الجماهير ترقص على انغام الوطن

 


 

 

المنهجية دائما تدفع الباحثين أن يجاوبوا على الأسئلة التي تطرح من قبل الظاهرة السياسية، و محاولة لفهم انعكاسات الظاهرة على المجتمع ،و على المسرح السياسي، و مستقبلها مقارنة بتاريخيتها، خاصة إذا فرضت الظاهرة على الشعب أن يتدخل مرتين لكي يقدم رؤيته. و تدخل الشعب إذا حاولنا مقارنته بظاهرة ثورات الربيع العربي و إرتداداتها، نجد أن الشعب السوداني ظل متمسكا برؤيته حول ديمقراطية الدولة، و مدافعا عنها، بل أن الشعب ظل هو متحكما في ميزان القوى في المجتمع.
بعد سقوط النظام كان الشعب قد طرح شعاره " حرية سلام و عدالة" و كان يعتقد أن ثلاثين عاما عجافا كانت كافية أن يتعلم السياسيون أن طريق الديمقراطية هو الطريق الأفضل، و يجب عليهم أن يشرعوا مباشرة في تشييد المؤسسات التي تعزز منها في المجتمع، و تخرج الأحزاب في ثوب سياسي قشيب تتفاعل مع الجماهير، و تدفعها دائما للمشاركة لكي توسع قاعدة الشباب في العمل السياسي، لكن الأحزاب لم تعي الدرس و أهملت تكوين المؤسسات الديمقراطية حتى لا تكون حجر عثرة أمام الرغبات الخاصة و الحزبية. لذلك خرج الشعب للمرة الثانية ليقول الكلمة الفصل " الدولة المدنية الديمقراطية" ملحقا بها بشعاره الأول، لآن الدولة الديمقراطية تبني على " حرية – سلام – عدالة" الشعب لم ينتصر لفصيل ضد الأخر، بل أنتصر للوطن، و عزز من قيمة الوطن. هل القوى السياسية جمعيها و العسكريين و غيرهم في الساحة قد فهموا الدرس. أم مايزالون يتكالبون على السلطة كما تتكالب الأكلة على قصعتها....!
خرجت الجماهير يوم 21 أكتوبر، لكي تصحح الأخطاء، لا لكي تنتصر لجانب على الأخر، بل لكي ترد الجميع لجادة الطريق، و أنها السلطة العليا في الساحة السياسية، و تؤكد أنها متمسكة بالدولة المدنية الديمقراطية. المتابع لكل الحراك الذي جرى في البلاد، يجد أن الشعار المتفق عليه من قبل الجميع هو شعار " الدولة المدنية الديمقراطية" و هذه الدولة المعرفة بمدنيتها و ديمقراطيتها تتطلب التعامل معها بشروط الديمقراطية، ليس بشروط تكتلات و تحالفات و عسكرية، أنما بالوضوح و الشفافية و احترام القوانين و التعامل من خلال المؤسسية و غيرها. أن الشعار أصبح هو المعتمد من قبل الجماهير، و لا جدال و لا تفاوض و لا مساومة حوله. أما الشعارات الباقية هي شعارات محمولة على حوامل حزبية و تكتلات سياسية، هي شعارات لا تخدم عملية التحول الديمقراطي في البلاد، أنما كل يناجي ليلاه.
أن الديمقراطية لا تقبل فرض الأراء بالقوة ،أو بالقسر، أنما بالحوار الجاد. و مطالب من كل تحالف أو تجمع أو تكتل أن يقدم رؤيته بشكل واضح للشعب السوداني أنطلاقا من شعار " الدولة المدنية الديمقراطية" رؤيته في عملية إنجاح مهام الفترة الانتقالية المطالب فيها أن تحضر البيئة الصالحة لإجراء انتخابات نزيهة يختار فيها الشعب الذين يمثلونه. كما أن الديمقراطية تطالب الجميع أحترام الوثائق و الاتفاقات بينهم، لا تكسيرها و النكوص عنها، من إيجابيات هذه الأزمة، أنها أظهرت أن الشعب يقظ على ثورته و لا يجامل في مشروعها الديمقراطي، و أيضا من إيجابياتها أن الكل أصبح يتحدث عن الديمقراطية باعتبارها خيار الشعب، قبل الأزمة التي جاءت بعد عملية " الانقلاب العسكري" كانت العلاقة سمنه على عسل بين العسكريين و قحت، و قد اسقطت هذه العلاقة تماما من خطابها السياسي مصطلح " التحول الديمقراطي" الكل كان مفتون بالسلطة، و راغبا في تمديدها لعشرة سنوات و ما فوق، و ظلت السلطة هي محور الصراع بين الفرقاء، و بات الشعب يتضور جوعا و انعدام للخدمات، و أهمل تكوين المؤسسات التي تعزز من الديمقراطية و العدالة و التحضير للانتخابات و الإحصاء. السؤال لماذا القوى السياسية القابضة علي السلطة نسيت أنها في فترة انتقالية لها أهداف محددة منصوص عليها في الوثيقة الدستورية و يجب عليها أن تشرع في تشكيل مؤسسات الديمقراطية؟
لكن دائما: أن صراع السلطة يقود للمصادمة، و كانت خيرا على الوطن، و خسر فيها أصحاب المصالح الخاصة و الحزبية، حيث الكل استيقظ علي هدير الشارع أنه مراقب الوضع السياسي بيقظة تامة. الإيجابية أن الكل الآن يتحدث عن المدنية و الديمقراطية و تشكيل المؤسسات العدلية و التشريعية و و المفوضيات و غيرها من البناءات التي تسير بالوطن على طريق الديمقراطية بعد ما تم نسيانها. خسر كل الذين ساروا في طريق غير طريق الوطن. الكاسب من هذه المعركة وحده الشعب و الوطن. السؤال هل استوعبت كل النخب السياسية بكل تياراتها الفكرية الدرس أم أنهم يمدون في طغيانهم يعمهون؟ نسأل الله حسن البصيرة.

zainsalih@hotmail.com

 

آراء