التَرتِيبَاتْ المُؤسَسِيَّة لإجْراء انتخابات نَزِيهَة (4 – 5)
د. سَامِي عبد الحليم سَعيد
21 February, 2022
21 February, 2022
رابعاً: غياب المفوضية
لقد قام النظام الحاكم، تحت قيادة عمر البشير بتكوين مفوضية قومية للإنتخابات، للأشراف على الانتخابات العامة بموجب قانون الانتخابات لسنة 2008. و قد تم تكوين تلك المفوضية بغرض إضفاء المشروعية على الانتخابات التي ظل ينظمها النظام الدكتاتوري وقتها، و بالتالي لم تنل تلك الانتخابات إهتمام المواطنين، و لم تكن مُحفزة للإحزاب السياسية للتنافس في ظلها. و من ضمن المؤسسات التي كانت ذات صلة بالانتخابات العامة في ذلك الوقت، كان مجلس تنظيم الاحزاب السياسية و مفوضية حقوق الانسان. لقد ظلت تلك المؤسسات الثلاثة قيد الدراسة و التفكير بغرض إعادة هيكلتها او إعادة صياغة قانونها، حتى تفي بالمعايير المطلوبة لتلك المؤسسات، و حتى تكون فاعلة في عملية تأسيس الديمقراطية في السودان. بالتأكيد لا يجب أن تكون تلك المؤسسات ديكور في المشهد العام للإنتخابات، بل لها ادوار مهمة، في إدارة العملية الانتخابية و في مراقبتها، و في كفالة الحقوق، و في تقديم الآراء الفنية الآزمة.
مجلس شئون الاحزاب، و المفوضيات:
منذ بداية الفترة الانتقالية، و بعد تكوين الحكومة ظلت المساعي و الجهود متواصلة من أجل إجراء إصلاحات تشريعية و مؤسسية، في تلك الهيئآت و بجعلها قادرة بالقيم بدورها بصورة فعالة. إلا أنه و حتى يومنا هذا لم يتم إجراء تلك الاصلاحات المطلوبة. و كانت وزارة العدل قد وضعت مشروعا لقانون إنشاء مفوضية انتخابية جديدة في سبتمبر 2021 ؛ و كانت تلك الوثيقة بداية حقيقية للشروع في وضع الاساس التشريعي و المؤسسي للنظام الانتخابي. و بمثل ذلك فعلت وزارة شئون مجلس الوزراء، حين طرحت مشروعا لقانون تسجيل و تنظيم الاحزاب السياسية، إلا أن ذلك المجهود لم يغادر مرحلة صياغة النسخة الأولية. أما مفوضية حقوق الانسان، يجب ان يتم تكوينها وفق المعايير العالمية للمفوضيات و اللجان الوطنية لحقوق الانسان، بحسب ما أقره مجلس حقوق الانسان في عام 1993 فيما عرف بمبادئ باريس لمؤسسات حقوق الانسان. إلا أن مفوضية حقوق الانسان لم يتم تكوينها حتى الآن و قد قام مجلس السيادة بتعيين مجموعة من الخبراء كهيئة مؤقتة إلى حين إستكمال الترتيبات المتصلة بتكوين مفوضية لحقوق الانسان وفق مبادئ باريس. نفس الأمر ينعكس على مفوضية المرأة. و بغياب تلك المؤسسات، من الصعب جداً الحديث عن إجراء إنتخابات حرة و نزيهة، إذ أن على تلك المؤسسات أن تكون موجودة أولاً، لقيادة التخطيط والتنسيق للانتخابات و أن يكون وضع قانون اللجنة الانتخابية وإنشاء المفوضية من المهام ذات الأولوية القصوى. يجب أن يكون القانون والمفوضية مؤسسات انتقالية ، وخاضعة للتعديل أو الإلغاء من قبل البرلمان المنتخب في المستقبل.
تسجيل الناخبين:
بجانب الترتيبات التشريعية و المؤسسية، من المهم كذلك الانتباه الى العديد من التحضيرات اللوجستية، المتصلة بإستكمال سجلات الناخبين، و وضع سياسات متصلة بالناخبين الرحل و في مواقع النزوح و المهاجرين و اللآجئين. بجانب ترتيبات متصلة بمواجهة ظروف الامطار الموسمية و تفشي جائحة كرونا.
يعد تجميع سجل الناخبين هو الجزء الأكثر إزعاجا و تعقيدا و يتطلب الكثير من المال و الوقت و الخبرة الفنية. و هذه العملية مهمة لانها المؤشر الذي بموجبه يمكن الحُكم على العملية الانتخابية بانها ناجحة. إن السجلات المتاحة حاليا هي سجلات قديمة، إذ أن آخر سجلات تم إعدادها بصورة مهنية و بمساعدة من الامم المتحدة، كانت في عام 2010 خلال العملية الانتخابية التي تلت توقيع إتفاقية السلام الشامل في 2005. بعد ذلك التاريخ تم تنظيم عملية إنتخابية بدون إعتراف سياسي و لا دعم دولي، و ذلك كان في عام 2015. خلاصة القول إن تلك السجلات لم تعد مناسبة و لا تعكس الواقع السكاني، و لا تحصر المواطنين الذين لهم حق الانتخاب.
الإحصاء السكاني:
أي تخطيط لعملية إنتخابات في السودان، ستتواجه بعدد من الصعوبات التي تتعلق بالإحصاء السكاني، فالسودان يعاني من عدم وجود بيانات سكانية موثوقة وحديثة. و يكتسب الاحصاء السكاني حيوية خاصة في النظام الانتخابي لاتصاله بعمليات أخرى مثل تحديد الدوائر الجغرافية. بشكل عام ، يجب رسم الحدود الانتخابية باستخدام بيانات التعداد الحديثة والسليمة إحصائيًا ؛ و يجب أن تكون البيانات السكانية متوفرة في وقت مبكر جدًا من الجدول الزمني المحدد للإنتخابات. لا شك، إن إعداد تلك السجلات أمر شاق جداً خصوصا في بلد مثل السودان ظلت تعاني فيه الادارات الحكومية من الاهمال و عدم التحديث و التجديد و عدم وجود نظام الكتروني فعال لحفظ المعلومات و البيانات.
سوف يحتاج تحديد موعد للانتخابات في السودان، إلى مراعاة الظروف و العوامل الموسمية، التي ظلت على الدوام عوامل مؤثرة في الانتخابات في السودان، مثل صلاحية الطرق في الارياف، و إنقطاع بعض الانحاء عن بقية الدولة بفعل السيول و الفيضانات. تحتاج الأحزاب السياسية والمرشحون إلى الوصول دون عوائق للمواطنين و لمراكز الانتخابات في جميع أنحاء البلاد. كما قد لا يضمن موسم الأمطار وصول مفوضية الانتخابات والناخبين والأحزاب والمرشحين إلى مؤسسات و مكاتب و لجان العملية الانتخابية.
و من جهة أخرى، منذ تفشي وباء كوفيد -19 ، تعطلت العديد من الأنشطة الكبيرة بما فيها المؤتمرات و الإجتماعات الكبيرة بما في ذلك اداء فريضة الحج و العمرة و بطولات كرة القدم، و من ضمن ذلك ايضاً تعطلت العمليات الانتخابية في جميع أنحاء العالم. و تعرضت العمليات الانتخابية الى التأجيل وتغيير طرائق ممارسة الحقوق االنتخابية، و تنوعت طرائق تنفيذها في ظل قواعد الصحة العامة المتغيرة ديناميكيًا. مع استمرار تفشي الوباء و ظهور نسخ جديدة متحورة منه ، ستحتاج الانتخابات المقبلة في السودان إلى التخطيط الدقيق لتكون آمنة من فيروس كوفيد.
و إستناداً على كل ذلك، لا يمكن اعلان إنعقاد الانتخابات العامة في يوليو 2013 كما تم تناقله عبر الوسائط، بدون مراعاة المشاكل التي أثرناها في هذا المقال. و كذلك لا يمكن إنعقاد إنتخابات حرة بدون الشروع بصورة مبكرة في وضع تلك التدابير اللآزمة لانجاح هذه الانتخابات.
advosami@hotmail.com
لقد قام النظام الحاكم، تحت قيادة عمر البشير بتكوين مفوضية قومية للإنتخابات، للأشراف على الانتخابات العامة بموجب قانون الانتخابات لسنة 2008. و قد تم تكوين تلك المفوضية بغرض إضفاء المشروعية على الانتخابات التي ظل ينظمها النظام الدكتاتوري وقتها، و بالتالي لم تنل تلك الانتخابات إهتمام المواطنين، و لم تكن مُحفزة للإحزاب السياسية للتنافس في ظلها. و من ضمن المؤسسات التي كانت ذات صلة بالانتخابات العامة في ذلك الوقت، كان مجلس تنظيم الاحزاب السياسية و مفوضية حقوق الانسان. لقد ظلت تلك المؤسسات الثلاثة قيد الدراسة و التفكير بغرض إعادة هيكلتها او إعادة صياغة قانونها، حتى تفي بالمعايير المطلوبة لتلك المؤسسات، و حتى تكون فاعلة في عملية تأسيس الديمقراطية في السودان. بالتأكيد لا يجب أن تكون تلك المؤسسات ديكور في المشهد العام للإنتخابات، بل لها ادوار مهمة، في إدارة العملية الانتخابية و في مراقبتها، و في كفالة الحقوق، و في تقديم الآراء الفنية الآزمة.
مجلس شئون الاحزاب، و المفوضيات:
منذ بداية الفترة الانتقالية، و بعد تكوين الحكومة ظلت المساعي و الجهود متواصلة من أجل إجراء إصلاحات تشريعية و مؤسسية، في تلك الهيئآت و بجعلها قادرة بالقيم بدورها بصورة فعالة. إلا أنه و حتى يومنا هذا لم يتم إجراء تلك الاصلاحات المطلوبة. و كانت وزارة العدل قد وضعت مشروعا لقانون إنشاء مفوضية انتخابية جديدة في سبتمبر 2021 ؛ و كانت تلك الوثيقة بداية حقيقية للشروع في وضع الاساس التشريعي و المؤسسي للنظام الانتخابي. و بمثل ذلك فعلت وزارة شئون مجلس الوزراء، حين طرحت مشروعا لقانون تسجيل و تنظيم الاحزاب السياسية، إلا أن ذلك المجهود لم يغادر مرحلة صياغة النسخة الأولية. أما مفوضية حقوق الانسان، يجب ان يتم تكوينها وفق المعايير العالمية للمفوضيات و اللجان الوطنية لحقوق الانسان، بحسب ما أقره مجلس حقوق الانسان في عام 1993 فيما عرف بمبادئ باريس لمؤسسات حقوق الانسان. إلا أن مفوضية حقوق الانسان لم يتم تكوينها حتى الآن و قد قام مجلس السيادة بتعيين مجموعة من الخبراء كهيئة مؤقتة إلى حين إستكمال الترتيبات المتصلة بتكوين مفوضية لحقوق الانسان وفق مبادئ باريس. نفس الأمر ينعكس على مفوضية المرأة. و بغياب تلك المؤسسات، من الصعب جداً الحديث عن إجراء إنتخابات حرة و نزيهة، إذ أن على تلك المؤسسات أن تكون موجودة أولاً، لقيادة التخطيط والتنسيق للانتخابات و أن يكون وضع قانون اللجنة الانتخابية وإنشاء المفوضية من المهام ذات الأولوية القصوى. يجب أن يكون القانون والمفوضية مؤسسات انتقالية ، وخاضعة للتعديل أو الإلغاء من قبل البرلمان المنتخب في المستقبل.
تسجيل الناخبين:
بجانب الترتيبات التشريعية و المؤسسية، من المهم كذلك الانتباه الى العديد من التحضيرات اللوجستية، المتصلة بإستكمال سجلات الناخبين، و وضع سياسات متصلة بالناخبين الرحل و في مواقع النزوح و المهاجرين و اللآجئين. بجانب ترتيبات متصلة بمواجهة ظروف الامطار الموسمية و تفشي جائحة كرونا.
يعد تجميع سجل الناخبين هو الجزء الأكثر إزعاجا و تعقيدا و يتطلب الكثير من المال و الوقت و الخبرة الفنية. و هذه العملية مهمة لانها المؤشر الذي بموجبه يمكن الحُكم على العملية الانتخابية بانها ناجحة. إن السجلات المتاحة حاليا هي سجلات قديمة، إذ أن آخر سجلات تم إعدادها بصورة مهنية و بمساعدة من الامم المتحدة، كانت في عام 2010 خلال العملية الانتخابية التي تلت توقيع إتفاقية السلام الشامل في 2005. بعد ذلك التاريخ تم تنظيم عملية إنتخابية بدون إعتراف سياسي و لا دعم دولي، و ذلك كان في عام 2015. خلاصة القول إن تلك السجلات لم تعد مناسبة و لا تعكس الواقع السكاني، و لا تحصر المواطنين الذين لهم حق الانتخاب.
الإحصاء السكاني:
أي تخطيط لعملية إنتخابات في السودان، ستتواجه بعدد من الصعوبات التي تتعلق بالإحصاء السكاني، فالسودان يعاني من عدم وجود بيانات سكانية موثوقة وحديثة. و يكتسب الاحصاء السكاني حيوية خاصة في النظام الانتخابي لاتصاله بعمليات أخرى مثل تحديد الدوائر الجغرافية. بشكل عام ، يجب رسم الحدود الانتخابية باستخدام بيانات التعداد الحديثة والسليمة إحصائيًا ؛ و يجب أن تكون البيانات السكانية متوفرة في وقت مبكر جدًا من الجدول الزمني المحدد للإنتخابات. لا شك، إن إعداد تلك السجلات أمر شاق جداً خصوصا في بلد مثل السودان ظلت تعاني فيه الادارات الحكومية من الاهمال و عدم التحديث و التجديد و عدم وجود نظام الكتروني فعال لحفظ المعلومات و البيانات.
سوف يحتاج تحديد موعد للانتخابات في السودان، إلى مراعاة الظروف و العوامل الموسمية، التي ظلت على الدوام عوامل مؤثرة في الانتخابات في السودان، مثل صلاحية الطرق في الارياف، و إنقطاع بعض الانحاء عن بقية الدولة بفعل السيول و الفيضانات. تحتاج الأحزاب السياسية والمرشحون إلى الوصول دون عوائق للمواطنين و لمراكز الانتخابات في جميع أنحاء البلاد. كما قد لا يضمن موسم الأمطار وصول مفوضية الانتخابات والناخبين والأحزاب والمرشحين إلى مؤسسات و مكاتب و لجان العملية الانتخابية.
و من جهة أخرى، منذ تفشي وباء كوفيد -19 ، تعطلت العديد من الأنشطة الكبيرة بما فيها المؤتمرات و الإجتماعات الكبيرة بما في ذلك اداء فريضة الحج و العمرة و بطولات كرة القدم، و من ضمن ذلك ايضاً تعطلت العمليات الانتخابية في جميع أنحاء العالم. و تعرضت العمليات الانتخابية الى التأجيل وتغيير طرائق ممارسة الحقوق االنتخابية، و تنوعت طرائق تنفيذها في ظل قواعد الصحة العامة المتغيرة ديناميكيًا. مع استمرار تفشي الوباء و ظهور نسخ جديدة متحورة منه ، ستحتاج الانتخابات المقبلة في السودان إلى التخطيط الدقيق لتكون آمنة من فيروس كوفيد.
و إستناداً على كل ذلك، لا يمكن اعلان إنعقاد الانتخابات العامة في يوليو 2013 كما تم تناقله عبر الوسائط، بدون مراعاة المشاكل التي أثرناها في هذا المقال. و كذلك لا يمكن إنعقاد إنتخابات حرة بدون الشروع بصورة مبكرة في وضع تلك التدابير اللآزمة لانجاح هذه الانتخابات.
advosami@hotmail.com