الديمقراطيون وصراع المصطلحات

 


 

 

واحدة من إشكاليات البناء الفكري السياسي في السودان، هو الخلط بين المصطلحات السياسية، و ابتعاد العناصر ذات القدرات الذهنية عن المؤسسات الحزبية، قد جعل العديد من العناصر التي كانت تعمل عملا تنفيذيا محدودا بسبب تواضع قدراتها في الثقافة السياسية و الفكرية أن تصعد لقمة هرم الأحزاب، و هؤلاء دورهم أصبح كيف الحفاظ على مواقعهم و ليس تطوير هذه المؤسسات، لأنهم لا يمتلكون الرؤية لها، و ذلك يتخون من استقطاب عناصر ذات قدرات فكرية و ثقافة يشكلون لهم حرجا داخل الحزب و خارجه، باعتبار أن العناصر التي تشتغل بالفكر تستطيع أن تفتح ملفات تحتاج لمشاركة واسعة من العناصر المثقفة و التي تشتغل بالعمليات الفكرية، هذا الأمر تعتبره القيادات التنفيذية مهدد لها، مما يجعلها تقف ضد أي عمل يمكن أن ينهض بالمؤسسة الحزبية نظريا و تنظيميا. هذا الواقع هو أحد عوامل استمرار الأزمة السياسية في البلاد. و هو الذي يعطل عملية التوافق السياسي للوصول للدولة المدنية الديمقراطية، أن العقليات التي كلست و أصبحت غير منتجة للثقافة و الفكر هي عقليات تشكل عقبة في طريق تطور أي مؤسسة حزبية، و لا يعتمدوا إلا على العناصر التي لا تشكل لمصالحهم خطرا.
أن الصراع الدائر في الساحة السياسية في السودان بين قوتين، القوى المؤمنة بعملية التحول الديمقراطي و قوى أخرى معارضة للعملية الديمقراطية، و التيار الثاني تدخل فيه قوى عسكرية و أخرى مدنية متباينة في مواقفها، و إذا كانت هذه القوى المدنية في الظاهر بينها اختلاف في الشعار و التكتيك، لكنهم متفقين في رفضهم لعملية التحول الديمقراطي. العسكريون يعبرون عن موقفهم من خلال استخدام الآليات العسكرية و السلاح لفرض نظام شمولي كما كان في 1958- 1964م – 1969- 1985م – 1989م – 2019م. و الآن 2021 حتى اليوم. هذه قوى شمولية استخدمت السلاح للتغيير، رغم كانت وراء الانقلابات عقلية سياسية ليس لها علاقات بالديمقراطية مهما تشدقت بالشعارات الديمقراطية، هذه العقلية ماتزال هي التي لها قدرة على الحركة و تلوين نفسها بشعارات ديمقراطية لا تؤمن بها، و هي التي تعطل عملية الوصول لاتفاق ينهي الأزمة السياسية في البلاد، و أيضا البعض منهم يحاول أن يلبس لبوس الديمقراطيون بالشعارات التي يرفعونها، لكنهم في الحقيقية يريدون تعطيل العملية الديمقراطية لأنها ليس في صالحهم.
أن توصيف الصراع الدائر الآن بين القوى الثورية و العسكر توصيف خاطيء، أن أطلاق كلمة ثوار على الذين يناضلون من أجل إنهاء الانقلاب توصيف خاطيء، و يجب مراجعته، أن الذين يخوضون معركة الديمقراطية هم ديمقراطيون، و الذين يناضلون من أجل عملية التحول الديمقراطي هم ديمقراطيون، و الذين استشهدوا منذ انقلاب الجبهة الإسلامية في يونيو 1989م هم دعاة الديمقراطية. و أن الشباب الذين دفعوا ارواحهم في ساحة الاعتصام و في كل المسيرات التي خرجت ضد الانقلاب حتى اليوم هم ديمقراطيون، لكن هناك البعض الذين يصرون على تسميتهم بالثوار. أن الذين يؤسسون عملية التحول الديمقراطي في أي بقعة من بقاع الأرض هي القوى المؤمنة بالديمقراطية، أي الديمقراطيون و ليس الثوريين. حتى في فرنسا التي وصفت ثورتها عام 1798م بأنها ثورة التحول الديمقراطي في العالم، لم يؤسس الثوار الديمقراطية فيها، بل أسسها النبلاء و النخب المثقفة من قوى الوسط. لذلك لا يستطيع أحد أن يذكر أسم ثائر واحد فيها، لكن يستطيع أي فرد في العالم أن يذكر أسماء النبلاء و النخب المثقفة فولتير و جون لوك و منتيسكيون جان جاك روسو. الثورة و الثوار و الثورين هي ثقافة وقف مشروعها السياسي منذ عامي 1991- 1992م و ضعت كتبها في المتحاف العالمية، حتى المتاحف التي وضعت فيها تضجر من وجودها. علموا الشباب الذين ينازلون انقلاب العسكر أنهم دعاة الديمقراطية، و أنهم القوى الديمقراطية الجديدة التي يقع عليها عبء تأسيس السودان الجديد الديمقراطي.
أن المعركة الدائرة في البلاد الآن بين قوى ديمقراطية تتطلع لواقع أفضل ضد عقلية شمولية عسكرية و مدنية مختلفة الاتجاهات، و يجب على القوى السياسية أن تكون واعية لأهداف المعركة التي تخوضها، و أن لا تنشر ثقافة شمولية دون وعي سياسي بها. أن توحيد القوى الديمقراطية مسألة واجبة من أجل الخروج من عنق الزجاجة. أن بعض القيادات السياسية يجب أن تدرك أن الصراع السياسي الدائر الأن، ليس معركة سياسية فقط، بل هي معركة فكرية ثقافية، يجب عليهم الوعي بالمصطلحات التي تستخدم، عندما سأل عثمان ميرغني السفير الأمريكي عن رؤيته للقوى الجذرية، أجاب أن الديمقراطية تتطلب قاعدة اجتماعية عريضة، لكن ليس بالضرورة اجماع. إجابة دبلوماسية ذكية، لكنه كان يعرف أن المرجعيات الفكرية هي التي تحدد موقف القوى السياسية، و هؤلاء تتعارض مرجعيتهم تماما مع عملية تحول ديمقراطي. يجب أن يدرك الشباب الذين ينظمون مسيرات الاحتجاج أن الذين يرفعون شعارات الديمقراطية مناورة و تكتيك ليس مفيدين في معارك الديمقراطية، بل يضعون في طريقها العراقبل. أن الديمقراطين يجب أن لا يتخفوا وراء أصابعهم في معارك الديمقراطية الثقافية و السياسية، و عليهم أن يكشفوا كل القناعات الزائفة. نسأل الله حسن البصيرة.

zainsalih@hotmail.com

 

آراء