الذكري “57” لاستقلال السودان
تاج السر عثمان بابو
27 December, 2012
27 December, 2012
alsir osman [alsirbabo@yahoo.co.uk]
* تهل علينا الذكري "57" لاستقلال السودان والبلاد تمر بأزمة عميقة تتلخص في : تصاعد وتائر الحرب في جنوب كردفان وجنوب النيل الازرق ودارفور وماترتب عليها من كوارث : قتلي وجرحي ونزوح، ومآسي انسانية يعاني منها النازحون بسبب عدم توصيل الاغاثة، هذا فضلا عن خطورة أن يؤدي ذلك الي المزيد من تمزيق البلاد بعد انفصال الجنوب، وتدهور العلاقات بين الدولتين بسبب عدم حسم القضايا العالقة بينهما.
*كما تزداد معاناة الجماهير يوميا جراء ارتفاع تكاليف المعيشة واسعار السلع الخدمات وتدهور قيمة الجنية السوداني ، مع زيادة ميزانية الحرب ( في ميزانية العام 2013م بلغت ميزانية الأمن والدفاع والقطاع السيادي 9 مليار جنية ، وبلغت ميزانيتي التعليم والصحة واحد مليار جنية ، أي أن ميزانية الامن والدفاع والقطاع السيادي تساوي 9 مرات ميزانيتي التعليم والصحة !!). وتستمر الحركات الاحتجاجية علي سبيل المثال لا الحصر: اعتصام العاملين في مستشفي الخرطوم بسبب عدم صرف المتأخرات، واضراب الصيادلة بسبب الدواء وضعف الاجور ، والوقفة الاحتجاجية للمعلمين امام المجلس الوطني بسبب تدهور اوضاع المعلمين والاستقطاعات، وضغط قواعد العمال علي اتحادهم من أجل زيادة الاجور ، واستمرار اعتصام المواطنين في بابنوسة بسبب نقص خدمات المياه والكهرباء، واستمرار احتجاجات الطلاب في جامعات البلاد المختلفة ..الخ. هذا اضافة للفساد الذي ينخر في النظام كما توضح تقارير المراجع العام السنوية.
وتتعمق حدة الصراعات والتناقضات داخل السلطة والتي بلغت ذروتها في مؤتمر الحركة الاسلامية الأخير، وما نتج عن ذلك من محاولات انقلابية من داخل النظام حسب مارشح في الصحف وتصريحات المسؤولين مما يشير الي عمق الصراع بين مراكز القوي داخل النظام.
* تزداد ازمة مصادرة الحريات والحقوق الديمقراطية التي تتجلي في مصادرة حرية الصحف ( مصادرة صحيفة "الميدان" و" والتيار"...الخ)، وحرية قيام الندوات في الاماكن العامة ، والقمع الوحشي للمواكب السلمية، وتعذيب المعتقلين السياسيين، ومصادرة نشاط المراكز الثقافية والفنية...الخ.
هذا اضافة لفقدان السيادة الوطنية وربط البلاد بالمحاور الخارجية وخطورة أن تتحول البلاد الي ساحة للحرب اذا ما قامت القاعدة العسكرية الايرانية في بورتسودان.
*لقد كان استقلال السودان عام 1956م خاليا من الارتباط بالاحلاف العسكرية والمحاور الدولية. وبعد الاستقلال كانت القضية الأساسية استكمال الاستقلال السياسي بالاستقلال الاقتصادي والثقافي، وترسيخ الديمقراطية والتعددية السياسية ومعالجة مشاكل الديمقراطية بالمزيد من الديمقراطية، وانجاز التنمية المتوازنة في كل انحاء البلاد وقيام دولة المواطنة التي تسع الجميع غض النظرعن العرق أواللون أوالعقيدة أوالفكر السياسي أوالفلسفي، ولكن ذلك لم يتم ودخلت البلاد في حلقة جهنمية من انقلابات عسكرية وأنظمة ديكتاتورية شمولية اخذت 44 عاما من عمر الاستقلال البالغ 57 عاما، وأسهمت تلك الانظمة العسكرية في تكريس قهر الجنوب والتنمية غير المتوازنة ومصادرة الديمقراطية والحقوق الأساسية، وتكريس التنمية الرأسمالية والفوارق الطبقية والتبعية للدول الغربية حتي بلغت ديون السودان حاليا حوالي 43 مليار دولار.
وصل التدهور الي ذروته في ظل نظام الانقاذ بعد انقلاب 30 يونيو 1989م الذي قطع الطريق امام الحل السلمي الديمقراطي بعد مبادرة الميرغني – قرنق، واشعلها حربا دينية بين أبناء الوطن الواحد والتي امتدت من الجنوب لتشمل دارفور والشرق وجنوب النيل الأزرق وجبال النوبا، وتركت جروحا غائرة لن تندمل بسهولة.
كما دمر نظام الانقاذ كل المؤسسات القومية التي كانت ترمز لوحدة السودان مثل: الخدمة المدنية والقوات النظامية ونظام التعليم الذي كان قوميا في مناهجه ونظمه، وخصخصة وتدمير المؤسسات العريقة التي بناها الشعب السوداني بعرقه مثل: السكة الحديد ومشروع الجزيرة والخطوط الجوية السودانية والنقل الميكانيكي والنقل النهري، والمؤسسات الانتاجية الصناعية وبقية المشاريع الزراعية، اضافة لخصخصة الخدمات الصحية ، اضافة للثراء علي حساب الدولة وممتلكاتها التي تم بيعها بأثمان بخسة وخلق فئات رأسمالية طفيلية اسلاموية دمرت كل المؤسسات الانتاجية الصناعية والزراعية، وباعت أراضي السودان الزراعية، اضافة لتشريد الالاف من الكفاءات من أعمالهم لأسباب سياسية ونقابية، وتعميق التهميش الديني واللغوي والثقافي وتفتيت النسيج الاجتماعي والحزبي ودمج النقابات والمؤسسات النيابية في جهاز الدولة، والعداء للديمقراطية والحقوق والحريات الأساسية حتي النخاع. وتم افراغ اتفاقية نيفاشا وبقية الاتفاقات من محتواها وكانت النتيجة تمزيق وحدة الوطن وانفصال الجنوب، واعادة اشتعال الحرب من جديد في جنوب كردفان وولاية النيل الأزرق، وعدم حل قضايا مابعد الانفصال مما أدي للتوتر الحالي بين دولتي الشمال والجنوب والذي قد يؤدي الي اشتعال الحرب بينهما.
* لقد فقد النظام بعد 24 عاما من القهر والقمع والنهب المتواصل كل مقومات استمراره، واصبح محاصرا بالازمات من كل جانب ، اضافة للشرخ العميق داخله، وتزداد وتائر الحركات الاحتجاجية وانشطة القوي المعارضة، واصبحت كل الظروف الموضوعية مواتية لاسقاط النظام الذي اصبح استمراره يشكل خطرا علي وحدة ماتبقي من البلاد.
* ولابديل غير وحدة قوي المعارضة وتلاحمها والعمل الدؤوب من اجل اسقاط هذا النظام واستعادة الديمقراطية والاستقلال الحقيقي للبلاد وسيادتها الوطنية وتحسين الاوضاع الاقتصادية والمعيشية ولتنعم البلاد بوقف الحرب والسلام والحل الشامل والعادل لازمات دارفور وجنوب النيل الازرق وجنوب كردفان والشرق وكل أقاليم البلاد، وقيام دولة المواطنة التي تسع الجميع وتفتح الطريق لاعادة توحيد البلاد علي أسس طوعية وديمقراطية.