الحرب النفسية … هل تُنهي شخصية المارشال؟ … بقلم: اسماعيل عبدالله

 


 

 

شغلت المشهد السياسي بعد الثورة الديسمبرية شخصيتان مثيرتان للجدل، هبطتا (بالباراشوت) على ميادين السلطة والثروة بثقلهما المسنود بجيشيهما المدججين بالسلاح، وبآلآف الجند الموالين لهاتين الشخصيتين ــ مناوي وحميدتي، مجمل النقد الموجه لهذين الرجلين يكمن في بساطتهما وسذاجتهما وتواضع مقدراتهما الخطابية – حسب العرف السوداني – ودونية تأهيلهما الأكاديمي، لقد ولج الرجلان قصر السلطة من أوسع أبوابه بفضل إسقاط شباب ثورة ديسمبر المجيدة للدكتاتور المغرور، إنّ تحالف الرجلين أزاح قوى إعلان الحرية والتغيير عن حضانة سلطة الانتقال، فحل الرجلان محلها، لماذا فرّطت مركزية الحرية والتغيير في احتضانها للسلطة الانتقالية؟، وكيف انهزمت أمام هذين الرجلين؟، الإجابة: أن الرجلين يمتلكان السلاح، عامل الابتزاز الأول والأخير للعسكريين، إنّها الحقيقة المجرّدة، وإلّا، لما سرح ومرح الرجلان، السؤال الثاني: لماذا وصلت أمور الدولة الحديثة ـــ دولة ما بعد الإستقلال ــ إلى هذه المرحلة التي سيطر فيها بدويان قادمان من فيافي إقليم يعتبر من الأقاليم السودانية البعيدة، والكائنة بآخر مضرب من مضارب مغارب الشمس على كيان وكينونة هذه الدويلة السودانية الفاشلة؟، لقد وصلت الأمور إلى هذا الحال نسبة للفشل المريع للنخبة السودانية الحزبية الرخوة المتسيّدة للمشهد السياسي والسلطوي منذ جلاء البريطانيين، فلم تنتج هذه النخبة ــ أحزاب الأمة والجبهة والاتحادي والبعث والشيوعي ــ حلّاً وطنياً.
فقدان النخبة التقليدية القديمة لمقود قيادة دفة شئون السياسة وأمور الحكم في البلاد، وضعها في موقف لا تُحسد عليه، لقد أضاعت هذه النُخبة القديمة آخر انجاز للثوار الشباب التلقائيين – ثورة ديسمبر المجيدة – فتحاصصت مع العسكر واعتقدت خطأً انها تآمرت معهم من أجل الاستحواذ الكامل على سلطة الانتقال، وأنها قد ركلت المتمردين الطامعين في الحصول على النصيب الأكبر من (التورتة) بعد ذهاب الطاغية إلى كوبر، أخطأت مركزية الحرية والتغيير الحاملة للواء المعارضة التقدير، وتخابثت مجموعة جوبا الممتشقة للسلاح واحتضنت العسكريين وأيّدت الإنقلاب، فتمت إعادة تدوير صراع النخب السودانية المدمنة للفشل بثوب جديد ومعادلة حديثة، لأول مرة يدخل فيها بعض لاعبي الحركات المتمردة حلبة الصراع، ولأول مرة في تاريخ الصراع حول السلطة يقتحم أناس (غريبو) الشكل والملبس والمطعم واللهجة واللغة دهاليز القصور الجمهورية الحاكمة، فانقسم المجتمع، وظهرت النبرات الجهوية الحادة وتوارت الأحاديث المترفة بمفردات التثاقف النخبوي القديم، واستشعر الكثيرون الخطر القادم من الاطراف، وبدأت تدور المعارك الجديدة والمختلفة عن معارك الماضي المرتدية لرداء الطائفية، فالآن أصبحت الجهوية الآمر الناهي داخل دهاليز الاجتماعات المغلقة المتعلقة بوضع حد للمعضلة الوطنية، فاتجهت السهام التي كانت مصوّبة تجاه الاسلامويين للجهويين الذين حملهم حصان جوبا إلى الخرطوم.
هل تنهي المشاهد الخادشة للحياء الواردة بالفيديو الإباحي المتداول هذه الأيام، الحياة السياسية للمارشال مني أركو مناوي؟، أم أن الحدث سيتم تجاوزه كما تجاوز الشعب المغلوب على أمره العديد من الفيديوهات والتوثيقات المثبتة لجرائم دهاقنة رموز حزب المؤتمر الوطني المحلول البارزين من قبل؟، بعض المستنيرين يقولون أن ذاكرة السودانيين سمكية لا تقوى على حفظ الذكريات المؤلمة لتلك الجرائم البشعة التي ارتكبتها في حقهم الأنظمة الشمولية والعسكرية، فكيف لها أن تعير بالاً لمقطع فيديو قصير المدة من بضعة ثوان، والبعض الآخر يُصر على أن هذا الأمر لن يمر مرور الكرام، وأن هذا الحدث الفاضح سيكون له مابعده، وأن معركة كسر العظم لم تبدأ بعد، وربما تتطور الأحداث إلى ما لا يحمد عقباه، فعموماً وفي كل الأحوال قد خيّم الأسف والاحباط على قلوب المساكين الحيارى من ابناء الشعب السوداني، أن وصل بهم الحال إلى هذا الدرك السحيق من الانحطاط الأخلاقي، فرضوا بهذا الوضع المهين الذي آل إليه حال ساستهم وحكّامهم جميعهم بلا استثناء، وحكّام أقاليمهم اليساريين واليمينيين والاشتراكيين والإسلامويين، المهمشين والمركزيين، لك الله يا زمان الزعيم الأزهري، يا أيها الرجل الذي رحل عن دنيانا الفانية وهو ما يزال يدين لأحد تجار أم درمان ببعض المال القليل، فرهن صكّ حسابه البنكي الشخصي لذلك التاجر الأمدرماني العريق، اعترافاً منه بذلك الحق الخاص لذلك التاجر، قولوا لي بربكم، ما الذي حل بأمة الأمجاد هذه؟

اسماعيل عبدالله
ismeel1@hotmail.com
الفاتح من سبتمبر 2022

///////////////////////////

 

آراء