الجامعات السودانية فى محنةٍ

 


 

 


elkusan67@yahoo.com
بقلم / آدم جمال أحمد – سيدنى - استراليا
كثرت فى الأونة الأخيرة أحداث العنف وإقتحام الشرطة وقوات الأمن لحرم الجامعة ، وصارت الجامعات السودانية تعيش فى محنة وحالة رعب وخوف من قتل وإستخدام السلاح الأبيض والسيخ والحجارة وتحطيم وتدمير المنشئات وإعتصامات وتعطيل للدراسةٌ ، هكذا صار الحرم الجامعى فى كل الجامعات السودانية ، نسخةٌ من الشارع من فوضى وترويع للطلاب ، حال بلا مثيل يؤكد قتامة الصورة ، فى إرتكاب أبشع أعمال العنف والجرائم ، حتى صار عشرات الطلاب يموتون نتيجة لضحايا العنف السياسى المبرر وغير المبرر وأصبح سلاح العنف أقرب الى يد الطالب من القلم رغم أن السياسة عرفت أضابير الجامعات منذ وقت بعيد ، لكن الجامعات السودانية لم تشهد عنفاً بهذه الصورة التى نراها اليوم ، إلا فى ظل هذه الحكومة طوال ربع قرن من الزمان ، رغم أن العنف السياسى له أسباب متعددة منها الثقافية والدينية والإجتماعية ، والتى يمكن أن تتحول الى عنف لفظى او جسدى ، ولكن بعد ثورة التعليم العالى ظهرت أشكالاً من العنف غير السياسى فى الجامعات والمدارس الثانوية يعود مرده الى التغيرات التى حدثت فى المجتمع السودانى من جراء العولمة والأوضاع الإقتصادية المتردية والتى تنعكس بصورة أو بأخرى على أنماط سلوك الأفراد ، أما بالنسبة للمجتمع الجامعى هناك إحباطات تتعلق بالمستقبل المظلم والبطالة مما يقود الى شيوع أنماط من الإحتجاجات العنيفة كالعنف والقتل كما حدث فى جامعة الخرطوم مؤخراً ، وأيضاً هناك شيوع نمط من السلوك الإجتماعى المتعلق بالعلاقة بين الجنسين وهو سلوك غريب ومنافى للقيم والتقاليد الإجتماعية فى السودان مما ولد ردود أفعال عنيفة من بعض الأفراد دفاعاً عن القيم والتقاليد قد تصل أحياناً الى القتل وإزهاق الأرواح ، وبالعودة لتاريخ جامعة الخرطوم هناك أسباب سياسية وثقافية وإجتماعية وفنية ، فأول نموذج كان حادثة مقتل الشهيد القرشى فى العام 1964 م فى صدامات مع الشرطة والطلاب ، وهناك أسباب فنية ففى العام 1965م مثلاً حينما تم حل الحزب الشيوعى صاحب ذلك أحداث عنف وسط الطلاب ، ثم حادثة (العجكو) فى العام 1968م ، ثم حادثة مقتل الطالبة التاية فى بداية التسعينات ، وكذلك هناك أسباب ثقافية رقصة الباستيل التى أعقبتها أحداث عنف بحضور الصادق المهدى والسفير الفرنسى ، وفى التسعينيات من القرن الماضى وقعت حوالى أربعة حوادث إغتيال فى الجامعات وفى الشهر الماضى وقعت حادثتين فى جامعة الخرطوم لأسباب إجتماعية ، وحتى الطلاب الذين سقطوا فى جامعة الخرطوم وغيرها من الجامعات فى الفترات السابقة قلة ، أما الآن فلا يكاد يمر يوماً إلا ويسقط طالب هنا وآخر هناك ، وأخرهم مقتل طالب جامعة الخرطوم على أبكر موسى إدريس فى مؤشر خطير يجعلنا نقرع جرس إنذار الخطر ونطالب فيها بتشكيل لجنة لتقصى الحقائق وتقييم الوضع فى الجامعات السودانية التى أضحت ساحة للتحارب والإقتتال لا منارات للعلم أو قبلة للمعرفة ، فالسؤال الذى يطرح نفسه هل فرض العنف والصراع السياسى للدولة نفسه على ساحات العلم والمعرفة وروابط الوعى ؟.. أم أن هنالك أسباب أخرى جعلت من جامعاتنا السودانية ساحات للعنف والإقتتال؟.. مما جعل من طلابنا وحوشاً تفترس بعضها؟ .. هذا بالإضافة إلى تعطيل الدراسة وإغلاق الكليات ، حتى أضحى عند الطلاب يحمل كل صباحٍ وكل لحظة إحتمال الإشتعال فى أى جامعة ، لأى سببٍ بعيدًا عن الخاطر والحساب والتوقُعات ، ولا سيما أن العنف الطلابى هو ردة فعل طبيعى لعجز التنظيمات السياسية تجاه الأطروحات الفكرية العقلانية ، لذلك نجد أن العنف يأتى من طلاب المعارضة عموماً نتيجة لقمع الأنظمة الشمولية وتحيز إدارات الجامعات الى فئة معينة تمثل تلك الأنظمة ، وأحداث العنف الطلابى قد تأخذ أشكالاً مختلفة منها ما هو صراع بين التنظيمات الطلابية ، تكون فى شكل إشتباكات وصدامات تحدث داخل الحرم الجامعى ، ومنها ما هو موجه ضد الإدارة فى شكل إحتلال لمكاتب الادارة أو الإعتصامات وقد تتطور الى عنف بسبب مطالب طلابية تتعلق بالإعاشة والسكن والرسوم أو غيرها ، وأحياناً يأخذ شكلاً ضد السلطة كالمظاهرات الطلابية والإحتجاجات المختلفة والتى دائماً ما يروح ضحيتها طلاب أبرياء.. فلذلك من الطبيعى أنه كلما زاد الكبت زاد العنف ولذلك يجب أن يتوفر مزيداً من الحريات لطلاب الجامعات لتقليل العنف والحد منه وعلى الدولة أن تتدخل لبسط مزيد من الحريات فى كل المجالات ، وكما يتحتم على الطلاب إحترام الطرف الآخر وعدم التعدى عليه وعلى التنظيمات أن تبنى موجهاتها على قبول الرأى الآخر مهما كانت الإختلافات وهذا ما تفتقده بعض التنظيمات السياسية مما يقود الى عنف لفظى سريعاً ما يتحول الى عنف مادى يستخدم فيه السلاح الأبيض والسيخ.
ويعتبر العنف الطلابى فى الجامعات السودانية نتاج طبيعى لإفرازات ثورة التعليم العالى ، والتى لم تراع جوانب كثيرة منها العمر الحقيقى للمنتسبين للجامعات ، وضعف المقرر الجامعى ، وإفتقار المادة العلمية والضغوطات الإقتصادية والمادية والنفسية ، مما جعل الطلاب بأن يكونوا أكثر عنفاً ، كما أن التعامل الذى يقوم على القبلية والجهوية داخل الجامعات وبين أعضاء الحزب الواحد وتبجيل شخصيات بعينها حتى وإن كانت على خطأ صعد من وتيرة العنف داخل الجامعات ، وجعل الهتر فى الخطاب السياسى سمة لا تبارح أركان النقاش ، فلذلك أن ما تعانيه الجامعات السودانية من عنف سياسى وتردى أكاديمى لا تقع مسئوليتِه على طرفٍ واحد ، أنه مناخ عام يشترك فيه الجميع ، من أمتهنوا السياسةَ ، المسئولون بالجامعات ، أعضاء هيئات التدريس ، الطلاب ، الإعلام ، يستحيل أن يقوى أى منهِم وحدِه على إحداث هذا القدرِ غير المحدودِ من التدهور ، أول أطراف المسئولية هم من رفعوا لافتات السياسة فى الجامعات ، من رأوا ساحاتِها إمتداداً للشارعِ ، من جعلوا الطلاب أدواتاً لأجنداتهم ومخططاتهم للسيطرة والإنتشار والدعاية ، من الطبيعى أن تنقسم الجامعات بين المذاهب والمعتقدات والأفكار ، ولكن مع مناخِ التعصب والإنغلاق على الذات يغيب الحوار ويتغلب العنف والتعصب وتتحول كل مشكلة ولو كانت عن السياسة بعيدة إلى مزايدات وصراعات سياسية وهو ما تشهده الجامعات السودانية ، وهناك خطر داهم جداً لابد من النظر إليه بعين الإعتبار وهو أن أغلب الطلاب والكوادر أصبحوا يدخلون الجامعات وهم يحملون أسلحة بيضاء من مطاوع وسكاكين ، مما يوحى كأنه بأن هناك خلل نفسى لدى الطلاب الذين يمارسون السياسة ودافعه السعى وراء الشهرة من خلال المهاترة والعنف مما جعل الكثير منهم يجهل بأن السياسة هى لغة الحوار وقبول الرأى الآخر ، وهذا يقودنا للمستوى السياسى بالجامعات فقد أصبح الكادر السياسى ذو إتجاه حاد فى تصنيفه للجماعات المعارضة ، مما دفع الكثيرين منهم الى التعامل مع الآخر بإعتباره عدو وليس صاحب رأى . أما بالنسبة للجرائم التى تقع على خلفية غير سياسية فمثل هذه الجرائم جاءت نتيجة لخلل إجتماعى ، ومن واجب الأسر الإنتباه الى أبنائها مهما كانت أعمارهم ، فهى مسؤوليتها ومسؤولية المجتمع ، لأن الطلاب هم عنصر بناء المجتمع ، فالعنف أصبح وسيلة سياسية داخل الجامعات والطالب يتعامل مع زملائه دون قيود أو قوانين مما يمكنه من فعل الأشياء التى يرتكبها في الشارع العام دون حياء ، وعلى إدارات الجامعات تطوير أنظمة الحراسة وتأهيل الحرس الجامعى إدارياً وقانونياً ووضعهم على البوابات الرئيسية للجامعات للإطلاع على بطاقات تحقيق الشخصية وتفتيش الطلاب وحقائبهم ضمن أنظمة التفتيش الحديثة كما يشاهد فى المطارات ، وتفتيش جميع السيارات الداخلة لمنع أى عناصر خارجة أو ممنوعات ، وكذلك وضع مناهج تناسب أعمار الطلاب ، ومناشدة جميع الأحزاب والتنظيمات السياسية أن تنتبه الى مكاتب الطلاب داخل الحزب ودراسة النشاط السياسى وربطه بالقيادة مباشرة حتى تتمكن من ضبط عضويتها والإشراف عليها فى سبيل المحافظة على أرواح الطلاب بإعتبارهم رصيد الأمة ومستقبل السودان والقيادات القادمة.
ولنا عودة ..........
آدم جمال أحمد  -    استراليا – سيدنى  -    13 مارس 2014 م

 

آراء