السحر والطب في دار مساليت .. ترجمة: د. مبارك مجذوب الشريف
د. مبارك مجذوب الشريف
14 March, 2023
14 March, 2023
نتناول هذا المقال عبر ثلاثة محاور: المحور الاول ونقدم فيه نبذة مختصرة عن المؤلف، والمحور الثاني يتناول متن المقال المترجم، والثالث يتضمن تعليق المترجم.
نبذة عن المؤلف:
المؤلف انتوني جون آركل، إداري بريطاني (1898-1980م)، عمل في الخدمة السياسية للسودان (الإدارة البريطانية)، في الفترة من عام 1921 الى عام 1948م، حيث عمل في مديريات دارفور، والنيل الابيض، والنيل الازرق، وعمل في مكتب السكرتير الاداري مفوضاً للآثار في الفترة من 1938-1948م، ثم مستشاراً لحكومة السودان لشؤون الآثار في الفترة من 1948-1953م.
ويعد المستر آركل من كبار خبراء الاثار في السودان وله العديد من المقالات في هذا الشأن.
نشر هذا المقال في مجلة السودان في رسائل ومدونات المجلد التاسع الصدار عام 1926م الصفحات 88-94
السحر والطب في دار مساليت
انتوني أركل (A. J. Arkell )
ضمن زيارة تفقدية في شهر يونيو للمناطق الجنوبية للدار مع السلطان محمد بحر الدين ، وصلت الى ماسماغي ونصبت خيمتي تحت ظلال شجرة كبيرة من اشجار المهوقني السوداني، بينما اختار السلطان أن يعسكر على مبعدة اسفل الوادي.
كان في استقبالنا اثنان من "الفِرشة" او رؤساء المركز المحليين؛ ومعهم "الملوك" أي شيوخ القرى، وكان الهدف من طواف السلطان هو جمع اكبر قدر ممكن من العوائد السنوية، وهذا بعد ان يقوم بإعادة النظر في التقديرات التي تضعها في بداية العام لجان من وجوه القبيلة، كما جرت العادة في مناطق غرب السودان القصية.
وفي ديار الغرب الواسعة تقام على شرف هذه اللجان؛ وبصورة لا مفر منها سلسلة من الولائم على حساب القرويين، وما يصحب ذلك من تقديرات غير متوازنة.
ولما كان واجبي هو تقديم الرعاية الابوية بصورة عامة، وتقديم النصائح حول الوسائل التي اراها ضرورية لإنجاز العمل، وان اكون مستعداً باعتباري محكمة استئناف لسماع التظلمات، إلا أن ذلك لم يحدث من الناحية العمليةً، حيث أنني لم اقم باي دور يذكر في ظل شخصية السلطان المتسامحة، وما يلقاه من تقدير واحترام عام من رعاياه. فتمتعت بوقت فراغ اكثر بكثير من الذي يجده زملائي مأموري المراكز في المنطقة الشرقية؛ عندما يقومون بجولات الطواف، فكان هذا المقال ربما من حسن الحظ او ربما لسوئه.
تقع ماسماغي على ضفة الوادي والذي يبعد مسافة ميل واحد من شلالات في حافة صخرة تصب في منحدر وتغذي بركة مياه، وقد كانت البركة في نهاية هذا الصيف بطول اربعين ياردة.
كانت البركة عندما عرفت موقعها في العام السابق ومعي الطبيب؛ صغيرة لدرجة كبيرة، وعلى الرغم من صغرها كانت عميقة؛ وتستطيع إن كان لديك خبرة كافية بصيد السمك ومعك عدة الصيد، أن تصطاد نوعين من السمك منها، وفي حالة عدم وجود العدة تستعيض عنها بمسحوق الهجليج (يقوم المساليت بصيد السمك في البرك الصغيرة بنثر مسحوق حطب الهجليج ليلاً، ويقومون في الصباح بجمع الاسماك المخدرة والتي تطفو على السطح).
هنا في هذا المكان ايضاً، جرني الطبيب من سريري هامساً بخوف" هناك أسد"، وقبلها وفي الليلة نفسها قفزت من سريري بسبب اقتلاع الريح لأوتاد الخيمة وهي تنبئ عن عاصفة قادمة. وكل ما بإمكاني رؤيته وقتها هو حصان الشرطة الذي افلت من وتده، وضبع اختفي في ضوء القمر الذي يسطع حيناً ويتوارى حيناً آخر.
هذه الحكايات وكثير مثلها مر على من قبل، ليس لها علاقة البتة مع مهمتي الرسمية، ولكن من الممكن ان تشكل هذه الاشياء بذرة مقال او مذكرة تكتب في المستقبل، هذا ان لم تتعرض للضياع والتواري للابد عن الاجيال القادمة.
السنة الماضية كانت هي المرة الاولى؛ كما اعتقد؛ التي يتعرف فيها مساليت هذا المكان على اساليب العلاج الاوروبية، ومن الطبيعي وعلى ضوء طبيعة الرجال المحافظة وخوفهم من أي شيء مجهول بالنسبة لهم، أن يبدو البعض منهم متردداً، لكن من جمع منهم اطراف شجاعته وقرر تجربة حقنة نوفارسينوبنزول؛ اكتشف ان الحكومة هي من يعرف العلاج الأنجع لما ينغص حياتهم من امراض، وهو علاج افضل وبكثير مما تقدمه لهم التعاويذ السحرية والتي لا يعرف سرها احد غير ابائهم.
ومن ذلك الحين اخذوا يفدون الى مستشفانا في الجنينة بأعداد تتزايد في كل مرة رغم البطء في الزيادة. وهذا يعزى لأن العادات والتقاليد تظل صعبة الاندثار، ولا يبدو في الافق ما يدل على ان صنعة (العروقي)، او الساحر المشتغل بالعروق من اهل الطب الشعبي، ستختفي من مسرح الاحداث.
عدت لخيمتي ذات مساء بعد حمام منعش للغاية في البركة، وكان يوماً قائظاً داخل الخيمة، فوجدت رجلاً من المساليت متوسط العمر، يجلس القرفصاء بالقرب من الشجرة التي يعسكر فيها الشرطي التابع لي، كان الرجل يضع سبحة مزدوجة حباتها مصنوعة من عظام ضلع الخروف، والمسافة بين كل حبة والاخرى اربع بوصات؛ وكل حبة طولها بوصة ونصف، ومزينة بخيوط سوداء، وكان يضع امامه مجموعة متنوعة من الاجربة (جمع جراب)، بعضها مصنوع من جلد القط البري، وبعضها من جلد القط الاليف، والآخر من جلود انواع مختلفة من القرود، وقرون من مختلف الاحجام والانواع.
انه العروقي الشخص الذي ستكون تجارته يوماً ما مهددة بالكامل بالانقراض نتيجة لانتشار مفاهيم العلم، وقد اعطي الطبيب من فوائد العلم للناس ما لمسوه في العام الماضي. وكنت ستجد دون شك امثال هذا العروقي في مجتمعات محلية كثيرة قبل عدة قرون، وقد يكونوا موجودين الى الآن في مجتمعاتهم.
قضيت ساعات النهار معه، وقدم لي في اثنائها ملاحظة متشككة حول طريقة كلامي باللغة العربية، فقد اشار إلى انه وفي خلال مسيرته المهنية تعود ان يفهم أي "رطانة" كانت، مع انه كان يبدو سعيداً جداً وهو يتحدث بلغة المساليت اكثر من سعادته بالتحدث باللغة العربية.
طلبت منه ان يحضر لخيمتي في صباح اليوم التالي، مع وعد مني بشراء بعض معروضاته، وعند حضوره بدا عليه شيء من التردد، ثم قام بفرش قطعة من جلد قرد البابون، وشيئاً فشيئاً اخذ يخرج من اجربته المصنوعة من جلود القطط اشكالاً من القرون؛ مملؤة بأنواع مختلفة من مساحيق النباتات، ملئت كما يملأ بائع الايس كريم ابواقه، وقام أيضاً بإخراج انواع متعددة من العروق (الجذور) والبصيلات وحبوب مختلفة الاحجام والالوان.
كسرت الجمود بالتقاطي قطعة عادية من عرق جاف وسألته عن استخداماتها، فقال لي انها تسمي عرق الحجر، واذا اعطيت للخيل مطحونة مع الذرة فأنها ستشفيها من الدود.
قمت بأخذ بصيلة صفراء لزهرة زنبق برية، فاخبرني بانها اذا طحنت وتم تناولها مع الدجاج فإنها دواء ضد مرض الزهري (السفلس)، وهناك بصيلة برتقالية تُلبس كتميمة (حجاب)، وهي بكل تأكيد ستحمى من يرتديها من طعنات الحراب.
منحته هذه الاسئلة مزيداً من الثقة في نفسه؛ ومنه عرفت ان العرق في حد ذاته لا يستطيع احداث التأثير المطلوب منفرداً، فالعروق لها تركيب ثنائي، وهي مكونة من ذكر وأنثى، والشخص الوحيد القادر على معرفة كيفية المزاوجة بينها هو العروقي بالطبع، وبالمثل فكل مسحوق يجب حفظه في القرن المناسب له، وكل عرق او حبة بقولية يجب ان تحفظ في الجراب المناسب لها. فما يجب حفظه في الجراب المصنوع من جلد القط الاليف من اشياء؛ يختلف عن تلك التي يجب حفظها في جراب جلد القط البري؛ أو جراب جلد الثعلب، فهي ليست كلها على حد سواء.
تحتوي كل قطعة عظم تشكل العقد الذي يضعه حول رقبته او سبحته؛ على عروق او مسحوق نباتي؛ ووظائف هذه الاشياء هي حمايته من الاصابة بالسحر الذي قد يعده ضده احد زملائه السحرة او عروقي آخر مثله. او سوء الحظ الذي قد تتسبب فيه انواع معينة من العروق عند قيامه باقتلاعها،
بصورة مماثلة لما سبق ذكره؛ كان يضع ثمانية انواع من الخواتم في اصابعه، والغرض من احدها هو حمايته من الابتلال بالمطر في خلال تجوله، وهناك خواتم نحاسية "الاحمر منها ضد الدم"، ومهمتها هي حماية اطفاله من الموت الذي ستسببه لهم العروق الغاضبة عند قيامه باقتلاعها.
تعلم هذا الرجل مهنته من أبيه، وله العديد من الاخوة يمارسون المهنة نفسها في مناطق مختلفة من دار مساليت، ولديه ابن صغير وهو سيصبح يوماً ما عروقي أيضاً، وإذا لم يعش الأب طويلاً ليدرب هذا الفتى الصغير فان احد اعمامه سيتكفل بتدريبه.
"صيدليته" كما يبدو مكونة من الاعشاب وبعض الاشياء البسيطة، وقد تكون فعالة وقد لا تكون، لكن السحر التأثيري (والذي يستخدم فيه اسم المراد سحره أو تستخدم فيه بعض متعلقاته مثل قطعة من ملابسه)، سيتكفل بإكمال المهمة اذا فشلت الاعشاب.
وعودة لما ذكرناه عن علاج الدود في الخيل، فقد ذكر الرجل ان لديه عرقين إذا طحنا وخلطا معا فلهما القدرة على طرد الدود من جسم الانسان، وهناك عرق آخر ذكر يطحن ويخلط مع "زوجته" وينقع في الماء ويؤخذ في شكل المرهم، وسيكون قادراً على تقليص حجم الورم الناتج عن الكدمات، او أي ورم آخر، ويمكن ايضاَ شربه لتخفيف الالم الداخلي.
وهناك عرق آخر قادر على ايقاف النزيف الداخلي "قد يقصد الدوسنتاريا"
وعرق آخر يؤخذ في شكل شراب يؤدي الى اسقاط الجنين، وهو عرق مطلوب بشدة في هذه المنطقة ونواحيها؛ خصوصاً من جانب الزوجات اللائي تعودن على عدم الاخلاص لأزواجهن. وهناك رماد من الحطب يصلح للثة عند فركه بها، ويشفي من آلام الاسنان والتهابات اللثة.
وعندما سألته عن علاج لتورم واحمرار الاصابع؛ اجاب بأن لديه زوج من العروق تستخدم بعد ان تطحن وتخلط مع الدهن، وعلى الرغم من ان العروق قد تكون غير مفيدة، إلا أنه اصاب فيما يتعلق بالدهن، لأنني اعتقد ان معظم الوصفات الزيتية قد تكون مفيدة لآلام الأصابع.
ويبدو أن السحر يلعب دوراً اكبر في علاجاته مما تلعبه الاعشاب، وكنت شاهداً على ثلاث مناسبات ادعى فيها ان يستطيع السيطرة على المطر.
الكومركة هي قرن صغير محشو بمسحوق نباتي وبالمسحوق سبعة سيقان لنبات جاف، ويربط هذا القرن الى فرع شجرة جاف، ويجب يكون نمو هذه الشجرة باتجاه الشرق "ناحية شروق الشمس وهي الجهة التي تهطل منها الامطار على هذا المكان في غالب الاحوال"، ثم يتم التلويح بهذه الكومركة في اتجاه الرياح القادمة، عندها ستتفرق السحب الممطرة وتتنقل للناحية الاخرى، ويكون مكانك جافاً وجميلاً. والكومركة تميمة غالية لا تباع باقل من تكية (قطعة قماش تساوي سبعة قروش).
أما إن كنت تريد المطر، فيمكن في هذه الحالة استخدام عرق تقوم بإذابته في الماء ثم نثر ماء المحلول في الهواء، وتجعله يسقط في الجهة التي ترغب ان تسقط فيها الامطار.
وان كنت ترغب في ينمو زرعك بصورة جيدة، قم بشراء بصيلة وازرعها بجوار قطيتك، وعندما تنبت اقطع الاوراق الصغيرة وامسح بها اسفل قدميك قبل ان تذهب وتبدأ الزراعة، واينما وطئت قدماك بعد ذلك وانت تزرع فسيكون زرعك مزدهراً.
أخبرني السلطان محمد بحر الدين عن نوع آخر من الكومركة كان استخدامها شائعاً في الايام الذهبية للماضي الجميل؛ عندما كانت الاغارة على القطعان في مملكة واداي شيئاً مألوفاً، ومهمة هذه الكومركة هي إثارة عاصفة تخفي آثار المغيرين فيفلتون بالتالي من المطاردة بسهولة.
وإن كنت في سفر قد تلاقي فيه اسداً، سيقوم العروقي بإعطائك زوج من حب البقوليات وشعرات من شعر الاسد، واذا احسست بان هناك اسد في الناحية فما عليك الا اشعال النار واحراق هذه الاشياء، ولو كان قريباً منك فسيكون مجبراً على اظهار نفسه بالسعال ثم الهرب، كذلك يمكن لبس هذه الاشياء كتميمة؛ وبعدها لن يؤذيك اسد او فهد.
وإن كنت تخشى الثعابين يجب ان تحمل معك في جيبك واحداً من العروق وبصلة حمراء من دارفور تطحن وتخلط مع الدقيق، وفي أي لحظة شعرت فيها بوجود ثعبان فما عليك إلا أن تخلط المسحوق مع دهن وتمسح به نفسك، وعندما يشم الثعبان ذلك فإنه اما أن يهرب في صمت؛ او يصدر فحيحاً تسمعه فتقوم بقتله بسهولة.
أما لو كنت من العشاق فيمكنك شراء تميمة "محبوبة"؛ وتأكد عندها ان المعشوقة (بالنسبة للرجال)؛ أو المعشوق (بالنسبة للنساء)؛ حتماً سيبادلك المشاعر.
واذا صدف وكنت قريباً منها او كنت قريبة منه؛ فما عليك إلا القيام بمسح الوجه بمسحوق نباتي رمادي اللون مخلوط مع عروق مطحونة، وحينها لن تتمكن محبوبتك او لن يتمكن حبيبك من مقاومة مظهرك الجذاب.
أما إذا كنت زوجاً غيوراً، ولا تلد زوجتك سوى البنات، وترغب في مولود ذكر يحمل اسم العائلة، فسيحدث ذلك بالتأكيد اذا اصطدت فأرة سوداء حامل من فئران المنازل، من النوع المعروف بكثرة الانجاب، وتطحن الفأرة مع بصيلات صغيرة مأخوذة من بصيلات كبيرة من نوع معين، وتعطي الخليط لزوجتك لتأكله على ثلاث مرات متفرقات، واذا فشلت الزوجة حتى ولو في ولادة بنت، فهنا يجب عليك اضافة سمن من بقرة سوداء بالكامل الى الخليط الاول.
لو كان لديك مولود ولد ضعيفاً وتخشى ان يموت، هناك عرق لهذه الحالة عليك مضغه، ثم تقوم ببصقه في فم الطفل ثلاث مرات إن كان ولداً، واربع مرات إن كان انثى، كما يجب عليك ان تربط قطعة من العرق في معصم المولود الايمن، ثم ترمي باقي الجذر في النار وتقوم بتعريض المولود للدخان الناتج. وسيكون كل شيء بعد ذلك على ما يرام.
وإن كنت من اولئك الذين يكونون عرضة للاشتباكات والقتال، هناك "الحجاب ابو عرضة" وهو مكون من الاصبع الكبير للضبع، ومسحوق نبات اسود موضوع في جراب جلدي، وهذا سيضمن لك النجاة سليماً معافى.
لو جرحت في المعركة ولم يكن هذا الحجاب معك، فعليك الاستحمام في ماء أُذيب فيه مسحوق عرق من نوع معين فيه، ثم تعرض نفسك لدخان عروق اخرى.
وان كنت صياداً؛ أياً كان نوع سلاحك، بندقية او عصا او أي شيء آخر، فعليك بحبتين سوداوين من البقوليات "الذكر" وحبتين بلون زهري "الانثى" تطحن كل واحدة منفردة ومعها قطعة لحاء شجرة، وتربط الخلطة مع السلاح، فتضمن اصابة الهدف، او يمكنك احضار ثلاث حبات مع قطع من عرق معين، وتربط ذلك بمعصمك وستضمن اصابة مركز دائرة الهدف (التنشين) في كل مرة.
وهناك تميمة تسمى "اركب"، وهذه يوصى بها ان كنت في رحلة لصيد فأر اسمه فار البوص، ويوجد في وادي باري، ويصاد هذا القارض عن طريق رمي العصى، وهنا يجب أن يكون معك حبوب حمراء طويلة وصغيرة الحجم؛ وقطعة من عرق آخر وتربطها في معصمك.
في حال تعرضك انت او أياً من ممتلكاتك لعين شريرة فهناك مسحوق نباتي يمكن لبسه حول الرقبة؛ او استخدامه كمشروب، وهو سيتكفل بوضع الامور في نصابها الصحيح، غير أنه من الافضل الأخذ بمبدأ الوقاية خير من العلاج، والمبادرة باستخدام هذا المسحوق قبل وقوع الشر.
وإن كنت تخشي من قيام احدهم بتدبير سحر لك، عليك ان تمسح نفسك بمسحوق عرق معين قبل الذهاب للنوم، وسيحبط عمل الساحر ولن يستطيع فعل أي شيء لك. واذا قام باي محاولة من هذا القبيل فسيكون عرضة للقيء (الطراش).
كان هذا العروقي محترماً، ولم يحاول التظاهر بانه في استطاعته اعداد غدد القرود؛ او أي نوع من الاكسير الذي يجعل العجوز شاباً، ولما بدا لي انه قد اكتسب ثقتي، جمعت اطراف شجاعتي وسألته ان كان بإمكانه تزويدي بأي شيء يقتل رجلاً، وكنت اعتقد انه ربما تيسر لي أن اعرف منه سر نبات سام، وأن هذه المعرفة ستكون مفيدة لي مستقبلاً اذا واجهتني جريمة قتل استخدم فيها السم، إذ أنني عملت على هذا النوع من القضايا أكثر من مرة، وفي كل هذه المرات كان الشاكي يفشل في اثبات قضيته.
منحتني اجابته نموذجين جيدين للسحر التأثيري (سبق شرحه)، فقد قال:
يمكنك زراعة نوعين من البقول عندما يكون القمر جيداً، وفي ذات صباح عند نهاية الشهر تقوم بقطعها باستخدام الحربة، وتذكر لحظتها اسم الشخص المراد موته. وعندما يبدأ النبات في الذبول سيكون هذا ايضاَ حال الشخص المراد موته، يمرض ويهزل ثم يموت.
او تقوم بوضع ابرة نحاسية وابرة برونزية على تل رملي جديد للنمل، وعليك ان تذكر اسم الشخص المراد القضاء عليه عند وضع الابرتين، وعند قيام النمل بالبناء بحيث يغطي الابرتين، ستبدأ صحة ذلك الشخص في الاضمحلال ويموت.
قال العروقي مستطرداً: أن القتل في حد ذاته في معظم الاحوال ليس بالشيء الجيد، ولم يحدث في تاريخه ان ساعد أخرين على انهاء حياة انسان، وبما أن الفكي يجب أن يخشى الله، فمن المسلم به ان يكون متخوفاً في مثل هذه الحالات من تقديم أي تميمة مكتوبة ضرورية للقتل.
قال: بما انه عروقي ولا شيء غير ذلك (ومن المفترض أنه محمي شرور العروق، كما رأينا) فسيقدم المعلومات المطلوبة فقط اذا سُئل عنها ويأخذ أجره على ذلك.
تعليق المترجم:
حرص الاداريون البريطانيون على تسجيل الكثير مما شاهدوه خلال فترة عملهم في السودان، وهذا المقال الذي كاد ان يبلغ من العمر مائة سنة، يشير الى ثقافة افريقية صميمة هي ثقافة السحر والطب الشعبي، وبالرغم من تقادم الزمن إلا أن هذه الثقافة لا تزال حية وتشكل جزءا من وجدان مواطني تلك الجهات.
ولا ينبغي النظر لهذه الممارسات من الناحية الثقافية بدونية، فهي تراث اجتماعي كانت ولا تزال تقدم حلولاً لمشاكل انسان تلك المجتمعات، مشاكله الروحية والجسمية، ويدل بقاؤها عبر الزمن على انها؛ وفي حدود امكاناتها، حافظت على استمرار ذلك المجتمع وعبرت به الى العصر الحديث، وشكلت له هوية متميزة.
هذه الهوية المتميزة لكل مجتمع من المجتمعات السودانية في الغرب او الجنوب او الشرق او الشمال، تصب في تشكيل الهوية ذات الطابع الخاص للشخص السوداني بصفة عامة، والاعتراف بهذه الثقافات المتعددة والنظر لهذه الاعراف المحلية باحترام، يخدم قضية القوة في التنوع، وكثرة الروافد تشير الى ثراء ثقافي واجتماعي وهو ما يتميز به هذا السودان.
nakhla@hotmail.com
////////////////////////
نبذة عن المؤلف:
المؤلف انتوني جون آركل، إداري بريطاني (1898-1980م)، عمل في الخدمة السياسية للسودان (الإدارة البريطانية)، في الفترة من عام 1921 الى عام 1948م، حيث عمل في مديريات دارفور، والنيل الابيض، والنيل الازرق، وعمل في مكتب السكرتير الاداري مفوضاً للآثار في الفترة من 1938-1948م، ثم مستشاراً لحكومة السودان لشؤون الآثار في الفترة من 1948-1953م.
ويعد المستر آركل من كبار خبراء الاثار في السودان وله العديد من المقالات في هذا الشأن.
نشر هذا المقال في مجلة السودان في رسائل ومدونات المجلد التاسع الصدار عام 1926م الصفحات 88-94
السحر والطب في دار مساليت
انتوني أركل (A. J. Arkell )
ضمن زيارة تفقدية في شهر يونيو للمناطق الجنوبية للدار مع السلطان محمد بحر الدين ، وصلت الى ماسماغي ونصبت خيمتي تحت ظلال شجرة كبيرة من اشجار المهوقني السوداني، بينما اختار السلطان أن يعسكر على مبعدة اسفل الوادي.
كان في استقبالنا اثنان من "الفِرشة" او رؤساء المركز المحليين؛ ومعهم "الملوك" أي شيوخ القرى، وكان الهدف من طواف السلطان هو جمع اكبر قدر ممكن من العوائد السنوية، وهذا بعد ان يقوم بإعادة النظر في التقديرات التي تضعها في بداية العام لجان من وجوه القبيلة، كما جرت العادة في مناطق غرب السودان القصية.
وفي ديار الغرب الواسعة تقام على شرف هذه اللجان؛ وبصورة لا مفر منها سلسلة من الولائم على حساب القرويين، وما يصحب ذلك من تقديرات غير متوازنة.
ولما كان واجبي هو تقديم الرعاية الابوية بصورة عامة، وتقديم النصائح حول الوسائل التي اراها ضرورية لإنجاز العمل، وان اكون مستعداً باعتباري محكمة استئناف لسماع التظلمات، إلا أن ذلك لم يحدث من الناحية العمليةً، حيث أنني لم اقم باي دور يذكر في ظل شخصية السلطان المتسامحة، وما يلقاه من تقدير واحترام عام من رعاياه. فتمتعت بوقت فراغ اكثر بكثير من الذي يجده زملائي مأموري المراكز في المنطقة الشرقية؛ عندما يقومون بجولات الطواف، فكان هذا المقال ربما من حسن الحظ او ربما لسوئه.
تقع ماسماغي على ضفة الوادي والذي يبعد مسافة ميل واحد من شلالات في حافة صخرة تصب في منحدر وتغذي بركة مياه، وقد كانت البركة في نهاية هذا الصيف بطول اربعين ياردة.
كانت البركة عندما عرفت موقعها في العام السابق ومعي الطبيب؛ صغيرة لدرجة كبيرة، وعلى الرغم من صغرها كانت عميقة؛ وتستطيع إن كان لديك خبرة كافية بصيد السمك ومعك عدة الصيد، أن تصطاد نوعين من السمك منها، وفي حالة عدم وجود العدة تستعيض عنها بمسحوق الهجليج (يقوم المساليت بصيد السمك في البرك الصغيرة بنثر مسحوق حطب الهجليج ليلاً، ويقومون في الصباح بجمع الاسماك المخدرة والتي تطفو على السطح).
هنا في هذا المكان ايضاً، جرني الطبيب من سريري هامساً بخوف" هناك أسد"، وقبلها وفي الليلة نفسها قفزت من سريري بسبب اقتلاع الريح لأوتاد الخيمة وهي تنبئ عن عاصفة قادمة. وكل ما بإمكاني رؤيته وقتها هو حصان الشرطة الذي افلت من وتده، وضبع اختفي في ضوء القمر الذي يسطع حيناً ويتوارى حيناً آخر.
هذه الحكايات وكثير مثلها مر على من قبل، ليس لها علاقة البتة مع مهمتي الرسمية، ولكن من الممكن ان تشكل هذه الاشياء بذرة مقال او مذكرة تكتب في المستقبل، هذا ان لم تتعرض للضياع والتواري للابد عن الاجيال القادمة.
السنة الماضية كانت هي المرة الاولى؛ كما اعتقد؛ التي يتعرف فيها مساليت هذا المكان على اساليب العلاج الاوروبية، ومن الطبيعي وعلى ضوء طبيعة الرجال المحافظة وخوفهم من أي شيء مجهول بالنسبة لهم، أن يبدو البعض منهم متردداً، لكن من جمع منهم اطراف شجاعته وقرر تجربة حقنة نوفارسينوبنزول؛ اكتشف ان الحكومة هي من يعرف العلاج الأنجع لما ينغص حياتهم من امراض، وهو علاج افضل وبكثير مما تقدمه لهم التعاويذ السحرية والتي لا يعرف سرها احد غير ابائهم.
ومن ذلك الحين اخذوا يفدون الى مستشفانا في الجنينة بأعداد تتزايد في كل مرة رغم البطء في الزيادة. وهذا يعزى لأن العادات والتقاليد تظل صعبة الاندثار، ولا يبدو في الافق ما يدل على ان صنعة (العروقي)، او الساحر المشتغل بالعروق من اهل الطب الشعبي، ستختفي من مسرح الاحداث.
عدت لخيمتي ذات مساء بعد حمام منعش للغاية في البركة، وكان يوماً قائظاً داخل الخيمة، فوجدت رجلاً من المساليت متوسط العمر، يجلس القرفصاء بالقرب من الشجرة التي يعسكر فيها الشرطي التابع لي، كان الرجل يضع سبحة مزدوجة حباتها مصنوعة من عظام ضلع الخروف، والمسافة بين كل حبة والاخرى اربع بوصات؛ وكل حبة طولها بوصة ونصف، ومزينة بخيوط سوداء، وكان يضع امامه مجموعة متنوعة من الاجربة (جمع جراب)، بعضها مصنوع من جلد القط البري، وبعضها من جلد القط الاليف، والآخر من جلود انواع مختلفة من القرود، وقرون من مختلف الاحجام والانواع.
انه العروقي الشخص الذي ستكون تجارته يوماً ما مهددة بالكامل بالانقراض نتيجة لانتشار مفاهيم العلم، وقد اعطي الطبيب من فوائد العلم للناس ما لمسوه في العام الماضي. وكنت ستجد دون شك امثال هذا العروقي في مجتمعات محلية كثيرة قبل عدة قرون، وقد يكونوا موجودين الى الآن في مجتمعاتهم.
قضيت ساعات النهار معه، وقدم لي في اثنائها ملاحظة متشككة حول طريقة كلامي باللغة العربية، فقد اشار إلى انه وفي خلال مسيرته المهنية تعود ان يفهم أي "رطانة" كانت، مع انه كان يبدو سعيداً جداً وهو يتحدث بلغة المساليت اكثر من سعادته بالتحدث باللغة العربية.
طلبت منه ان يحضر لخيمتي في صباح اليوم التالي، مع وعد مني بشراء بعض معروضاته، وعند حضوره بدا عليه شيء من التردد، ثم قام بفرش قطعة من جلد قرد البابون، وشيئاً فشيئاً اخذ يخرج من اجربته المصنوعة من جلود القطط اشكالاً من القرون؛ مملؤة بأنواع مختلفة من مساحيق النباتات، ملئت كما يملأ بائع الايس كريم ابواقه، وقام أيضاً بإخراج انواع متعددة من العروق (الجذور) والبصيلات وحبوب مختلفة الاحجام والالوان.
كسرت الجمود بالتقاطي قطعة عادية من عرق جاف وسألته عن استخداماتها، فقال لي انها تسمي عرق الحجر، واذا اعطيت للخيل مطحونة مع الذرة فأنها ستشفيها من الدود.
قمت بأخذ بصيلة صفراء لزهرة زنبق برية، فاخبرني بانها اذا طحنت وتم تناولها مع الدجاج فإنها دواء ضد مرض الزهري (السفلس)، وهناك بصيلة برتقالية تُلبس كتميمة (حجاب)، وهي بكل تأكيد ستحمى من يرتديها من طعنات الحراب.
منحته هذه الاسئلة مزيداً من الثقة في نفسه؛ ومنه عرفت ان العرق في حد ذاته لا يستطيع احداث التأثير المطلوب منفرداً، فالعروق لها تركيب ثنائي، وهي مكونة من ذكر وأنثى، والشخص الوحيد القادر على معرفة كيفية المزاوجة بينها هو العروقي بالطبع، وبالمثل فكل مسحوق يجب حفظه في القرن المناسب له، وكل عرق او حبة بقولية يجب ان تحفظ في الجراب المناسب لها. فما يجب حفظه في الجراب المصنوع من جلد القط الاليف من اشياء؛ يختلف عن تلك التي يجب حفظها في جراب جلد القط البري؛ أو جراب جلد الثعلب، فهي ليست كلها على حد سواء.
تحتوي كل قطعة عظم تشكل العقد الذي يضعه حول رقبته او سبحته؛ على عروق او مسحوق نباتي؛ ووظائف هذه الاشياء هي حمايته من الاصابة بالسحر الذي قد يعده ضده احد زملائه السحرة او عروقي آخر مثله. او سوء الحظ الذي قد تتسبب فيه انواع معينة من العروق عند قيامه باقتلاعها،
بصورة مماثلة لما سبق ذكره؛ كان يضع ثمانية انواع من الخواتم في اصابعه، والغرض من احدها هو حمايته من الابتلال بالمطر في خلال تجوله، وهناك خواتم نحاسية "الاحمر منها ضد الدم"، ومهمتها هي حماية اطفاله من الموت الذي ستسببه لهم العروق الغاضبة عند قيامه باقتلاعها.
تعلم هذا الرجل مهنته من أبيه، وله العديد من الاخوة يمارسون المهنة نفسها في مناطق مختلفة من دار مساليت، ولديه ابن صغير وهو سيصبح يوماً ما عروقي أيضاً، وإذا لم يعش الأب طويلاً ليدرب هذا الفتى الصغير فان احد اعمامه سيتكفل بتدريبه.
"صيدليته" كما يبدو مكونة من الاعشاب وبعض الاشياء البسيطة، وقد تكون فعالة وقد لا تكون، لكن السحر التأثيري (والذي يستخدم فيه اسم المراد سحره أو تستخدم فيه بعض متعلقاته مثل قطعة من ملابسه)، سيتكفل بإكمال المهمة اذا فشلت الاعشاب.
وعودة لما ذكرناه عن علاج الدود في الخيل، فقد ذكر الرجل ان لديه عرقين إذا طحنا وخلطا معا فلهما القدرة على طرد الدود من جسم الانسان، وهناك عرق آخر ذكر يطحن ويخلط مع "زوجته" وينقع في الماء ويؤخذ في شكل المرهم، وسيكون قادراً على تقليص حجم الورم الناتج عن الكدمات، او أي ورم آخر، ويمكن ايضاَ شربه لتخفيف الالم الداخلي.
وهناك عرق آخر قادر على ايقاف النزيف الداخلي "قد يقصد الدوسنتاريا"
وعرق آخر يؤخذ في شكل شراب يؤدي الى اسقاط الجنين، وهو عرق مطلوب بشدة في هذه المنطقة ونواحيها؛ خصوصاً من جانب الزوجات اللائي تعودن على عدم الاخلاص لأزواجهن. وهناك رماد من الحطب يصلح للثة عند فركه بها، ويشفي من آلام الاسنان والتهابات اللثة.
وعندما سألته عن علاج لتورم واحمرار الاصابع؛ اجاب بأن لديه زوج من العروق تستخدم بعد ان تطحن وتخلط مع الدهن، وعلى الرغم من ان العروق قد تكون غير مفيدة، إلا أنه اصاب فيما يتعلق بالدهن، لأنني اعتقد ان معظم الوصفات الزيتية قد تكون مفيدة لآلام الأصابع.
ويبدو أن السحر يلعب دوراً اكبر في علاجاته مما تلعبه الاعشاب، وكنت شاهداً على ثلاث مناسبات ادعى فيها ان يستطيع السيطرة على المطر.
الكومركة هي قرن صغير محشو بمسحوق نباتي وبالمسحوق سبعة سيقان لنبات جاف، ويربط هذا القرن الى فرع شجرة جاف، ويجب يكون نمو هذه الشجرة باتجاه الشرق "ناحية شروق الشمس وهي الجهة التي تهطل منها الامطار على هذا المكان في غالب الاحوال"، ثم يتم التلويح بهذه الكومركة في اتجاه الرياح القادمة، عندها ستتفرق السحب الممطرة وتتنقل للناحية الاخرى، ويكون مكانك جافاً وجميلاً. والكومركة تميمة غالية لا تباع باقل من تكية (قطعة قماش تساوي سبعة قروش).
أما إن كنت تريد المطر، فيمكن في هذه الحالة استخدام عرق تقوم بإذابته في الماء ثم نثر ماء المحلول في الهواء، وتجعله يسقط في الجهة التي ترغب ان تسقط فيها الامطار.
وان كنت ترغب في ينمو زرعك بصورة جيدة، قم بشراء بصيلة وازرعها بجوار قطيتك، وعندما تنبت اقطع الاوراق الصغيرة وامسح بها اسفل قدميك قبل ان تذهب وتبدأ الزراعة، واينما وطئت قدماك بعد ذلك وانت تزرع فسيكون زرعك مزدهراً.
أخبرني السلطان محمد بحر الدين عن نوع آخر من الكومركة كان استخدامها شائعاً في الايام الذهبية للماضي الجميل؛ عندما كانت الاغارة على القطعان في مملكة واداي شيئاً مألوفاً، ومهمة هذه الكومركة هي إثارة عاصفة تخفي آثار المغيرين فيفلتون بالتالي من المطاردة بسهولة.
وإن كنت في سفر قد تلاقي فيه اسداً، سيقوم العروقي بإعطائك زوج من حب البقوليات وشعرات من شعر الاسد، واذا احسست بان هناك اسد في الناحية فما عليك الا اشعال النار واحراق هذه الاشياء، ولو كان قريباً منك فسيكون مجبراً على اظهار نفسه بالسعال ثم الهرب، كذلك يمكن لبس هذه الاشياء كتميمة؛ وبعدها لن يؤذيك اسد او فهد.
وإن كنت تخشى الثعابين يجب ان تحمل معك في جيبك واحداً من العروق وبصلة حمراء من دارفور تطحن وتخلط مع الدقيق، وفي أي لحظة شعرت فيها بوجود ثعبان فما عليك إلا أن تخلط المسحوق مع دهن وتمسح به نفسك، وعندما يشم الثعبان ذلك فإنه اما أن يهرب في صمت؛ او يصدر فحيحاً تسمعه فتقوم بقتله بسهولة.
أما لو كنت من العشاق فيمكنك شراء تميمة "محبوبة"؛ وتأكد عندها ان المعشوقة (بالنسبة للرجال)؛ أو المعشوق (بالنسبة للنساء)؛ حتماً سيبادلك المشاعر.
واذا صدف وكنت قريباً منها او كنت قريبة منه؛ فما عليك إلا القيام بمسح الوجه بمسحوق نباتي رمادي اللون مخلوط مع عروق مطحونة، وحينها لن تتمكن محبوبتك او لن يتمكن حبيبك من مقاومة مظهرك الجذاب.
أما إذا كنت زوجاً غيوراً، ولا تلد زوجتك سوى البنات، وترغب في مولود ذكر يحمل اسم العائلة، فسيحدث ذلك بالتأكيد اذا اصطدت فأرة سوداء حامل من فئران المنازل، من النوع المعروف بكثرة الانجاب، وتطحن الفأرة مع بصيلات صغيرة مأخوذة من بصيلات كبيرة من نوع معين، وتعطي الخليط لزوجتك لتأكله على ثلاث مرات متفرقات، واذا فشلت الزوجة حتى ولو في ولادة بنت، فهنا يجب عليك اضافة سمن من بقرة سوداء بالكامل الى الخليط الاول.
لو كان لديك مولود ولد ضعيفاً وتخشى ان يموت، هناك عرق لهذه الحالة عليك مضغه، ثم تقوم ببصقه في فم الطفل ثلاث مرات إن كان ولداً، واربع مرات إن كان انثى، كما يجب عليك ان تربط قطعة من العرق في معصم المولود الايمن، ثم ترمي باقي الجذر في النار وتقوم بتعريض المولود للدخان الناتج. وسيكون كل شيء بعد ذلك على ما يرام.
وإن كنت من اولئك الذين يكونون عرضة للاشتباكات والقتال، هناك "الحجاب ابو عرضة" وهو مكون من الاصبع الكبير للضبع، ومسحوق نبات اسود موضوع في جراب جلدي، وهذا سيضمن لك النجاة سليماً معافى.
لو جرحت في المعركة ولم يكن هذا الحجاب معك، فعليك الاستحمام في ماء أُذيب فيه مسحوق عرق من نوع معين فيه، ثم تعرض نفسك لدخان عروق اخرى.
وان كنت صياداً؛ أياً كان نوع سلاحك، بندقية او عصا او أي شيء آخر، فعليك بحبتين سوداوين من البقوليات "الذكر" وحبتين بلون زهري "الانثى" تطحن كل واحدة منفردة ومعها قطعة لحاء شجرة، وتربط الخلطة مع السلاح، فتضمن اصابة الهدف، او يمكنك احضار ثلاث حبات مع قطع من عرق معين، وتربط ذلك بمعصمك وستضمن اصابة مركز دائرة الهدف (التنشين) في كل مرة.
وهناك تميمة تسمى "اركب"، وهذه يوصى بها ان كنت في رحلة لصيد فأر اسمه فار البوص، ويوجد في وادي باري، ويصاد هذا القارض عن طريق رمي العصى، وهنا يجب أن يكون معك حبوب حمراء طويلة وصغيرة الحجم؛ وقطعة من عرق آخر وتربطها في معصمك.
في حال تعرضك انت او أياً من ممتلكاتك لعين شريرة فهناك مسحوق نباتي يمكن لبسه حول الرقبة؛ او استخدامه كمشروب، وهو سيتكفل بوضع الامور في نصابها الصحيح، غير أنه من الافضل الأخذ بمبدأ الوقاية خير من العلاج، والمبادرة باستخدام هذا المسحوق قبل وقوع الشر.
وإن كنت تخشي من قيام احدهم بتدبير سحر لك، عليك ان تمسح نفسك بمسحوق عرق معين قبل الذهاب للنوم، وسيحبط عمل الساحر ولن يستطيع فعل أي شيء لك. واذا قام باي محاولة من هذا القبيل فسيكون عرضة للقيء (الطراش).
كان هذا العروقي محترماً، ولم يحاول التظاهر بانه في استطاعته اعداد غدد القرود؛ او أي نوع من الاكسير الذي يجعل العجوز شاباً، ولما بدا لي انه قد اكتسب ثقتي، جمعت اطراف شجاعتي وسألته ان كان بإمكانه تزويدي بأي شيء يقتل رجلاً، وكنت اعتقد انه ربما تيسر لي أن اعرف منه سر نبات سام، وأن هذه المعرفة ستكون مفيدة لي مستقبلاً اذا واجهتني جريمة قتل استخدم فيها السم، إذ أنني عملت على هذا النوع من القضايا أكثر من مرة، وفي كل هذه المرات كان الشاكي يفشل في اثبات قضيته.
منحتني اجابته نموذجين جيدين للسحر التأثيري (سبق شرحه)، فقد قال:
يمكنك زراعة نوعين من البقول عندما يكون القمر جيداً، وفي ذات صباح عند نهاية الشهر تقوم بقطعها باستخدام الحربة، وتذكر لحظتها اسم الشخص المراد موته. وعندما يبدأ النبات في الذبول سيكون هذا ايضاَ حال الشخص المراد موته، يمرض ويهزل ثم يموت.
او تقوم بوضع ابرة نحاسية وابرة برونزية على تل رملي جديد للنمل، وعليك ان تذكر اسم الشخص المراد القضاء عليه عند وضع الابرتين، وعند قيام النمل بالبناء بحيث يغطي الابرتين، ستبدأ صحة ذلك الشخص في الاضمحلال ويموت.
قال العروقي مستطرداً: أن القتل في حد ذاته في معظم الاحوال ليس بالشيء الجيد، ولم يحدث في تاريخه ان ساعد أخرين على انهاء حياة انسان، وبما أن الفكي يجب أن يخشى الله، فمن المسلم به ان يكون متخوفاً في مثل هذه الحالات من تقديم أي تميمة مكتوبة ضرورية للقتل.
قال: بما انه عروقي ولا شيء غير ذلك (ومن المفترض أنه محمي شرور العروق، كما رأينا) فسيقدم المعلومات المطلوبة فقط اذا سُئل عنها ويأخذ أجره على ذلك.
تعليق المترجم:
حرص الاداريون البريطانيون على تسجيل الكثير مما شاهدوه خلال فترة عملهم في السودان، وهذا المقال الذي كاد ان يبلغ من العمر مائة سنة، يشير الى ثقافة افريقية صميمة هي ثقافة السحر والطب الشعبي، وبالرغم من تقادم الزمن إلا أن هذه الثقافة لا تزال حية وتشكل جزءا من وجدان مواطني تلك الجهات.
ولا ينبغي النظر لهذه الممارسات من الناحية الثقافية بدونية، فهي تراث اجتماعي كانت ولا تزال تقدم حلولاً لمشاكل انسان تلك المجتمعات، مشاكله الروحية والجسمية، ويدل بقاؤها عبر الزمن على انها؛ وفي حدود امكاناتها، حافظت على استمرار ذلك المجتمع وعبرت به الى العصر الحديث، وشكلت له هوية متميزة.
هذه الهوية المتميزة لكل مجتمع من المجتمعات السودانية في الغرب او الجنوب او الشرق او الشمال، تصب في تشكيل الهوية ذات الطابع الخاص للشخص السوداني بصفة عامة، والاعتراف بهذه الثقافات المتعددة والنظر لهذه الاعراف المحلية باحترام، يخدم قضية القوة في التنوع، وكثرة الروافد تشير الى ثراء ثقافي واجتماعي وهو ما يتميز به هذا السودان.
nakhla@hotmail.com
////////////////////////