الديمقراطية التوافقية كاليه لانجاح التجارب الديموقراطيه وحل الصراعات السياسيه

 


 

 

د. صبري محمد خليل/ أستاذ فلسفه القيم الاسلاميه في جامعه الخرطوم

Sabri.m.khalil@gmail.com

تعريف الديموقراطيه التوافقية (Consensus democracy) : هي نمط من
أنماط الديموقراطيه ، يتميز بعدم الاكتفاء بالأغلبية كمعيار وحيد للحكم، وأضافه معيار آخر هو التوافق الذى يتضمن إشراك الأقليات المنتخبة في الحكم.

نشاْه الديموقراطيه التوافقية فى الفكر السياسى الغربي : ويعد المفكر الهولندي (أرنت ليبهارت) من أوائل المنظرين للديمقراطية التوافقية في الفكر السياسى الغربي ، وقد أشار ليبهارت إلى أن الديمقراطية التوافقية تعبر عن إستراتيجية في إدارة النزاعات، من خلال التعاون والوفاق بين مختلف النخب، بدلاً من التنافس واتخاذ القرارات بالاغلبيه.

مرتكزات الديموقراطيه التوافقية: و تقوم الديموقراطيه التوافقية على أربعة مرتكزات أساسية:
أولا:حكومة ائتلافية أو تحالف واسع يشمل حزب الأغلبية وسواه.

ثانيا: الاعتماد على مبدأ التمثيل النسبي في الوزارات والمؤسسات والادارات والانتخابات.

ثالثا: حق الفيتو المتبادل للاكثريات والأقليات على حد سواء من أجل منع احتكار السلطة. رابعا:الإدارة الذاتية للشؤون الخاصة بكل جماعة.

(علي فارس حميد/ الديمقراطية التوافقية :رؤية في المفهوم والنشأة(.

أسباب نشوْ الديموقراطيه التوافقية فى الفكر السياسى الغربي: إن الليبرالية استنادا إلى قبولها المطلق لمفهوم الاغلبيه، لم تميز ابتداء بين نوعين من أنواع الاغلبيه:

أولا:الاغلبيه المتغيرة : وهى الاغلبيه السياسية التي تحدث في مجتمع متجانس اجتماعيا ودينيا … وفى ظلها يمكن أن تحصل الاقليه (المتغيرة) على اغلبيه، فتتحول من المعارضة إلى الحكم .

ثانيا: الاغلبيه الثابتة: وهى الاغلبيه العرقية أو الدينية …التي تقابلها اقليه ثابتة اى عرقيه او دينيه… ولا توجد امكانيه لتحولها إلى اغلبيه، وبالتالي لا يوجد ضمان لعدم قهرها بواسطة الاغلبيه، يقول باسكال سلان في كتابه “الليبرالية” (إن الاستبداد الديمقراطي يمثل خطرا قائما باستمرار، ذلك انه من المحتمل جدا ان تتعرض أقلية ما لهضم حقوقها من طرف أغلبية ما)، وهو ما حدث فعلا في كثير من المجتمعات التي تبنت الديمقراطية الليبرالية كبريطانيا ( قهر الاغلبيه الانجليزية للاقليه الايرلندية)، واسبانيا ( قهر الاغلبيه الاسبانية لأقليه إلباسك)، والهند ( قهر الاغلبيه الهندوسية للاقليه المسلمه ،مما أدى إلى انفصالها عن الهند ،وتأسيسها لدوله باكستان)، بل لا يوجد ضمان لعدم قهر الاغلبيه الثابتة بواسطة اقليه ثابتة كما في إسرائيل (قهر الاقليه اليهودية اللاغلبيه الفلسطينية المستمر حتى الان) ، وفى جنوب أفريقيا سابقا (قهر الاقليه الاوربيه للاغلبيه الافريقيه فى نظام التمييز العنصرى سابقا) . ولم يتمكن مفكري الليبرالية من حل هذه المشكلة إلا بإقرارهم ضرورة تقرير حقوق الاقليه على المستوى الدستوري ضمانا لعدم إهدارها بواسطة الاغلبيه، في ما أسموه “الديمقراطية التوافقية” .

تاصيل مفهوم الديموقراطيه التوافقية فى الفكر السياسى الاسلامى المعاصر:
ويمكن تاصيل مفهوم الديموقراطيه التوافقيه في الفكر السياسي الاسلامى المعاصر من خلال:

اولا: تجاوز موقفى الرفض او القبول المطلقين من مفهوم الديموقراطيه عامه
ومفهوم الديموقراطيه التوافقيه خاصه الى موقف نقدى " تقويمى" ياخذ ما
اتسق من المفهومين مع المفاهيم والقيم والقواعد الكليه للمنظور السياسى الاسلامى ، ويرفض ما تناقض معها .

ثانيا: البحث عن المفاهيم والقيم والقواعد "النظريه "، والتطبيقات والتجارب "العمليه " السياسية الاسلاميه التى تقارب مفهوم الديموقراطيه التوافقية، واستخدامها فى صياغه مفاهيم وقيم وقواعد ساسيه اسلاميه معاصره ، ومنها تجربه وثيقه الصحيفه، التى اسست لاقرار مفهوم المواطنة الذي يشمل المسلمين وغير المسلمين، وكانت بمثابة دستور لدوله المدينة، وطبقا لها نشأت علاقة انتماء جديدة،علاقة انتماء إلى ارض مشتركه (وطن)، فترقى العلاقة الجديدة بالناس جميعا ( أهل الصحيفة) إلى ما فوق الطور القبلي ، ففي المدينة المنورة و في ظل الصحيفة تكون " شعب " تتعدد فيه علاقات الانتماء إلى الدين ( لليهود دينهم، وللمسلمين دينهم )، ولكن يتوحد الناس فيه (مع اختلاف الدين) في علاقة انتماء إلى ارض مشتركه " وطن" ( وأنَّ يهود بني عوف أمَّة مع المؤمنين …).

الديموقراطيه التوافقيه و الواقع السياسى العربى المعاصر: اما تطبيق الديموقراطيه التوافقيه فى الواقع السياسى العربى المعاصر ، فهو ممكن من خلال الجمع بين معياري الاغلبيه والتوافق، وذلك بالالتزام بالديموقراطيه التوافقية، بالتوافق على صيغة للحكم تجمع بين حكم الاغلبيه، وإقرار دور فاعل لكافة مكونات المجتمع : الاجتماعية “ومن ضمنها المراْه والشباب وذوى الاحتياجات الخاصة...”، والدينية " الأقليات الدينية"، والعرقية ”
الأقليات العرقية ”، والتقليدية " كالقبائل والطوائف والطرق الصوفية... "
، والوظيفية “من ضمنها الجيش”… وحفظ حقوق هذه المكونات على المستوى الدستوري.

ولكن يشترط لنجاح الديمقراطية التوافقية كاليه لانجاح التجارب الديموقراطيه وحل الصراعات السياسيه فى هذا الواقع السياسى ، ان تعبر عن الاراده الشعبيه بدون تزييف ، وان يتم اختبار هذه المكونات بصورة ديمقراطية.

--------------------------
للإطلاع على مقالات أخرى للدكتور صبري محمد خليل يمكن زيارة المواقع التالية:
الموقع الرسمي للدكتور/ صبري محمد خليل خيري | دراسات ومقالات https://drsabrikhalil.wordpress.com
د. صبري محمد خليل Google Sites
https://sites.google.com/site/sabriymkh

 

آراء