التفاعل الإيجابي مع ما يُحاك

 


 

 

 

الآلية الإفريقية رفيعة المستوى، برئاسة ثامبو إمبيكي، دعت نداء السودان للإجتماع بها في أديس أبابا يوم 9 ديسمبر/كانون الأول الجاري، وذلك في إطار ما يحاك الآن تجاه السودان. ونعتقد أن الدعوة وتلبيتها خطوة إيجابية، ولا نراها خيانة، ومع ذلك، لدينا ملاحظة. فرغم أن العملية التي انطلقت تتم بتنسيق بين المجتمع الدولي والإقليمي والآلية الرفيعة المكلفة من الإتحاد الأفريقي، إلا أن إطلاقها عبر عدة منابر، تشمل جوبا وأديس أبابا والدوحة وبرلين، وربما مدنا أخرى، يوحي بأنها ستسير في مسارات منفصلة، مما يهدد بأن يكون الناتج حلولا جزئية بعيدة عن الشمول، تُعيد إنتاج الأزمة.

صحيح قد تتوقف الحرب، وهذا يجد منا كل الترحيب والدعم، ولكن لن يكون هناك ما يمنع تجددها، ويمنع اختناق البلاد، خاصة وأن أوضاعها السياسية والاقتصادية، جعلتها على شفا حفرة من النار..!!

ومع ذلك أيضا، لا يعني حديثنا رفض هذه العملية أو الانعزال عنها. فالتفاعل الإيجابي من قبل القوى السياسية وقوى المجتمع المدني مع عمليات وحراك ما يحاك تجاه السودان، قبل التئام منابر التفاوض، ذو أهمية قصوى في مقاومة الحلول الجزئية، التي لا تخاطب جوهر الأزمة السودانية في شمولها، وفي بذل الجهد لتعديلها.

وبالمناسبة، نحن عندما ندعو إلى التفاعل الإيجابي مع المجتمع الدولي، لا نقصد فقط التفاعل مع الحكومات، وإنما أيضا مع منظمات المجتمع المدني والكيانات المدافعة عن حقوق الإنسان والمعادية للحرب، والتي تعمل لها حكومات البلدان الغربية ألف حساب، وأيضا مع المعارضة وغير ذلك من الفضاءات الشاسعة في هذه البلدان، والتي يمكننا اقتحامها وإرغام الحكومات ودوائر اتخاذ القرار فيها على الضغط في الاتجاه الصحيح الذي يراعي مصالح وحقوق الشعب السوداني…، شكرا للديمقراطية ولسيادة حكم القانون في هذه البلدان!.

وهناك قوى سياسية رئيسية، الحركات المسلحة، تنخرط الآن في حراك ما يحاك تجاه السودان، وتتفاعل إيجابا مع المجتمع الدولي، وتنتظر إشارة بدء المسارات. يجب علينا أن لا ننعزل عنها وأن لا نتركها لوحدها فريسة لتكتيكات المجتمع الدولي التي خبرناها، في السودان وغيره. فمن الأخطاء الكبيرة التي نعتقدها موجودة في مناهج المجتمع الدولي لفض النزاعات، تركيزه على حاملي السلاح فقط وإهمال قوى النشاط السلمي، مع أنها طرف أصيل في المعادلة، وتركيزه على مفهوم المشاركة في الحكم وإقتسام كراسي السلطة، وإهمال التفاصيل الأخرى التي بدونها ستكون هذه المشاركة وهذا الاقتسام لا جدوى لهما، إذ سيُغيّب الوافد أو المُشارك الجديد عن جوهر ميكانيزمات إدارة الدولة، خاصة في ملفاتها الخطيرة، وأقصى ما سيقوم به هو التوقيع على بعض الأوراق، أو التصريح للإعلام، مع الاستمتاع بالثرثرة مع أصدقائه في تلفون المكتب!.

التفاعل الإيجابي من قبل القوى السياسية وقوى المجتمع المدني مع عمليات وحراك ما يحاك تجاه السودان، قبل التئام منابر التفاوض، ذو أهمية قصوى في مقاومة الحلول الجزئية، التي لا تخاطب جوهر الأزمة السودانية في شمولها

وما يحاك تجاه السودان له تبعاته تجاه أمن واستقرار إقليم القرن الأفريقي المليء بالألغام، وما بعد نطاق الإقليم، سوى بالنسبة لقضية الهجرة غير المنظمة إلى أوروبا، أو قضية تجفيف منابع الإرهاب، أو ما يجري في جنوب السودان وليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى واليمن وغيرها، أو أمن البحر الأحمر، وغير ذلك من القضايا التي ألمح إليها بيان مجلس الإتحاد الأوروبي الذي أشرنا إليه في المقال السابق، وأكّدها سفير دولة أوروبية كبرى في الخرطوم عندما صرّح بأنهم، المجتمع الدولي، لن يسمحوا بانهيار الاقتصاد السوداني الذي تبدو إرهاصاته وشيكة، مضيفا بأن استمرار تماسك الدولة السودانية في وجه الأزمة الاقتصادية لم يعد مهمة السودان وحده، لأن المجتمع الدولي يتشارك تبعات ما قد ينجم من انهيار الاقتصاد السوداني وتأثيره المباشر على الشعب، وعلى الاستقرار في السودان والاقليم على حد سواء. وأعتقد أن هذا الحديث مدعاة لأن تعمل القوى السياسية السودانية، المدنية والمسلحة، لخلق تحالف وثيق مع المجتمع الدولي والإقليمي، لمنع هذا الانهيار الوشيك، والذي قطعا سيأتي معه انهيار الدولة السودانية في مجملها. أما مساهمتنا في هذا التحالف فهي تمسكنا بالحل السياسي الشامل الذي يعالج جذور الأزمة السودانية وليس تمظهرها أو تجلياتها السطحية.

ما ينتظره الشعب السوداني من الذي يحاك تجاه السودان، الآن أو في أي وقت آخر، وعبر أي وسيلة أخرى من وسائل التغيير، هو المحصلة النهائية للحياكة، وما إذا كانت ستنجح فعلا في وقف الحرب، وانتزاع البلاد من فك نظام الحزب الواحد لصالح دولة الوطن، وبسط السلام المستدام والتحول الديمقراطي، وتخفيف وطأة شظف العيش على الناس. وإذا كانت القوى السياسية السودانية، المدنية والمسلحة، تسعى فعلا لتحقيق إرادة الشعب السوداني، كما تدعي، فعليها وضع هذا الهدف وهذه المحصلة نصب أعينها، سوى في مسارات الحل السياسي المتفاوض عليه، أو في ميادين النضال الأخرى. أما مفتاح الانتصار الرئيسي في كل هذه الميادين، فهو الوحدة، في الرؤية وفي الموقف الإستراتيجي، والعلانية وتمليك الحقائق للجماهير، ورفض الصفقات ومساومات وتسويات الظلام.

ومن المؤكد أن مسار الحل السياسي المتفاوض عليه، في الغالب لن يأتي بما تشتهي السفن، ولن يحقق الهدف، أو المحصلة النهائية التي ينتظرها الشعب، من الوهلة الأولى، وبضربة لازب. ومع ذلك، فهو قد يخلق واقعا، أو (فورمات)، جديدا يفتح الطريق أمامنا لتحقيق انتصارات متتالية في اتجاه الأهداف التي ينتظرها الشعب، أو يهيئ مناخا ملائما لنهوض الحراك الجماهيري وتلبية شروط مسارات المقاومة الأخرى.

من زاوية أخرى، فإن تعاملنا مع المجتمع الدولي لا يعني قبولنا بما سيطرحه، والبصم عليه. فنحن لا يتملكنا أي وهم بأن الحلول التي يقدمها المجتمع الدولي لفض النزاعات وعلاج الأزمات، ستأتي دائما إيجابية وستنجح في تحقيق ما نصبو إليه من أهداف نبيلة. بل العكس، هذه الحلول قد تؤثر سلبا على واقع الأزمة في بلداننا.

نقلا عن القدس العربي

 

آراء