الذكري ال 167 لصدور البيان الشيوعي

 


 

 

 

   (علي انقاض المجتمع البورجوازي القديم بطبقاته وتناقضاته الطبقية يبرز مجتمع جديد يكون فيه تطور الفرد الحر هو الشرط لتطور المجموع الحر)( البيان الشوعي).

 بهذه الفقرة ختم ماركس وانجلز البيان الشيوعي ، والتي تؤكد جوهر البيان الشيوعي، الهادف الي تحرير الناس من كل اشكال الظلم والاستلاب والاضطهاد الطبقي، واستكمال الحقوق السياسية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتحقيق الفرد الحر باعتباره الشرط لتطور المجموع الحر.

   صدر البيان الشيوعي عام 1848م، وقام بصياغته ماركس وانجلز بتكليف من تنظيم  الشيوعيين الذي كان عبارة عن جمعية اممية للعاملين ، كان ذلك في مؤتمرها الذي عقدته في لندن في نوفمبر 1847م، وكان الهدف وضع برنامج مفصل للحزب يوضح رؤى واهداف الشيوعيين، ثم نشره ، علي أن يكون عمليا ونظريا في الوقت نفسه.

  فقد صدر أول الأمر باللغة المانية ، وبعد ذلك صدرت منه مئات الطبعات باللغتين الانجليزية والفرنسية والروسية والبولونية وترجم الي بقية اللغات.

   أشار ماركس وانجلز في مقدمة الطبعة الصادرة في 24/ يونيو/1872م، الي أن (الظروف تبدلت منذ صدور البيان ، الا أن المبادئ العامة الواردة في البيان لاتزال بالاجمال تحتفظ برونقها وصحتها ودقتها ، وان كانت هناك فصول يجب ادخال بعض التعديل عليها ، وأن البيان نفسه يوضح أن تطبيق المبادئ يتعلق دائما وفي كل مكان بالظروف والاوضاع التاريخية في وقت معين ، فلا يجب اذن تعليق اهمية كبرى علي التدابير الثورية المذكورة في نهاية الفصل الثاني ، ونحن لو عمدنا الي انشاء هذا المقطع اليوم ، لاختلف في اكثر من نقطة عن الأصل ، وقد شاخ هذا البرنامج اليوم في بعض نقاطه ، نظرا للتطور الكبير الذي تم في الصناعة ، وللتجارب التي راكمتها الطبقة العاملة في تنظيمها الحزبي وتجارب كومونة باريس التي وضعت لأول مرة السلطة في ايدي الطبقة العاملة لمدة شهرين).

   يواصل ماركس وانجلز: (ان نقد الأدب الاشتراكي الوارد في البيان غير كامل ، اذ انه يتوقف عند عام 1847م ، ولذلك الملاحظات الواردة في الفصل الرابع عن موقف الشيوعيين من مختلف الاحزاب المعارضة، فهي وان كانت صحيحة اليوم من حيث مبادئها ، الا أنها اصبحت عتيقة من حيث تطبيقها ، اذ أن الحالة السياسية قد تغيرت بتمامها، وقضي التطور التاريخي علي معظم الاحزاب المذكورة فيها) .

   يواصل ماركس وانجلز ( والبيان مع كل هذا، وثيقة تاريخية لانملك حق تعديلها، وربما ارفقنا احدي طبعاته بمقدمة تستطبع ملء الفراغ بين عام 1847م واليوم، اما الطبعة الحالية فقد فوجئنا بها مفاجأة، ولم يكن لدينا الوقت الكافي لكتابة مقدمة لها وافية بهذا الغرض).

  هكذا عالج ماركس وانجلز بمنهجهما الديالكتيكي المتغيرات التي حدثت منذ صدور البيان الشيوعي وضرورة اخذ الخصائص والظروف والاوضاع المحلية في الاعتبار. وضرورة اعادة التحليل والدراسة بعد كل متغيرات تحدث، فالبرنامج ليس جامدا، بل يأخذ المتغيرات العالمية والمحلية في الاعتبار ويفقد جوانب قديمة ويكتسب جوانب جديدة.

   كانت الفكرة الرئيسية في البيان الشيوعي كما أشار انجلز في مقدمة له في 28/يونيو/1883م، بعد وفاة ماركس: أن الاوضاع الاقتصادية والبناء الاجتماعي الذي ينشأ منها، يؤلفان في كل عهد التاريخ السياسي والفكري لهذا العهد، ولذا فالتاريخ بأسره منذ زوال المشاعة البدائية وظهور الطبقات ، كان تاريخ الصراع بين الطبقات السائدة والمسودة في مختلف مراحل تطورها الاجتماعي ، ولكن هذا النضال وصل في المجتمع الرأسمالي الحالي الي مرحلة اصبحت فيها الطبقة العاملة (البروليتاريا) لاتستطيع ابدا أن تتحرر من نير الطبقة التي تستغلها ( البورجوازية) دون أن تحرر في الوقت نفسه ، والي الابد المجتمع كله من الاستغلال والاضطهاد ، ومن نضال الطبقات.

 كما استعرض انجلز التحولات التي حدثت في نضال الطبقة العاملة في مقدمة طبعة اول مايو 1890م، وأشار الي صحة الشعار الذي رفعه البيان الشيوعي (ان تحرير الطبقة العاملة يجب أن يكون من صنع الطبقة العاملة نفسها)، وليس بالنيابة عنها، كما اشار الي نمو وتقوية الروابط الاممية بين العمال منذ صدور شعار (ياعمال العالم اتحدوا)، وكذلك نضال العاملين في امريكا من اجل تخفيض ساعات العمل الي ثماني ساعات.

فما هي اهم الافكار التي طرحها البيان الشيوعي؟

 يشمل البيان الشيوعي المواضيع التالية: مقدمة، البورجوازيون والبروليتاريون، البروليتاريون والشيوعيون، موقف الشيوعيين من مختلف احزاب المعارضة.

   يبدأ ماركس وانجلز البيان بتوضيح الآتي: هناك شبح يجول في اوربا هو شبح الشيوعية، وقد اتحدت كل قوى اوربا العجوز في حلف مقدس لملاحقته والتضييق عليه، بحيث اصبح اى معارضة يتهمها خصومها القابضون علي زمام السلطة بالشيوعية، ومن كل ذلك استخلص ماركس وانجلز شيئين:

1-        أن الشيوعية اصبحت قوة معترفا بها من جميع الدول الاوربية.

2-        أن الشيوعيين قد آن لهم أن يعرضوا أمام العالم بأسره مفهوماتهم واهدافهم وميولهم، ويدحضوا شبح الشيوعية ببيان من الحزب، ولهذه الغاية اجتمع في لندن شيوعيون من مختلف القوميات ووضعوا "البيان الشيوعي".

يبدأ ماركس وانجلز في البيان بتحليل اسلوب الانتاج الرأسمالي الذي يختلف عن اساليب الانتاج الاستغلالية السابقة ( العبودي والاقطاعي) بتوضيح: أن البورجوازية لاتعيش الا اذا ادخلت تغييرات ثورية مستمرة علي أدوات العمل ، أى علي اسلوب الانتاج ، اى علي العلاقات الاجتماعية بأسرها.

   ويلفت ماركس وانجلز النظر منذ وقت مبكر الي ظاهرة" العولمة " أو سيادة نمط الانتاج الرأسمالي علي نطاق عالمي بتوضيح:أن البورجوازية تغزو الكرة الأرضية بأسرها بدافع الحاجة الدائمة الي اسواق جديدة، فينبغي لها أن تدخل وتتغلغل في كل مكان وتوطد دعائمها في كل مكان ، وتخلق وسائل للمواصلة في كل مكان ، وباستثمار السوق العالمية ، تصبغ البورجوازية الانتاج والاستهلاك في كل الاقطار بصبغة كونية. وتنزع من الصناعية اساسها الوطني المحلي.فتنقرض الصناعات العتيقة أو تصبح علي وشك الانقراض وتخلي مكانها لصناعات جديدة يصبح ادخالها وتعميمها مسألة حيوية لكل الامم المتمدنة.

  هذا ويؤكد تطور التشكيلة الرأسمالية بعد 167 عاما صحة تحليل "البيان الشيوعي" ، فقد جددت الرأسمالية نفسها باستمرار وخاصة بعد الثورة العلمية التقانية والتي طورت الانتاج بشكل لامثيل له في السابق من ناحية الكم الكيف، وتم تدويل عملية الانتاج بفضل نشاط الشركات متعدية الجنسية،وعلي سبيل المثال: اصبحت اجزاء العربة المارسيدس تصنع في اكثر من دولة، وظهر مايسمي باضراب العاملين في شركة واحدة من جنسيات وبلدان مختلفة، اضافة للعمالة الاجنبية مما يؤكد تدويل عملية الانتاج، وضرورة تضامن العاملين علي نطاق عالمي، فليس للعمال وطن كما يؤكد "البيان الشيوعي"، لأن عملية الانتاج في الراسمالية اصبحت كونية،   وتم تحول في تركيبة الطبقة العاملة التي اصبحت تضم العاملين بايديهم وادمغتهم والذين يتعرضون للاستغلال الرأسمالي، كما تعمقت تناقضات الرأسمالية والتي اهمها: التناقض بين الطابع الاجتماعي للانتاج والملكية الفردية لوسائل الانتاج بواسطة الشركات متعددة الجنسية، كما اصبح مركز العالم الرأسمالي يصدر لبلدان العالم الثالث الصناعات الملوثة للبيئة ورخيصة الايدي العاملة، اضافة لنهب فائض القيمة النسبي والمطلق من العاملين،كما ازداد تركز الثروة وتعمقت مشكلة البطالة وتصاعدت وتائر تدمير البيئة في الرأسمالية المعاصرة.وتأكد شعار: "ياعمال العالم اتحدوا"، الذي طوره لينين بعد دخول الرأسمالية مرحلة الاحتكارات وبرز نهب شعوب المستعمرات كمصدر من مصادر ارباح الشركات الرأسمالية، بشعار: "ياعمال العالم وشعوبه المضطهدة اتحدوا".

   كما يؤكد تطور الرأسمالية المعاصرة صحة ما أشار اليه البيان الشيوعي وهو:أن الشرط الاساسي للوجود والسيادة بالنسبة للطبقة البورجوازية هو تكديس الثروة في ايدي بعض الافراد وتكوين رأس المال وانمائه، وشرط وجود المال هو العمل المأجور، والعمل المأجور يرتكز بصورة مطلقة علي تزاحم العمال الذين يتجمعون في اتحادات ثورية للصراع اجل حقوقهم السياسية والنقابية وتحسين احوالهم المعيشية والثقافية.

  ويختتم البيان الشيوعي هذا الجزء بقوله: ان البورجوازية تنتج قبل كل شئ حفاري قبرها،وأن التشكليلة الرأسمالية القائمة علي استغلال العاملين ونهب الشعوب مرحلة عابرة في التاريخ، وسوف يخرج من احشائها المجتمع الاشتراكي الذي يزيل استغلال الانسان لللانسان والاستلاب، وتحرر الطبقة العاملة نفسها والمجتمع بأسره من كل أشكال الاضطهاد والاستغلال.

    أما الجزء الثاني من البيان الشيوعي فيوضح المبادئ العامة لعلاقة الشيوعيين بالطبقة العاملة، ويشير الي أن الشيوعيين لايؤلفون حزبا خاصا معارضا لأحزاب العمال الأخري، وليست لديهم مصالح تفصلهم عن مجموع الطبقة العاملة، وهم لايناضلون بالنيابة عنها ولايريدون صوغها وحشرها في مبادئ خاصة.

 وأن الشيوعيين لايتميزون عن بقية احزاب العمال الا في نقطتين هما:

1-        في مختلف النضالات الوطنية التي يقوم بها العاملون يضع الشيوعيون في المقدمة المصالح المستقلة عن الجنسية والعامة لمجموع العاملين.

2-        في مختلف مراحل النضال بين العاملين والرأسماليين يمثل الشيوعيون دائما، وفي كل مكان المصالح العامة للحركة بكاملها.

وبالتالي، فان الشيوعيين من الوجهة النظرية يمتازون عن بقية العاملين بادراك واضح لظروف حركة العاملين وسيرها واهدافها العامة، وأن هدف الشيوعيين المباشر هو الهدف نفسه الذي ترمي اليه احزاب العمال ، اى تنظيم العاملين في طبقة والاستيلاء علي السلطة السياسية والغاء الملكية البورجوازية التي تقوم علي استغلال واستنزاف وافقار العاملين.وأن الشيوعية كما يوضح البيان الشيوعي: (لاتسلب احدا القدرة علي تملك منتجات اجتماعية، ولكنها لاتنزع سوى القدرة علي استعباد عمل الغير بواسطة هذا التملك).

 ويدفع البيان التهم البدائية والمتخلفة عن أن الشيوعية تريد هدم العائلة واشاعة المرأة والملكية الشخصية الناتجة عن عمل وابداع الانسان، والغاء الوطن.

  ويشير الي أن ازالة استغلال الانسان للانسان يمحو معه كل استغلال للنساء واشاعة لهن في البغاء، كما هو جاري الآن في الغرب الرأسمالي، حيث اصبحت الان التجارة في الجنس من النشاطات المدرة لارباح هائلة، ويخلق العائلة المتحررة من الخوف،فالرأسمالية باسلوب انتاجها الذي ينتج ويعيد انتاج الفقر هو الذي يهدم العائلة وينسف استقرارها. ويقوى الروبط الحقيقية لشعوب وقبائل الارض لتتعارف ولتتبادل منافعها وثقافاتها، بدلا من اسلوب الإنتاج الرأسمالي الحالي الذي يهدف الي اشاعة ثقافة الرأسمالية التي تقوم علي الانانية ومحو الهوية والثقافة الوطنية للشعوب،والغاء الحدود الوطنية من خلال نشاط الشركات عابرة القارات، فاسلوب الانتاج الرأسمالي بطبيعته هو الذي جعل عملية الانتاج كونية، وقوى الروابط الاممية بين العاملين والتضامن العالمي ضد الاستغلال الرأسمالي الذي اصبح كونيا، كما يؤكد تطور الرأسمالية في مرحلة العولمة الحالية.

 ويختتم البيان الشيوعي هذا الجزء: بأنه علي انقاض المجتمع البورجوازي القديم بطبقاته وتناقضاته الطبقية يبرز مجتمع جديد يكون فيه تطور الفرد الحر هو الشرط لتطور المجموع الحر.

 تلك هي الافكار والمبادئ العامة التي اوضحها البيان والتي تابعها ماركس وانجلز بالدراسة والبحث العلمي العميق  والشاق كما في مؤلف ماركس وانجلز: "الايديولوجية الالمانية"، والتي تم فيه وضع الاكتشاف الاساسي للماركسية: الفهم المادي للتاريخ والذي استخدمه ماركس وانجلز خيطا هاديا ومرشدا وبمنهجه الديالكتيكي في مؤلفه: "رأس المال" والذي اكتشف فيه نظرية فائض القيمة التي اوضحت جوهر الانتاج الرأسمالي، وبذلك تحولت الاشتراكية الي علم( الماركسية)، والتي شكلت الأساس النظري للعاملين في نضالهم من اجل الإشتراكية والديمقراطية الحقيقية..

 وفي الذكري ال 167 لصدور "البيان الشيوعي"، ما احوجنا للقراءة الناقدة للبيان الشيوعي والذي مازالت المبادئ العامة التي طرحها سليمة، ولاسيما في ظل الواقع البشع والبربري الذي كرسته الرأسمالية في مرحلة العولمة الحالية.  

alsirbabo@yahoo.co.uk

 

آراء