الحردلو صائد الجمال (5): شرك أم قيردون كيفن بقبض الفيل..؟!
د. مرتضى الغالي
6 March, 2024
6 March, 2024
مرتضى الغالي
يقول عادل بابكر صاحب كتاب (Hardallo: The Beauty Hunters) إنه في الجزء الأخير من حياة الحردلو شهدت قبيلته الشكرية انحداراً قاسياً مع صعود حكم المهدية (1885- 1898). وكانت تلك الحركة الدينية السياسية قد انطلقت في عام 1881 بقيادة محمد احمد المهدي ضد الخديوية في مصر التي كانت تحكم السودان منذ عام 1821.
لقد كان دأب الشكرية الابتعاد عن النزاعات القبلية لعقود من الزمان..ولكنهم دخلوا في عداء مع الخليفة عبدالله الذي أعقب المهدي في إدارة الدولة.. عندما وقفوا مع عناصر مناوئة له من قرابة المهدي (الأشراف)، فسجن الخليفة عدداً من قادتهم، وفقد الشكرية جزءاً مقدراً من ثروتهم وتأثيرهم..واضطروا إلى النزوح إلى مناطق الحدود مع إثيوبيا..خاصة مع موجة الجفاف العاتية التي ضربت البطانة عام 1889.
محنة الشكرية بين يدي المهدية جرى توثيقها في مراجع تاريخية عديدة وكذلك من خلال أشعار الحردلو التي تمثل مرجعاً متجدّداً لعدد من العائلات البارزة للقبيلة مثل (أولاد حمد) و(عمارة وأبناء عمومته) الذين انتهوا إلى لاجئين في إثيوبيا:
رحلوا اولاد حمد الـ للبلد رُكازه
قطعوا الاتبراوي منويين بالبازه
ستات اللكيك الـ عُقلتن نزّازه
يبكن بالدموع من ريره لي منحازه
"عقلتن نزّازة" تعني أن شعَرهن الغزير معطون بالدهن...وينقل صاحب الكتاب هذا الملمح الجمالي البدوي السوداني بتعبير وافٍ:
Their women with thick hair in oil soaked
ولا ينسى الحردلو أن يصف مشاعره حول هذا الأسى:
الليله العليّ متل الخَتر ما عاد
والليله العليّ متل الزرَق ما صاد
اليوم يا ام وريداً نفّض اللباد
ترى الراس بقطعو الخالق متين ما راد
الزرق ما صاد.. بمعنى زرق الرمح أو السهم..أطلقه ولم يصد شيئاً..!
Like one whose arrow went too wide
هناك مقابلة دقيقة بين نفض عنق المرأة لضفائر شعرها وتطايره في الهواء..وبين انتزاع رأس الإنسان أو أخذ روحه وفق مشيئة الله: ولا مناص من تأمل إيجاز المعني بالعربية مقابل الترجمة الانجليزية:
Like braids of hair swinging in a woman’s neck
Our fate is swinging in the hands of our Creator,
Who alone can decide when to take our souls back..!
**
ومع جيشان خواطر الحردلو حول حالة المرأة الشكرية التي كانت معزّزة مكرّمة في قبيلتها..وحالها الآن وهي تجوب الشوارع بين القرى والمدائن في ثياب رثة tottering around in rags)) أرسل الحردلو زفرة حرّى لأخيه (عبدِله) يبث حزنه على نعي احد زعماء القبيلة ويصف حال نسائها:
يا عِبدالله اخوي انظر قدر ما كان
ما شفقا البِهيم الصيد جنا الجديان
دجّن بي الأرض وكسوهن الدلقان
وا وجعي الشديد رقد أب سعد يا اخوان
ويشير الحردلو إلى أخبار مذبحة وقعت في بلدة قبيلة الجعليين المكينة (المتمة) في عهد الخليفة عبدالله في شمال السودان الأوسط؛ و إلى محنة ومأزق نساء البلدة اللواتي جرى استرقاقهن وجعلهن خادمات في البيوت:
يا عبد الله اخوي اغشى البنادر شوفن
بنوت المتمة اجدّلن في صفوفن
شايلات القِرب والسعون في كتوفن
وبعد خُمره ودهان سال القمل بي رفوفِن
Go to the towns, Abdallah, and see for yourself,
The girls of Matamma, their hair dishevelled,
And instead of hair oil and oily perfumes,
Lice is rampaging through their heads
**
والحردلو نفسه لم يفلت من المساءلة والملاحقة والمحاكمة والاتهام؛ لقد قضى فترة سجن قصيرة في أم درمان، ولكنه استطاع أن يكسب قلب الخليفة عبد الله واتخذه الخليفة كمساعد في المحكمة أو مستشار في التقاضي، ولكن أيضاً كخادم شخصي للخليفة يحمل له (ركوة الوضوء والمصلاية) ويسير خلف حصانه...!! هذا الانحدار في وضع الحردلو أثّر كثيراً في نفسه وألقي على شعره ظلالاً كثيفة من المرارة (bitterness). ومهما يكن..وفي مسعى لحماية قبيلته من يد الخليفة القوية عمل الحردلو على استخدام ملكاته كشاعر للضرب على وتر إشباع زهو الخليفة بنفسه منتهزاً فرصة نجاة الخليفة من خطر الانقلاب عليه (مؤامرة الأشراف).. قال الحردلو:
انصارك كُتار تامين عَبِرة الكيل
زي نبت الربا وكتين ركوب الخيل
كان ما جور زمان..وناسَن بَصرها قليل
شرك أم قيردون كيفن بقبض الفيل..؟!
Who think a bird trap can catch an elephant..?!
murtadamore@yahoo.com
يقول عادل بابكر صاحب كتاب (Hardallo: The Beauty Hunters) إنه في الجزء الأخير من حياة الحردلو شهدت قبيلته الشكرية انحداراً قاسياً مع صعود حكم المهدية (1885- 1898). وكانت تلك الحركة الدينية السياسية قد انطلقت في عام 1881 بقيادة محمد احمد المهدي ضد الخديوية في مصر التي كانت تحكم السودان منذ عام 1821.
لقد كان دأب الشكرية الابتعاد عن النزاعات القبلية لعقود من الزمان..ولكنهم دخلوا في عداء مع الخليفة عبدالله الذي أعقب المهدي في إدارة الدولة.. عندما وقفوا مع عناصر مناوئة له من قرابة المهدي (الأشراف)، فسجن الخليفة عدداً من قادتهم، وفقد الشكرية جزءاً مقدراً من ثروتهم وتأثيرهم..واضطروا إلى النزوح إلى مناطق الحدود مع إثيوبيا..خاصة مع موجة الجفاف العاتية التي ضربت البطانة عام 1889.
محنة الشكرية بين يدي المهدية جرى توثيقها في مراجع تاريخية عديدة وكذلك من خلال أشعار الحردلو التي تمثل مرجعاً متجدّداً لعدد من العائلات البارزة للقبيلة مثل (أولاد حمد) و(عمارة وأبناء عمومته) الذين انتهوا إلى لاجئين في إثيوبيا:
رحلوا اولاد حمد الـ للبلد رُكازه
قطعوا الاتبراوي منويين بالبازه
ستات اللكيك الـ عُقلتن نزّازه
يبكن بالدموع من ريره لي منحازه
"عقلتن نزّازة" تعني أن شعَرهن الغزير معطون بالدهن...وينقل صاحب الكتاب هذا الملمح الجمالي البدوي السوداني بتعبير وافٍ:
Their women with thick hair in oil soaked
ولا ينسى الحردلو أن يصف مشاعره حول هذا الأسى:
الليله العليّ متل الخَتر ما عاد
والليله العليّ متل الزرَق ما صاد
اليوم يا ام وريداً نفّض اللباد
ترى الراس بقطعو الخالق متين ما راد
الزرق ما صاد.. بمعنى زرق الرمح أو السهم..أطلقه ولم يصد شيئاً..!
Like one whose arrow went too wide
هناك مقابلة دقيقة بين نفض عنق المرأة لضفائر شعرها وتطايره في الهواء..وبين انتزاع رأس الإنسان أو أخذ روحه وفق مشيئة الله: ولا مناص من تأمل إيجاز المعني بالعربية مقابل الترجمة الانجليزية:
Like braids of hair swinging in a woman’s neck
Our fate is swinging in the hands of our Creator,
Who alone can decide when to take our souls back..!
**
ومع جيشان خواطر الحردلو حول حالة المرأة الشكرية التي كانت معزّزة مكرّمة في قبيلتها..وحالها الآن وهي تجوب الشوارع بين القرى والمدائن في ثياب رثة tottering around in rags)) أرسل الحردلو زفرة حرّى لأخيه (عبدِله) يبث حزنه على نعي احد زعماء القبيلة ويصف حال نسائها:
يا عِبدالله اخوي انظر قدر ما كان
ما شفقا البِهيم الصيد جنا الجديان
دجّن بي الأرض وكسوهن الدلقان
وا وجعي الشديد رقد أب سعد يا اخوان
ويشير الحردلو إلى أخبار مذبحة وقعت في بلدة قبيلة الجعليين المكينة (المتمة) في عهد الخليفة عبدالله في شمال السودان الأوسط؛ و إلى محنة ومأزق نساء البلدة اللواتي جرى استرقاقهن وجعلهن خادمات في البيوت:
يا عبد الله اخوي اغشى البنادر شوفن
بنوت المتمة اجدّلن في صفوفن
شايلات القِرب والسعون في كتوفن
وبعد خُمره ودهان سال القمل بي رفوفِن
Go to the towns, Abdallah, and see for yourself,
The girls of Matamma, their hair dishevelled,
And instead of hair oil and oily perfumes,
Lice is rampaging through their heads
**
والحردلو نفسه لم يفلت من المساءلة والملاحقة والمحاكمة والاتهام؛ لقد قضى فترة سجن قصيرة في أم درمان، ولكنه استطاع أن يكسب قلب الخليفة عبد الله واتخذه الخليفة كمساعد في المحكمة أو مستشار في التقاضي، ولكن أيضاً كخادم شخصي للخليفة يحمل له (ركوة الوضوء والمصلاية) ويسير خلف حصانه...!! هذا الانحدار في وضع الحردلو أثّر كثيراً في نفسه وألقي على شعره ظلالاً كثيفة من المرارة (bitterness). ومهما يكن..وفي مسعى لحماية قبيلته من يد الخليفة القوية عمل الحردلو على استخدام ملكاته كشاعر للضرب على وتر إشباع زهو الخليفة بنفسه منتهزاً فرصة نجاة الخليفة من خطر الانقلاب عليه (مؤامرة الأشراف).. قال الحردلو:
انصارك كُتار تامين عَبِرة الكيل
زي نبت الربا وكتين ركوب الخيل
كان ما جور زمان..وناسَن بَصرها قليل
شرك أم قيردون كيفن بقبض الفيل..؟!
Who think a bird trap can catch an elephant..?!
murtadamore@yahoo.com