الجيش والسقوط في امتحانات المهنية

 


 

 

الجيش وما أدارك ما الجيش، هذه المؤسسة السودانية العجيبة، كل الشعب السوداني يعرف إنها تحولت إلى مؤسسة سياسية استثمارية خاصة عاجزة عن القيام بدورها المهني الوطني بشفافية وأمانة، ولن نشرح انها لم تعد (كاربة قاشها) كما قال قائد الدعم السريع، وهو احد اخطائها، وهي تثبت هذه المقولة يوميا من خلال سلوكها المعادي لبناء الدولة السلمية المستقرة المتطورة، دولة العدالة والقانون التي يريدها الشعب، بسبب اهواء ورغبات قادتها وحبهم للسلطة والثروة، وما من امتحان يحقق هذا الهدف إلا وسقطت فيه المؤسسة، وآخرها كان امتحان التحول بعد ثورة ديسمبر الذي اوقفته بانقلابها اللعنة، واليوم هي امام امتحان آخر هو إعادة المسار ولكنها تستخدم دمج الدعم السريع حيلة حتى توقفه.
الجيش يريد التخلص من الدعم السريع في زمن قصير ودون مراعاة لمصلحة البلد، تجاهلها حين أسسه البشير ليحمي به نفسه فدفع السودان الثمن، كذلك يريد البرهان دمجه فورا لارضاء نفسه والانتصار على دقلو ولا يهمه الثمن الذي سيدفعه السودان، ودقلو هو نفس الشخص الذي تمسك به البرهان بعد الثورة واشترط أن يكون معه في المجلس العسكري، ذلك التصرف الذي كان بمثابة اعتراف بأنه لا يملك الثقة والشجاعة والقدرة التي تؤهله لقيادة الجيش مع جيشه (بتاع) الحركة الإسلامية، ففضل جيش دقلو الذي استعان به في الانقلاب ايضا، ولا نعرف ماذا فعل دقلو حتى أصبح هدفا للبرهان لدرجة انه مستعد لدفع مزيد من عدم الاستقرار ثمنا للانتقام.
الناطق الرسمي للقوات المسلحة، قال إن التوقيع النهائي للعملية السياسية بالبلاد لن يتم ما لم يتم وضع جداول لدمج قوات الدعم السريع في الجيش بصورة واضحة، وأن تكون الترتيبات جزءاً من الاتفاق النهائي وفي زمن واضح، وإنه لا يمكن توقيع اتفاق وهناك جيشين في البلد أي أنه يضع العقدة على المنشار، وهذا ما جعل اعمال اللجنة المخصصة لمناقشة موضوع الدمج لا تسير بسرعة. فالجيش يحدد عامين للدمج في حين يرى الخبراء المدة المناسبة خمس سنوات، وهنا الجيش يلعب على فرصتين لتعطيل عملية استعادة مسار التحول، الاولى تضييع للزمن لحين إيجاد مخرج حتى ولو بالاتفاق مع دقلو مرة أخرى، الثانية هو الضغط على ان يكون الدمج في عامين وهنا يمكن للجيش أن (يجر بينا هواء) كما يقال حتى يأتي موعد الدمج ودون أن تتشكل حكومة مدنية كما ظل يفعل منذ سقوط البشير.
لو كان الجيش يتعامل بمهنية ومسؤولية ولديه رغبة صادقة للحل، لقبل بمسألة الدمج بكل رحابة صدر وتكفل بوضع الخطة والجدول بنفسه وبما يحقق مصلحة البلد ويضمن استقرارها بكل صدق ونكران ذات وحكمة تراعي المدة العلمية التي حددها الخبراء، ولكن أن يصر الجيش على تنفيذ الامر حتى يتشفى من دقلو الذي لولاه لما أمتلك الثقة التي تجعله يستأسد على الشعب بعد ثورة ديسمبر ولما تجرأ ونفذ الانقلاب، فهذا أمر يعتبر خيانة للوطن والشعب وعار على الجيش الذي ما عاد قادته يخجلون.
ما قاله المتحدث باسم الجيش، انه لا يمكن توقيع اتفاق وهناك جيشين كذب، فإن كان هناك جيش وطني صادق وقادته حكماء مهنيون ومتمسكون بالعقيدة العسكرية، فإنه يمكن توقيع الاتفاق في وجود عشرة جيوش، ولتمكنوا من إيجاد حل لها يبهر العالم ولقدموا نموذجا جديدا في فن معالجة أمر الجيوش المتعددة، ولكن كيف لجيش ظل يسقط في امتحانات المهنية منذ أكثر من خمسين سنة أن ينجح اليوم؟.
اعتقد أن الجيش يحتاج لمراجعة نفسه وانقاذها من بين يدي البرهان قبل كل شيء، وهذا أمر ملح أكثر من دمج الدعم السريع فهو أمر هين جدا مقارنة مع أمر البرهان الذي يعتبر اليوم ازمة السودان الحقيقية، فهل يوجد في الجيش من يشعرون بالغيرة لهذه المؤسسة ليفعلوا شيئا أم انهم جميعا مثل البرهان، الجيش بالنسبة لهم مجرد وسيلة لتحقيق الأهواء والرغبات وتصفية الحسابات.

نقلا عن الديمقراطي

 

آراء