الرد على دعاوى حمله تشويه صورة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر

 


 

 

د. صبري محمد خليل/ أستاذ فلسفه القيم الاسلاميه في جامعه الخرطوم

sabri.m.khalil@gmail.com

أصل الحملة:

ا/القوى التي تقف وراء الحملة هي ذات القوى التي تقف وراء مشروع الشرق الأوسط ” الامبريالي – الصهيوني” : تقف وراء الحملة الاعلاميه التي استهدفت تشويه صوره الزعيم جمال عبد الناصر(رحمه الله)، ذات القوى التي تقف وراء مشروع الشرق الأوسط الجديد ” الامبريالي – الصهيوني” ، والنظم والمؤسسات والقوى السياسية والشخصيات… الاقليميه التابعة لها – عن وعى أو بدون وعى- فهي جزء من الحملة الاعلاميه التي تروج لمشروع الشرق الأوسط الجديد” الامبريالي – الصهيوني ، والذي يهدف إلى الارتداد بالنظام السياسي العربي من مرحله التجزئة على أساس شعوبي ” الدول الوطنية العربية “، بعد اتفاقيه “سيكس – بيكو”، بين قوى الاستعمار القديم (بريطانيا
وفرنسا) ، إلى مرحله التفتيت على أساس طائفي / قبلي – عشائري ” الدويلات الطائفية “، مع بقاء إسرائيل كحارس لهذا التفتيت ...

ب/ الهدف عبد الناصر الرمز التاريخي وليس الشخص”إلغاء الاراده الشعبية العربية بتشويه رموزها التاريخيه : ولا تستهدف هذه الحملة “جمال عبد الناصر ” الشخص ، بل “جمال عبد الناصر ” احد الرموز التاريخية الملهمة الاراده الشعبية العربية، نسبه لاتخاذه مواقف مناهضه للاستعمار الاستيطاني (الصهيونية) والقديم (البريطاني والفرنسي..) والجديد (الامبريالية الامريكيه )، ودعمه لحركات التحرر القومي العربي والافريقى والعالم ثالثى ” دول عدم الانحياز” من الاستعمار، فالهدف من تشويه صورته إذا إلغاء الاراده الشعبية العربية، التي تتعارض أهدافها في الحرية والعدالة الاجتماعية والوحدة ، مع غايات مشروع الشرق الأوسط الجديد “الصهيوني – الامبريالي” ، بتشويه كافه مفاهيمها و قيمها الدينية والحضارية والاخلاقيه ورموزها التاريخية و أخرها الزعيم جمال عبد الناصر الذي استطاعت الاراده الشعبية العربية من خلال توحدها حول زعامته ، ان تحقق قدر كبير من غاياتها في الحرية والوحدة والعدالة الاجتماعية...

ج/ تزامن البداية الحقيقية للحملة مع البداية الحقيقية لمشروع الشرق الأوسط الجديد”الامبريالي الصهيوني”: تأكيدا لما سبق تزامنت البداية الحقيقية لهذه الحملة مع تولى الرئيس/ محمد أنور السادات السلطة في مصر بعد وفاه عبد الناصر 1970، وارتداده عن جمله سياساته التي تجسد الاراده الشعبية العربية، ،واتخاذه – بدعم من الغرب بقياده أمريكا والكيان
الصهيوني- مواقف نقيضه لها تكرس للتبعية للامبريالية الامريكيه ( شعار 99 %من أوراق اللعب في يد أمريكا ) ، وتنحاز إلى الصهيونية ضد الشعوب العربية والشعب الفلسطيني(اتفاقيه كامب ديفيد)،وتنحاز إلى الأغنياء ضد الفقراء ( تطبيق النظام الراسمالى الربوى تحت شعار الانفتاح الاقتصادي)- وكلها مواقف تتسق مع غايات المشروع الشرق الأوسط الجديد “الامبريالي الصهيوني”، وتلازم مع هذا الارتداد إلى هذه المواقف ألنقيضه دعمه لحمله إعلاميه لتشويه صوره الزعيم عبد الناصر ، تضمنت من الأكاذيب ما يخالف التاريخ والواقع والعقل والمنطق مخالفه فاضحه ،فضلا عن تضخيم السلبيات والتقليل من قيمه الايجابيات، قادها بعض الإعلاميين والصحفيين والكتاب الذين كانوا في حياه الزعيم عبد الناصر جزء من الجهاز الاعلامى للدولة في عهده ، وكما يقول الدكتور عصمت سيف الدولة (رحمه الله) (حل الفجور في الخصومة محل ذل النفاق)، ولعله كان يشير إلى مضمون الحديث الشريف ‏( ‏أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ ‏ ‏خَلَّةٌ ‏ ‏مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ ‏ ‏خَلَّةٌ ‏ ‏مِنْ نِفَاقٍ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا خَاصَمَ ‏ ‏فَجَرَ)( مسلم – باب” بيان خصال المنافق”)‏ ‏؛ قال الإمام النووي: قَوْله : ( وَإِنْ خَاصَمَ فَجَرَ ( أَيْ مَال عَنْ الْحَقّ , وَقَالَ الْبَاطِل وَالْكَذِب... .

د/ مشاركه بعض المنتسبين لجماعه الإخوان المسلمين في الحملة: كما شارك في هذه الحملة الاعلاميه لتشويه صوره الزعيم عبد الناصر بعض – وليس كل- المنتسبين إلى جماعه الإخوان المسلمين حينها أو من قبل، باعتبار أن هذه المشاركة هي شكل من اشكال الاقتصاص من الزعيم الراحل،بسبب الصراع – السياسي – وليس الديني- بينه وبين قطاع من جماعه الاخوان المسلمين – وليس كل أفرادها كما سنوضح لاحقا- ه/ عدم شرعيه المشاركة: ورغم أن المشاركين في هذه الحملة ينسبون أنفسهم إلى الإسلام،إلا ان هذه المشاركة غير شرعيه من جهات عديدة منها:
-1 تجاوز التقييم الموضوعي الأفعال إلى سب الشخص وتعارضه مع “تحريم سب الأموات “:ان هذه المشاركة تجاوزت- في اغلب الأحيان- التقييم الموضوعي لأفكار وأفعال جمال عبد الناصر ( رحمه الله) ، إلى سب شخصه ، وهو ما يتعارض مع تقرير الشرع تحريم سب الأموات وهو ما يستفاد من النصوص الواردة في تحريم سب المسلم على الإطلاق دون تمييز بين الأحياء و الأموات ، كما في قول الرسول( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ ): ( سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَ قِتَالُهُ كُفْرٌ ) (رواه الشيخان و غيرهما عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه) . كما يستفاد من النصوص الواردة في تحريم سبِّ الأموات على الخصوص ،ومنها: روى البخاري و النسائي و أحمد عَنْ عَائِشَةَ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا )قَالَتْ : قال النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) (لا تَسُبُّوا الأَمْوَاتَ فَإِنَّهُمْ قَدْ أَفْضَوْا إِلَى مَا قَدَّمُوا ) ، و قد بوَّب البخاري على هذه الحديث في الصحيح ، فقال : ( باب ما ينهى من سبِّ الأموات ) ، وروى ابن حبان بإسناده إلى زياد بن علاقة أنه سمع المغيرة بن شعبة يقول :
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( لا تسبوا الأموات فتؤذوا الأحياء )صحيح ابن حبان : 3022 ) . أما استدلال البعض ببعض النصوص التي تفيد ذكر بعض الأموات بالشر لتبرير سب الأموات ، فهو استدلال خاطئ ، لان الذكر بالشر غير السب ، كما أن الذكر بالشر يكون في من ثبت شره من الكفار والمنافقين ، يقول الإمام المناوي في فتح القدير : ( السب غير الذكر بالشر ، و بفرض عدم المغايرة فالجائز سب الأشرار و المنهي سب الأخيار(

2- التعارض مع الموقف الاسلامى الصحيح(التقييم الموضوعي وتجنب المعيار الذاتي -العاطفي”وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ ) : كما أن هذه المشاركة تعارضت – في اغلب الأحيان – مع الموقف الاسلامى الصحيح من الحكم على الأشخاص ، والقائم على التقييم الموضوعي الذي يتضمن ، بيان الايجابيات كما السلبيات ،وتجنب المعيار الذاتي المستند إلى الانفعالات والعواطف “كالكراهية مثلا “، والذي عبرت عنه الايه (وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى )،وقد التزم بعض الكتاب الإسلاميين بهذا الموقف منهم الشيخ / ناجح إبراهيم القيادي بالجماعة الاسلاميه بمصر،حيث يقول ( إن مسألة الحكم على “جمال عبد الناصر” أو غيره من الشخصيات العامة يرتبط ارتباطا وثيقا بالثقافة غير الموضوعية السائدة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية. تلك الثقافة التي تجعل من العاطفة هي المتحكم الأوحد في تقييم الرجال والحكم عليهم.. فتميل بهم إلى أقصى اليمين تارة، وإلى أقصى اليسار تارة أخرى.. ومحال أن تكون العواطف حكما عدلا في موازين الرجال. إن الإنصاف والموضوعية يقتضيان أن ننحي العواطف جانبا عند الحكم على الأشخاص.. وأن نزن الناس بميزان الحسنات والسيئات.. وألا تحملنا العداوات الشخصية، أو الوقوع تحت وطأة الظلم على الحيف في أحكامنا.. مصداقا لقول الله تعالى”وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى”)..( الرئيس عبد الناصر في فكر داعية/ بقلم د/ ناجح إبراهيم/ موقع الجماعة الاسلاميه مصر)...

-3خدمه التي تقف وراء مشروع الشرق الأوسط الجديد “الامبريالي – الصهيوني وتعارضها مع”قاعدة سد الذرائع “: كما أن هذه المشاركة تخدم- سواء بوعي أو بدون وعى- القوى التي تقف وراء مشروع الشرق الأوسط الجديد “الامبريالي – الصهيوني وغاياته هي قوى وغايات لا تريد خيرا بالإسلام والمسلمين، فمنع المشاركة هو من باب الأخذ” بقاعدة سد الذرائع” اى منع ما يفضى إلى مفسده ولو لم يرد نصا.. .

و/ فشل الحملة والمشروع : ورغم استمرار حمله تشويه صوره الزعيم الراحل جمال عبد الناصر (رحمه الله) منذ وفاته – اى لما يقارب النصف القرن – إلا أنها فشلت في تحقيق غايتها على المستوى الشعبي – الجماهيري- بل أدت هذه الحملة إلى نتيجة عكسية تمثلت في ازدياد تمسك هذه الجماهير بمفاهيمها وقيمها ورموزها التاريخية، كرد فعل على هذه الحملة ، وكتعبير عن رفضها لتردى النظام السياسي العربي بعد غياب الزعيم عبد الناصر،وهنا لا يمكن اتخاذ ضعف تأثير الأحزاب الناصرية على الحياة السياسية ، كدليل على تناقض شعبيه عبد الناصر لان عبد الناصر الزعيم والرمز التاريخي ملك للشعب العربي كله بصرف النظر عن أحزابه وتوجهاته السياسية ، والإقرار بزعامته غير مقصور على الأحزاب الناصرية ،وفى حين أن وجود أحزاب ناصريه في كل الدول العربية هو دليل على شعبيه عبد الناصر- لان هذه الأحزاب نشأت بعد زوال سلطه عبد الناصر بوفاته- فان مدى تأثير هذه الأحزاب على الحياة السياسية العربية مرتبط بهذه الأحزاب ذاتها، اى متوقف على الجهد الذي تبذله في سبيل تحقيق تأثير على الحياة السياسية . ولم تحقق حملة تشويه صوره عبد الناصر نجاحا يذكر إلا في نطاق النخب المتعلمة والمثقفة، التي انقطعت صلتها بمفاهيم وقيم ورموز الجماهير، أو المتعاطفين والمنتمين إلى تنظيمات تتبنى موقفا سلبيا من عبد الناصر – بناء على هذا فان هذه الدراسة لا تخاطب هذه الجماهير ، بل الأجيال الجديدة التي انقطعت صلتها- التاريخيه – بعهد الزعيم الراحل، دون ان تنقطع صلتها – القيميه – بالجماهير. كما فشل مشروع الشرق الأوسط الجديد ” الامبريالي – الصهيوني”
في إلغاء الاراده الشعبية العربية ، رغم نجاحه في تعطيلها، فقد نجح في الارتداد بالنظام السياسي العربي خطوات تجاه التفتيت على أساس طائفي، فضلا عن انزلاق بعض أجزائه نحو الفوضى،لكن أن هذا التعطيل – الإلغاء المقيد – للاراده الشعبية العربية على المستوى الرسمي- قد فتح المجال أمام مرحله جديدة من مراحل تفعيلها – على المستوى الشعبي – هي مرحله”ظهور” الاراده الشعبية العربية ( اى وضوح اثر فاعليته للرائي) ، بعد أن كانت”مختفية “(اى لم يكن اثر فاعليتها واضحا للرائي) في مرحله تفعيلها السابقة، وهى مرحله التفعيل الزعامي، و التي شكلت القسم الأكبر من تاريخها ، و التي انتهت عام 1970 بوفاة جمال عبد الناصر”آخر زعيم قومي للامه العربية”، والتي كانت فاعليتها خلالها متحققة ، ولكنها مختفية خلف زعمائها– أبطالها التاريخيين ، والذين حققت اغلب انجازاتها التاريخية بتوحدها خلفهم . ولا يعنى انتهاء مرحله التفعيل الزعامي انقضاء دور الزعماء في تفعيل الاراده الشعبية ،ويكن يعنى ان هذا الدور يجب أن يأخذ شكل آخر مضمونه ان تتوحد فيها الاراده الشعبية العربية حول الأهداف التي سعى لتحقيقها هؤلاء الزعماء – والتي هي ذات أهدافها – وليس خلف أشخاصهم..
.
الرد على دعاوى الحملة: وفيما يلي نعرض لدعاوى هذه الحملة التي استهدفت تشويه صوره الزعيم عبد الناصر، ونرد عليها من خلال بيان أوجه الخطأ فيها:

الرد على دعوى أن عبد الناصر اتخذ موقفا سلبيا من الإسلام: من هذه الدعاوى أن عبد الناصر اتخذ موقفا سلبيا من الإسلام كدين وكعلاقة انتماء ،ووجه الخطأ في هذه الدعوى أن عبد الناصر اتخذ – في واقع الأمر – موقفا ايجابيا من الإسلام كدين وكعلاقه انتماء ذات مضمون ديني – حضاري للشخصية العربية)،على المستويين النظري والعملي:

-1 المستوى النظري: وقد تمثل هذا الموقف الايجابي لبعد الناصر ، من الإسلام كدين وكعلاقة انتماء ،على المستوى النظري ، في الكثير من أراء وأقوال وخطب جمال عبد الناصر، ومنها :ا/ تقرير جمال عبد الناصر أن أحد عوامل نجاح نضال الشعب المصري والشعوب العربية والمسلمة الأخرى هو (إيمان لا يتزعزع بالله وبرسله ورسالاته القدسية، التي بعثها بالحق والهدى إلى الإنسانية في كل زمان ومكان)( الميثاق الوطني ، 1962 ، الباب الأول). ب/ وكذلك تقريره أن الشعب المصري(يعتقد في رسالة الأديان، وهو يعيش في المنطقة التي هبطت عليها رسالات السماء)( الميثاق ، الباب العاشر). ج/ وتقريره أن الفتح الاسلامى كان (… ضوءاً أبرز هذه الحقيقة وأثار معالمها، وصنع لها ثوباً جديداً من الفكر والوجدان الروحي، وفي إطار التاريخ الإسلامي، وعلى هدى رسالة محمد (صلى الله عليه وسلم)، قام الشعب المصري بأعظم الأدوار دفاعاً عن الحضارة الإنسانية.. ثم كان قد تحمّل المسؤولية الأدبية في حفظ التراث الأدبي العربي وذخائر الحافلة، وجعل من أزهره الشريف حصناً للمقاومة ضد عوامل الضعف والتفتت)(الميثاق ، الباب الثالث).
د/ وكذلك تقريره أن الإسلام هو الذى وحد الامه العربية (واتحدت المنطقة بسلطان العقيدة حين اندفعت تحت رايات الإسلام تحمل رسالة السماء الجديدة – الإسلام – وتؤكد ما سبقها من رسالات وتقول كلمة الله الأخيرة في دعوة عبادة إلى الحق) ( خطاب أمام مجلس الأمة في 5/2/1958)• ه/ كما يحدد في كتاب فلسفة الثورة (1953) الدوائر الثلاث التي يرى أن مصر تنتمي إليها،وأن دورها الخارجي يجب أن يتوزع بينها، فيراها أولا في الدائرة العربية وثانيا في الدائرة الأفريقية وثالثا في الدائرة الإسلامية، ولدى حديثه عن انتماء مصر للدائرة الإسلامية يربط بينه وبين الدور التحرري لمصر خلال المراحل التاريخية القديمة التي مر بها ذلك الانتماء. و/ كما يرى عبد الناصر ان الإسلام هو الحل الأول والأخير لمشكله العلاقة بين الفرد والمجتمع ( … ومشكلة الفرد والجماعة التي حيرت المفكرين والفلاسفة في أوروبا منذ قرون ، وجدت الحل الصحيح في بلادنا العربية والإسلامية منذ ألف وثلاثمائة سنة ، منذ نزل القرآن على محمد بن عبد الله(صلى الله
عليهوسلم) يدعوا إلى الأخوة الإنسانية ، ويفصل مبادئ العدالة الاجتماعية على أساس من التراحم والتكافل الأخوي والإيثار على النفس في سبيل النفع العام للجماعة ، بغير طغيان على حرية الفرد ، ولا إذلال له ولا إنكار لذاتيته .. ” إن الله يأمر بالعدل والإحسان، وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي..” ذلك هو النظام.. فليكتف المفكرون والفلاسفة بما بذلوا من جهد، ولا يبحثوا منذ اليوم عن حلول أخرى لمشكلة الفرد والمجتمع..
عندنا الحل.. الحل هو الذي نزل به الوحي على نبينا منذ ألف وثلاثمائة سنة.. هو الحل الأخير لمشكلة الإنسانية ) (مقال بعنوان “الحل الأول هو الحل الأخير”، العدد 5 من سلسلة اخترنا لك “العدالة الاجتماعية وحقوق الفرد”، أول يوليو 1954، طبع دار المعارف(
2 -المستوى التطبيقي: كما تمثل الموقف الايجابي لعبد الناصر ،من الإسلام كدين وكعلاقة انتماء ، على المستوى العملي في الكثير من المظاهر، ومنها :ا/ زيادة عدد المساجد في مصر ، من أحد عشر ألف مسجد قبل الثورة ، إلى واحد وعشرين ألف مسجد عام 1970 ، ( عشرة ألاف مسجد ) ، وهو ما يعادل عدد المساجد التي بنيت في مصر منذ الفتح الإسلامي وحتى عهد عبد الناصر.ب/ جعل مادة التربية الدينية مادة إجبارية، يتوقف عليها النجاح أو الرسوب ،كباقي المواد لأول مرة في تاريخ مصر.ج/ أنشأ مدينة البعوث الإسلامية ،التي كان ومازال يدرس فيها عشرات الآلاف من الطلاب المسلمين، القادمين من سبعين دولة إسلامية ويقيمون فيها مجانا.د/ أنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي التي جمعت كل الشعوب الإسلامية .ه/ ترجمة القرآن الكريم إلى كل لغات العالم .و/ إنشاء إذاعة القرآن الكريم.ى/تسجيل القرآن كاملا على أسطوانات وشرائط للمرة الأولى في التاريخ ، و توزيع القرآن مسجلا في كل أنحاء العالم .ك/ وضع موسوعة جمال عبد الناصر للفقه الإسلامي ، والتي ضمت كل علوم وفقه الدين الحنيف في عشرات المجلدات وتم توزيعها في العالم كله. ل/ بناء آلاف المعاهد الأزهرية والدينية في مصر ، وافتتاح فروع لجامعة الأزهر في العديد من الدول الإسلامية،بالاضافه إلى بعثات الأزهر لنشر الإسلام فى أفريقيا وأسيا• م/ إصدار قانون تحريم القمار ومنعه . و إلغاء تراخيص العمل الممنوحة للنسوة العاملات بالدعارة ، وأصدر قرارات بإغلاق كل المحافل الماسونية ونوادي الروتارى والمحافل البهائية . (الدين والدولة والثورة : رفعت سيد أحمد. النبي والفرعون : جيل كيبل . المؤامرة ومعركة المصير : سعد جمعة. تقرير مجلس الكنائس العالمي لعام 1974،تقرير الحالة الدينية فى مصر عام1982 . الإسلام في عهد جمال عبد الناصر : عمرو صابح)...

الإقرار بموقف عبد الناصر الايجابي من الدين : وقد اقر العديد من الكتاب والمفكرين الإسلاميين باتخاذ عبد الناصر والتجربة موقفا ايجابيا من الدين ، يقول نبيل نعيم مؤسس تنظيم الجهاد في مصر، وأشهر سجين مكث في السجون حيث تم الإفراج عنه بعد 25 يناير 2011، في حواره لقناة “سي بي سي أن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر خدم الدين الإسلامي وأحياه أكثر مما قام به حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين. ويقول المفكر الاسلامى الدكتور عبد العزيز أن عبد الناصر كان يحرص على صلاته بشدة ، ففي زيارته الإتحاد السوفيتي إقترب موعد صلاة الجمعة، وكان في مباحثات مع القادة السوفييت ، فطلب إيقاف المباحثات ، وأستعد للصلاة وذهب ليؤديها مع أخوته . ويقول الشيخ احمد حسن الباقوري أن جمال عبد الناصر كان مسلما ” متدينا”
شديد الإيمان إلى حد انه في ( باندونج) أصر على أن يظل صائما ” طوال شهر رمضان ورفض استخدام الرخصة الشرعية التي تعطيه حق الإفطار ، والتي أستخدمها الشيخ الباقوري نفسه فأفطر...

الرد على دعوى ان عبد الناصر كان علمانيا: ومن هذه الدعوى ان عبد الناصر اتخذ موقف القبول المطلق للعلمانية كحل قدمته أوربا الليبرالية، ضمن ظروف تاريخيه خاصة، لمشكله العلاقة بين الدين والدولة، يقوم على الفصل بينهما،غير أن هذه الدعوى تتعارض مع حقيقة أن التجربة الناصرية على المستويين النظري والتطبيقي – تناقضت مع العلمانية ، فعلى المستوى النظري نجد – من الناحية الشكلية- أن عبد الناصر لم يستخدم مصطلح علمانيه في اى من خطاباته الشفهية أو وثائقه المكتوبة ، يقول الاستاذ/ مخلص الصيادي(من الناحية الشكلية ليس في تاريخ الناصرية وفق علمي ما يشير إلى تبنيها للعلمانية من حيث المصطلح ، ولم تثر هذه القضية في تاريخ الناصرية ، ولا يعرف أن جمال عبد الناصر أتى عليها، على الرغم من أنها كانت مثارة بقوة وبوضوح في المجالين الإسلامي بالنموذج التركي، والعربي بالنموذج البورقيبي)( مخلص الصيادي ، الناصرية والدين ،منتديات الفكر القومي
العربي) ، هذا فضلا عن رفض عبد الناصر لمضمون العلمانية في بعض الخطابات والوثائق، حيث يقول مثلا سنة 1963 (الإسلام دين التطور والحياة، والإسلام يمثل الدين ويمثل الدنيا، لا يمثل الدين فقط). هذا فضلا عن أن اتخاذ التجربة الناصرية موقفا ايجابيا من الدين ، على المستويين النظريوالعملي- كما سبق ذكره- يتناقض مع كون العلمانية تتخذ موقفا سلبيا من الدين، على الأقل على مستوى الدولة كممثل للمجتمع .هذا فضلا عن أن العلمانية هي احد الأركان الاربعه للليبرالية كفلسفة ومنهج وأسلوب للحياة(بالاضافه إلى أركانها الثلاثة الأخرى : الراسماليه والفردية والديموقراطيه “الليراليه “)،ومن المعلوم ان ثوره 23 يوليو1952 قامت ضد النظام الليبرالي- العلماني – الراسمالى – الملكي التابع للاستعمار البريطاني،وان الرئيس أنور السادات هو الذي أعاد إلى الحياة السياسية والاقتصادية المصرية أركان ألليبراليه من رأسماليه(تحت شعر الانفتاح ) ،وديمقراطيه ليبراليه (رغم أنها كانت ذات طابع شكلي )، وعلمانيه ( برفعه شعار لا دين في السياسية ولا سياسه في الدين)، رغم تحالفه المرحلي مع جماعه الأخوان المسلمين- أو بالأحرى التنظيم الذي أعيد تشكيله ، بعد حل الجماعة، بعد صدامها ” المسلح ” – او بعض قطاعاتها- مع الدولة في عهد عبد الناصر). وأخيرا فانه من المعلوم ان التيار الليبرالي “العلماني” ظل يناصب التجربة الناصرية العداء في حياه عبد الناصر وبعد وفاته ...

الرد على دعوى أن عبد الناصر كان شيوعيا : ومن هذه الدعاوى ان عبد الناصر كان شيوعيا ،ووجه الخطأ في هذه الدعوى – على المستوى النظري – ان عبد الناصر قد صرح مرارا بأوجه خلافه مع الماركسية ومنها إنكار الأديان واعتبار أن العنف هو الوسيلة الوحيدة للتغيير … وهو وان استخدم بعض المصطلحات الماركسية- و التي شاعت في الخطاب السياسي العالمي حينها- فانه قد استخدم هذه المصطلحات للدلالة على معاني مختلفة تمام الاختلاف عن معانيها في الماركسية،كما أن وجه الخطأ في هذا الافتراض – على المستوى
التطبيقي- ان الشيوعيين”الماركسيين “المصريين ظلوا قوه سياسيه وتنظيميه متمايزة عن جهاز الدولة في عهد عبد الناصر تبتعد عنها حينا – لحد الصدام – وتقترب منها حينا آخر – كما أنه من المعلوم ان عبد الناصر اشترط لاى تعاون مع الشيوعيين حل الحزب الشيوعي المصري ، وقد اقر عدد من الكتاب والمفكرين الإسلاميين بتمايز أفكار عبد الناصر عن الماركسية يقول د.يوسف القرضاوى ( ومن قرأ “الميثاق” الذي يمثل فكر عبد الناصر وجد فيه رشحات من الفكر الماركسي في مواضع شتى، ولكن لا نستطيع أن نصف الميثاق بأنه ماركسيّ تماما)، ويتحدث د.ناجح ابراهيم عن أخطاء عبد الناصر- حسب تصوره – فيقول(ومنها أنه سلم الإعلام و الثقافة كغنيمة باردة لليساريين و الشيوعيين ،الذين حولوا أدوات التوجيه كلها لصالحهم و ما يصب في خدمه أفكارهم )، فهو هنا يتحدث عن الشيوعيين كقوة سياسيه وفكريه متمايزة....

دعوى ان الصراع بين عبد الناصر وجماعه الأخوان المسلمين صراع ديني : ومن هذه الدعاوى أن الصراع الذي دار بين عبد الناصر وجماعه الأخوان المسلمين –وبالأحرى قطاع من قطاعاتها وليس كل أفرادها- هو صراع دينى بين مسلمين وكفار وليس صراع سياسي،وأوجه الخطأ في هذه الدعوى هي :

أولا: الامامه”السلطة فرع من فروع الدين : فقد اجمع علماء أهل السنة أن الامامه ( بمعنى
السلطة) فرع من فروع الدين وليست أصل من أصوله ، (بخلاف الشيعة الذين قرروا أن الامامه من أصول الدين ، وبخلاف الخوارج الذين كفروا مخالفيهم) ، ولمذهب أهل السنة فى الامامه الكثير من الأدلة منها: ان القران الكريم لم ينفى صفه الأيمان عن الطوائف المتصارعة( وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فان بغت أحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلي أمر الله)، فضلا عن ان الصحابة(رضي الله عنهم) اختلفوا في مسالة الامامه دون أن يكفر احدهم الأخر.

ثانيا: إقرار بعض الأخوان المسلمين أن الصراع سياسي وليس ديني : وقد اقر عدد من الكتاب الإسلاميين وكتاب الإخوان المسلمين ان الصراع بين عيد الناصر والأخوان كان صراع سياسى وليس صراع دينى، يقول حسن دوح ( أن تصوير خلافنا مع عبد الناصر على انه جهاد بين جماعه مسلمين وجماعه كافرين تصوير خاطئ، والأولى أن تقول انه كان خليطا لعب الجانب العقيد فيه دورا تمثله جماعه الأخوان المسلمين والجانب الحزبي دورا أخر، ولم يخل من الجانب
الشخصي) ( الإرهاب المرفوض والإرهاب المفروض، بدون تاريخ، دار الاعتصام، القاهرة، ص 39). ويقول ناجح ابراهيم (أصل الخلاف بين الإخوان وعبد الناصر هو اعتقاد كل منهما أنه الأجدر والأحق بالسلطة والحكم في مصر.. فعبد الناصر ومن معه كانوا يرون أنهم الأجدر بالسلطة والحكم باعتبار أن الثورة ثورتهم وأنهم الذين تعبوا وغامروا بحياتهم فيها وأن الإنجليز لن يسمحوا للإخوان بحكم مصر. أما الإخوان فكانوا يرون أنهم أصحاب فكرة الثورة من الأصل وأن عبد الناصر وعامر وغيرهما كانوا من الإخوان المسلمين الذين بايعوا على المصحف والسيف.. وأن هؤلاء الضباط صغار لا يصلحون للحكم.. وأن الإخوان هي القوة الرئيسية التي وقفت مع الثورة وهم الأجدر بالحكم والسلطة. ولذلك نشأ الخلاف بينهما وازداد وتوسع.. ولم يكن الخلاف أساسا على الدين أو الإسلام أو حرية الدعوة.ولكنه انحصر أساسا في ظن كل فريق منهما أنه الأجدر بالحكم ..وظل يتطور هذا الخلاف حتى وصل إلى مرحلة التصفية الجسدية متمثلة في حادثة المنشية سنة1954 والتي قابلها عبد الناصر بكل قوة وقسوة واعدم ستة من قادة الإخوان والنظام الخاص.)( جمال عبد الناصر فى فكر داعية).ويقول د.عبدا لمنعم أبو الفتوح عضو مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين في الحلقة الأولى من مذكراته «شاهد على تاريخ الحركة الإسلامية في مصر» التي تنفرد «الشروق» بنشرها (ورغم أن نظرتي تغيرت تماما عن جمال عبد الناصر فلم تصل يوما إلى تكفيره، فقد كنت أرى أنه من الصعب أن نقول إن جمال عبد الناصر كان ضد الإسلام أو عدوا له كما كتب البعض، ومازلت أرى أن الصراع بينه وبين الإخوان كان صراعا سياسيا في الأساس بدليل أنه استعان بالعديد من رجالهم في بداية الثورة كوزراء مثل الشيخ الباقورى والدكتور عبد العزيز كامل) . ثالثا: الخلاف بين عبد الناصر وجماعه الأخوان المسلمين جاء بعد اتفاق: وتأكيدا لكون الصراع سياسي وليس ديني أن الاختلاف بين عبد الناصر والإخوان المسلمين جاء بعد اتفاق، اى انه لم يكن اختلاف مبدئي، حيث يرى المستشار الدمرداش العقالي, أحد القيادات الاخوانيه, أن جمال عبد الناصر هو نبتة إخوانية منذ الأساس، وانه بايع حسن البنا المرشد العام للحركة منذ عام1942, ويقول المستشار مأمون الهضيبي ان جمال عبد الناصر حلف على المصحف والسيف لمبايعة الإخوان . كما يقر جمال عبد الناصر في 18 نوفمبر 1965 بأنه كان على صله بجماعه الإخوان المسلمين دون أن يكون عضوا فيها ( انا قبل الثورة كنت على صلة بكل الحركات السياسية الموجودة في البلد، يعني مثلاً كنت اعرف الشيخ حسن البنا لكن ما كنتش عضو في الإخوان). وفى كل الأحوال ضم تنظيم الضباط الأحرار ضباطاً ينتمون فكريا إلى الإخوان المسلمين ككمال الدين حسين ، كما أيد الإخوان عبد الناصر عند قيامه بالثورة، وبعد قيامه بالثورة، وكانوا أول أعوانه، بل كانوا سنده الشعبي البارز، حتى دب الخلاف بين الطرفين .و في الذكرى الأولى للاستشهاد حسن البنا وقف عبد الناصر على قبره مترحما واستمرت الإذاعة في تلاوة القران طوال اليوم وقف عبد الناصر قائلا (كان حسن البنا يلتقي مع الجميع ليعمل الجميع في سبيل المبادئ العالية والأهداف السامية، لا في سبيل الأشخاص ولا الأفراد ولا الدنيا…وأُشهد الله أنني أعمل -إن كنت أعمل- لتنفيذ هذه المبادئ، وأفنى فيها وأجاهد في سبيلها) , وعقب الثورة أقام نادي الضباط حفلا لتكريم سيد قطب افتتح بتلاوة للقران الكريم وكان من ضمن المداخلات كلمة لعبد الناصر ووجهها لسيد قطب قائلا (أخي الكبير سيد والله، لن يصلوا إليك إلا على أجسادنا، جثثا هامدة، ونعاهدك باسم الله، بل نجدد عهدنا لك، على أن نكون فداءك حتى الموت” استمرت العلاقة على كامل ودها بين عبد الناصر والإخوان حتى عام 1953 عندما استقال سيد قطب من وظيفته كرئيس لهيئة التحرير ( أهم منصب مدني في الحكومة المصرية في تلك الفترة .)...

الرد على دعوى أن عبد الناصر اقر بعلاقة الانتماء القومية(العربية) على وجه يلغى علاقة الانتماء الدينية (الاسلاميه): ومن هذه الدعاوى أن الزعيم الراحل اقر بعلاقة الانتماء القومية (العربية)، على وجه يلغى علاقة الانتماء الدينية (الاسلاميه)، وتستند الدعوى إلى افتراضين خاطئين هما
:الأول: القول بان إقرار علاقة الانتماء الإسلامية يقتضى إلغاء علاقات الانتماء الأخرى بما فيها علاقة الانتماء القومية… وهذا القول يستند إلى مذهب إنكار وحدات وأطوار التكوين الاجتماعي ، الذي يتعارض مع حقيقة إقرار الإسلام كدين لوحدات وأطوار التكوين الاجتماعي المتعددة وهى :الأسرة كما في قوله تعالى ﴿وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة﴾، وقوله تعالى ﴿ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة﴾.والعشيرة كما فى قوله تعالى ﴿وانذر عشيرتك الأقربين﴾ .والقبيلة والشعب كما فى قوله تعالى (وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا . والامه التي مناط الانتماء اليها هو اللسان وليس النسب لقول الرسول (صلى لله عليه وسلم)(ليست العربية بأحد من أب ولا أم إنما هي اللسان فمن تكلم العربية فهو عربي)، كما تتميز باستقرار الجماعات في الأرض، فتكون ديارها، قال تعالى ﴿أنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومني تولهم فأولئك هم الظالمون﴾
(الممتحنة:9) . كما أن مذهب إنكار وحدات وأطوار التكوين الاجتماعي يتعارض مع إقرار الإسلام كدين لعلاقات الانتماء إلى وحدات وأطوار التكوين الاجتماعي ( ومنها علاقه الانتماء القومية …) ومن أدله ذلك : قال تعالى (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ )(الزخرف :
44)، وفى السنة النبوية ورد في الحديث سأل واثلة قال: (يا رسول الله أمن العصبية أن يحب الرجل قومه) قال (لا ولكن من العصبية أن ينصر الرجل قومه على الظلم) (رواه أبن ماجه والإمام أحمد).. وقد اقر الإمام حسن البنا مؤسس جماعه الأخوان المسلمين (رحمه الله)علاقات الانتماء الوطنية والقومية، بجانب إقراره لعلاقة الانتماء الاسلاميه،حيث يقول (أن تمسكنا بالقومية العربية يجعلنا أمة تمتد حدودها من المحيط للخليج بل لأبعد من ذلك … أن من يحاول سلخ قطر عربي من الجسم العام للأمة العربية، فإنه يعين الخصوم الغاصبين على خفض شوكة وطنة وإضعاف قوة بلاده،و يصوب معهم رصاصة إلى مقتل، هذه الأوطان المتحدة في قوميتها ولغتها ودينه وآدابها ومشعرها
ومطامحها) (نقلا عن حسن عشماوي، قلب آخر لأجل الزعيم، ص 25)، وبهذا يتضح لنا أن مذهب إنكار وحدات وأطوار التكوين الاجتماعي ،والذي يرتب على إقرار علاقة الانتماء الاسلاميه إلغاء علاقات الانتماء الأخرى – ومنها علاقة الانتماء القومية- لم يكن يعبر عن موقفه من علاقات الانتماء المتعددة والعلاقة بينهما ، وإنما تبناه قطاع من المنتمين إلى جماعه الإخوان المسلمين، في مراحل تاليه لوفاه الإمام المؤسس – أهم أعلامه سيد قطب في مرحلته الفكرية المتاخره ” التكفيرية ” . الثاني: القول بأن عبد الناصر كان يرى أن العلاقة بين علاقة الانتماء القومية( العربية) والدينية
(الاسلاميه) علاقة إلغاء وتناقض، وخلافا لهذا القول فان عبد الناصر كان يرى أن العلاقة بينهما علاقة تحديد وتكامل ، وتأكيدا لذلك نجد أن عبد الناصر يقرر – على المستوى النظري – في كتاب فلسفة الثورة (1953) أن الدوائر الثلاث التي تنتمي إليها مصر والتي يجب أن يتوزع دورها الخارجي بينها، هي الدائرة العربية و الدائرة الأفريقية و الدائرة الإسلامية)، .
أما على المستوى التطبيقي فقد اتخذ عبد الناصر موقفا ايجابيا من علاقة الانتماء الاسلاميه تمثل في الكثير من المظاهر التي سبق الاشاره إليها...

الرد على دعوى أن عبد الناصر كان ديكتاتوريا ورفض الديموقراطيه:ومن هذه الدعاوى أن عبد الناصر رفض الديموقراطيه،وهذه الدعوى تستند إلى عده أخطاء
هي:

الخلط بين الزعيم والدكتاتور :هذه الدعوى لا تميز بين الزعيم والدكتاتور ، والفارق بينهم أن الأول تحقق الاراده الشعبية بتوحدها خلف زعامته أهدافها، ويصبح بالتالي محل رضا من اغلب الشعب. أما الثاني فيحول بدكتاتوريته دون تحقيق الاراده الشعبية لأهدافها،ويصبح بالتالي محل غضب اغلب الشعب . ولا يكاد يجادل احد على أن مواقف عبد الناصر الهادفة للتحرر من للاستعمار ، والداعمة للتضامن العربي ، والساعية لتحقيق العدالة الاجتماعية نالت تأييد اغلب الشعوب العربية- وليس الشعب المصري فقط ، فضلا عن استمرار مكانته الوجدانية كرمز للكرامة والعزة عند هذه الشعوب حتى الان، كل هذا وغيره يثبت أن عبد الناصر هو زعيم قومي وبالتالي ليس دكتاتور..

خطا حصر الديموقراطيه في مفهومها الليبرالى: كما أن هذه الدعوى تحصر الديموقراطيه في مفهومها الليبرالي،اى تفترض أن لمصطلح الديموقراطيه دلاله واحده(هي دلالتها الخاصة المنفردة المتمثلة في المفهوم الليبرالي للديموقراطيه)، وبالتالي تعتبر أن من يرفض هذا المفهوم للديموقراطيه يرفضالديموقراطيه ذاتها ، والواقع من الأمر أن لمصطلح الديموقراطيه دلالات متعددة، فهناك دلالته العامة ” اى المصطلح كمفهوم مجرد” ، المشتركة “اى المعنى الذى تشترك في فهمه كل الفلسفات والمناهج” ، وهذه الدلالة تتصل بالأصل الاغريقى للمصطلح والذي ترجمته حكم- سلطه- الشعب ، ومضمونها ” ان يكون التنظيم القانوني للمجتمع متفقا مع ما يريده الناس فيه”( د.عصمت سيف الدولة، الطريق، ج 2، ص 93)، …كما أن لمصطلح الديموقراطيه دلالته الخاصة ” اى ما يكتسبه المصطلح من معنى كمحصله لتطبيقه في واقع اجتماعي معين زمانا ومكانا ، المنفردة “اى المعنى الذي تنفرد بفهمه فلسفه ومنهج معينين “، ومثال لهذه المفهوم الليبرالي للديموقراطيه، اى الديموقراطيه الليبرالية من حيث هي محصله تطبيق مفهوم الديموقراطيه في واقع المجتمعات الغربية منذ القرن السابع عشر، وطبقا للمعنى الذى تنفرد بفهمه الليبرالية كفلسفة ومنهج معرفه . ان شيوع الديمقراطية الليبرالية او الشكل الليبرالي للديمقراطية ، لا يلغى حقيقة أن الديمقراطية الليبرالية هي دلاله خاصة منفردة لمصطلح الديمقراطية يدل على هذا:أولا: ان الديمقراطية الليبرالية ظهرت تاريخيا في مرحلة تاريخية لاحقة، بدأت في القرن السابع عشر وما تزال قائمة لم تنقض تماما.ثانيا:
قبل ظهور الديموقراطيه الليبرالية ” النيابية ” كان هنا صيغه أخرى للديمقراطية، أكثر تعبيرا عن المصطلح في أصله الاغريقى، والذي يقتضى ان يكون الشعب هو الفاعل، وهى الديموقراطيه المباشرة. …(د.عصمت سيف الدولة، الديموقراطيه والوحدة العربية),ثالثا:ان هناك صيغ أخرى للديموقراطيه منها الديموقراطيه الشعبية والديموقراطيه الاشتراكية ..استنادا إلى هذا التعدد الدلالي لمصطلح الديموقراطيه فان عبد الناصر كان يرفض المفهوم الليبرالي للديموقراطيه لأنه إذ يحرر الشعب من استبداد الحاكمين ، لا يضمن عدم استبداد اقليه من الرأسماليين فيه، لان النظام الراسمالى هو النظام الليبرالي في الاقتصاد ( د.عصمت سيف الدولة، النظرية ، ج2، ص197-198 ) وهو ما كاد سائدا في مصر قبل قيام ثوره 23 يوليو حيث يوجد نظام ديموقراطى من الناحية الشكلية ” برلمان، تعدديه حزبيه، صحف حزبيه..”، لكن يسطر عليه ” فعليا ” تحالف من الإقطاعيين والرأسماليين والملك ، الخاضع للسلطة “الفعلية” للاحتلال البريطاني. ولكن رفض عبد الناصر للمفهوم الليبرالي للديموقراطيه لا يعنى رفضه للديمقراطية من حيث هي نظام فني لضمان سلطه الشعب ضد استبداد الحكام ، وهو يتبنى صيغه معينه للديموقراطيه هي الديموقراطيه الشعبية ذات المضمون الاجتماعي...

عدم التمييز بين مضمون الديموقراطيه وشكلها:كما هذه الدعوى لا تميز بين مضمون الديموقراطيه ” ان تعبر السلطة عن الاراده الشعبية”، وشكلها” شكل النظام السياسي الذي تعبر الاراده الشعبية من خلاله عن ذاتها”،و الأول ثابت بينما الثاني يخضع للتغيير في المكان وخلال الزمان، والدليل على هذا ان تعدد النظم السياسية الديموقراطيه الليبرالية بتعدد مجتمعاتها (بريطانيا، فرنسا، امريكا ،سويسرا…)، استنادا على هذا فان هذه الدعوى تتخذ من بعض المواقف المواقف السياسية لعبد الناصركرفضه لتعدد الأحزاب و أخذه بأسلوب التنظيم السياسي الشعبي الواحد كدليل على رفضه للديموقراطيه ، بينما هذه المواقف تتصل بشكل الديموقراطىه وليس مضمونها، فهو مرتبط بظروف تاريخيه معينه ، هي مرحله التحرر الوطني والقومي من الاستعمار القديم...

أسلوب التغيير”تحليل لظاهره الانقلاب العسكري”: لقد كانت هناك اسباب تاريخيه معينه أدت إلى قيام ثوره يوليو بفعل مجموعة من ضباط القوات المسلحة ، وليس بتنظيم وتدبير وفعل حزب جماهيري . تتمثل هذه الأسباب في ان الظروف الاجتماعية والسياسية التي سادت مصر ما قبل ثورة 1952 كانت قد وفرت الشروط الموضوعية للثورة، والمتمثلة في السيطرة المطلقة لتحالف الاستعمار والإقطاع والرأسمالية على الشعب المصري وثرواته ، ولكنها لم تسمح باكتمال نضج شروطها الذاتية متمثله فى ان هذه الظروف لم تسمح للممارسة الديمقراطية بان تتعمق وتنمو إلى الحد الذي تستطيع فيه الجماهير امتلاك المقدرة الشعبية على فرض إرادتها . إن تلك الأسباب التاريخية هي التي تفسر قيام الثورة بتنظيم وتدبير وفعل مجموعة من ضباط القوات المسلحة تحت قيادة عبد الناصر ( تنظيم الضباط الأحرار )، وليس بتنظيم وتدبير وفعل حزب جماهيري . هذا بالاضافه الى ان الانقلابات العسكرية كظاهرة تكاد تكون المرحلة التالية لمرحلة التحرر من الاستعمار على مستوى العالم الثالث كله. وهذه الظاهرة هي حصيلة فشل تطبيق الديمقراطية فى العالم الثالث نتيجة للتخلف الديمقراطي : انعدام أو ضعف التقاليد الديمقراطية بفعل الاستعمار وما صاحبه من تخلف ثقافي ومادي، إضافة إلى تطبيق المفهوم الليبرالي القائم على سلبية الدولة بالنسبة للممارسة الديمقراطية، إذا الانقلابات العسكرية تعبير عن مرحله تاريخيه انقضت او تكاد تنقضي، ولابد من استحداث آليات جديدة للتغيير الجماهيري السلمي ، الذي لم يرفضه عبد الناصر.
ظاهره التعذيب: ان التقييم الموضوعي- البعيد عن التوظيف السياسي- للممارسات السالبه التي صاحبت التجربة الناصرية ومنها ظاهره التعذيب ،يقوم على الاتى:

· ان التقييم الموضوعي لاى تجربه يجب ان يقوم على الإقرار
بايجابياتها وسلبياتها،وليس اتخذا سلبياتها كمبرر لإنكار ايجابياتها.

· انه يجب ادانه التعذيب كممارسه سالبه لا إنسانيه مرفوضة أخلاقيا
وقانونيا ودينيا.

· ان ظاهره التعذيب مرتبطه بالبنية السياسية “مجموع الانظمه
السياسية وأنماط التفكير السياسي..” للعالم الثالث، وليست مرتبطه بالنظم السياسية”السلطة السياسية” للعالم الثالث ، وسبب ذلك أنها نشأت نتيجة لعوامل تاريخيه استمرت عهود تاريخيه متطاولة كالاستعمار وتعاقب النظم الاستبدادية .فقد كانت ظاهره التعذيب موجودة قبل عهد عبد الناصر “النظام الملكى”،واستمرت بعد عهده (عهد الرئيسين السادات ومبارك)، بل تفاقمت بعده عهده وكانت احد أسباب قيام ثوره 25 يناير الشعبية المصرية ضد نظام مبارك،ولم يبد الغرب” الديموقراطى” اى اعترض جدى ضدها خلال هذين العهدين لأنهما كانا تابعين له سياسيا.

· ان عبد الناصر لم يكن يعلم بهذه الممارسات بدليل ان بعضهم “شمس بدران”
اقر بعد وفاه عبد الناصر بأنه قام بذلك دون إذن من السلطة، وعندما علم بهذه الممارسات قدم قام بها للمحاكمة، وسجنهم بعضهم . إلى ان قام الرئيس السادات بالإفراج عنهم بعرض التوظيف السياسي. اتساقا مع هذا قام الاعلام فى عصره- ومن ضمنه بعض الافلام التى ظهرت فى ذلك العهد- بتضخيم حجم هذه الظاهره السلبيه فى العهد الناصرى، لتبرير ارتداده السياسى عن كثير من ايجابياته.فى ذات الوقت الذى صمت عن استمرار هذه الظاهره فضلا عن تفاقمها فى عهد السادات وخلفه مبارك.

· وقد اشار بعض الكتاب – منهم الدكتور عصمت سيف الدوله - إلى بعض
أسباب ظهور هذه الممارسة السالبة في العهد الناصري ، ومن هذه الأسباب الضغوط التي تعرضت لها مصر لدورها الريادي في قياده حركه التحرر من الاستعمار حينها ، وما صاحب ذلك من تضخم دور الاجهزه الامنيه، ومن هذه الأسباب ان المشروع الناصري أراد حشد الناس ضد الاستعمار القديم والجديد والصهوينيه، لكنه استند في ذلك الى تنظيمات جامعه ( اى تقبل كل من يعلن الالتزام بمبادئها ، والتي كانت ذات طبيعةعامه) ولكن غير مانعه (اى لم تتوافر فيها إليه لتمييز بين من يؤمن بهذه المبادئ فعلا و من يدعي الالتزام بها، فضلا عن عدم وجود تفاصيل جزئيه لهذه المبادئ )، حيث ابتكرت الدوله تنظيمات سياسيه عامه تتضمن داخلها كل جهاز الدوله (هيئه التحرير، الاتحاد القومي، الاتحاد الاشتراكي)، وهنا اتيح لمجموعه من البيروقراطيين ان يقوموا بالعديد من الممارسات السالبه كالتعذيب وغيره ، وبذلك لطخوا ثوب ثوره يوليو الأبيض بما علق به من نقاط سوداء…

· تفسير ولبس تبرير: غير ان كل ما ذكروه هو تفسير”اى بيان للأسباب
الذي لا يمنع رفض السلبيات” وليس تبرير” اى دفاع عن السلبيات “، إذ ان التعذيب – وغيره من الممارسات السالبه- لا تبرير له.

الرد على دعوى ان عبد الناصر تبنى مذهب قومي متعصب وعنصري :ومن هذه الدعاوى ان عبد الناصر تبنى مذهب متعصب وعنصري في القومية العربية ،وأوجه الخطأ في هذه الدعوى :

أولا: ان عبد الناصر تبنى مذهب في القومية العربية، ينظر إلى علاقة الانتماء العربية كعلاقة انتماء قومية ذات مضمون لساني – حضاري،وليس مضمون عرقي كما في المذاهب القومية الاوربيه “كالنازية والفاشية ..” .لذا رفض عبد الناصر التمييز العنصري القائم على التمييز بين الناس على أساس اللون ، حيث يقول في ميثاق العمل الوطني ( إن إصرار شعبنا على مقاومة التميز العنصري هو إدراك سليم للمغزى الحقيقي لسياسة التمييز العنصري..إن الاستعمار في واقع أمره هو سيطرة تتعرض لها الشعوب من الأجنبي بقصد تمكينه من استغلال ثرواتها وجهدها..وليس التمييز العنصري إلا لونًا من ألوان استغلال ثروات الشعوب وجهدها..فإن التمييز بين الناس على أساس اللون هو تمهيد للتفرقة بين قيمة جهودهم..)...

ثانيا: ان مذهب عبد الناصر في القومية العربية يجعل العلاقة بين علاقة القومية العربية ، وغيرها من علاقات انتماء علاقة تكامل وليست علاقة ، لذا لم يحول تبنيه للقومية العربية من اتخاذ موقف ايجابي من علاقة الانتماء الأفريقية “الجغرافية القارية “، و هو ما يتمثل مساندته لكل حركات التحرير الإفريقية في شرق القارة(الصومال وكينيا وأوغندا وتنزانيا)،وغربها(غانا وغينيا ونيجريا)،ووسطها(الكونغو”زائير”)، وجنوبها(روديسيا وانجولا وموزنبيق)،و اتخاذه موقف ايجابي من علاقة الانتماء الاسلاميه “الدينية الحضارية “،و هو ما يتمثل في إنشاءه مع آخرين لمنظمه المؤتمر الاسلامى،واتخاذه موقف ايجابي من العالم الثالث وهو ما يتمثل في مفهوم الحياد الايجابي ومؤتمر باندونج..

 

--------------------------
للإطلاع على مقالات أخرى للدكتور صبري محمد خليل يمكن زيارة المواقع التالية:

-1الموقع الرسمي للدكتور/ صبري محمد خليل خيري | دراسات ومقالات https://drsabrikhalil.wordpress.com
2- د. صبري محمد خليل Google Sites
https://sites.google.com/site/sabriymkh

 

آراء