الحسن والزعامة القادمة للاتحاديين

 


 

 

أن انسحاب السيد الحسن الميرغني من مهرجان استقبال والده في مطار الخرطوم، لا يعد حالة أنكسار للرجل في صراعه مع شقيقه الأصغر جعفر لزعامة الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل، بل هو انسحاب بهدف تأجيل معركة سياسية متوقعة، و سوف تكون طويلة الأجل. و رغم أن الكل ينظر للساحة الاتحادية باعتبار أن السيد الميرغني قد حسمها لصالح أبنه جعفر، في البيان المسجل الذي طالبه فيه بحسم المنفلتين، و أيضا عندما طلبوا من الحسن مغادرة المطار لآن والده لا يرغب أن يكون ضمن المستقبلين له، جميعها أفعال كيدية تبين أن المعركة ليس بين الحسن و والده، بل هي معركة بين الحسن و الذين كان قد وصفهم ب (الدواعش) هؤلاء أصحاب المصالح الخاصة الذين يبحثون عن مواقع لهم في القيادة دون أي قدرات ذاتية و معرفية أو سياسية تؤهلهم لهذه المواقع.
أن الثقافة السياسية السودانية تستمد جذورها من الثقافة الصوفية التي تنتشر كقاعدة للبناء الثقافي في التربية في السودان، و مدت جذورها لقاعة الدرسو التعليم، و هي التي تقيد حركة الثقافة الديمقراطية، عدم مجادلة الكبير و الشيخ و الرئيس و الأستاذ و القائد، أي أن تحتفظ برأيك دون أن تفصح به، و الغريب في الأمر أن الثقافة الأيديولوجية السياسية إذا كانت يمينا أو يسارا تلتقى في قواعدها المقيدة للرأي العام مع الصوفية، و أيضا مقيدة للشخص على أن لا يخرج عن تعاليمها، لذلك تجد الكل يرفع شعارات الديمقراطية و في نفس الوقت لا يستطيع أن يخرج من عباءة الثقافة الشمولية، كما جاءت النظم السياسية الشمولية ( ذات الثقافة العسكرية) لكي ترسخ قواعد الثقافة الشمولية في المجتمع، كل هذه التناقضات مطالبة النخب السياسية أن تستوعبها، و تحاول إيجاد علاج لها، و خاصة دعاة الديمقراطية، و هذه الثقافة الشمولية المتوارثة، هي التي سوف تحكم الصراع الدائر داخل الساحة الاتحادية، و خاصة في الصراع الدائر داخل بيت الميرغني. حيث أن الثقافة الصوفية تؤكد على تبعية الشيخ أي علاقة ( حيران و شيخ طريقة) و أيضا الثقافة الأيديولوجية اليمينية تؤكد على تبعية الشيخ . و الثقافة اليسارية تبعية سكرتير التنظيم أو أمين سر القيادة القطرية، و كلها ثقافة تعظم دور الكارزمة القائدة، أن حالة التشظي التي تشهدها الساحة السياسية الاتحادية غياب الكارزمة التي يمكن أن تلتف حولها الجماهير.
عندما كان الزعيم الأزهري قائدا للحزب كانت كرزمته طاغية لذلك لم يخرج منافس له، و أيضا الشريف حسين الهندي، لكن بعد موت الشريف جاء محمد عثمان الميرغني الذي لا يثق في القيادات الاتحادية، و اعتمد على قيادات الولاء ذات القدرات المتواضعة و الخبرة المحدودة، الأمر الذي جعل هناك هوة داخل الحزب، مما أدى لحالة تشظي وسط الاتحاديين، حيث كل مجموعة كونت لها جسما منفصل عن الآخرين. السيد محمد عثمان كان كارزمة مبجلة عند جزء من الاتحاديين، و في ظل الصراع ضد الانقاذ و خاصة في فترة "التجمع الوطني الديمقراطي" الكل احتفظ برأيه في القيادة في ذلك الوقت حتى لا يتبين أن هناك خلافات وسط الاتحاديين، و بعد المفاصلة التي حدثت في النظام و خروج الترابي مه التابعين له، خرج الشريف زين العابدين الهندي برؤية الاستفادة من انشقاقات الإسلاميين، و خرجت معه مجموعة تؤيد رؤيته، و ظل الباقين تحت أمرة الميرغني، و بعد الثورة جاءت فكرة وحدة الاتحاديين لكي تصبح هي البديل لفكرة شيخ الطريقة، و أيضا لم تجد الإجماع الكلي أو الأغلبية، و ربما يكون أن هؤلاء ( التجمع الاتحادي) جاءوا بفكرة المؤسسية التي لا تجد قبولا كبيرا، بسبب تقليدية الثقافة السياسية الموروثة، أن تكون هناك كارزمة يلتف الناس حولها إلي جانب المؤسسية، وفي كل الأحوال لم تبرز كرزمة، و السيد محمد عثمان الميرغني لا يمكن أن يدير الحزب من البعد، حيث أن دور الكارزمة و القائد أن يكون وسط المعركة، و يدير الصراع السياسي مع عضوية الحزب، لكن الميرغني فضل أن يكون بعيدا، و هذا البعد عن ساحة معركة الصراع لابد أن ينتقص من قدر القيادة. فإذا كان مبرر الابتعاد كبر السن و المرض فهي حالة مازال الرجل يعاني منها حتى اليوم. فالسياسة ليس أن تخرج بيانا كل عدة أشهر، بل هي ممارسة يومية تحتاج إلي طاقة و حركة جسدية ليس متوفرة عند الرجل.
أن عودة السيد محمد عثمان الميرغني بعد طوال هذه السنين، و التي شهد فيها السودان معركة إسقاط الإنقاذ، و استشهد فيها عدادا كبيرة من الشباب المناضلين في ساحة المعركة، لا يعتقد عاقل أن هؤلاء سوف يكونوا مرحبين بقائد جنب نفسه الدخول في معركة الديمقراطية، و لا يرغبون الانحياذ لقيادات كانت مشاركة في الإنقاذ ساعة سقوطها، أو قيادات لا تنظر إلي معركة الديمقراطية إلا من خلال مصالحها شخصية. و هؤلاء هم الذين كان قد وصفهم الحسن ب " الدواعش" و هؤلاء هم الذين كانون من قبل يخوفون السيد الميرغني من قيام المؤتمر العام للحزب، في اعتقادهم أنه لن يأتي إلا بالذين يصفهم الميرغني ب (المنفلتين) و مع خالص الاحترام للميرغني من خلال موقعه كشيخ للطريق الخاتمية، لكن لابد من قول الحق الذي لا يرغب فيه أصحاب المصالح الخاصة. أن الميرغني لا يستطيع أن يقوم بواجبه كسياسي، و لا يستطيع أن يخوض معارك الصراع السياسي بحكم السن. و يقول القرآن الكريم بعد بسم الله الرحمن الرحيم " و الله خلقكم ثم يتوافاكم و منكم من يرد إلي ارزل العمر لكي لا يعلم بعد علم شيأ إن الله عليم قدير" و هذه لا تنقص من قدر الرجل، و لكنه حكم الله في خلقه. و هؤلاء الذين يناصرون جعفر يريدون أن يكون السيد الميرغني غطاء له حتى يضمنوا تأييد أهل الطريقة الختمية لخطهم السياسي، و هذأ مكر مفهوم و معلوم. و السيد الحسن يريد أن أن يقود معركته ككارزمة دون غطاء، رغم أن الذي دفعه للساحة السياسة باعتباره أبن الميرغني، لكن مؤهلاته الذاتية و ثقافته السياسية و قدراته و خطابه هو الذي يقوده لمعركة الكارزمة. و نجاحه على الأخرين.
أن أي صراع داخل البناء الطائفي لابد أن يحسب لصالح الديمقراطية، و لابد للنخبة الديمقراطية أن تكون جزء من هذا الصراع و تؤثر عليه لسير في اتجاه الديمقراطية، أن وجود كارزمة ديمقراطية لن تكون عائقا لبناء المؤسسة و فرض اللوائح داخلها، أن أهم ميزة عند الحسن أنه يريد أن يتخلص من كل الطاقم القديم الذي لا يرى في السياسة غير تحقيق المصالح ذاتية، و هؤلاء لا يرغبون في بناء المؤسسة على أسس ديمقراطية لآن أمكانياتهم الذاتية لا تؤهلهم لخوض صراع ديمقراطي، كما أن المؤسس التي تتفشى فيها الديمقراطية سوف تكشف قدرات العضوية، و هؤلاء يخافون من معارك الثقافة و المعرفة، هم يريدون كسب المواقع من خلال رضى الزعيم عنهم، و هي ثقافة ضد التحول الديمقراطي و قالت الأجيال الجديدة فيها رأيها بقوة عندما قدمت التضحيات الغالية من أجل أن تؤسس الديمقراطية بشروطها و ليس بشروط دعاة الشمولية. نسأل الله التوفيق و حسن البصيرة.

zainsalih@hotmail.com

 

آراء