الحكم المحلي مدخل صناعة التغيير في السودان

 


 

 

عنوان هذا المقال، ليس كله من عندي،فقد ورد الجزء الأول منه في مداخلة من حوارات الحكم المحلي عقدت في احدي الولايات السودانية بعد نجاح ثورة ديسمبر المجيدة.
وردت العبارة علي لسان وزير الحكم المحلي ووكيل الوزارة كمشاركين رسميين في المؤتمر..وكانت ندوة في غاية الأهمية فقد خرجت بتوصيات لو تم تطبيقها ،لحدث تحول جوهري في منظومة الحكم المحلي بغض النظر عن الخلافات السياسية التي تجري في المركز...ولكن كحال كل ندوات الحكم المحلي السابقة فقد كانت هذه التوصيات مجرد حبر علي ورق ولم يؤخذ بها في قانون تنظيم الحكم اللامركزي لسنة 2020...وصدق كلام الخبراء بأن أكبر معطل لتطوير الحكم المحلي هم الحكام والولاة وبعض السياسيين .
نقول ذلك،لأن ما يهم المواطن العادي،هو الخدمات ...وطموحات الشعب السوداني ليست بالكبيرة المعقدة..وقد اكتسبت الإدارة المحلية منذ أيام حكم الانجليز للسودان، أهميته في إلتصاقه باامواطن وتوفير احتياجاته ورعاية مصالحه وتقديم الخدمات ذات الصفة المحلية في مواقع سكنه. وفي هذا السياق، يعد السودان من البلدان ذات التجارب الثرة والواسعة والناجحة في مجالات الحكم المحلي، وله تأريخ عريق منذ العام 1937 م ..وقد صدرت منذ تلك الفترة العديد من القوانين والتشريعات بشأن الحكم المحلي نذكر منها :
* قانون مارشال عام 1951
* قانون إدارة المديريات عام 1960 ,وفيه صدر قرار إلغاء وظيفة مفتش المركز رغم أهميتها الوظيفية وصلاحياتها القانونية.
* قانون الحكم الشعبي المحلي عام 1971,وقد ارتبط بأسم جعفر علي بخيت.
* قانون الحكم المحلي لسنة 1981.
*قانون الحكم المحلي لسنة 1991.
* قانون الحكم المحلي لسنة 2003.
* قانون تنظيم الحكم المحلي لسنة 2020م.
وقد شكل ذلك ارثا وتوثيقا وتراكما معرفيا وقانونيا لأنظمة وإدارة الحكم المحلي...مما ساعد في تنظيم المجتمعات المحلية والأمن ودرء المخاطر وفض النزاعات المحلية ،مما ساعد علي استقرار تلك المجتمعات وتطويرها، وقد كان ايضا للادارات الأهلية دورها في هذا الاستقرار وقد تم اقتباس نظام الإدارة الأهلية من نيجيريا بعد نجاح التجربة فيها عام 1900.
ويعتقد البعض أن معظم رجالات الإدارة الأهلية من العامة غير المتعلمين وبالتالي يجب ابعادهم من الإدارة المحلية ،وهذا غير صحيح...فقد كان معظم هؤلاء العمد ونظار القبائل من المتعلمين وخريجي الجامعات والكليات العليا ،نذكر منهم:
الشيخ الزبير حمد الملك،رئيس أدارة دنقلا،من خريجي كلية غردون،والناظر محمد أحمد ابوسن ،ناظر الشكرية ( رفاعة) كان من خريجي كلية كتشنر الطبية،والشيخ ابراهيم حاج محمد،ناظر الجعليين،كان من خريجي القانون ،القاهرة ،والناظر محمد محمد الأمين ترك،ناظر الهدندوة، كان من خريجي الجامعات البريطانية، وغيرهم كثر من خريجي كلية غردون أو الكلية الحربية أو المدارس الثانوية ولم يكن فيهم أميا ابدا.
اقول،وأكتب كل ذلك، ردا علي بعض القراء بأنني قد تحاملت علي المحليات وأنظمة الحكم المحلي بعد مقالي الأخير الذي طرحت فيه فكرة ( تعوييم) وظيفة المدير التنفيذي في المحليات وجعلها متاحة كل الأكفأ من رجالات الخدمة المدنية بدلا من حصرها في كادر الضباط الاداريين بالمحليات الذين أثبتوا فشلهم في إدارة المحليات طوال فترة حكم الإنقاذ..وكان ذلك الاتهام بحقي ليس صحيحا..فكل مقالاتي السابقة في هذا المجال كانت تركز علي أهمية البلديات وبصلاحياتها القديمة في الإدارة المحلية..كما كنت ولازلت أنادي بعودة وزارة الحكم المحلي كما عرفناها مع أول حكومة وطنية ( قومية) بعد الاستقلال ،برئاسة الزعيم الراحل الأزهري،وكان السيد محمد نور الدين هو أول من تولي وزارة الحكم المحلي، فكان امتدادا متطورا لما ورثته الوزارة من تنظيم وترتيب ومعرفة بشؤون الناس...وتحققت بذلك العديد من الانجازات خاصة في الاستقرار الأمني في معظم أقاليم السودان...حتي وقع الانقلاب العسكري الأول بقيادة الجنرال عبود،وكانت تلك هي بداية النهاية لوزارة عظيمة كانت اسمها ( وزارة الحكم المحلي ).
أعود وأقول ،لو أحسنت الحكومات السابقة في اختيار الكوادر المؤهلة في إدارة الأقاليم، من خلال وجود وزارة للحكم المحلي، لكفي ذلك البلاد والعباد الكثير من المشاكل، وتحولت الأقاليم الي مكامن خير ومداخل لصناعة التغيير في السودان.
د.فراج الشيخ الفزاري
عضو تجمع الاكاديميين والباحثين والخبراء السودانيين.
f.4u4f@hotmail.com
///////////////////////

 

آراء