الحلومر والآبريه توأمان لكنهما يختلفان فى رحلة التراث 3-3

 


 

 


 لا أدرى من أين لهم ذلك المسدار الذى انقرض ..!! ، أما إفطار رمضان فى تلك الجمعة فله لون خاص .. فيه تكثر أنواع الأكل والحلويات وأيضاً كان يتميز بمشروب  يسمى (تمر الصدقة) وهو أن يبلّلْ التمر يضاف إليه كلاً من (القِرْفَة والزنحبير) منذ الخميس وتُشرب تلك العصارة المركزة الحلوة أثناء الإفطار. تسمية "الصدقة" هذه جاءت لأن التمر يُخرج فى شكل صدقة عدد أرواح الموتى من كل أسرة .. ختاماً يجدر الذكر (حسب علمى القديم وليس تحيزاً) أن فى (بربر) قد ولدت صناعة (الحلومر) و(الآبريه الأحمر) وأيضاً (الأبيض) فكلها معروفة الآن لكل الناس فى جميع مدن السودان المختلفة ، ف(الآبرية الأحمر) ليس هو (الحلومر) ذلك لأننى عاصرت فى صغرى تلك الصناعات ونحن أطفالاً كنا نشاهد بل نعيش مع أمهاتنا تعقيد صناعة (الحلومر) الذى أعنيه ، أما (الآبريه الأحمر) فقد كان أسهل تحضيراً ويصنع فى شكل رقائق (حمراء .. برتقالية)  شبه شفافة ويخلو من البهارات المعقدة الخلط ، كما هو الحال فى صناعة (الحلومر) يتم عمله فى أى شهر من شهور السنة خاصة فصل الصيف لأنه يقدم للضيف الزائر كمشروب بارد أرق تركيزاً ونكهة من الحلومر (بعض الأحيان يمكن تقديمه  للشرب من غير تصفية ليسد شيئاً من الرمق مثل نظيره الآبريه الأبيض) ، لذلك نجد أن مكونات (الآبريه الأحمر) لا تتطابق 100% مع تلك التى يتكون منها (الحلومر) ، أذكر أننى كنت قد زرت  قريباً لى يعمل معلماً بمدينة دنقلا وكان ذلك أثناء العطلة الصيفية لمدرستنا الثانوية ، عدت إلى الخرطوم عبر الصحراء الغربية راكباً بص السائق المشهور  (خير السيد) وإذا بالبص يتعطل قبالة (مسيد) قرية (أوربى) التى تقع شمالاً من مدينة القولد ، لا أنسى كرم وأريحية أهل (أوربى) .. حيث أتى كل منهم بكل ما فى بيته من طعام ، وكان المشروب فى ذلك الطقس الحار جرادلاً من (الآبرية الأحمر) ..!! ، بعد أن تم إصلاح عطب السيارة صاح فينا شيخ يجلس فى المقدمة (عليَّ الطلاق ما فينا فايدة .. شفتوا كرم الناس ديل ..؟! ، عليَّ الطلاق كان فينا فايدة من دربنا ده ما نفوت قبل ما نَعَرِّسْ للشباب الراكبين ديل من ناس الحلة دى ..!! ، أحكى هذه القصة كدليل على أن (الآبرية) يختلف تماماً عن مشوار (الحلومر) رغم قرابتهما اللصيقة ولا علاقة له بتراث الإحتفالية بشهر الصيام الذى يريد بحثاً وتنقيباً فى هذا المجال عليه أن يذهب إلى أى قرية من قرى (مدينة بربر) وليسأل كبار الجِدَّاتْ المسنات (قبل فوات الأوان) عن تفاصيل قصة صناعة ومكونات كل من (الحلومر) و(الآبريه) بنوعيه (الأبيض) و(الأحمر) ، فصحون الحراز الضخمة (المعروفة بصحون الدبكر) أخشى أن تكون قد انقرضت كليةً من الوجود ..!! ، أما عن إختراع (الحلومر) فكيف قد توصلت أمهاتنا منذ زمن بعيد لهذه التركيبة (الكيمونباتية بهاراتية) المعقدة التى أخرجت مشروباً حلو المنظر والمذاق يقدم خلال رمضان فقط دون الشهورالأخرى ..؟! ، سؤال لم أجد الإجابة عليه إلى الآن .. أذكر أن الأستاذ والباحث فى التراث الشعبى (الطيب محمد الطيب) عليه رحمة الله قد قال مرةً مداخلة فى جمع (خرطومى) إن أهل بربر (علّموا الناس الحديث ولبس الثوب الرهيف وأكل الرغيف ..!!) ، ولم يذكر القول الآخر "إحذر باتين، بربر وبارة" فلعله كان مازحاً القوم فى مداخلته تلك!. لكننى أشهد بأنى قد عاصرت فى صغرى صناعة الثوب الرهيف بجميع ألوانه الجذابة ب(بربر) ، أما موضوع الرغيف فيحتاج إلى جلسة أنس أخرى ..
من القلب منى لكم جميعاً ولكل أهل السودان أجمل المنى .. وكل عام وأنتم بخير ..

د.عبدالمنعم عبدالمحمود العربى
إستشارى باطنية وكلى ـ المملكة المتحدة



Under Thetree [thetreeunder@yahoo.com]

 

آراء