الحركات الدار فورية المسلحة والمتاجرة بدماء الضحايا

 


 

 

كان السبب الرئيسي وراء حمل السلاح في دارفور، كما زعم قادة الحركات المسلحة (مناوي -جبريل -الطاهر حجر -الهادي ادريس -وولخ)، هو لحماية المواطنين العزل من اعتداءات الجيش السوداني وميليشيات الجنجويد، هكذا زعموا وهكذا يزعمون حتى اليوم.

لكن السؤال المهم هو: هل حمى هؤلاء القادة المدججين بكل أنواع الأسلحة، مواطنو دارفور من بطش الجنجويد والأجهزة الأمنية الأخرى؟

الإجابة على التساؤل أعلاه، سهل جدا، وهي أن حماية المواطنين الدار فوريين من اعتداءات الجيش السوداني والجنجويد، لم تكن أولوية لقادة هذه الحركات الوهمية، بدليل ان اتفاق سلام جوبا الذي وقعوا عليه قبل عامين، لم يشر الى قضية اللاجئين والنازحين، وقضية الحواكير، بشكل واضح، بل كان كل تركيز وهّم قادة تلك الحركات الهوائية في اتفاق جوبا الذي رعاه زعيم الجنجويد حمدان دقالو، هو كيفية تقاسم السلطة والوظائف.. وبالفعل بعد مشوار جوبا، تسلموا وظائفهم في الخرطوم، وحتى اليوم لم يسجلوا ولو زيارة واحدة لمعسكرات ومناطق النزوح واللجوء للاطلاع على أوضاعها.

ما هو أسوأ في الموضوع، هو تدهور الأوضاع الأمنية في كل ولايات دارفور الخمس منذ التوقيع على اتفاق جوبا بشكل رهيب، حيث ترتكب مجازر بشرية فظيعة يوميا، بينما ابطال الاتفاق، ليس لديهم سوى اصدار بيانات الإدانة والشجب من فللهم الفاخرة في العاصمة الخرطوم.

تصفية قضية دارفور من قبل قادة الحركات الدار فورية والجنجويد، لم تبدأ باتفاق جوبا، بل سبقته قليلا، وذلك عندما استدعى الرئيس التشادي المقبور ادريس ديبي، كل قادة حركات دارفور عدا عبدالواحد محمد نور، بطلب من زعيم الجنجويد حمدان دقالو، ومن هناك -أي من العاصمة التشادية (انجمينا)، رُسم خريطة لتصفية هذه القضية.

قبل ثلاثة أيام من هذا التأريخ، وقعت مجزرة بشرية فظيعة في منطقة (كرينك).. وإليكم ما قاله مني اركو مناوي -حاكم دارفور الذي يتخذ من العاصمة الخرطوم مقرا لإقامته، عن هذه المجزرة:

كشف حاكم دارفور الانقلابي مني أركو مناوي عن تدخل القوات التشادية في الأحداث الدامية بغرب دارفور بعد ان “تباطأت الأجهزة الأمنية السودانية لحماية المواطنين. واقر بعدم وجود للقانون وقال “العدالة مفقودة تماما وهناك فوضى عارمه في دارفور، بسبب التراكم والتراخي عن ملاحقة مرتكبي الجرائم”، ودعا إلى “سرعة معالجة المشكلات، وإنهاء الفوضى”. متهما الأجهزة الأمنية بـ “التواطؤ والتباطؤ، أو المشاركة” في الأحداث الدامية التي تشهدها عدد من المناطق في ولاية غرب دارفور.  ووجه انتقادات حادة للأجهزة الأمنية” في دارفور، وطالب ب “إعادة إصلاحها حتى تقوم بدورها كاملا” في حفظ الأمن والاستقرار.

وأنكر مناوي أمام حشد من أبناء دارفور أن يكون للحركات المسلحة دور في تحريض الأطراف المتقاتلة في ولايات دارفور الآن. وأدعي أن المشاكل التي يشهدها الإقليم، “يتم تحريكها من المركز” متهما جهات لم يسمها بأنها “تقف” وراء ذلك. وتورد مداميك ان التنسيقية العامة للاجئين والنازحين حملت مسؤولية تدبير وتنفيذ الهجوم الدامي على اهالي مدينة كرينك بغرب دارفور لميلشيات الدعم السريع والجنجويد التابعة لنائب رئيس مجلس السيادة الانقلابي محمد حمدان دقلو “حميدتي".

وقال مني اركو مناوي ان قواتهم في الحركات المسلحة لا تريد ان تتدخل في تلك الصراعات، والتي تعتبر قوات الدعم السريع طرفاً فيها– وقال مناوي ان تدخلهم في الصراع الذي يدور في مدينة كرينك بغرب دارفور يمكن ان يحسب عليهم.

أما عضو مجلس السيادة الانقلابي الهادي إدريس، قال في برنامج (المسائية) على قناة الجزيرة مباشر، مساء الثلاثاء 26 ابريل.

"تلقينا تقارير أولية تفيد بضلوع قوات الدعم السريع (الجانجويد) ووحدات من الحركات المسلحة في أعمال العنف التي شهدتها ولايات غرب دارفور وخلّفت مقتل أكثر من 200 مواطن سوداني”. مشددًا على أن “التحقيقات لا تزال جارية لمعرفة الأطراف التي تقف وراء هذه الأعمال الدامية".

----------------

عزيزي القارئ..

بعد التصريحات اعلاها لقادة الحركات المسلحة حول مجزرة (كرينك)، لم يعد ثمة شكوك حول المستقبل الذي يرسم لقضية دارفور، ولم تعد هناك علامات استفهام أو أسئلة بلا أجوبة، فبهذه التصريحات، باتت الأمور واضحة، مثل شمس الظهيرة، وتحولت التكهنات والآراء حول متاجرة هؤلاء القادة بقضايا دارفور إلى حقائق، وكل التحليلات التي كان يتم تداولها منذ التوقيع على سلام جوبا، بوصفها "اتهامات"، باتت اليوم حقائق ساطعة معلنة.

كيف لحاكم الإقليم وهو المسؤول الأول عن امن المواطنين جميعا، ان يقول بتواطؤ أو تباطؤ أو مشاركة الأجهزة الأمنية في الاحداث الدموية الجارية! واليس هو المسؤول عن هذه الأجهزة الأمنية؟ ولماذا اتخذ من العاصمة الخرطوم مقرا له بدلا عن دارفور؟

اليوم يدرك الدار فوريون فعلا، أن السنوات التي قضاها مني اركو مناوي واصحابه في المنافي الاختيارية، باسم النضال، لم تكن سوى أكذوبة ووهّما كبيرا، واتضح جليا ان هؤلاء كانوا يسعون فقط للحصول على المال والسلطة. أما الشعب الدار فوري، فليموت إما بسلاح ميليشيات الجنجويد أو بالجوع في معسكرات النزوح واللجوء.

هل يعقل ان يقول مني اركو مناوي الذي أصبح حاكما للدار فور باسم سلام دارفور، ان قواتهم في الحركات المسلحة لا تريد ان تتدخل في تلك الصراعات، والتي تعتبر قوات الدعم السريع طرفاً فيها، وان تدخلهم في الصراع الذي يدور في مدينة كرينك بغرب دارفور يمكن ان يحسب عليهم؟

أليس ما قاله مناوي في الأعلى، دليل على الصفقة التي تمت في (انجمينا) بين زعيم ميليشيا الجنجويد وقادة الحركات المسلحة وبموجبها تم تصفية القضية الدار فورية مقابل المال والسلطة؟

الحديث عن دارفور لم يعد تكرارا لما نعرفه جميعا من ثوابت وحقوق مشروعة بقدر ما أصبح تعبيرا عن القلق الكامن في ثنايا ما لا نعرفه وما يتم التخطيط له من قِبل الآخرين لتصفية قضيته وإغلاق مَلَفه بشكل نهائي. والخطورة في هذا السياق ليست محصورة فقط بما تخططه ميليشيات الجنجويد، بل بما يخططه حملة السلاح من أبناء دارفور.

ان إخراج القضية الدار فورية من يد حركات الاستسلام والتخاذل والتواطؤ السلطوي الدار فوري، قد أصبح أمرا حيويا ومصيريا لمستقبل هذه القضية المشروعة والحفاظ على حقوق اللاجئين والنازحين وولخ. وهذا الأمر يستوجب حل كل حركات دارفور التي تدعي النضال باسم شعب دارفور، ووضع قادتها في السجون على جرائم الخيانة الوطنية.

في ظل هذا التخبط الذي يعيشه المواطن الدار فوري، وصراعه بين البقاء على قيد الحياة، والبحث عن الحقيقة، يأتي إلينا قادة الحركات يكذبون ليجملوا صورة المشهد، أو خائفون لا يجرؤن على قول الحقيقة، وهنا نتساءل، ألا يستحق المواطن الدار فوري أن يُصارح في كل ما يتعلق بالصراعات السياسية هناك، ألا يستحق أن يتقبل الواقع الذي يعيشه، بدلاً من رسم الأحلام الضالة؟

انهم يتاجرون بدماء الشهداء والضحايا، وحان الوقت لفضحهم وتعريتهم أمام الرأي العام الدار فوري والسوداني..


bresh2@msn.com

 

آراء