الراهن السياسي البئيس … والموقف الثوري الرئيس..!! بقلم: اسماعيل عبدالله

 


 

 

لا شك في أن الراهن السياسي بعد الاتفاق الإطاري قد عاد بنا إلى الوراء، وكرر سيناريوهات الطبقة السياسية القديمة بطريقة هي الأكثر بؤساً من سابق العصور والأزمان، ودخلت معترك الميدان قوى جديدة بائسة أيضاً، وفي بؤسها ليست بأقل من الطبقة السياسية القديمة، هذه القوى الحديثة هي حركات السلاح، التي زادت طين حقل السياسة بلة أكثر مما هو مبتل، بتكريسها للفعل السياسي المقترن بموالاة العشيرة، لذلك لن تجد غرابة في تقارب هؤلاء المسلحين مع مولانا الميرغني زعيم السجادة الختمية، فالطائفيون والعشائريون بينهم تناغم حميم، ويجمعهم قاسم مشترك أعظم، هو الاستحواذ والسيطرة على الزعامة ورهنها لرب العشيرة أو زعيم الطائفة، ولم يسلم مجال العمل العام في بلادنا من سطوة الرجعية والانتكاس، طيلة الستين عاماً الممتدة من أول سنة لاستقلال البلاد، وما عقّد شئون هذا المجال وأزعج التقدميين، ردة الحركيين المسلحين وقنوطهم من استكمال مشروع ثورة المهمشين، وقبولهم بالتخلف والنكوص ديدناً، فلو أعدت البصر كرتين لعلمت أن ماضي الفعل السياسي هو الأقل بؤساً من راهن وحاضر التدافع الحزبي والحركي الممزوج بالإثنية الضيّقة، وإن كان للشعب في الاختيار من خيار، فخير للشعب أن يكون في حل من تبعية الطائفة وعصبية القبيلة وهوس العشيرة.
الموقف الثوري اليوم وبعد الحماقة الكبرى التي ارتكبها العسكريون وحلفاؤهم، قبل عام وبضعة أشهر، يؤكد على تقدم الشعب الثائر سنين ضوئية ومسافات فرسخية عن الفعل السياسي الهابط، لذلك نرى تكالب الحزبيين نحو إجبار المقاومة الشعبية للرضوخ للطموح المتواضع الذي لا يتجاوز شهوة الجلوس على الكرسي، إنّ منجزات المواقف الثورية الواضحة لقطاعات عريضة من شرائح المجتمع، تتمثل في تلاشي الكيانات الحزبية القديمة، واختزالها في بعض من أفراد أسرة الزعيم، كما هو الحال داخل أروقة حزبي الأمة والاتحادي، وفي هذا الصدد لأحزاب اليسار من بعث وشيوعي وغيرهما الأفضلية النسبية في ايجابية البعد عن شبح التوريث، على الرغم من اشتراكها مع الطائفية في خصيصة سطوة الدكتاتورية، التي يمارسها رئيس الحزب الذي لا تنتهي ولايته إلّا بالوفاة. القوى القديمة تجاوزها الثائر الباحث عن توليد قيادة سياسية جديدة وقوى حزبية حديثة، تكنس الركام الطائفي القديم المسمى زوراً تنظيماً سياسياً، وترمي به في مكب نفايات التاريخ، فالثورة التي لا تحدث التغيير الكامل يكون مُشعلها كمن حفر قبره بيده، إنّها أنصاف الثورات، التي لاتطعم من الجوع ولا تؤمّن الخائف من الخوف، وفي هذه الحالة للثائر إحدى أمرين، إمّا الصمود، أو الاستسلام الذي هو المستحيل بعينه.
من يضحك أخيراً يضحك كثيراً، ومن يستعجل نتائج الفعل الثوري يحصد الندم، وتراكم المنجز الثوري خلال الثلاثة أعوام التي مضت، قد جوّد ماكينزمات التعاطي الثوري بين جميع قطاعات المقاومة، وأنضج ثمارها – على الأقل في الوقت الراهن، وواحدة من هذه الثمار انجاز المشروع المتكامل للثورة الفدرالية، فلأول مرة في تاريخ الثورات السودانية تترابط خيوط التصعيد الثوري على طول البلاد وعرضها – شرقاً وغرباً ووسطاً وشمالاً وجنوباً – كاسرة قيود الثورات المسجونة داخل (إطار) مثلث المدن العاصمية، هذه الانطلاقة لا تكبحها سرعة (إطار) الاتفاقيات المصممة خصيصاً لتلبية حاجات الوسطاء والمسهّلين، ولا يقف أمامها الاختزال المخل للأهداف العليا للثورة، فكل من قدم وعداً لشركات التنقيب عن الذهب والمعادن التي تديرها البلدان الوسيطة والمسهلة، أو شرع في بناء الموانيء البحرية والجوية والجافة خدمة لهؤلاء (الأجاويد)، فلينتظر لحظة أن يحمى وطيس المعركة الفاصلة، والملحمة الفارقة المفرقة بين الثائر الحق والسياسي الانتهازي، الحالم بامتطاء ظهر الشعب الحكيم الذي لم يغضب غضبته الحليمة بعد. ستتساقط أوراق شجرة التسوويين الصفراء الآيلة إلى السقوط، من فرط يباس جذورها المغروسة في التربة الرخوة والجافّة التي ليس فيها ماء يبلل عروقها.

اسماعيل عبدالله
ismeel1@hotmail.com
16 ديسمبر 2022

 

آراء