أسوأ ما يمكن أن تُصاب به البلاد، أي بلاد، أن يكون أهل القانون أنفسهم أول من يزدريه.. بالله تأملوا معي هذا المثال العجيب..
قرأتُ أمس حواراً صحفياً أجراه الزميل الأستاذ الهندي عز الدين مع الأستاذ علي عثمان محمد طه النائب الأول السابق لرئيس الجمهورية.. وقبل أن أجادل في ما قاله أجتر للقارئ معلوماتٍ هي معلومة بالضرورة لكل سوداني، لكن مهم جداً هنا وضعها في “البرواز”.. فالأستاذ علي عثمان محمد طه خريج القانون في جامعة الخرطوم وعمل قاضياً ومحامياً ردهاً طويلاً من سيرته المهنية.. قبل أن يتسنم بعد ذلك المناصب السياسية المعروفة للجميع.
من هذه الخلفية الأكاديمية والمهنية لا يصدق أحد أن لا يكون لـ(القانون) و(دول القانون) أي اعتبار في وزنه للأحوال وقراءة الواقع والمستقبل.. وأن يضع (ضمان) استقرار دولة في وجود أو زوال شخص.
الأخ الهندي سأل طه أسئلة محددة ودقيقة، كانت كافية لتمنح القارئ صورة بالأشعة المقطعية ليس لموقفه في الراهن السياسي، بل للعقلية التي يتخذ بها هذا الموقف غض البصر عن تأييد أو معارضة موقفه..
سأضع أمام القارئ بعض الأمثلة الفادحة؛
يقول طه: (ولكي يكون المؤتمر الوطني قادراً على توجيه الساحة السياسية ينبغي ألا يظل حبيساً للإجراءات واللوائح..). تصوروا قانوني عمل قاضياً ومحامياً، ويرى أنَّ اللوائح والإجراءات لا تسوي الحبر الذي كتبت به، وأنَّ الحزب لا يجب أن (يحبس) نفسه في القانون.. (حتى لا تخرج المبادرة– مبادرة إعادة انتخاب الرئيس- عن المؤتمر الوطني لقوى سياسية أخرى..)..!! تصوروا هذا المنطق!!
علي عثمان يرى ضرورة تعديل الدستور الحالي، وبالتحديد المادة التي تحدد عدد الدورات الرئاسية بدورتين.. وذلك لفتح الفرصة لإعادة ترشيح الرئيس المشير عمر البشير لدورة جديدة، (لأنَّ ذلك ضمانة لتنفيذ مخرجات الحوار واستقرار الدولة..).
ألا يجدر أن يجيب رجل القانون عن سؤال بديهي، هل ضمانات سلامة الدول– أي دولة- بالقانون والدستور أم بالأشخاص الذين مهما طالت أعمارهم فستسري عليهم سُنة الله (مَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ ).. ولو كان لرجل في الدنيا أن يعيش مخلداً ليضمن سلامة دولة لمنح الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عمراً لا ينقضي حتى يضمن (سلامة الدولة والدين).
تُحفظ الدول من الانهيار بضمان المؤسسات التي تقوم بالقانون، لأنه يوفر الاستقرار مهما تغير الزعماء.. وأقوى دولة في العالم الآن سر قوتها في كونها (دولة القانون) الذي لا ينظر ولا يوزن الزعماء بمعيار غير التزامهم بالقانون.. قانون يخلد المؤسسات لا الأشخاص.
بصراحة؛ المحامي علي عثمان تحدث في هذا الحوار بمنطق (نيابة عن موكلي) لا أكثر .!!.