aloomar@gmail.com
الرهان على إعادة سيناريو اكتوبر عبر الحراك الطلابي الراهن يشكل قفزة عشوائية الى الوراء.ثمة تشابه في ملامح الأزمة مع تباين حاد في الظروف الموضوعية في الحالتين.أحد ابرز نجاح أي حركة وطنية يتجسد في وجود قيادة نافذة الرؤى ملهمة تستند الى قاعدة شعبية متسلحة بالوعي واليقظة.غياب هذا الشرط يمثل أكثرمظاهر ضعف الحراك الطلابي المائج .حينما لا يتوفر هذا العنصر الحيوي تطفح كل أعراض الأمراض المزمنة في جسم الحركة الوطنية السودانية المتخمة عبر التاريخ بالتشظي و فقدان البوصلة.
الثورة الأكتوبرية تجاوزت ذلك الوهن عل نحو مؤقت في ضوء نضوج الأزمة مع توفر قيادة نافذة الرؤية محددة الأهداف. القيادة المعنية لم تنحصر في مابات يعرف بجبهة الهيئات .تلك واجهة لجبهة عريضة مقتدرة في شأن تحريك وتوجيه الجماهير.
للنقابات ومنظمات المجتمع المدني انذاك حضور مكثف وفاعل.صحيح كانت الجامعة منصة انطلاق شعلة الثورة لكن الأكثر نفاذا أن النقابات لم تكن فقط معبـأة لحمل الشعلة بل قادرة تماماعلى إلهاب الشارع ومواصلة المارثون الى نهايته .الخرطوم كانت صرة الوطن وقلب حركته ودماغه .
الحراك الطلابي االجسور يبدو حالياً بمثابة جزر منعزلة عن محيطها ربما تغري على الفرجة لكنها لا تحرض على المشاركة. العيب ليس في الحراك الممهور بالدم بل في الشارع إذ يفتقد بدوره مقومات الجرأة على المغامرة بما في ذلك الوعي الكافي.
على الرغم من رهان الفيلسوف الأميركي الألماني الأصل على الطلاب والأقليات في تشكيل التهديد الأعظم للأنظمة إلا ان الحالة السودانية الراهنة لا تبدو أنموذجاً مثالياً للمفكر صاحب "الإنسان ذو البعد الواحد". الإخفاق السياسي يشخص مع توفر عنصري نظرية ماركوز .ثمة أقليات لا تشهر فقط السلاح في وجه النظام بل هي تمثل غالبية محيط الحراك الطلابي في ظل طبوغرافيا الحراك الإثني الطارئ على العاصمة بل هي قوام الشريحة الأوسع في قطاع الطلاب.
بغض النظر عن الإتفاق اوالإختلاف مع ماركوزلعل هذا التناقض يعيدنا الى معضلة الحركة الوطنية السودانية ومحنتها المتجزرة في التاريخ والجغرافيا. الفسيفساء القبلية ظلت عبئاً يرهق كاهل الحركة الحداثية وهي تقارب الدولة المركزية والأطر السياسية العصرية إذاعتور عليها صياغة رؤية قومية جامعة وجاذبة .عند فجر إنبثاق الحركة لوطنية في الربع الأول من القرن ا لعشرين لاحت أخاديد التشقق داخل جمعية الإتحاد الوليدة .ذلك هو التحدي نفسه أمام جمعية اللواء الأبيض إذ إنكشف ظهر حركة " أربع وعشرين" بلا غطاء قومي أوسند شعبي. أسوأ من ذلك تعرضت الحركة الفتية الى الإحتفار والإستعلاء المقيت.
التشرزم الجنيني الكامن في جزع الأمة افسد صحوة واكبت تخليق مؤتمر الخريجين إبان العقد السابق الحرب العالمية الثانية . هكذا انفرطت لجنة العشرة ثم انشطر الخريجون الى شوقيين واصحاب الفيل. التشظيبلغ عمقاً بعيداً مع تشكيل الكيانات الحزبية عشية الحرب .تاريخ الحركة الوطنية بأسره لا يعدو أكثر من تكالب على السلطة ؛ مناصبها وامتيازاتها .هي الآفة الناهشة في عضد الكيانات التقليدية والمستحدثة . البيوت الطائفية نفسها تعرضت للإنقسام والتشظي بفعل إغراءات السلطة ؛ مناصبها وامتيازاتها.
الخلافات الضاغطة على المشهد السياسي السوداني والمستحكمة فيه والمتمكنة منه لم تكن يوما في شأن المثل العليا أو القيم الأصيلة كما لم تكن تجاه السياسات العليا أوالإستراتيجيات البديلة.
في ظل هذه الخلفية نقرأ الحراك الطلابي الراهن حتى لاتتجاوز توقعات البعض الواقع أو يتراكم الإحباط على نحوغالب .البؤر الطلابية الساخنة أشبه بعربات السكة الحديدية المتناثرة في عطبرة –أيام مجدها العمالي- تنتظر قاطرة تجمعها على خطها ثم تنطلق صوب وجهتها .عطبرة فقدت إرثها المجيد والقاطرة لما تأت بعد والجميع على رصيف الفرجة .أمام القيادات المختبئة الغائبة عمداً عن المشهد جملة ساخرة منقوشة بالفحم " حضرنا ولم نجدكم"