الروراي
أحمد عبد العزيز الكاروري
21 August, 2011
21 August, 2011
يتميز سوداننا الحبيب بالعديد من العادات الجميلة والتي أندثر الكثير منها مع موجة التحديث وعصر العولمة وفقدان الهوية والسعي وراء تقليد الشرق والغرب، ومنا (( الروراي )) وكما تعرفون هو شكل من أشكال التكافل والتضافر والتكاتف وفيه الكثير من إغاثة الملهوف وأكثر ما يتعامل به أهل الريف والقري – في حلقة رائعة شدت انتباهنا في معناها ورسالتها بقناة الشروق – كانت التمثيلية التي بعثت برسالة هامة لكل شباب المدينة أن هلموا إلي من تركتموهم في الحلال والبلد وفي القرية من جد وأب وأم وأهل لم تمكنهم ظروفهم وأحوالهم من الهجرة إلي المدينة فظلوا ينظرون إلي الأراضي البور تملأهم حسرة السنين وهم يغمضون أجفاهم ليستحضروا الصورة الزاهية الرائعة برائحة الجروف وطعم العرق يسقي الأرض قبل المياه – وما أجمل لحظات الحصاد – وقتها تتكاتف الأسر أو التربالة ليقدمون أروع الصور في التعاون فيبدأ أحدهم بإطلاق (الروراي) وما هي إلا لحظات قليلة حتي تري في مشهد عجيب أبواب القرية الصغيرة تُفَتَّح لتطل منها الطورية و المنجل وأدوات اخري علي أكتاف الشباب والكهول يسيرون في موكب الجمال الذي يعبر عن ترابط الجميع مع بعضهم البعض وتحتضنهم الأرض يغازلونها بأيديهم ومعاولهم وهكذا حتي يتم حصاد كل الزروع في القرية
تلك لحظات جميلة تعلق في الذاكرة فتأبي أن تفارقها برغم ضغوط الحياة ومطالبها التي ضغطت أبناء التربالة إلي الهجرة عن أرضهم وذويهم ليعملوا برغم كبريائهم الذي استقوه من طين أراضيهم في مهن هامشية لا تكاد تكفيهم كفاف عيشتهم وبعض جنيهات يجمعونها ليرسلوها في خجل إلي أهاليهم الذين قبعوا لا يملكون شيئاً سوي انتظار هذه الجنيهات وبفرح أجوف يذكرون لجيرانهم أن ابنهم أرسل لهم المال من الغربة داخل الوطن أو الغربة خارجه وتتلوي الأشواق إلي اللقاء وإلي عزة الأرض وعزتهم فيحسبونها ألم بطن لسبب ما.
رسالة أرسلها للدولة أولاً ثم منظمات المجتمع المدني ذات الشأن أن اهتموا بهؤلاء فهم ليسوا مجرد شباب تركوا قراهم بسبب المعاناة التي لاقوها في زراعتهم أو تخاذلهم في خدمة أرضهم وأهلهم وأنفسهم، بل الأمر اكبر من ذلك بكثير – وما يحدث الآن من مشاكل في تلك المناطق ونداءات التهميش التي تحركت في بعضها لتتحول إلي تمرد إلا صورة من صور هجرة الشباب إلي حيث المكان الذي تتوفر فيه الخدمات مجتمعه.
روراي للمجلس القومي للتخطيط الإستراتيجي للأخذ بالنظرة الإستراتيجية المناسبة والفاعلة لتشجيع بعض أبناء المزارعين لتطوير الزراعة بمناطقهم وجعلها علمية وذلك بعد تحليل الأمر القائم وتقييمه واستخراج النتائج لوضع رؤية مستقبلية واضحة مع أخذ التجارب الناجحة في الإعتبار
ثم روراي للتنفيذيين للعمل علي تغيير ثقافة تمجيد الوظيفة فكل خريج لا يسعي لشئ إلا للبحث عن وظيفة – بالنظر إلي الغد لن نجد من يقدم العمل لتتوفر لهؤلاء الوظائف سوي الدولة، والدولة تريد ويريد الجميع أن تخرج من السوق والتجارة
وروراي للمكتوين بما يحصل للشباب أنفسهم، إذ لا بد خلق المبادرات بأيديهم والتفكير الإيجابي بعيداً عن الوظيفة إن كنت تملك الرغبة أو المهارة أو المعرفة لتمتلك عملاً حراً يحقق لك أحلامك، وهنا الروراي لمنظمات المجتمع ذات الشأن إذ لابد من عمل دورات تطور فكرتهم عن الزراعة وتعالج الكثير من المشاكل فتعرفهم بأفضل طرق الزراعة أولاً وبكيفية تسويق منتجاتهم وعمل شراكات تخرجهم من مذلة الدين وفواتير المحليات والجاز وخلافه.
وليكن هذا الروراي للإذاعات والقنوات والمؤسسات لرفع شأن العمل الحر في الصناعة والزراعة والإهتمام بالتعليم التقني والإنتاج الحيواني وقد تعبت الأقلام وكلت الأصوات من ذكر ما حبانا الله من خيرات طبيعية مثل المياه والأراضي ووووو ، ولتقدم وسائل الإعلام البرامج الإذاعية والتلفازية التي تهدف لنشر تلك الثقافة ولتكن برعاية البنوك والمنظمات ذات الشأن والوزارات المعنية.
وإن ظلت تلك النداءات التي تنادي بالإستفادة من خيرات بلادي بعيدة عن وضع سيناريهات مناسبة لاستغلال تلك الخيرات فلابد من (روراي) لمراكز البحوث والدراسات ليهتموا بتقديم الدراسات المسحية وغيرها، تبين وتوضح كيفية استغلال تلك الفرص ، وما أتت مصر للسودان إلا بعد دراسة الأراضي وتحديد نوع المحاصيل التي سينتجونها وأماكن تسويقها كل ذلك بالبحث والدراسة العلمية التي تدفع بالقدرات وتشجع المستثمرين فتضخ الأموال لتأتي الأسر المصرية فتستمتع في سوداننا بينما يعمل أصحاب الراضي إلا القليل في بيع الماء والمساويك ويفرشون علي الأرض بعض الحاجيات التافهه يترقبون كشة المحلية أكثر من الزبائن تاركين راحة البال ونعيم العيش والنظر إلي الزرع الأخضر والخيرات من حولهم يعينون بها أنفسهم وأسرهم وآخرين، بل ربما تنجح بعضها فيصدرونها ..
إلي متي يظل الريف وملايين الأفدنة مهملة بيد أبناءها وبيد الدولة وبيد التعليم ووسائل الإعلام وكلهم في ذنب اختلال التنمية بل وانعدامها سواء. إنه روراي للجميع.
ahmed karuri [ahmedkaruri@gmail.com]