الذكرى 51 لانقلاب 25 مايو 1969
تهل علينا الذكرى 51 لانقلاب 25 مايو والبلاد تشهد الصراع من أجل انجاز مهام الفترة الانتقالية التي نشأت بعد ثورة ديسمبر 2018 ، وسط مخاوف وصراع ضد تكرار ما حدث للديمقراطية الأولي والثانية والثالثة ، فما هي الأسباب التي أدت لانقلاب 25 مايو 1969 ؟
بعد انتخابات 1965 ،وانتظام الجمعية التأسيسية ضاقت أحزاب الأمة والوطني الاتحادي وجبهة الميثاق الإسلامي ( الإخوان المسلمين وحلفائهم بقيادة د. الترابي) بنشاط الحزب الشيوعي البرلماني ، وقامو بمذبحة الديمقراطية ، بقيادة الإخوان المسلمين بتدبير و"فبركة" مؤامرة حل الحزب الشيوعي، وقامت المليشيات المسلحة للانصار والإخوان المسلمين بالهجوم علي دور الحزب الشيوعي مما أدي لتدمير وجرحي، وعدلوا الدستور وطرد نوابه من البرلمان.
بعد ذلك رفع الحزب الشيوعي قضية دستورية الي المحكمة العليا ، وحكمت المحكمة ببطلان التعديلات التي اتخذتها الجمعية التأسيسية لأنها تتعارض مع الدستور ، لكن الصادق المهدي الذي كان رئيسا لمجلس الوزراء يومئذ ، رفض حكم المحكمة العليا واعتبره حكما تقريريا، مما أدي لتحقير القضاء وانتهك استقلاله وقوض الدستور، وخلق أزمة حادة بين الحكومة والقضاء أدت لاستقالة بابكر عوض الله رئيس القضاء، وتم تقويض الديمقراطية بدلا من استقرارها واستدامتها باعتبارها هدف أساسي من أهداف ثورة أكتوبر
كما شهدت تلك الفترة صراعات عقيمة غير منتجة بين الائتلاف الحاكم مثل: انقسام حزب الأمة الي جناحي الصادق والهادي المهدي، حل الجمعية التاسيسية في فبراير1968 التي وصفها الصادق المهدي خرق للدستور، ولجأ للمحكمة العليا معترضا علي خرق الدستور ، علما بأنه رفض قرار المحكمة العليا في خرق الدستور بحل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان!!!، قادت تلك الصراعات الذاتية لأزمة في البلاد وتدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية..
كما قام الصادق المهدي بتكوين (تحالف القوى الجديدة) مع جبهة الميثاق الإسلامي ، وحزب سانو بقيادة وليم دينق. تفاقمت أزمة حكومة الائتلاف، هذا إضافة لمحكمة الردة والحكم بالردة عام 1968 علي الاستاذ محمود محمد طه، الذي نفذه الديكتاتور نميري عام 1985 بعد معارضته لقوانين سبتمبر 1983 التي أذلت الشعب السوداني، اضافة لهجوم الإخوان المسلمين الإرهابي علي معرض الفنون الشعبية بجامعة الخرطوم الذي أدي لخسائر ومقتل طالب.
وجاءت الطامة الكبرى عندما اتفق جناحا الأمة علي ترشيح الأمام الهادي المهدي لرئاسة الجمهورية ، والصادق لرئاسة الوزارة في أي انتخابات تُجرى في المستقبل، تركزت المناقشات العقيمة علي طبيعة الدستوروالجمهورية، ما اذا كان الدستور إسلاميا أم علمانيا؟، في استغلال فج للدين في السياسة، وما اذا كانت الجمهورية رئاسية أو برلمانية، في حين كان المطلوب دستور ديمقراطي يكفل الحقوق والحريات الأساسية، ويضمن وحدة البلاد من خلال تنوعها، وتمّ الفشل في اعداد الدستور الدائم للبلاد.
في 23 مايو 1969 أصدرت الأحزاب الحاكمة بيانا ، قالت فيه أنه تمّ الاتفاق علي أن يكون الدستور إسلاميا ، والجمهورية رئاسية، وأن الدستور سوف يكون جاهزا في غضون ستة أشهر ، علي أن تّجرى انتخابات الرئاسة في مطلع عام 1970.
كما تمّ تشكيل (اتحاد القوى الاشتراكية) واصدر ميثاقا وقرر ترشيح بابكر عوض الله لرئاسة الجمهورية، وزادت حرب الجنوب ضراوة بعد إعلان الجمهورية الرئاسية والدستور الإسلامي ، مما أدي لاستقطاب حاد ،وفي هذا الظروف والأوضاع المضطربة والفوضي ،وقع انقلاب 25 مايو 1969 ، الذي كان كارثة فتح الطريق لكل الخراب والدمار الذي حدث بالسودان، وقاومه شعب السودان بمختلف الأشكال حتى قامت انتفاضة مارس أبريل 1985 التي أنهت حكم الفرد والفساد والاستبداد.
alsirbabo@yahoo.co.uk