الديمقراطية المساءلة: لماذا كانت فينا أكاديمية نميري العسكرية العليا . . تاني؟  

 


 

 

إذا سألت أياً من صفوة "المتعلمة بتوع المدارس" عن سبب تفلت الديمقراطية من أيدينا فعفناها حتى لم نرغب في هش الكلب منها لقال لك إن السودانيين (هكذا) خلو من الثقافة الديمقراطية. وتجدهم ردوا هذا النقص إلي عقله الرعوي، أو إسلاموعروبيته الكزة، أو إلى طبع الحسد المتمكن منهم تمكن شلوخهم القديمة. وهذا هراء تتسلى به طبقة البرجوازية الصغيرة وهي في حال من الإفلاس الفكري كتبت عنه في "بئر معطلة وقصر مشيد: إفلاس الفكر السياسي السوداني".

ما هي الديمقراطية؟ هل هي "حرس"؟ وحرس هنا تعني أنها من موروث الأجداد. هل هي ما يقذفه ملك خفي (مثل التربية الوطنية المشتهاة) في الأفئدة بذرة تزهر شجرة ظليلة؟ هل هي فيتامين دي نعاني من نقصه الأزلي؟ ليست الديمقراطية أيا من ذلك للأسف.

تجري أمريكا التي أحفل بالسماع لها مراجعة دقيقة لديمقراطيتها في وسط خضتها الحالية. ولا أعرف تعريفاً لها يملأ جنبات الخطاب عنها مثل أنها "مساءلة". قيل ما الديمقراطية هيaccountability      هيaccountability   هي accountability. وبناء عليه فهي تربية مدججة بأدوات  تخضع بها امرأة العمل العام ورجلها حيث كان إلى حساب عسير عن أدائه. وعادة ما اقترن ذلك بقولهم ألا أحد فوق المساءلة أو القانون. فثقتك في رجل الخدمة العامة وامرأته مشروطة بتحري صدق أدائه وامتثاله لشروط شغله. ولا يكفوا عن القول إننا لسنا مملكة، إننا جمهورية عائدين إلى ذكرى أيام تباعتهم لملك إنجلترا أو ملكتها.

جاءتنا ثورة ديسمبر بمؤسسة دستورية لمحاسبة النظام القديم دون الثورات التي سبقت التي اكتفت بجولة محاكمات، مطلوبة أو مجهضة، لسدنة النظم التي ثارت عليها. فلم ننجح بعد ثورة أكتوبر ١٩٦٤ حتى في محاكمة انقلابيّ ١٩٥٨ لمكر الأحزاب الأمة والاتحادي الأزهري والإخوان المسلمين بذريعة أنهم عاهدوا المجلس العسكري ألا يمسهم سوء متى تنازلوا. وكانوا مع ذلك متحفظاً عليهم في زالنجي.

نجحنا بعد إبريل ١٩٨٥ في عرض انقلابيّ مايو ١٩٦٩ وبعض مفسديها للمحاكمة سوى من المشير نميري الذي آثر القاهرة على الخرطوم طويلاً. ثم أبطلت الإنقاذ بانقلابها في ١٩٨٩ مفعول تلك المحاكمات فأفرجت عن المسجون منهم، بل وتصيدت منهم حلفاء في دولتها. وكأن الثورة عليهم كانت نسياً منسياً. وجعلت من محاسبة الشعب لهم بالثورة عليهم وسجنهم على بينة خرق الدستور، ومباذل ترتبت على ذلك، أمراً سخريا.

وهذه مناسبة لعرض عقيدتي القديمة في المحاسبة التي ظنها إخوة في الحركة الإسلامية طارئة لم أسفر عنها خلال عقود حكمهم. فكأني أطعنهم من الخلف. وحاشا. فستجد أدناه رسالة وجهتها خلال حملتي الانتخابية للرئاسة في ٢٠٠٩ للمشير عمر بشير رئيس الجمهورية المخلوع عن قراره إعادة مسمى أكاديمية نميري العسكرية العليا إلى الأكاديمية العسكرية العليا. وكان ذلك رفعاً منه لقرار أملته ثورة ١٩٨٥، وإعلاناً ببطلان الثورة والمحاسبة الرمزية التي من ورائه من غير مستحق. وعليه فهو إعلان بأن الحكم مستباح لأول من يصحو فجراً بسلاحه و"قضاه" في عيونه. والحساب عنه مرفوع إلى يوم الدين. وهذا مطلب البشير وجماعته في المحاكمات التي تنعقد لهم هذه الأيام لمساءلتهم عن سوءة انقلابهم. فإلى خطابي.

 

الخرطوم 9 يوليو 2009

كلمة من الدكتور عبد الله علي إبراهيم بشان إعادة تسمية الكلية العسكرية العليا باسم المرحوم نميري

قرأت بمزيد الحزن والأسى قرار السيد رئيس الجمهورية بإلردة بالأكاديمية العسكرية العليا لاسمها القديم وهو "أكاديمية نميري العسكرية العليا" بتوصية من السيد وزير الدفاع. ويكفي من هول هذا النبأ على حساسية شعبنا السياسية أن أكثر صحف الإثنين (6 يوليو 2009) أضربت عن نشره. لقد صار المرحوم نميري بيد غفور رحيم وسألنا له ربه أن يجزيه إحساناً على إحسانه، وأن يعفو عن ذنبه ما تقدم وما تأخر. وهذا شرع الآخرة والمعاد. اما شرع الدنيا والمعاش فمختلف.

سبق لشعبنا مضطراً خلع نميري من سدة الحكم  بإنتفاضة أبريل 1985  لأن المرحوم لم يترك له غير هذه السكة. وهذا حكم معاش تاريخي منتظر من أهل السلطان فينا النزول عنده حتى لو خالف قناعاتهم الشخصية. ومن المؤسف أن تُتخذ قرارت إعادة تأهيل نميري (سواء بالتشييع الرسمي أو استرداد اسمه لمنشآت للدولة خصماً من مال دافع الضرائب) الخلافية (بتقدير ملطف جداً) في وقت نتداعى لإنتخابات نأمل أن تحسم بصورة خاتمة مسألة التعاقب السلمي للحكم. فقد فشل المرحوم في علاج هذه المسألة المركزية في بناء الدولة الوطنية فجعلها ملكاً عضوداً. فثرنا عليه وأزلنا باطله بأيدينا بشرعة الحق. إن في قرارت الدولة المتلاحقة لإعادة تأهيل المرحوم استفزاز كبير لجمهرة شعبنا التي تعد انتفاضة إبريل إرثاً للحرية في مقام الثورة المهدية مثلاً. فالحكومة التي تستصرخنا التمسك بعروة الوطنية الوثقى في هذا المنعطف الحرج من تاريخها إنما تدق بمثل هذا القرار إسفيناً في التعبئة للوطن التي تنشدها.

إن القول بأن إعادة تأهيل المرحوم شيمة للعسكريين وديدن هو زمالة سلاح ضارة وجزئية. فطالما عرض العسكريون للشأن العام فالحكم على الواحد منهم في تأدية التبعة والتكليف هو حق للشعب بالوسائط الديمقراطية العادية وغير العادية. ناهيك أنه كان من بين من اساء إليهم العسكري في الشأن العام ودق عنقهم عسكريين أشاوس في انقلابات تكررت لم ترد (مهما كان الرأي فيها) لشعبنا الهوان في ظل حكم رجل واحد منهم. ومما يطعن في الزمالة العسكرية المزعومة أن نهاية المرحوم السياسية القاتلة كانت علي يد قيادة قوات الشعب المسلحة التي امتثلت لرأي الشعب وقضت على المرحوم أن لا يعود لوطن شاك الديمقراطية والسلاح.

إننى لأتوجه بمناشدة حرى للسيد رئيس الجمهورية أن يعيد النظر في قراره بردة الكلية العسكرية العليا لتسمى باسم المرحوم. واسأله أن ينتظر بأمر المرحوم وإعادة تأهيله حتى قيام البرلمان السوداني ليقرر فيها النواب المنتخبون من الشعب للرجل أو عليه. والخير أردنا.

الدكتور عبد الله علي إبراهيم

المرشح لرئاسة الجمهورية في 2010

 

 

IbrahimA@missouri.edu

 

آراء