الرجل الذي فقد جاموسه
محمد محمد خير
6 April, 2009
6 April, 2009
أقاصي الدنيا
محمد محمد خير
كنت أنوي الكتابة عن زيارة المبعوث الأمريكي سكود غرايشن الذي أعلن في مستهل زيارته الأولى أن به مس من عشق السودان بما يعني أنه سيعامل الملف بقلبه وحتى إذا أعمل عقله فسيظل قلبه مسهماً وتلك بشارة أولى تتواءم مع مقولة أطلقها الفيلسوف عبد الواحد محمد نور ذات حوار أجراه معه أبوعبيدة حسن للرأي العام جاء فيه (أن مشكلة دارفور تحل بالحب والهيام) والآن جاء الحب جاء من بلاد بعيدة يكمنه قلب طيار أمريكي في هيئة مبعوث فعجبت كيف يموت من لا يعشق !أكملت معادلة حل مشكلة دارفور شقاً منها بالحب الذي أرناه غرايشن فعليك يا عبد الواحد (بالهيام) لتكتمل المعادلة وتحل الأزمة وتعود الحواكير لأصحابها ويكف الإعلام عن الكلام المباح بعد عودة النازحين لقراهم.كنت أزمع الكتابة عن سكود غرايشن ولكن لأن الوقت مازال مبكراً والحوار طرياً أرجأت ذلك لحين زيارته الثانية.على صعيد مختلف ومغاير كنت أيضاً أنوي الكتابة عن عمر الخيام من واقع ندوة نظمها مركز سلطان بن عويس بدبي وكان السؤال هل الخيام شخصية حقيقية أم مجرد تمثل وهمي وذلك من خلال متناقضات كثيرة حول سيرته وآثاره، لكنني خفت من أن يقول الناس (الناس في شنو والحسانية في شنو).وأنا في حيرة من أمري بين سكود غرايشن وعمر الخيام اللذان لا يجمع بينهما إلا الحب فقد كان الخيام يحمر الخمر وغرايشن يحب السودان، جاء في الأنباء أن سليمان جاموس انضم بكامل جيشه وقادته الميدانيين لحركة العدل والمساواة فتذكرت فجأة صديقي محجوب حسين فتحسرت واستدعيت رواية فتحي غانم (الرجل الذي فقد ظله) وقاربت العنوان بحال محجوب فهو تماماً (الرجل الذي فقد جاموسه).محجوب حسين لمن لا يعلم شاعر ضل طريقه إلى العمل المسلح. هو في الأصل أديب ذو ذائقة وقارئ بامتياز لأدب المغرب العربي الذي تخرج في إحدى جامعاته وكان مكانه الطبيعي اتحاد الكتاب وتجمعات البنيويين وكان مساره الأجدر سينتهي (بتفكيك النص) بدلاً من تجميع الرصاص، لا زلت أذكر ليلة قضيتها معه بكارديف بمنزله المطل على جبل وأودية وحملان إنجليزية غرة ترتع في ذلك المرعى كأبهى ما تكون الصورة الحداثية (للظعينة) كان بيننا محمد بنيس الذي يفهم محجوب إيماءاته الفلسفية وما ورائيات نصه ويتذوقه فيما أعجز أنا عن ذلك بسبب قلة حيلتي الحداثية وبنيتي التراثية وذوقي المتأثر بأغاني الحقيبة والمستهام بـ(يا رشا يا كحيل) !ذلك هو محجوب الذي عرفته في مستهل الألفية مثقف حداثي يحاول الإجابة على أسئلة الوجود والجمال والفلسفة والشعر لكنني عرفته بهيئة أخرى في أبوجا عام 2005 تحوّلت الحداثة من عقله لشعره فأطلقه وأرخى السدول و(مشَّطَه). لم أعرفه للوهلة الأولى بسبب (الحداثة الشكلانية) التي اخفت ملامحه الفلسفية وأظهرت ما كان يستره الشَعرُ، لم يكن معنا هذه المرة محمد بنيس كان معنا شوقار وأب دربين وحاموس وأم الجيش ومنذ ذلك الأوان دخل محجوب مصهر الكيمياء السياسية المركبة . صفع عبد الواحد ببيان وكان عبد الواحد يتحاشاه ويفسح له الطريق ودعم مني مناوي بقوة حتى وقع مني اتفاق أبوجا وظل مدافعاً عن الاتفاق حتى لحظة مفصلية حرجة كانت تقتتضي أن يحلق شعر رأسه حتى يصبح وزيراً في حكومة الوحدة الوطنية فرفض وعبس وتولى وزاد شعره ضفيرة أخرى ومضى للتمرد من جديد مع جاموس. واليوم يغادره جاموس لضفة أخرى لن ينضم لها محجوب حتى ولو عاد للشعر. يا صديقي محجوب عد إلى بنيس أو عدي لمني واحتفظ بدارفور !