الحِوار

 


 

 


على مر التاريخ ظلّت القضايا السياسية داخل الأمم والأوطان مسرحاً للخلاف، خلاف في الأهداف، وبعضها في المبادئ والوسائل، وأخرى في الآليات. وقد تطورت الخلافات في بعض الأمم إلى حروب طاحنة بين قطاعات الشعب، أدت تلك الحروب إلى تمزّق الأوطان أحياناً، وتشتت الشعوب في أحيان أخرى. وليس أدل على ذلك من أمثلة كما هو الحال في يوغسلافيا السابقة التي تحولت إلى خمس دويلات، هي صربيا وكورواتيا والجبل الأسود وكوسوفا والبوسنة والهرسك. ولدينا أيضاً الصومال التي ما زالت تتأرجح بين دولة ولا دولة. ورواندا التي شهدت حرباً أهلية طاحنة راح ضحيتها قرابة مليون نفس بشرية خلاف التشرّد وإفرازات الحرب. ولعل أندونيسيا التي انشقت عنها تيمور الشرقية مثال آخر، وإثيوبيا التي انفصلت عنها إريتريا وغير ذلك كثير. كل هذه الأمثّلة تحكى عن نماذج ودلالات عملية لمحاولات بعض قطاعات المجتمع بمسميات متباينة، في الإصرار على احتكار السلطة والثروة، وحِرمان قطاعات أخرى من ممارسة حقّها في تكافؤ التفاعل السياسي بما يحقق عدالة الحقوق والواجبات. هذه الأمثلة هي عِبر للشعوب والأمم السعيدة التي تستوعبها فتتفادى نموذجها. ولِما نذهب بعيداً في البحث عن عِبر السعداء بعد أن تجاوزناها ولم نأخذ بها في حينها، نحن في السودان لدينا تجربتنا كأشقيا، حيث جاءت العِبرة في أنفسنا تصديقاً للمثل الشائع (السعيد من اتّعظ بغيره، والشقي من اتعظّ في نفسه). وكانت النتيجة أن انفصل الجنوب وخوفنا على ما تبقّى.
لا يختلف إثنان في أن الحِوار هو أفضل الوسائل للوصول إلى حلول أكثر قبولاً لخلافات أي مجتمع، لا سيما إذا كانت القضايا التي يتم حولها النقاش هي قضايا سياسية. أقول أكثر قبولاً لأن هنالك وسائل أخرى لمعالجة القضايا الخلافية ومنها الوسائل الأمنية العسكرية التي تنتهي بانتصار طرف وإملاء شروطه على الآخر، أو بتراضي الأطراف على حلول أملتها أطراف خارجية أقوى، أو ضَعف الأطراف المتحاربة أملاً في إستراحة ثم مواصلة الحرب، ووسائل حِرمان طرف للطرف الآخر من كل المقومات التي تمكّنه من التحرّك لاستعادة حقوقه، أو حتى قدرته على طرحها. ولكن تبقى نتائج حلول هذه الوسائل أقل قبولاً لدى المجتمع حتى وإن ترآءت بأن أي منها قد أفضى إلى شبح حل. والقناعة بالحوار مرحلة متقدمة من الإعتراف بتكافؤ فرص تبادل الرأي للوصول إلى معالجات يقبلها غالب الشعب.
دعونا إذاً نتناول دعوة الحوار التي أطلقها الرئيس البشير في السابع والعشرين من يناير 2014م، وبصفته رئيس حزب المؤتمر الوطني الذي تأسس في كنف سلطة الحكومة التي أسمت نفسها (الإنقاذ)، وتمتّع الحزب بمزايا الرعاية والتمكين بتسخير امكانيات الدولة، حاله في ذلك حال الإتحاد الإشتراكي أو تحالف قوى الشعب العاملة في عهد حكومة مايو بقيادة الرئيس الأسبق جعفر النميري، ومعلوم أن حكومة الإنقاذ إستولت على السلطة بعد إنقلاب عسكري أطاح بحكومة منتخبة ديموقراطياً، وذلك في الثلاثين من يونيو 1989م. الجدير بالعلم أن حزب المؤتمر الوطني وقبله الإتحاد الإشتراكي، تأسسا خلافاً للعُرف السائد في إنشاء الأحزاب السياسية. عرفياً يؤسس الحزب السياسي ثم يتنافس وفق رؤيته وبرنامجه مع أحزاب أخرى لكسب سباق التفويض من الشعب ليتولى السلطة فيطبّق برنامجه، في حين أن الحزبين تأسسا كأحزاب لحكومة تولّت السلطة بالقوة عبر إنقلاب، وفرضا رؤيتيهما وبرنامجيهما على الشعب على توالي فترات حكميهما وحاولا إجبار الشعب على تفويضهما بعد ذلك بإقامة مسرحيات إنتخابية. كانت تجربة الحزبين منافية للفطرة النقيّة للحراك السياسي، لذلك جاءت المآلات كارثية على الشعب والوطن.
كشف حساب حكومة الرئيس البشير بالنظر إلى البيان الأول الذي أعلنه عشية الإنقلاب ليس فيه بُقع ضوء يمكن لحزب المؤتمر الوطني أن يستنير بها. ولست في حاجة إلى تبيان ذلك بشكل مفصّل، فقد كفاه معايشة الشعب السوداني كله في معاناته الحياتية وسردوا ذلك، وتناوله الكاتبون توثيقاً وحصراً وتحليلاً، بل أعلنه الكثيرون مِن أركان النظام وعلى رأسهم الرئيس البشير نفسه في أكثر من منبر. وفوق كل ذلك حال السودان المتردّي اليوم يجسّد تجربة 25 عاماً من الحكم الأحادي. لكن لتنشيط الذاكرة أُعيد بعض كبائر النظام لعلها تفيد كثيراً فيما أذهب إليه من حديث حول دعوة الحوار. 
إليكم ومعكم نعدّد الكبائر، فقد بدأ البشير ومشايعيه عهدهم بالإطاحة عبر إنقلاب عسكري بحكومة منتخبة ديموقراطياً وداسوا على رأي الشعب الذي انتخبها، وأعلنوا أنهم استولوا على السلطة بالقوة وعلى من يريدها عليه بالقوة. كمموا الأفواه والحريات وفتحوا بيوت الأشباح فعذّبوا وقتلوا ما لا نجزم بأعدادهم وهم كُثر. أعلنوا الجهاد على شعبهم فأشعلوا حرباً واسعة في الجنوب وجنوب كردفان والنيل الأزرق وشرق السودان، وبسبب تلك الحرب فقد السودان ما يزيد على مليون نفس بشرية بخلاف التبعات الأخرى. فتحوا السودان لإيواء مجموعات وأفراد بينها وبين حكومات بلادها نزاعات، وآخرين متهمين بأنهم ارتكبوا جرائم إرهابية، وتسبب بذلك في عُزلة السودان وحِصاره، وإساءة علاقاته الإقليمية والدولية. سيّسوا الخدمة المدنية فشرّدوا عشرات الآلاف واستبدلوهم بالموالين فانهارت الخدمة المدنية المميّزة سابقاً، وبسبب ذلك تدهورت الخدمات، وخاصة في التعليم والصحّة، وتعشعش الفساد الإداري والمالي. طبّقوا نظام التمكين في الثروة، فجعلوها في أيدي مواليهم كما هي السلطة واحتكروا الإستثمار لهم، وأهملوا البنيات التحتية وفككوا المشاريع الإقتصادية الكبيرة التي كانت قائمة وتمثّل ركائز راسخة للتنمية والإقتصاد. أشعلوا الحرب في دارفور في العام 1998م، ولم تكن حينها الحركات المسلّحة قد تأسست بعد، ورفضوا الحلول السلمية الحكيمة التي توصّل إليها والي شمال دارفور الأسبق الفريق إبراهيم سليمان فيما بعد حتى لا تتطور الأمور إلى الأسوأ وعزلوه جزاءً على توجّهه السلمي (راجع كتابي: دارفور وأزمة الدولة في السودان)، فتطور النزاع وتعقّد وما زال، وفقد السودان مئات الآلاف من الأنفس البشرية بخلاف التبعات. لم يُحسنوا إدارة الفترة الإنتقالية بعد إتفاقية السلام الشامل 2005 – 2011م لجعل الوحدة هي الخيار فانفصل الجنوب. أفقروا الشعب، واعترفوا بأن 97% منه فقراء أو تحت خط الفقر، وأجبروا بذلك ملايين السودانيين للهجرة خارج بلادهم لعدم قدرتهم على العيش في وطنهم رغم ثراؤوه بكل الموارد. أدركوا بأن إقتصاد البلاد في إنهيار متواصل، وأنه قد بلغ القاع ويكاد الإنهيار أن يتمدد راقداً في قاع الهاوية. وتوّجوا العهد بأن طمسوا القيم والتقاليد والأعراف التي ظل الشعب السوداني يعيش في حياضها متسامحاً فأصبحت الأجيال الناشئة تنشأ كالنبت (البروس)، وليس لهم في ذلك ذنب. إذاً هذه 10 كبائر تعلمونها بتفصيل، لكنني ذكّرتكم بها لعل الذكرى تنفع حيث نُفكّر جميعاً في الخروج بالوطن من منزلقه. لا ننسى أن نذكر بأن إنتاج البترول وتصديره حدث في عهد حكومة الإنقاذ، وأن بعض الطرق الأسفلتية والجسور والمباني الجميلة قد تم بناؤها في العاصمة الخرطوم وفي أماكن قليلة أخرى، وأن طريق شريان الشمال وطريق التحدي وسد مروي وتعلية خزان الروصيرص هي في عهدهم، لكنها قطرة من بحر كان يمكن أن يكون مثله أضعاف بوجود أي نظام يرتضيه الشعب، ومع ذلك استخدموا القطرة لإرواء الكبائر العشر. السودان هو الوطن الوحيد الذي يتراجع من بين دول العالم قياساً بسابق حاله. ثم جاء الرئيس البشير في السابع والعشرين من يناير 2014م وأعلن دعوته للحوار لإنقاذ البلاد من جديد!! وهو إعتراف بأن مسيرة 25 عاماً تحت حكم أحادي كان طبيعياً أن يبلغ هذا المآل. بالتأكيد يجب أن يعلم قادة المؤتمر الوطني بأن ما حدث هو نتاج حكمهم للبلاد أحادياً وببرنامجهم، وبالتالي يجب أن يُدركوا بأن أحداً لن يرغب في أن يشاركهم حَمل الوِزر، فكما جعلوا كل شيئ حصرياً لهم، عليهم أن يتحمّلوا الوزر حصرياً أيضاً.
دعونا نستعيد بعض التجارب المعاصرة للحوارات التي جرت عند بعض الشعوب لمعالجة أزماتها السياسية. نأخذ جنوب أفريقيا مثالاً، فلما دَعَى نظام الفصل العنصري بقيادة رئيسه فردريك ديكليرك في جنوب أفريقيا حزب المؤتمر الوطني الأفريقي بقيادة الزعيم الراحل نلسون مانديلا للحوار، كان الأخير في السجن، فرفض دعوة الحوار قائلاً فيما معناه كيف لمن لا يملك حريته أن يتحاور، ومانديلا بذلك لا يعني فقط إخراجه شخصياً من السجن، وإنما أراد أن يُثبِّت استحقاقاً إلزامياً لجميع الشعب الأفريقي المستلبة حريته، وجسّد ذلك في إطلاق سراحه وسراح الآلاف من المعتقلين، ورفع قيود الحريات. كما قدم النظام العُنصري اعترافاً صريحاً وموثّقاً بأنه ارتكب خطيئة تاريخية بتبني ذلك النظام وندِمَ، وأعلن أنه يقبل تفكيكه ولن يعود إليه. هذه استحقاقات إلزامية سبقت الحوار، لذلك نجح الحوار ونجحت جنوب أفريقيا في تجاوز مأساتها. في تونس ظلَت الخدمة العامة والإتحاد العام للشُغل (إتحاد النقابات) مستقلاً ولم تتغول عليهم حكومة حزب النهضة، وافق حزب النهضة بأن يدير الإتحاد العام للشغل الحوار، ووافق أيضاً على أن يَحُلَ حكومته ويقبل بتشكيل حكومة إنتقالية يرأسها رئيس محايد تُعد مشروع الدستور، رغم أن النهضة جاءت إلى السلطة عبر إنتخابات نزيهة وليس عبر إنقلاب كما هو حال نظام البشير. وكانت تلك هي الإستحقاقات التي مهّدت لنجاح الحوار والخروج بتونس إلى عهد جديد. في اليمن توسط مجلس التعاون الخليجي، وكان نتاج ذلك هو أن قدّم حزب المؤتمر الشعبي العام برئاسة الرئيس علي عبد الله صالح الإستحقاقات الإلزامية لإنجاح الحوار، وفي مقدمة تلك الإستحقاقات تنحّيه عن السلطة وتشكيل حكومة إنتقالية محايدة تدير الإنتقال وتمهّد للإنتخابات، وتمكّنت اليمن من تخطّي عقبة رئيسية من عقبات الإنتقال إلى مرحلة حوار حقيقي لا بد أن تُفضي نتائجه بنهايات إيجابية ونظام ديموقراطي. أنظمة كل الدول ذكرتها لم ترتكب الكبائر العشرة التي أرتكبتها حكومة المؤتمر الوطني في السودان، ولم يبلغ حجم قتل الشعب عند أشنعها، واحد مِن ألف مما حدث في السودان.          
حسناً نريد أن ننتشل البلاد من مأساتها، ولكن ليس بالأماني وحدها يتحقق ذلك، للحوار مقتضيات إلزامية، استحقاقات أساسية تسبق لتهيئة مناخ معافى للحوار، إذا لم تتوفر يصبح الحِوار أجوفاً يردد الصدى الذي يُطرب المؤتمر الوطني. هذه الإستحقاقات بالتأكيد ليست شروطاً كما يسمّيها المؤتمر الوطني أو من يشاركونه الرأي. والإستحقاقات في الحالة السودانية أكثر ضرورة، عطفاً على إرث التعامل مع المؤتمر الوطني المتمثل في حزمة من الإتفاقيات ووالوعود الجوفاء. إذاً تجسيد الإستحقاقات على الأرض حتمي ليتوفّر المناخ الضروري لإنجاح الحوار، ومِن ثَم يجب أن تسبق إنطلاق الحوار لأنها كما قلنا إستحقاقات أساسية وليست شروطاً لأطراف.
لنرى إذاً ما هي هذه الإستحقاقات الإلزامية، هي الإعتراف الصريح المُعلن من المؤتمر الوطني ونظامه الحاكم للشعب السوداني، وبأنه ارتكب الكبائر العشرة وفي مقدمتها خطيئته السياسية بالإطاحة بحكومة مُنتخبة ديموقراطياً، وأنه يندم على فعلته التي فعل ويعيد الحق إلى أصحابه وهو الشعب، ولن يعود إلى مثل تلك الخطيئة مستقبلاً. إرتكاب إي حكومة جزئية واحدة من الكبائر العشرة في أي بلد آخر تحت حكم نظام ديموقراطي كفيل بالإطاحة بالحكومة وحزبها. إعادة هذا الحق تقتضي أن يترجّل الرئيس البشير وكامل حكومته الإتحادية وحكوماته على مستوى الولايات، لتتفق كل القوى السياسية السلمية والثورية المسلّحة على تشكيل حكومة وطنية إنتقالية تقودها شخصية محايدة يتم الإتفاق حولها لإدارة مرحلة الحوار، مروراً بوضع مشروع دستور دائم وصولاً إلى الإنتخابات المتعددة النزيهة لاسترداد الديموقراطية، وأيضاً حكومات ولائية إنتقالية. بالطبع ضمن إعادة الحقوق ينبغي إلغاء القوانين المقيدة للحريات وتمكين الشعب من التعبير الحر والممارسة السياسية بلا مضايقات، وإطلاق سراح جميع المعتقلين بتهم سياسية أو بسبب تبنّيهم النضال المسلّح ضمن قضايا الوطن المعروفة بدارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق والشرق. إعلان وقف شامل للعمليات العسكرية في كل الجبهات يتبعه إعلان مماثل من قوى المعارضة المسلّحة ليتمكّنوا من المشاركة في إرساء الإستحقاقات الإلزامية التي كما قلنا هي سابقة لأي حوار. كل القضايا الأخرى تبقى هي على طاولة الحوار بعد ذلك.
إذا لم يحدث هذا وبقي الرئيس البشير وحزبه ممسكين بالسلطة ورغم ذلك وافقت بعض القوى السياسية على المشاركة في الحوار كما يرشح الآن، فإن تفسير ذلك لا يخرج عن ثلاثة احتمالات في قراءة إستعادة مشابهة لما حدث بين نظام الرئيس نميري وبعض قوى الجبهة الوطنية في العام 1977م . الإحتمال الأول هو أن هذه القوى السياسية الموافقة قد سئمت الإنتظار، ودخلت في ثمة تقاسم للسلطة تم الإتفاق عليه يتم توزيعه في الإنتخابات القادمة، ولكن يحتاج إخراجه بواجهة الحوار، ويتم تضمينه في الدستور المرتقب حتى تكون مخرجات الإنتخابات مقبولة لدى الرأي العام المحلي، ومهضومة مِن الجوار الإقليمي، ومرضي عنها من المجتمع الدولي. من جهة أخرى تستخدم حكومة المؤتمر الوطني ومشاركيها النتائج أرضية للإنطلاق في محاولات فك الحظر على سفريات البشير إلى منتديات ليس ممكناً حضوره لها في الوقت الحالي، وذلك عبر تجميد وتأجيل دوري لقرار المحكمة الجنائية من مجلس الأمن، بالإضافة إلى معالجة ديون السودان ورفع العقوبات الإقتصادية. الإحتمال الثاني هو الإعداد لمواجهة فرضية إنتقال السيناريو المصري إلى السودان، خاصة مع بروز تحالف قوي بين مصر والسعودية والإمارات، ولما لمثل هذا التحالف من تأثير على الساحتين الإقليمية والدولية في المحورين السياسي والإقتصادي، والخوف من دعم هذا التحالف لتوجّهات التنامي والوعي الجماهيري العازم على تغيير حقيقي في السودان يجسّد مبدأ المواطنة أساس الحقوق والواجبات، وبالتالي لامست خطورة الموقف المشروع الحضاري وبرنامج الصحوة وبرنامج الجمهورية الإسلامية، فدفعتهم مخاوفهم إلى تحالف عاجل.
الإحتمال الثالث هو لُعبة التذاكي المتبادلة، وهي محاولة قُوَى المعارضة التي وافقت على الحوار دون توفر استحقاقاته الإلزامية، وتعتقد بأنها يمكن أن تقود المؤتمر الوطني وتحشره في زاوية تأمل أن يودّي ذلك إلى خلخلته وشرذمة قياداته في بؤر ومراكز قُوَى تتصارع وإضعافه، حتى عندما يبدأ في أكتوبر المقبل لاختيار مرشحه لرئاسة الجمهورية، تكون الخلافات داخله قد بلغت أوجها فينهار ومعه ينهار النظام. والمؤتمر الوطني بدوره يعتقد بأنه الآن يعيش حالة غليان داخلي وتجاذب أقطاب عينها على أكتوبر القادم حيث إختيار مرشّح الحزب لرئاسة الجمهورية، وبالتالي فهو في حاجة إلى ضخ جرعة تنبيهية بخطورة فقدان أحاديته وبقائه في السلطة، فيستخدم الحوار بعد أن يوفّر مناخ متراخي بعض الشئ للحريات حتى تنتفض القوى الأخرى بأنشطة وحراك سياسي وجماهيري عريض، تأمل أن يؤدّي ذلك في إدخال الرعب في قلوب قيادات المؤتمر الوطني المتصارعة، ويتحسسون أن اختلافاتهم ستقود إلى ضياع حزبهم وضياع السلطة برمّتها، فينزلون إلى التمسّك بالبشير مرشّحاً بحجّة وحدة المؤتمر الوطني واستمرارية الإنقاذ، واستخدام المناخ الذي وفّره الحوار لتعزيز وتمرير نتائج إنتخابات 2015م التي بلا شك يعمل على إخراجها كما يحلو له من الآن.
قلت أن لا أحد يرفض الحوار وسيلة لمعالجة قضايا الوطن، وأن للحوار أن ينجح ينبغي توفّر الإستحقاقات الإلزامية التي أشرت إليها في صدر هذا المقال، وعلى رأسها الإعتراف والإعتذار والندم، وتنحّي الرئيس البشير وحكومته الإتحادية وحكوماته الولائية، وتشكيل حكومة وطنية إنتقالية ترعى الحوار وتعمل على إعداد مشروع دستور دائم، وتُحضّر لإنتخابات حرة ونزيهة تؤدّي لاستعادة الديموقراطية، وتبدأ بمعالجة الكبائر العشر. بخلاف ذلك يكون المؤتمر الوطني بدعوته للحوار إنما يريد للآخرين أن يشاركوه أوزار الكبائر العشر ويقودهم إلى المشاركة في الإنتخابات القادمة مستنداً إلى أموال التمكين التي احتكرها، ويجعل من الآخرين حَوَاريين له يرددوا صداه مصدّقين كذبة أبريل.
عبد الجبار دوسه
6 أبريل 2016م


jabdosa@yahoo.com
////////////

 

آراء