الدوحة الثانية

 


 

 

ibrali7@hotmail.com

 

انفضت محادثات الدوحة الخاصة بقضية دارفور بين الحكومة السودانية وحركة العدل والمساواة دون الوصول الى اتفاق ما.  وتبارى طرفا النزاع في تبادل اللوم والاسراع بالشكية عبر وسائط الاعلام المختلفة. في الوقت الذي اتهمت فيه حركة العدل والمساواة الحكومة السوادنية بعدم الرغبة في تنفيذ اتفاق النوايا الحسنة "Goodwill Agreement”  الموقع في الدوحة بتاريخ 17 فبراير 2009 واطلاق الاسرى كخطوة اولى نحو تنفيذ التزاماتها الواردة في هذا الاتفاق، وان الحكومة جاءت تنشد اتفاقا لوقف اطلاق النار فقط دون مناقشة القضايا الجوهرية، ترى الحكومة ان وفد حركة العدل والمساواة انصرف الى المطالبة بحل قضايا انصرافية مثل قضية الاسرى التي لا تهم كل اهل دارفور، اضافة الى اصرار حركة العدل والمساواة على الانفراد بتمثيل كل اقليم دارفور دون مراعاة للحركات المتمردة الاخرى.

  

الاتهامات المتبادلة كلها حقائق من متلازمات العملية السلمية Process oriented trends سبق ان حذرنا من الوقوع فيها حرصاً على عدم ضياع هذه الفرصة الغالية التي وفرتها دولة قطر الشقيقة لاطراف النزاع. فتبادل الاسرى منصوص عليه في اتفاق الدوحة للنوايا الحسنة، المراد به بناء الثقة وتثبيت اركانها. كما ان انفراد حركة العدل والمساواة بتمثيل كل اقليم دارفور امر غير مقبول وفيه تهميش لعدد من الحركات المتمردة وقطاع كبير من سكان دارفور، وتكرار لاخطاء اودت باتفاق ابوجا حيث انفرد فصيل واحد بالتوقيع دون الفصائل الاخرى فكانت النتيجة تجدد النزاع بصورته الحالية. اما قضية وقف اطلاق النار فقد افردنا لها مقالا باللغتين العربية والانجليزية حذرنا فيه من مغبة الاهتمام والانشغال بقضية وقف اطلاق النار وتعليتها الى مرتبة فوق عملية السلام والتفاوض، كما اوضحنا استحالة توقيع اتفاق لوقف اطلاق النار مع فصيل واحد، واستحالة تنفيذه في اقليم شاسع مثل دارفور، الذي تحولت معظم اراضيه لمعارك عسكرية. 

  

ويبدو ان الطرفين قد اهدرا وقتاً ثميناً من السجال والجدال في هذه الامور والمحاذير التي عادة ما تسمو على عملية التفاوض وتعطلها بحيث تصبح هي القضية الاساسية، حيث تنطمر تحت اضابير خلافات الطرفين الفرعية القضية الاساسية التي تهم كل اهل دارفور وشعب السودان كافة. ولكن ان تتعثر المفاوضات خير من ألا تنعقد مطلقاً.

 

لذلك يصبح لزاماً على الطرفين، والاطراف الاخرى غير الممثلة، وعلينا كسوادنيين مهتمين بقضايانا الوطنية، ان نثمن هذه الفرصة التاريخية النادرة التي وفرتها لنا قيادة حضرة صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، امير دولة قطر المفدى، ودورها الكبير في تسهيل الجهود الاممية والافريقية، والتي ما كان يمكن ان تصبح ممكنة لولا هذه الوساطة الكريمة التي تعكس خصوصية اختص بها القطريون الشعب السوداني.

  

من الاجدى للطرفين الاسراع بالبدء في جولة ثانية في دوحة العرب، للوصول لاتفاق اطاري يحدد ملامح عملية السلام ويرسم طريقها ويهدي صراطها، وفي نفس الوقت يعطي الوسيط سلطة قانونية وادبية للاخذ بزمام العملية السلمية وتوجيه الاطراف ان هم حادوا عن الطريق المرسوم لها، تماما مثلما حدث في عملية سلام نيفاشا. ودولة قطر مؤهلة للقيام بهذا الدور الطليعي والتاريخي لانجاز اتفاق اطاري يحكم عملية التفاوض حول تحقيق السلام في دارفور.

  

ان الصول لاتفاق اطاري عمليOperating Framework Agreement  لعملية السلام ليس امراً عسيرا، طالما وجدت الرغبة الجادة في السلام التي تم عكسها بواسطة الاطراف في الدوحة بتوقيع اتفاق النوايا الحسنة، ولكنه في نفس الوقت ليس امرا سهلا، لانه يتطلب قدرا من الصبر والعمل الدؤوب، والتضحيات التاريخية من قبل الاطراف.  لتسهيل الامر، ارى ان يبدا الاطراف فورا بالتفاوض حول القضايا الخلافية –و هي كثيرة- على اساس كل قضية على حدة piece by piece وليس تفاوضا على جملة القضايا مجتمعة.

  ان الوصول لاتفاق اطاري من شأنه ان يخلق زخم بين الحركات والحكومة، ويولد حماسا لدى جماهير الشعب المختلفة، وسيجد صداه السريع والواسع  لدى هذا الشعب الصبور المتشوق لرؤية السلام والاستقرار في هذه البقعة من السودان الحبيب.  كما سينال استحسان المجتمع الدولي الذي سيلقي بثقله المادي والمعنوي على العملية السلمية في الدوحة، وعندها سيصبح كل شيء ممكناً، وهذا ليس ببعيد على دوحة الانجازات. 

 

آراء