الديمقراطية بديل عن هيمنة الفكر الديني و الفرد بديل للطبقة

 


 

طاهر عمر
24 September, 2022

 

في أوروبا و تاريخها كمختصر لتاريخ البشرية قد انتهت هيمنة الكنيسة و بقيت الروحانيات و قد أصبح الدين يستوعب في حناياه حتى الذين قد نفد رصيدهم من الايمان و قد أصبح الدين شأن فردي علاقة بين الفرد و ربه بعيدا عن تدخل تجار الدين أما على مستوى المجتمع فقد أصبحت علاقة الفرد و صراعه مع مجتمعه تضبطها معادلة الحرية و العدالة روح الفكر الليبرالي بشقيه السياسي و الاقتصادي.
و بالتالي قد أصبحت الديمقراطية بديلا عن الدين و في ظلها قد أصبح المجتمع البشري على درجة من النضوج تمكنه من إعتماده على تجربته وفقا لعقله البشري بعيدا عن الفكرة المطلقة.
لهذا قد أصبحت الديمقراطية بديل عن هيمنة الدين و رجال الدين و هذا هو المخرج الوحيد الذي يفك إرتباط الشعب السوداني من رجال الدين و تجاره في السودان و قد محقت ثورة ديسمبر خطاب الكيزان كتجار دين كما محقت النزعة الانسانية تاريخ الكنيسة و هيمنتها.
و لكن المشكلة عندنا في السودان غياب العمل الواعي و الهادف الذي يواجه الظواهر الاجتماعية و يحللها و يقدم الفكر المناسب الذي يفك غموض و كمون المجتمع و كساده و يفك هيمنة الفكر الديني المسيطر على عقل النخب السودانية كيزان و غير كيزان للأسف الشديد و بسببهم قد ضاعت ثورة ديسمبر و قد تعطلت مسيرة الشعب السوداني.
خاصة أن النخب السودانية لها خصومة مع فكرة النزعة الانسانية التي قد أصبحت موروث انساني و لا طريق غيره لكي نتخلص من كساد أتباع الفكر الديني و وحله في السودان و نضرب مثلا على كساد النخب و خصومتها غير المبررة مع فكرة النزعة الانسانية و إعمال فكرة القطيعة مع تراث الايمان التقليدي.
لهذا نجد أن النخب السودانية و حتى غير الكيزان يصعب أن يتخلصوا من فكرة أن الدين قد سبقته السلطة في مسرح ظواهر المجتمع و جاءت مرحلة قد أصبح الدين في مستوى سلطة و تدرجت البشرية الى درجة قد وصلت فيها نضوج العقل البشري و مجد عقلانيته و قد أصبح الدين في مستوى دين الخروج من الدين و قد أصبح الانسان قادر على إدارة المجتمع وفقا لتجربة الانسان و في حدود عقله البشري الى أن وصل المجتمع البشري الى مستوى أن تحل الديمقراطية مكان الدين و يصبح الدين شأن فردي يربط الفرد مع ربه مباشرة دون وساطة رجال و تجار الدين.
و حال الكيزان اليوم في ظل ثورة ديسمبر كحال المفضوح الذي لم يستوعب الدرس بعد و لم يفهموا أن ثورة ديسمبر قد وضعت حدا لتجار الدين و خطابهم إلا أنهم أي الكيزان ملحاحين كالذباب و يظنون أن تطفلهم و محاولتهم فرملة مسيرة ثورة ديسمبر و هذا نتيجة جهلهم بأنهم قد أصبحوا خارج التاريخ و لا يمكن أن يعودوا لمجرى التاريخ على الإطلاق لأن العقل البشري قد أيقن بأن الديمقراطية قد أصبحت بديلا للفكر الديني.
و محاولات الكيزان البائسة للعودة تدل على أنهم متخلفين عن عقل الحاضر بقرون و كما قال عميد الأدب العربي طه حسين أن انتصار معاوية ابن ابي سفيان على الامام علي لأن الامام علي كان يريد إعادة شئ لا يمكنه إعادته لذلك لم يساعده سير الزمن على الانتصار على معاوية و هذا حال الكيزان اليوم فلا يمكن ان ينتصروا مهما كانت جولاتهم لأنها كلها جولات باطل أما ثورة ديسمبر فجولة واحدة و تكسب بشعارها حرية سلام و عدالة.
ما أود أن أقوله للنخب السودانية عليهم مواجهة أنفسهم في مسالة تقديم فكر هادف و واعي يسير باتجاه مسيرة البشرية و قد أيقنت بأن الدين لم يعد له دور بنيوي يلعبه على صعد السياسة و الاجتماع و الاقتصاد و هذا يحتاج لجهد جبار ينتظرهم أي أن يستطيع الشعب السوداني أن يفرق بين الكوز المتأهب للخروج من التاريخ و بقية النخب التي تؤمن بأن الديمقراطية قد أصبحت بديلا عن الدين وفقا لما رأينا من تجربة الانسانية و قد حققت إزدهار مادي و ما زال المثقف السوداني البائس بدلا من أن يتحدث عن فكر يفتح على الرفاه الاقتصادي نراهم مصرين على فكرة أقتصاد المعيشة و تكرارهم لمقولة قفة الملاح.
عندما نتحدث عن أن الديمقراطية قد أصبحت بديلا للدين و وحل فكره لا يعني ذلك أن طريق الديمقراطية مفروش بالورود بل يعني أن للديمقراطية فكر نتاج فلاسفة و علماء إجتماع و مؤرخيين لهم القدرة على إستشراف المستقبل و هذا ما يجبر النخب السودانية غير الكيزان بأن يتركوا ميوعة فكرهم المتصالح مع الفكر الديني كما رأينا توفيقهم الكاذب و هذا ما يشجع الكيزان على ممارسة إلحاحهم الذي يجعلهم كالذباب.
مثلا على ميوعة فكر النخب السودانية و خنوعهم للفكر الديني نجده في عدم إنتاج أي فكر ينتصر للعلمانية بشكل واضح بل نجد أغلب النخب السودانية غير الكيزان نجدهم كيزان بالجد عندما يحين الحديث عن العلمانية لأنهم غير مواكبين للفكر و ما إنطوى عليه موروث الانسانية و قد أنتجت علمانية سوف تصبح مآل البشرية في المستقبل البعيد شاء من شاء و ابى من أبى و خاصة نخبنا التي يسهل خداعها من قبل الكيزان كما رأينا عندما خدعهم الكوز خالد التجاني النور في لقاء نيروبي و رأينا كيف كان فيه النور حمد و كمال الجزولي و رشاء عوض بعد لقاء نيروبي و قد أعطوا الكيزان شيك على بياض لدرجة يمكنك أن تصفهم بأنهم في لقاء نيروبي قد كانوا كيزان أكثر من الكيزان لأنهم أسيري عقل الحيرة و الاستحالة التي تحبس أفق المثقف السوداني و تجعله أسير سلطة الأب و ميراث التسلط و هي نتاج الثقافة الدينية التي تسيطر على نخب السودان الكيزان و غيرهم من متدني الوعي.
و عليه نقول للنخب السودانية بأن نجاح ثورة ديسمبر يقع على عاتقكم عندما تستطيعون قراءة ما يوحيه لكم الشعب قراءة صحيحة و حينها يتأكد لكم بأن الديمقراطية بديلا للفكر الديني و حينها لا يفر المثقف السوداني من وجه العلمانية كأي كوز متأهب للخروج من التاريخ و حينها يدرك الشيوعي السوداني أن فلسفة التاريخ الحديثة ترى بأن المجتمع لا يقدم نفسه عبر الطبقة و فكرة الصراع الطبقي لأن المجتمع الحديث يقدم نفسه عن طريق الفرد و لهذا نحن في زمن الانتصار للفرد و العقل و الحرية.
نقول للشيوعيين و أتباع المرشد و الامام و مولانا إنكم قد عطلتم مسيرة ثورة ديسمبر بسبب تمركزكم في محطات فكر قد فارقها العقل البشري منذ ما يقارب القرن. و بالمناسبة لمفكري المجتمعات الحية إن الشيوعية و النازية و الفاشية قد كانت نتيجة وصول الليبرالية التقليدية لمنتهاها و كان لابد من ظهور الشيوعية و النازية و الفاشية.
و بالمناسبة للفلاسفة و علماء الاجتماع فان الشيوعية حاولت أن تحل محل فراغ قد تركه الدين عندما أصبح في مستوى دين الخروج من الدين و قد فشلت فشل زريع أي فشل يتفوق على فشل الأديان فيما يتعلق بجلب سلام العالم. لأنها أي الشيوعية دين بشري أراد أن يهمن على البشرية كما هيمن الدين لألاف السنيين و لكن بفضل تطور البشرية فقد أصبحنا في زمن مستوى دين الخروج من الدين في زمن قد تأهب فيه الكيزان للخروج من التاريخ و الى الأبد و قد ضرب خطاب الكيزان منجل الحصاد الأكبر و أصابته مكنسة الفناء الأبدي و لا عودة لهم مهما حاولوا.
أما الشيوعي السوداني و تمسكه العجيب بنسخة الشيوعية السودانية لأنها تشابه عقل النخب السودانية الذي قد أصبح من عبدة النصوص و لا يختلف الكوز من الشيوعي في مسألة محاولاتهم البائسة و ما يتعلق في وهمهم بتقديم حلول نهائية و هذا نتاج هيمنة الفكر الديني إذا كان دين سماوي أو دين بشري كالشيوعية لذلك نقول للشعب السوداني أن لا حل غير علمانية و ديمقراطية قد أيقنت البشرية بأنها قد حلت محل الفكر الديني.
قد حان الوقت الذي ينبغي على النخب السودانية أن تفكر بأن الشعب السوداني لم يعد حارس الشعلة المقدسة و على الشيوعيين و بقية النخب المهادنة للفكر الديني أن تخرج من عقلها المنغلق لأن البشرية قد أصبحت تستوعب فكرة دين الخروج من الدين.

taheromer86@yahoo.com
/////////////////////

 

آراء