته هي طاقة التغيير وجعل الشفافيه هادينا والسعي لتنظيمه وترتيب قواه...
أحبتي
لا نزعم إن علم السياسي يمتلك كل الاجابات.. ولا نزعم إنه يمتلك الحقيقه.. لكن نؤكد بأنه يسعى لإرساء ثقافة محاربة الصمت والجمود بالحوار والتشاور.. ومحاربة الوعي الزائف وجراثيم العقل العاطفي لأنه الطريق الوحيد لتحقيق حلمنا في نجاح ثورتنا وبناء دولة الحريه والمؤسسات...
فإن فعلنا فإننا حتما لمنتصرون...

مجدي إسحق

 

آراء