الذكري الخامسة لهبة سبتمبر 2013

 


 

 

 

تهل علينا الذكري الخامسة لهبة سبتمبر 2013 والبلاد تعيش أسوأ من الأوضاع التي أدت إليها ، وبعد هبة 16 يناير 2018 التي نقلت الحركة الجماهيرية إلي مستوي متقدم في منازلة النظام ، وتصاعد نضال الحركة الجماهيرية ضد سياسات النظام الاقتصادية والقمعية والتدهور المستمر في مستويات المعيشة، وأساليب النظام في تغيير جلده بتعديلات وزارية شكلية مع الإبقاء علي جوهر النظام والسياسات التي قادت للأزمة، والمزيد من الزيادات في أسعار الخبز والوقود والخصخصة وتشريد العاملين.

جاءت انتفاضة سبتمبر 2013م امتدادا لسلسلة المقاومة ضد نظام الحكم الفاشي الدموي المتدثر بالدين ، هزت الانتفاضة أركان النظام وشكلت نقطة تحول مهمة في المقاومة ضد النظام الذي صادر الحريات والحقوق الأساسية وأشعل الحروب الطاحنة في الجنوب ودارفور وجبال النوبا وجنوب النيل الأزرق، مما ادي الي انفصال الجنوب، وسارت الحكومة في سياسة تحرير الأسعار والخصخصة وتشريد العاملين، مما أدي إلي افقار الشعب حتي أصبح أكثر من 95% من جماهير شعبنا تعيش تحت خط الفقر، ورفعت الدولة يدها عن خدمات التعليم والصحة و المياه والكهرباء ، والاستعداد لفصل الخريف والكوارث الطبيعية، مما أدي لمآسي السيول والفيضانات وخسائرها الفادحة في الأرواح والممتلكات مما زاد من معاناة الجماهير.

جاءت هبة سبتمبر ضد الزيادات في الأسعار، التي كان الهدف منها: تمويل الصرف البذخي لنظام الطفيلية الإسلاموية ، وتمويل الحروب التي أشعلها النظام في دارفور وجنوب وشمال كردفان وجنوب النيل الأزرق، ودعم ميزانية الأمن والدفاع التي تستحوذ علي 75 % من الميزانية العامة، وتمويل سداد ديون الدول المانحة وصندوق النقد الدولي والتي تقدر ب 43 مليار دولار ( عام 2013) والتي تزداد ضغوطها واشتراطاتها علي النظام الحاكم. ورفضت الجماهير الأكاذيب حول دعم المحروقات، وأنه لا يوجد دعم، علي سبيل المثال: أن الحكومة تربح 12 جنية في كل جالون بنزين و7 جنية في كل جالون جازولين. الخ. علما بأن البديل لزيادة الأسعار واضح كالشمس في رابعة النهار، ويتلخص في : وقف الحرب التي تقدر تكلفتها ب 4 مليون دولار في اليوم، ووقف الصرف البذخي، وتقليل منصرفات جهاز الدولة المتضخم، واسترداد الأموال المنهوبة عن طريق الفساد، وتوجيه العائد للصرف علي التنمية وخدمات التعليم والصحة وزيادة الأجور والمعاشات. لكن نظام الرأسمالية الطفيلية الإسلاموية لم يرغب في تلك الحلول.

* بعد إعلان الزيادات في الأسعار كانت هبة سبتمبر 2013م ، التي شملت أغلب مدن السودان وامتدت لتشمل طلبة الجامعات والثانويات ومرحلة الأساس، وطرحت شعارات واضحة " الشعب يريد اسقاط النظام" .

واجهت السلطة المظاهرات بالعنف المفرط والذي أدي إلي استشهاد عدد كبير وما زال التحقيق جاريا في تلك المجزرة باعتبارها جريمة لا تسقط بالتقادم، ومئات الجرحى ، وبلغ عدد المعتقلين أكثر من ألف شخص، كما أحدثت الهبة هزة عميقة في حزب المؤتمر الوطني الحاكم بمذكرة 31 من قادته التي استنكرت الزيادات والقمع المفرط، والتي أدت إلي انشقاق في الحزب الحاكم، كما أحدثت الانتفاضة تململا واضحا وسط قواعد الحزب الاتحادي الديمقراطي (الأصل) والتي طالبت معظمها بفض الشراكة مع النظام. أصيبت السلطة بهلع شديد كما تجلي في العنف المفرط ، وإغلاق الانترنت والصحف والقنوات الفضائية مثل " العربية " و " اسكاي نيوز". الخ ، أصدرت كل الأحزاب والحركات والنقابات والتنظيمات الديمقراطية وسط المهنيين بياناتها التي استنكرت الزيادات والقمع المفرط، وطالبت بمحاسبة مرتكبي جرائم القتل. تم تشييع مهيب للشهداء ساهم في توسيع الحملة ضد النظام ، وحدثت وقفات احتجاجية قام بها الأطباء وأسر المعتقلين والصحفيين، وطلاب الطب بجامعة الخرطوم، وقوي المعارضة خارج السودان، ساهمت تلك الحملات في الضغط علي النظام من أجل اطلاق سراح المعتقلين وقف القمع المفرط للمظاهرات السلمية.

* ورغم انحسار الهبة الا أن جذوتها استمرت متقدة بمختلف أشكال المقاومة والاحتجاجات وفي هبة يناير 2018 ضد ميزانية الفقر الدمار والزيادات في الخبز والدواء والسلع والخدمات والتي ما زالت متصاعدة حتي أصبحت الحياة لا تطاق.

وبالتالي من المهم التحضير الجيد للجولة القادمة والاستفادة من التجربة الماضية في تجاوز السلبيات ونقاط الضعف ، وتقوية سلاح التنظيم وبناء التحالفات القاعدية في مجالات السكن والعمل والدراسة ورفع القدرات الذاتية لقوي المعارضة والحركة الجماهيرية وتمتين وحدتها ومنعتها بعد أن نضجت الظروف الموضوعية، وبناء أوسع تحالف لإسقاط النظام وقيام البديل الديمقراطي.

كما تتواصل المقاومة لسياسات النظام مثل : الوقفات الاحتجاجية والإضرابات التي نظمها الأطباء والعاملون في المستشفيات ضد خصخصة العلاج وإغلاق مراكز غسيل الكلي، والوقفات الاحتجاجية للمعلمين والصحفيين ضد مصادرة الصحف واعتقال الصحفيين ، وحملات التضامن مع أبناء المناصير وكارثة جبل مرة في دارفور ووقف الحرب وتوفير الإغاثة للنازحين ومتضرري نهب الأراضي والسدود ، وانتفاضات المدن والاحياء من أجل توفير خدمات المياه الكهرباء والخبز والوقود. الخ ، وانتفاضات طلاب الجامعات والكليات من أجل الحريات السياسية والفكرية ومن اجل توفير ابسط مقومات التعليم، وتوفير السكن الصحي في الداخليات. الخ.

ولاشك أن التراكم اليومي لتلك الانتفاضات الجزئية سوف يؤدي في النهاية إلي الانتفاضة الشاملة والاضراب السياسي العام والعصيان المدني حتي اسقاط النظام وتفكيكه وقيام البديل الديمقراطي.

* وهذا يتطلب :-

- تكوين أوسع تحالف من أجل اسقاط النظام.

- التصدي لأكاذيب النظام في الدعوة للحوار والخطوات الجارية من المجتمع الدولي للهبوط الناعم الذي يعيد إنتاج النظام وسياسته القمعية والاقتصادية التي تزيد من معاناة شعبنا ونهب موارده، و المزيد من التفريط في سيادة البلاد.

- مواصلة المطالبة بمحاكمة الذين أطلقوا الرصاص علي الشهداء ، ومقاومة الزيادات المستمرة في الأسعار، ومصادرة الحريات والحرب والخصخصة وتشريد العاملين ونهب ومصادرة الأراضي والميادين العامة والمدارس. الخ.

- مقاومة المشاركة في انتخابات 2020 التي دعت لها الحكومة، لأن النظام زوّر الانتخابات الماضية، وأنه لا يمكن إجراء انتخابات في ظل نظام شمولي يصادر الحريات والحقوق الديمقراطية التي قننها دستور 2005م، ويحتكر الإعلام والمال وفي ظل عدم استقلال القضاء ومفوضية الانتخابات، ويمنع الأحزاب من قيام ندواتها في الساحات العامة ، وتصادر الصحف بواسطة جهاز الأمن، وينطبق ذلك علي دعوة النظام لوضع دستور للبلاد. إضافة إلي أن النظام أغرق المظاهرات السلمية في الدماء ، ولا يمكن الدخول في انتخابات تحت ظل نظام فاقم أزمة الشعب وفصل جنوب السودان.

كما أنه لا يمكن الدخول في انتخابات وأكثر من ثلث سكان السودان خارج البلاد بسبب الحرب في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق ، ولم يعادوا إلي مناطقهم الأصلية التي تم اقتلاعهم منها.

وأخيرا منحت انتفاضة سبتمبر الثقة في الجماهير وأكدت إمكانية إسقاط النظام مهما طال ظلام القهر والاستبداد والقمع ، وأن الثورة لا تسير في خط مستقيم كالقطار ، بل تتعرض _ لأسباب موضوعية وذاتية _ للصعود والهبوط ، ولهذا فهي تسير في منعرجات مختلفة حتي تحين لحظة الانفجار الشاملة التي تطيح بالنظام.

alsirbabo@yahoo.co.uk
//////////////

 

آراء