الدبلوماسية البديلة

 


 

 


إن التبعية المتمثلة في عدم الإستقلال السياسي والإقتصادي لدول العالم الثالث قد أورثتها هزيمة نفسية ظلت تزداد إستعصاءاً كلما فشلت هذه الشعوب في إستحداث نظم للحكم تتمشي مع منظومتها الأخلاقية والفكرية وتساعدها علي تلبية حياتها اليومية.وإذ عجزت النخب الليبرالية عن تفعيل المنظومة الإجتماعية عقلانياً فقد لجأت النخب الدينية إلي منظومة غيبية علها تبعث المجتمع من مرقده، لكنها لم تفعل أكثر من تجديد الآيات التي كادت أن تندثر من شواهد القبور. كي لا يكون الدين وسيلة لتسكين الأرق الوجودي الذي يعانيه الإنسان، أو يكون بمثابة الموجة التي تحمل الصراصير إلي ساحل السلطة، يجب أن نفهم أن طبيعة الصراع البشري في أرضيته لا يكتسب قيمة سماوية إلاَّ بالقدر الذي يتحقق فيه التكافل كقيمة إنسانية عليا.
في غياب التكافل الإقتصادي، السياسي، والإجتماعي داخل المنظومتين: الإقليمية والدولية، سيأخذ التدافع منحاً سلبياً تستخدم فيه القوة كوسيلة لتقنين واقع مجحف وتمجيد قسمة ضيزي. وإذا عجزت الأيدولوجية عن حجب هذه الرؤية وفشلت الدبلوماسية في مداراة هذا الواقع فقد وجب البحث عن دبلوماسية بديلة تجنب البشرية الصدام وتسعفها من الهلاك.
لوضع الأمر في نصابه سعي الكاتب للتعرض تسلسلياً لقضايا الإنفجار السكاني ومحدودية الموارد، الإستخدام الحيوي للطاقة في مقابل الإستخدام المفرط للقوة، الأسس المادية للصراع والغيبية للتعبئة. إن لهذه التقاطعات/التوافقات تأثيراً إيجابياً قد يتجلي في مسألة التوحد المفاهيمي الذي كانت العالمية إحدي تجلياته، كما أن لها أثاراً سلبية كادت تنذر بإنشطار المؤقف المصلحي وتعزز من حتمية الدمار الكوكبي  إن سارت العولمة في طريقها المرصود حالياً ومستقبلياً. إن الهوية لا تتشكل في فراغ إنما تتبلور متأثرة بالإقتصاد، ولذا فمن الأجدي الحديث عن النسب الحضاري، سيما التعرض لأنساقه السياسية والإقتصادية.

الدبلوماسية البديلة: وسيلة العالم لإحداث التوازن البيئي المنشود
اوضح الكاتب الدبلوماسي ازوالدو دي ريفيرو في كتابه القيم "خرافة التنمية" كيف ان برنامج التكيف الهيكلي قد فضح الخلل الوظيفي للدول النامية وأظهر علامات قوية على عدم قابلية اقتصاداتها على الحياه. كما بين سلب الليبرالية "الدولة" دورها في دعم وتحديث الرأسمالية الوطنية ومساعدتها لكي تجعل مؤسساتها قادرة على المنافسة مثل اليابان، كوريا الجنوبية.
نورد هذان العاملان دون أن نهمل حقائق تاريخية وثقافية متمثلة في افتقار البلدان المتخلفة إلى الروح الجماعية الرأسمالية والتراث العلمي اللازمين لتجاوز حدود الثورة الصناعية إلى تلبس روح الثورة التكنولوجية التي لا تعتمد على العمالة المكثفة قدر اعتمادها على إنتاج منخفض التكاليف ومتحرر نسبيا من الموارد الطبيعية. فالطلب العالمي على المنتجات الصناعية ذات التكنولوجيا العالية ينمو بنسبة 15% في السنة في حين ينمو الطلب على المنتجات الصناعية ذات التكنولوجيا المنخفضة بنسبة 5% فقط.
إن عجز الدولة عن تطوير قدراتها التكنولوجية بتوفير البنية التحتية وتوسيع حجم السوق المحلية، ضمان الأمن القانوني والاستقرار السياسي قد حرمها فرصة جذب الاستثمار الأجنبي اللازم لرفع الإنتاجية الزراعية أو الصناعية. وقد يبدو المنطق دائريا، فالعجز عن جذب الاستثمار هو الذي أقعد الدولة عن القيام بدورها في توفير فرصة حقيقية تتجاوز "خرافة التنمية" التي تمثلت في قبول مبدأ التعافي الاعجازي (ازوالدو دي ريفيرو ص، 152).
إن اعتماد التكيف الهيكلي كوسيلة مثلى لترسيخ الجدارة الائتمانية لهذه البلدان المتخلفة، بل إلزامها عقيدة "السوق الحرة" قد حرم النخب دورها الريادي واقعد الدولة عن واجبها السياسي والاجتماعي.
تآكل جوهر الديمقراطية تدريجيا إذ فقد المواطنين الأمل في تحسن أحوالهم المادية واصطدموا عنوة بالدولة التي استعاضت عن السفارة بوكالة تمارسها نيابة عن الارستقراطية العالمية في إدارة شؤون البلاد الاقتصادية. لا غرو، فقد افتضح الوحش (Levithan) ولم يجد بدأ من استخدام العنف المتجذر في اللاوعي الجماعي للطبقات السياسية في التصدي لهذه الجموع (التي توافرت لأول مرة في تاريخ الإنسانية بهذه الكفاءة وبهذه النسب العمرية الهائلة).
إن التوازن المادي والاجتماعي الأدنى المطلوب لوجود الحياة الحضرية والتماسك الاجتماعي يتعرض لأول مرة منذ فجر الإنسانية للاهتزاز من فرط تفشى الانماط الاستهلاكية وتعميمها بطريقة تهدد بتحول الحظيرة إلى غابة داروينية تعزز الميل السلبي الغريزي للإنسان الذي تعامل مع الآخرين على أساس أنهم أنواع زائفة ضد البشر "ومع الطبيعة على أساس أنها ضيعة" وليست أمانة أو هبة ربانية.
إن التعاطف الإنساني لمجموعة مع الأشخاص أو الجماعات لا ينشأ ضميرا أخلاقياً عالمياً، ولنا فالواجب منح الارستقراطية غير الحكومية (المتمثلة في الشركات عبر الوطنية) تمثيلاً دوليا مع عضوية كاملة في المنظمات الاقتصادية والمالية والبيئة الدولية يجبرها على تحمل التكاليف الإنسانية أو الاقتصادية التي ينطوي عليها حفظ السلام العالمي والمحلي.
إن مبدأ الدبلوماسية البديلة لا يحرر البشرية مطلقاً من مأثر "الدين الجديد" الذي تبشر به منظمة التجارة العالمية، صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، لكنه يعطي الشعوب الفقيرة هامشاً تتحرك فيه لتقييم وظيفة الدولة وليست فقط الاكتفاء بترداد "نظرية الدولة" (هنا يلزم الانتباه إلى عنصر الاحكام وليست فقط التحكم)، تتوفر فرصة لتدارك الكتل السكانية من الانفجار، وتبرز أهمية اسعاف المادة العلمية من التضخم (علما بأن البلدان المتخلفة التي تشكل 75 في المائة من البشر تمتلك 7 في المائة فقط من إجمالي العلماء والمهندسين في العالم).
الأهم، أن سيادة منطق الدبلوماسية البديلة سيعطي المجتمع المحلي فرصة الاسهام في الاقتصادي العالمي من خلال التفاوض وليست العنف الذي من شأنه تعطيل الوظائف الثقافية والاجتماعية والبيئية، كما سيمنحه فرصة استحداث إصلاحات هيكلية ونوعية عميقة من شأنها أن تنعش الاقتصادات الوطنية (نمو دخل الفرد صفر في القارة الافريقية راهنا) وتهيء لها اندفاعه قوية على الصعيدين : الزراعي والصناعي.
إن 70 في المائة من سكان العالم سيقطنون المدن الحضرية في عام 2020، كما إن الإنتاج الزراعي يجب أن يرتفع بنسبة 75% لإشباع ما يقرب من 8 مليارات جائع بحلول سنة 2015. هذا الامر يقتضي تعاونا بين من يملكون المال، من يملكون المعرفة ومن يملكن الارض. فلنجد البحث علي هذا المثلث الذهبي الذي ظل مفهوماً لكنه غائبا!
إستدراكا، لم تعد التنمية تتوقف على الجهود والقرارات الوطنية الديمقراطية، ولذا فلابد من ميثاق واقعي يعالج الخلل الوظيفي للدولة، وينشد الربط بين ماهية العولمة وشروط الاسهام فيها بفاعلية. إذا لم يكن بدافع الاخلاق فبدافع حب البقاء او الحرص علي الخلود. كما إن تجاوز حدود معينة من السلب الإنساني سيؤدي وظيفة الانتقاء الدراوينية التي تعرض الجميع للخسارة وتؤدي اضطرابا يستحيل التكهن بعواقبه الكونية (أولى لك فأولى، ثم أولى فأولى!). إن الربط العضوي والتدريجي بين الاقتصادات المصدرة للمواد الخام والاقتصادات الصناعية لا يقصد منه تعميم "خلق المجتمع الاستهلاكي للبلدان الغنية" أو اللهث وراء التقدم المادي، إنما تجنب انخفاض استهلاك الفرد للطاقة، وهنا تكمن معضلة البشرية والتي لا يمكن تجاوزها إلا باعتماد الدبلوماسية وسيلة للتفاوض لأن سباق التسلح قد صرف الموارد في غير موضعها ولم يفض إلى سلم (أو يحقق ازدهارا للحس العدلي)، إنما صلفا قد تستحيل معه سياسة توازن الرعب إلى رعب حقيقي.

الدبلوماسية البديلة: تجاوز الثنائية المقيتة المميتة بين الطاقة والأمن
الدبلوماسية هي الوسيلة الوحيدة، التي يمكن أن تستدفع بها الدول الكبرى وجمهورها المتمدد والمتراخي للتعديل عن طريقة التفكير في مستقبل نمطها الاستهلاكي الذي لا يتسبب فقط في نضوب المصادر الطبيعية للطاقة إنما ايضاً يؤجج من حدة الصراعات العسكرية ويزيد من وتيرة التقلبات السياسية والاجتماعية في العالم بأسره.
يتوسع مايكل كلير في سفرة القيم "دم ونفط" (أمريكا واستراتيجيات الطاقة: إلى أين؟) في سرد التفاصيل وتحقيق الوقائع لكنه لا يترك لنا مجالاً للتخيل فيورد حقائق علمية وموضوعية تجعل القوى العظمي بين خيارين: أما أن تلتزم بالتشريعات الخاصة بحماية البيئة واحترام حقوق المهمشين والمستضعفين فتتخذ قرارات صارمة حول سياسة الطاقة وفقاً للقيم الإنسانية وعلى ضوء المصالح طويلة الأمد للبشرية، أو تدع الشرة المستطيل والتعطش الفائق والمتنامي للزيت والغاز يعزز رغبتها في محاولة السيطرة الكلية على مصادر الطاقة، ومن ثم حدوث نزاعات إقليمية ودولية تنذر بفناء البشرية وتهدد بتدمير أركان الكرة الأرضية.
الخيار الأول يتطلب استنباط استراتيجية بديلة للطاقة ستدفع مواطني الدول العظمى تغيير انماط حياتهم الاستهلاكية؛ كأن يستعيضوا عن مركبات التشغيل الخفيفة والتي تستهلك 60% من الوقود بالقطارات والباصات وكأفة وسائل النقل الجماعي، وان يتقبلوا فكرة دفع ضريبة إضافية على الجالون توظف لدراسة السبل العلمية والناجعة لتوفير وسائل طاقة بديلة في المستقبل القريب. إذا نظرنا إلى خارطة الانتشار العسكري والجيوش المسخرة لتأمين حرية الوصول إلى احتياطيات أمريكا من الزيت والغاز الطبيعي، فإن بإمكاننا تصور هؤلاء الجند عالقين في حفر من قطران الدم المتسعة. الأمر الذي يمكن تفاديه بمجرد الاستقامة على مبدأ التعاون الدولي علي إعتبارهمكون لازم يمكن أن يحسم التنازع الاخلاقي الذي صحب البشرية منذ عهدي عاد وثمود حتى يومنا هذا. لقد كان الاستعلاء عنصراً اساسياً في افساد طبيعة التفاعل بين البيئة والإنسان مما تسبب في استهلاك المرعى إلى حد النفاذ وتسبب الصراع إلى حد الهلاك (Tragedy of the Commons).
إن استقرائنا للواقع واستنظارنا لما قد يحدث إذا مضى الاستهلاك على وتيرته المتزايدة هذه، دون أي استدراك، فإن وارادات أمريكا من الزيت ستزداد بنسبة تجعلها تعادل الصين والهند مجتمعتين. إن زيادة معدل الاستهلاك اليومي من 11 مليون إلى 19.5 مليون برميل (زيادة 68%)، يلجئ الولايات المتحدة لاستيراد برميلين من كل ثلاثة برميل تقريباً بعد عشرين سنة (2025). هذا مما يجعل الولايات المتحدة أكثر تعويلاً على زيت الخليج، لأنه وحدة من بين كل المناطق المنتجة للزيت، يحتوي على احتياطات غير مستثمرة، تكفي لتلبية الطلب المنتشر الأمريكي والدولي في العقود المقبلة (مايكل كلير، ص:147). إذا استبعدنا، ولو إلى حين التأثيرات المعاكسة، حرب، اضطراب مالي، أو عدم استقرار سياسي، فإن نسبة الإنتاج في الخليج يجب أن ترتفع بنسبة 85% لتلبي حوجه المجتمع الدولي. "وليس من المؤكد إطلاقاً أن تستطيع دول الخليج تلبية هذه التوقعات. فحتى مقاربتها لهذا الرقم تحتاج إلى اجتذاب راس مال أكثر مما تستطيع أن تقدمه داخلياً لضرورة تحسين البنية التحتية – الأجهزة الجديدة للحفر، خطوط الأنابيب، محطات الضخ، صهاريج التخزين، وما شابه" (نفس المصدر، ص: 128).
إن تصميم القيادات الخليجية (باستثناء العراق طبعاً) على الاحتفاظ بالسيطرة الكاملة على قطاعات النفط واعتزامها عدم السماح للشركات الأجنبية للقيام بدور في استخراج النفط المحلي يضعها بين مطرقة الشعوب التي ترفض خصخصة القطاع العام للنفط على اعتباره تبعية وسندان الامبريالية التي لن تترد في احتلال المنطقة واستعمارها رسميا وشعبياً إذا هبطت وتيرة الإنتاج دون الحق الأدنى الذي يطلبونه أو ارتفعت الاسعار فوق الحد الأقصى الذي يرغبونه. ولك ما قاله يوما رالف بيترز في الوول ستريت جورنال، "يجب أن نستعد لوضع اليد على حقول الزيت السعودية ونديرها في سبيل فائدة أكبر بتاريخ 14 يناير 2002." إنه يريد أن يحمل هذه الدول فاتورة نشر القوات الأمريكية في العراق والخليج، وحوض قزوين، وكولومبيا، كي تتبقى له 150 بليون دولار يمكن أن يواجه بها العجز الفيدرالي والحاجة اللازمة لتقديم الرعاية الصحية والتعليم. سيما، التقليل أو التقتير من ثمن النفط المستورد والذي قدر بـ 5.3 ترليون دولار بين عامي 2001 و 2025 (نفس المصدر، ص: 342، 343).
إن انخفاض حدة الصراع العربي الإسرائيلي يهيئ المناخ لقبول منطق الشراكة الدولية ويناي بالشعوب عن العاطفة التي لن تجدى في توفير 3 تريليونات يحتاجها المجتمع الدولي لرفع الإنتاج العالمي خلال السنوات الثلاثين المقبلة إلى مستوى يلبي الطلب العالمي من الزيت عام 2030. ان التقييم المرضي والعادل للعائدات يكسب الحاكم مصداقية على المستوى المحلي ويجعله أكثر تعويلا علي تحميل الدفوعات الذاتية وأكثر حرصا على تحقيق الاطروحات الوطنية.
يكفي أن نلقى النظر إلى تدنى دخل الفرد السعودي من (28.600 $ عام 1981 إلى 6.8 $ عام 2001) وارتفاع البطالة وسط الشباب والمثقفين (من صفر إلى 30%)، كي تدركان إنتاج الزيت في بعض هذه البلدان قد أدى إلى تشويهات في الاقتصاد المحلي وما زال ينذر بتصدعات في البنية السياسية والاجتماعية. في غياب الارادة السياسية للإصلاح وضعف السياسية الإدارية، تستحيل الرؤية الاستراتيجية إلى مشهد عبثي يتربص فيه الاغيار بعضهم ببعض. وقد كانت بعض الاصلاحات الجوهرية (مثل الملكية الدستورية، الديمقراطية التوافقية، تفعيل قنوات الشفافية والمحاسبة) كفيلة بتحقيق تعاون يخرج هذه المنطقة من دائرة الاستقطاب الايديولوجي الذي كان الصوت العقلاني الليبرالي أو ضحاياه.
لقد كان توجه الولايات المتحدة عندما اتخذ الرئيس نيكون قراراً في عام 1969 يقضي بتعزيز القوات العسكرية لكل من ايران والعربية السعودية، لكن انقلاب القوات العسكرية على الشاه في 16 يناير 1989، جعل الولايات المتحدة تتهيب التعويل على العنصر المحلي وتخشى سيطرة مجموعات معادية على مصادر الطاقة. إن أي نزاع داخلي سيبرر للولايات المتحدة فرض سيطرتها، ليست فقط العسكرية بل السياسية أيضاً، على المنطقة بأسرها.
إن محاولة مثل هذه لن تمر دون عواقب فمحاولة السيطرة الكلية على 70% من احتياطي النفط في العالم سيضرب القوى العظمى في عصب. ولن تتوانى روسيا حينها في احتلال جورجيا التي تربط خط أنابيب باكو –تبليس– جيهان، والذي أصبح "القناة الرئيسية التي تتدفق عبرها صادرات الطاقة من حوض قزوين إلى الغرب" (نفس المصدر، ص 261). لا ننسى أن محاولة السيطرة على احتياطات الزيت في منطقة القوقاز تسبب في غزو ألمانيا للاتحاد السوفيتي عام 1941م.
إذا نظرنا إلى الهندسة الجديدة التي استحدثت منذ ذاك الوقت، والتي تتضمن دفاعات صاروخية قومية وتقنية اسلحة متقدمة، فإنا نتذكر مقولة انشتاين عند ما سئل عن الحرب العالمية الثالثة فقال "لا ادر عن الثالثة لكن الرابعة سيخوضها الناس بالعصى". اليست من الجنون أن تسعى القوى العظمى لوضع خطة للتفوق العسكري والهيمنة على العالم في وقت وجب فيه تعزيز التعاون الدولي والدفع بدفة الدبلوماسية كوسيلة مثلى وبديلة يمكن أن تجنب البشرية الصراعات وتحدث تفاعلاً حيوياً وإيجابياً بين مصادر الطاقة وحوجه الإنسان للاستفادة منها. الم يكف ما فقدته البشرية من أرواح تجاوزت أعدادها إلى 150 مليون نسمة في خلال القرن الماضي فقط؟

الدبلوماسية البديلة: القدس ومحورية الصراع الحضاري في فلسطين
لا سبيل لاستقرار الشعوب وتنعمها بالسلام إلا بتوفر وعي أخلاقي ينشد العدل على المستوى الثقافي كأساس لتحقيق التكافل الاقتصادي والسياسي. إذا توفر هذا الوعي فإننا سنوقن أن الشعب الفلسطيني يخوض معركة التحرر نيابة عن البشرية جمعاء، لأنه يواجه أخر قلاع العنصرية التي تبرر لدول القطب الشمالي إستدرار مبلغ 350 بليون دولار من جراء إستهلاكها لموارد البشرية، تتكرم بالتصدق منها بمبلغ 10 بليون دولار علي دول العالم الثالث.
إن الكيان الصهيوني يستشعر هذا الخطر ولذا فإنه يستثمر أي فرصة يجدها للخروج من مآزقه الأخلاقي عسكرياً؟ لماذا نعطيه إذن هذه الفرصة؟ ألم نعي بعد ان إستخدام السلاح (ولا أجده مبرراً) يجب أن تسبقه تهيئة عامة وتمهيد إستراتيجي لا يضرب العدو فقط في عمقه العسكري، إنما أيضاً الوجودي إنه، أي الكيان الصهيوني، مضطر لإصطناع حرباً لفك الحصار السياسي والدبلوماسي. (فالغوغائيون من يعطونه هذه الفرصة) عسكرياً. وهي، أي إسرائيل، مضطرة لإتخاذ خطوة إستباقية(إذ رأت شعوب المنطقة تتحرر من الطواغيت، واحداً تلو الأخر الطاغوت الحسي يليه ذلك المعنوي) تتمثل في تسديد ضربة عسكرية لإيران التي لن تقف مكتوفة وستسعي للسيطرة علي مضيق هرمز مفسحة مجال المناورة للولايات المتحدة التي لن تتواني عن الإحتلال الكامل للمنطقة(وقد أعددت لقواعدها في كافة أنحاء الإقليم) إذا ما أحست بتهدد مصالحها. قد لا يوافق هذا التوقيت الهند، لكنها لن تتأخر عن نصرة حليفتها إسرائيل بتسديد ضربة لباكستان بغرض الإستئصال لقنبلتها النووية. قد تربك هذه التحركات روسيا والصين لكنها لن تفل من عزمهما عن السيطرة علي بحر قزوين (منطقة الرايات السود التي أشار إليها الحديث النبوي). في خضم هذا الهرج والمرج (الحربالعالمية الثالثة) ستتوسع إسرائيل مفسحة المجال لخرافتها التوراتية (إمتداد مملكة داؤود من النيل إلي الفرات). من الغريب أن هذه الدولة العلمانية تبرر لمشروعهاالإستيطانيالإستعماري غيبياً، لكنها لم تغفل يوماً عن إقتصاديات نسبها الحضاري والذي يتحرك في مدارات خارج أقيسة الجغرافيا والتاريخ. أمَّا المسلمون والذين تدعمهم وقائع الجغرافيا والتاريخ فيهملون إقتصاديات أنسابهم الحضارية والتي تستمد مشروعيتها الرمزية من أدني الأرض (فلسطين)، لكنها لا تقتصر عليها، فيركزون علي الآثنية والأطر الدينية مهملين دينامية الصراع وأرضيته.

المراجع:
1)    سمير أمين، في مواجهة أزمة عصرنا.
2)    ريتشارد سوذرن، صورة الإسلام في أوروبا في القرون الوسطى، ترجمة د. رضوان السيد.
3)    مايكل كلير، دم ونفط.
4)    خرافة التنمية، ازوالدو دي ريفيرو.

auwaab@gmail.com
////////

 

آراء