الحنين الى المدن الجميلة (3)

 


 

 

خاطرة، بقلم: مالك معاذ ابو اديب

أم درمان، بورتسودان، بغداد، طنجة، فينكس، نيامي. مدن جميلة بينها قواسم مشتركة قد تتطابق احيانا وقد تختلف حيناً آخر، بيد انها سحرتني لأبعد مدى.

اكتب الى عروس المدائن؛ أم درمان، عاطرة الشذى الفواح، الساكنة بين اضلعي وفي وجدان ﺫاكرتي، القابعة في كوامني وتفاصيل احاسيسي. الضاربة جذورها في حنايا ﺫكريات طفولتي المورقة ومرتع صباي الزاهر.

اليك يا عروس المدائن اكتب وقد استبد بي شلال الحنين الدفاق الى حواريك الدافئة الحنون؛ الموردة، العباسية، ابوكدوك ، حي
الضباط، الهاشماب، بانت، وبقية العقد الفريد.

الى ازقة العباسية التي تشربت خطاي الطفولية الحافية في صقيع البرد وعز الهجير وعز المطر .

الى ميادينها وازقتها وقد تعفرت اقدامنا بغبار الدافوري وارتوى ثراها الطاهر من عرق اجسادنا ونحن نؤدي بحماس زائد لعبة ام الصلص او كمبلت او شدت او البلي.

الى خلاويها العامرة وقد ارتفعت حناجرنا الى عنان السماء ترتل آي الذكر الحكيم باصواتنا الغضة وسوط سيدنا يطرقع في الهواء، طارداً عنا الوهن والنعاس، ودافعاً فينا دماء النشاط والحركة، وﺫكر الله تعالى.

الى حلقات نوبتها، وسعادتنا الطفولية اللامحدودة ونحن نتسابق ونتدافع نحو موائد الفتة ام توم، نلتهمها بشهية ونهم، بينما في الجانب الاخر تُضربُ النوبةُ ضرباً فتئِنُ وترِنُ، وعلى انغام الطار دروايش تشكلوا كاسراب طيور النورس، يهرولون بانتظام جيئة وذهاباً وقد غرقوا حتى الثمالة في نشوتهم الصوفية اللامتناهية.

الى رياض اطفالها واصواتنا الندية العذبة تردد بحماس، خلف ست الناموس:لي قطة صغيرة سميتها سميرة.
تنام في الليل معي وتلعب باصابعي.

الى حيطانها الطينية مرددة صدى اغانينا الطفولية البريئة :
شليل وينو؟
خطفو الدودو
شليل وين راح؟
خطفو التمساح

يا عروس المدائن،
اجدني اشعر بسعادة ﺫات مذاق خاص عندما يتوقف بي قطار الذكرى في محطات بعينها، كزقاق
عائشة الفلاتية، عمارة طه الجعلي، ميدان الربيع، قبة البدوي، خور ابو عنجة، دكان مظبط، البازار، البلدية،
شارع الفيل، الزرائب، يوسف ابو شنب، زيدان ابراهيم، سوق الموردة، محطة عابدين، خلوة عم خليفة ودار الرياضة.
انها محطات طفولية بريئة عزيزة على النفس، وذكريات حلوة جميلة، ما انفكت تعربد في الخاطر والوجدان وتحتل حيزا واسعاً من ذاكرتي ليل نهار، محطات ما زلت متمسكاً بها وقابضاً عليها بقوة كلما تجرأت بحار الغربة ومرافؤها على محوها من ذاكرتي بمغرياتها الزائفة وثقافتها الهشة !!

يا عروس المدائن،
ان شليلك الذي خطفه دودو الغربة على حين غفلة من الزمان، ما زال يكن لك الحب كله، والاجلال جله، رغم بعد الشقة وتقطع الاسباب ورغم ما اصابك من سوء حالٍ يُبكي العدو قبل الصديق.
ومن بلاد العم سام احييك تحية ابن بار، لم تغير معدنه الظروف، ولم تلن شوكته الاحوال، بل يغمره الشوق الحار الى لقياك بين الفينة والاخرى، عزاؤه قول الشاعر :
الغريب عن وطنو
مهما طال غيابو
مصيرو يرجع تاني
لي اهلو وصحابو

 

آراء