السوداني المعارض د. المحبوب عبد السلام : على الزعماء التقليديين “اعتزال السياسة” لصالح الشباب

 


 

 

الخرطوم - أحمد يونس
دعا القيادي في حزب المؤتمر الشعبي "المحبوب عبدالسلام" الزعماء السودانيين التقليديين "الترابي، والمهدي، والميرغني" لاعتزال السياسة، وإفساح المجال للأجيال الجديدة.  وقال في حوار مع "الشبيبة": إن مشكلات البلاد لن تحل- من وجهة نظره بالطبع - إلاّ بإسقاط نظام حكم الرئيس البشير، وإن حكومة المؤتمر الوطني استنفدت أفكارها وطاقاتها ما أدى لتفاقم أزمات البلاد واستشراء الحروب في أنحائها المختلفة. ودعا عبدالسلام قوى المعارضة المسلحة لتأسيس "جناح سياسي" إلى جانب جناحها العسكري يفتح الباب أمام قوى المعارضة السياسية للتحالف معها للعمل معاً لإسقاط نظام الخرطوم.
وأوضح أن الانقسام داخل المجتمع السوداني يمنع حدوث الثورة الشعبية، بل يمكن أن تحدث ثورة مسلحة على غرار "الطريقة الليبية" مؤكداً أن هذا المنحى خطير جداً على السودان، إذ أن ثورة جياع كما حدث في التاريخ، قد تتحول إلى فوضى شاملة. ورأى عبدالسلام أن على السودان إيجاد طريقة للهبوط على "سلالم أنيقة" وحل المشاكل عبر الحوار.
* تدق طبول الحرب في مناطق التماس بين الشمال والجنوب، فيما يتوقع الناس سلاماً مستداماً، ودخل المحللون جمعيهم في حيرة كبيرة، لماذا اشتعلت الحرب في هذا الوقت بالذات..؟
ما يحدث من أزمات في السودان عرض لمرض مزمن، هو أن القيادة التي تحكم منذ أكثر من عقدين من الزمان استنفذت أفكارها وطاقاتها. السودان يفتقد لقيادة تستطيع إنتاج "رؤية شاملة" واتخاذ قرارات سليمة، هذا تفقده القيادات التي يقدمها "حزب المؤتمر الوطني"، وهي كلما ظلت في السلطة تفاقمت الأزمات.
فيما يواجه الجنوب نفسه "مشكلة" حداثة تجربة "الحركة الشعبية" التي تحكمه، فهي بنيت كجيش وليس كحزب، يدير الطرفان بلاديهما بطريقة لا تمت للسياسة الرشيدة بصلة.
السودان الشمالي "منهار" سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، بعد أن كان اقتصاده أفضل مما هو عليه الآن، وطيلة "سنوات تصدير البترول" كان الاقتصاد لا بأس به، لكن السياسة المضطربة عقدت وضع الاقتصاد، وحين توقف البترول اضطرب الإقتصاد جداً وازداد اضطرابه بالحروب.
* تصدير الأزمة
*  هل تقصد أن الخرطوم تمارس تصدير الأزمة إلى الخارج بافتعال الحرب..؟
ـ هم يجتمعون في الأزمات الكبيرة ويوظفون أكبر قدر من طاقتهم للخروج منها، كما حدث في الحرب على "هجليج". ما حدث في هجليج أن قوات "الجبهة الثورية" بما فيها "حركة العدل والمساواة" احتلت المنطقة. وبسبب الصراعات داخل حكومة الجنوب نسب الأمر إليه، كان يريد "مساومة" هجليج بمنطقة "أبيي"، فتعقد المشهد الداخلي على قوى المعارضة. اجتمع أهل الحكم لإحالة الهزائم والفشل إلى انتصارات، عبأوا الشعب ونجحوا في ذلك، وحين تنقشع الأزمة يعودون إلى صراعاتهم الداخلية.
كثير من الدول عندما تتعقد الأوضاع الداخلية تحاول تصدير أزماتها للخارج، لكن قيادة المؤتمر الوطني لم تعد قيادة المؤتمر الوطني قادرة حتى على هذا، سياساتهم "خبط عشواء"، كانوا سيقبلون إتفاق "الحريات الأربعة" وسيزور الرئيس البشير جوبا للتوقيع، ثم انتكست الأشياء، لكني لا استبعد أن ترى الرئيس في جوبا في غضون شهر ليوقع الاتفاق.
*  كأنك تقول: إن الحرب التي وقعت في هجليج حدثت صدفة بدون تدبير..
ـ تعزى بعض أسباب توتر العلاقة مع جنوب السودان إلى شعور بعض القيادات الأمنية والعسكرية بـ"الحنق" من إجماع شعب الجنوب وتصويته لصالح الاستقلال.
لو كان الشمال "معقولاً" في مطالبته بـ"رسوم عبور" بترول الجنوب، ولو سعى لتشجيع تجارة الحدود لتعويض خسائر اقتصاده بالانفصال، كان يمكن افتراق البلدين وهما أصدقاء لو اتبعوا سياسة رشيدة، لكن ما أسميه "الحنق" على الجنوب أصاب المؤتمر الوطني بلوثة، فأراد معاقبته منذ وقت مبكر، وتواصلت التعبئة المضادة من العنصريين الشماليين لطرد الجنوبيين، بل صاروا ينظرون حتى إلى الفريق الذي وقع اتفاقية السلام "نيفاشا" بأنه ارتكب جريمة كبيرة.
إذا كانت هنالك قيادة رشيدة لصارت "الوحدة جاذبة"، كان يمكن حشد العالم العربي كله لمساعدة الطرفين لبناء علاقة جيدة وتطويرها مع المحيط العربي. لم يحدث هذا فانفصل الجنوب، وإذا تواصلت ذات السياسات يمكن أن يكون الجنوب مركزاً جيداً للسياسة الإسرائيلة في المنطقة.
* الأزمة الفرقاء في الخرطوم
* هناك فريقان يصطرعان في نظام الخرطوم..؟
ـ مال فريق لفهم ما حدث في النيل الأزرق، والتصرف بعقلانية وإعادة استيعاب والي النيل الأزرق المقال "مالك عقار"، واستيعاب "عبدالعزيز الحلو" في جنوب كردفان..
تحولت القيادة غير المتسقة إلى قيادة "تنقض غزلها"، ينسخون عمل بعضهم في إطار صراعاتهم الداخلية. فقبيل نشوب الحرب في النيل الأزرق نشرت الصحف السودانية خبراً بأن النائب الأول للرئيس علي عثمان محمد طه اتصل بـ"مالك عقار" طالباً منه الإعلان في مؤتمر صحفي "أنه لم يبدأ بالهجوم على الجيش السوداني" لحل المشكلة، فوافق عقار على ذلك، لكنه لم يستطع إقام المؤتمر الصحفي بعد أن أعد له، لأن الرئيس أصدر قراراً بإعفائه في ذات يوم بداية خطوات العودة إلى العقل.
كان الفريق المرتبط بتوقيع اتفاقية نيفاشا "فريق النائب الأول" يميل إلى فهم ما حدث في النيل الأزرق، ويقول بإعطاء ولاية جنوب كردفان لـ"عبدالعزيز الحلو"، وتوظيف هذا الفهم لتحسين العلاقة مع الجنوب.
كان هذا الاتفاق سيمنح نظام الرئيس البشير عمراً جديداً مقارباً للعمر الذي أعطته له اتفاقية السلام، ويمكنه من "محاصرة" قوى المعارضة الشمالية، بيد أنه فعل العكس فقدم خدمة كبيرة لمعارضيه، نجم عنها تحالفاً معارضاً جديداً هو "الجبهة الثورية"، وقد تنضم إليها بقية الأحزاب السياسة، وبالتالي تتحول إلى "ممثل شرعي" يعترف به العالم بسبب استمرار هذه السياسات الخاطئة كما قال القيادي بالحركة الشعبية "ياسر عرمان".
* تصورات الأحزاب المعارضة
* هل يمكن أن ينضم حزبكم "المؤتمر الشعبي" إلى الجبهة الثورية..؟
ـ هنالك رأي في حزبي الأمة والحزب الاتحادي الديمقراطي بألاّ سبيل للتعامل مع هذا النظام إلاّ باسقاطه، نحن في المؤتمر الشعبي سبقناهم وأعلنا أن خلاص السودان في اسقاط هذا النظام منذ يناير العام 2011م. وقد قالت هيئة قيادة الحزب عقب "تزوير الإنتخابات" ألا وسيلة وسيلة لخلاص السودان إلاّ باسقاط النظام، وكلما بقي السودان تحت قيادته تتعقد مشاكله أكثر، ويمضي حثيثاً نحو الهاوية والتمزق.
تعتمد الجبهة الثورية العمل العسكري، لكننا لم نصل بعد إلى أن مشاكل السودان لن تحل إلاّ به، مازلنا نرى في المعارضة السلمية والثورة الشعبية سبيلاً للإطاحة بنظام الإنقاذ، لكن الجبهة الثورية ربما تغير استراتيجياتها في النضال، تحتفظ بجناح عسكري خاص بها، وجناح سياسي يضم أحزاب المعارضة..
* هل طلبتم منهم ذلك، أم أنه مجرد رأي من عندك..؟
ـ لم أسمع بطلب رسمي بهذا الخصوص من المؤتمر الشعبي، هذا رأي شخصي، فمنذ كانت "جبهات دارفور" تقاتل وحدها كنت أدعوهم لكوين جناح سياسي إلى جانب العسكري، واعتقد أن هذا الطريق قد بدأ.
* بعد انضمام "حركة العدل والمساواة" للجبهة الثورية، عاد إتهاماً قديماً بأن حركة العدل والمساواة هي "الجناح العسكري لحزب المؤتمر الشعبي"..؟
ـ هذا تفكير غير "تاريخي" فأطراف السودان "انتفضت" لأنها مظلومة، حركات دارفور تعبير عن مظاهر أزمة الحكم، التي أفرزت "تمردات" حتى قبل الإستقلال، ـ"جبهة نهضة دارفور، مؤتمر البجا في الشرق، وجبال النوبة".
لقد انضم إلى المجموعة خرجت من الحركة الإسلامية وكونت حركة العدل والمساواة آخرين، ومثلها المجموعات ذات التوجه اليساري التي ساهمت في تأسيس "حركة تحرير السودان".
تاريخياً بدأ العمل المسلح في دارفور "دؤود يحي بولاد" تحت راية الحركة الشعبية لتحرير السودان، وكان منتمياً للحركة الإسلامية قبل أن تنقسم إلى وطني وشعبي.
نسب حركة العدل والمساواة للمؤتمر الشعبي تبسيط غير برئ للقضية من المؤتمر الوطني، لأن نسبها إليه ينفر الغربيين منها.
* الحوار الأفضل للسودانيين
*  أطلقت تصريحات صحفية فهم منها أن هناك "شيء ما" يجري لإعادة توحيد المؤتمرين الوطني والشعبي، وحوار في الحركة الإسلامية المنقسمة بينهما، هل ثمة حوار بينكما..؟!
ـ أنا أدعو لحوار بين السودانيين وأفضله، فالصراع بين الوطني والشعبي تجاوزه التاريخ، واستنفذت الحركة الإسلامية بشكلها القديم أغراضها، وتحولت إلى حركة تقليدية تعوق التجديد.
أصبحت الحركة الإسلامية المعروفة من أكبر معوقات التجديد في السودان، لذا لابد من حوار مع الأجيال الجديدة التي حرمت طويلاً من حصتها في السياسة وتوظيف طاقاتها لإنقاذ البلاد، وفي تقديري أن الساحة السياسية السودانية بلغت مستوى من النضج يتيح لها "إدارة حوار".
كنت أقول منذ العام 2005م من الأفضل وجود برنامجين فقط في السودان، مثل بريطانيا "العمال والمحافظين"، أمريكا "الديمقراطي والجموري". أحدهما يستلهم الإسلام والآخر يستلهم تجارب إنسانية أخرى، نقدمهما للشعب السوداني ليختار بينهما..
* كأنك تعيد فكرة "الجبهة القومية الإسلامية" من جديد..
ـ كانت "الجبهة الإسلامية القومية" تقوم على الحركة الإسلامية، بعد سقوط نظام الرئيس نميري كونا "لجنة تمهيدية" أكدت على نواة الجبهة هي الحركة الإسلامية، وفي ذات الوقت تدعو الطوائف السودانية من طرق صوفية وشخصيات وجمعيات وجماعات ومثقفين لإقامة برنامج إسلامي ـ بالمناسبة أنا كتبت بيان اللجنة التمهيدية الأول، لتكوين الجبهة القومية الإسلامية ـ وكان النقاش يدور بين قيادات الحركة الإسلامية "الشيخ حسن الترابي، يس عمر الإمام، د.علي الحاج" وأخرين حول تطوير فكرة "جبهة الميثاق الإسلامي" القديمة، فأثمر فكرة "الجبهة القومية الإسلامية". تعقد الوضع الآن ولا يستطيع أحد تأسيس جبهة دون حساب للأطراف والحركات التي حملت السلاح، ولطموحات وأحلام وآمال أطراف السودان، نحن ندعو لـ"جبهة برنامج" قد تتجاوز فكرة الأحزاب بالمعني التقليدي.
* الوجدان الجديد
* ما هي القوى الاجتماعية التي يمكن أن تشارك فيها..؟
ـ أنا أدعو لدراسة لما أسميه "الوجدان الجديد"، أو ما ذهب إليه الكاتب الياباني الحائز على جائزة نوبل "ياسوناري كاواباتا" في إطلاقة لـ"حركة الحساسية الجديدة".
يحتاج هذا الوجدان الجديد لدراسة واقع الأجيال التي تعلمت في العشرين سنة الأخيرة، التي بسبب اضطراب مناهج التعليم وفشلها، قد تبدو أقل مستوىً من الأجيال التي تخرجت قبلها في اللغات والثقافة العامة، لكنها تملك "معلومات" ومعرفة واسعة في استعمال الوسائل الحديثة، ووعي يساعدها على مواجهة المظاهر السالبة، مثل الجهويات والتطرف الديني التي تعبر عن آخر مراحل النظام القديم الذي يلفظ أنفاسه. الجولة المقبلة في العمل السياسي لأجيال متفتحة ومتفاهمة وبـ"وجدان غير عنصري".
بهذا التحالف الجديد يصبح المؤتمر الوطني جزءً من التاريخ، كما حدث لـ"الاتحاد الاشتراكي" بعد سقوط حكم النميري..
* أهذا إلغاء للتحالفات المعارضة القائمة..؟
ـ هذه تحالفات ولدت في هامش حريات محدود جداً، وسلطة دكتاتورية، فالسلطات التي تحكم طويلاً كما قال الفيلسوف الإيطالي "قرامشي" تعمل على تفريغ الحركات السياسية من محتواها، لتحرفها عن طريقها، ولتمرغ سمعتها بالتراب، هذا ما يحدث.
أهم عمل سياسي يقوم به المؤتمر الوطني هو "اختراق" الأحزاب، لقد اعتمدوا على الاختراق في "تحرير هجليج" وأدى لإنسحاب الجيش الجنوبي منها، ولم يقوموا بعمل سياسي أو عسكري ناجح، بل عمل استخباري ناجح لتمزيق الموقف الجنوبي..
* اختراق ناجح
* ماذا..؟
ـ اخترقوا مستويات عليا في الجنوب أدى لتحويل الأمور لصالحهم..
* معلومات أم تحليل..؟
ـ إنها معلومات.. وأنا لم أقصد الخوض في معلومات عما حدث، بل الإشارة إلى إنحراف العمل السياسي في ظل الأنظمة الشمولية التي تقضي في الحكم فترة طويلة، فهي لا تقدم مبادرات فكرية وسياسية واجتماعية بل تتقن العمل الإستخباري.
* تتكلم عن إشارات "متداولة" حول استغلال الصراعات داخل الحركة الشعبية في تخذيل موقف الجيش الشعبي..
ـ هي متداولة وستصبح بـ"بلاش" قريباً..
* قلت أن الجنوب دفع لمعركة "هجليج" إلى أين يصل هذا الدفع استناداً على الأوضاع في الجنوب نفسه..؟
ـ مشكلة الجنوب أكثر تعقيداً، ففي الشمال توجد ملامح مجتمع سياسي، لكن سياسته مازالت قبلية، المجتمع الجنوبي يعيش مرحلة "ما قبل السياسي".
هناك نخبة جنوبية لا بأس بها، تعلمت تعليماً رفيعاً وتملك وعياً كبيراً وتعمل ضد الفساد، ويستوجب الأمر بسط مساحة حرية واسعة لها لتسهم في نمو وخلق مجتمع سياسي جنوبي يتنافس على البرامج.
"الحركة الشعبية" لم تكتمل كما اكتمل "الجيش الشعبي"، لقد كان د. جون قرنق يحلم بتأسيس حركة سياسية باتجاهات فكرية واضحة، ولم يحدث هذا فبقيت الغلبة للجيش الشعبي، وحين نتحدث عن جيش لا نستطيع التحدث عن حريات، وخاصة إذا كان الحديث عن بلد "وليد" ومحاصر بالمشاكل.  لدى أمل في بروز قيادة جنوبية تقوم بهذه المبادرات، تبسط الحرية وتعطي الشعب حق التعبير عن نفسه، واعتقد أن التعليم يسير بشكل جيد في الجنوب، ويمكن أن يسهم في تجاوز "القبليات"، فالواقع السياسي الجنوبي مازال مؤسساً على "القبلية"، هذا مشوار عليهم قطعه للسير في الإتجاه الصحيح بدلاً عن اعتماد الوسائل العسكرية في ممارسة السياسة، هناك جنوح لحل المشاكل بالقوة، ولا توجد صحافة أو منتديات فكرية قوية، صحيح أنهم في عامهم الأول، لكن هنالك إمكانية "مذخورة" بأن يقوم الجنوب بعمل يساعد حتى في العلاقة بين الشمال والجنوب.
* العلاقة بين الشمال والجنوب
* متفائلون كثر يقولون بعودة الجنوب إلى الشمال ووحدة البلاد، وأن العقبة الوحيدة في مثل هذه العودة هي حكم المؤتمر الوطني، هل أنت معهم..؟
ـ يقول التاريخ أن البلدان التي انفصلت بعد استفتاءات لتقرير المصير تشهد حروباً خاصة في العهد الأول، أما بالنسبة الشمال والجنوب فإن العلاقة بين الشعبين تدعو للتفاؤل، فالصلات بينهما أقوى من الصلات بين الجنوبيين والأفارقة، إذا تجاوزنا الأزمة السياسية الراهنة يمكن جداً أن "تعمر" العلاقات بين البلدين، وترسم الحدود باتفاقيات دولية، وتفعل إتفاقية الحريات الأربعة، ويتواصل التداخل بين الشعبين.
في أيام "التفاؤل الأول" تكلم د. فرانسيس دينق عن "جدلية الهوية"، وأنها تتكون عبر جدل وصيرورة، وضرب أمثلة "جميلة" أن السودان كان لأربعة قرون مسيحياً، وتحول في قرن واحد للإسلام.
بدأت ملامح الشعب تتكون قبيل عهد الإنقاذ "نسمع نفس الفنانين، نقرأ نفس الكتب، نعجب بذات الأمثلة في القيادة السياسية أو الثقافية"، ثم انحسر هذا بعد الإنقاذ، وانغلق الناس على قبائلهم وجهاتهم.
بتفاؤل أقول إن هذا الإنغلاق "مؤقت"، وستقود الصيرورة التاريخية لتكامل شعبي البلدين.
* هنالك نظرة مناوئة لهذا التفاؤل، تقول أن السودان مهدد بالتفتت أكثر مما هو عليه..
ـ قد يتفتت لأسباب "صناعية"، فهناك جهات تعمل على تفتيته، لكن الطبيعي أن يتكامل، مثلما حدث في تكون الدولة السودانية الحديثة.
* على القيادات التقليدية الاعتزال
* يقف الصادق المهدي، ومحمد عثمان الميرغني، وحزبيها الكبيرن موقفاً بين المعارضة والمشاركة في الحكم، ألا يربك هذا عمل المعارضة..؟
ـ أنا أشك في أن الميرغني يؤمن بالديمقراطية في الأصل، أما الصادق فيمكن أن يؤدي دوراً أكبر من دوره في حزب الأمة في الإطار السوداني الأشمل.
أدعو "الترابي والميرغني والمهدي" لإعتزال السياسة بمعناها اليومي، ليكونوا مراجعاً ملهمة فوق الأحزاب، هم يملكون خبرة طويلة، وولاء روحي كبير من الشعب، فالبلاد بحاجة لـ"رؤى" تبشر بالمستقبل أكثر من حاجتها لتنفيذيين سياسيين بالمعنى اليومي في الحزب والحكم والدولة.
يفكر الصادق المهدي كثيراً ويكتب ويقدم أوراقاً، لكنه يفسدها بتدخله السياسي في العمل التنظيمي والحزبي، وكما قلت فإن القيادات القديمة بما فيهم محمد إبراهيم نقد ـ رحمه الله ـ لا يدركون الوجدان الجديد والحساسية الجديدة، وما يحدث في أحزابهم نوع من هذه الحساسية الجديدة، ولأنهم لا يعرفونها تفاجئهم.
الحساسية الجديدة تحتاج لقيادة جديدة، لذا أدعوهم لإفساح المجال لأجيال في الأربعينات والخمسينات من عمرهم كما هو إتجاه العالم اليوم. تغير العالم حولهم ولم يدركوا هذا، لذا من الأفضل أن يعتزلوا السياسة.
* لماذا تأخرت الثورة السودانية في نظرك..؟
ـ قامت بالثورة المصرية طبقة وسطى شابة متماسكة تعرف الوسائل الحديثة، لكن في السودان لا توجد هذه الطبقة المتماسكة المستنيرة التي تؤثر على بعضها البعض بالأفكار والوسائل الحديثة، فتحاصر النظام بتظاهرات أو عصيان مدني شامل، هذه الطبقة غير موجودة لتصنع ثورة كما رأينا في الربيع العربي.
هناك في السودان كتلة أهل الهامش، لا يعرفون "المظاهرة" بمعناها الحديث قد يعرفون "الحرب والقتال"، ثم كتلة الطبقة العليا اقتصادياً، وطبقة بينهما "ملهية جداً" بحياتها اليومية.
هذا الانقسام يمنع حدوث الثورة الشعبية، بل يمكن أن تحدث ثورة مسلحة على غرار "الطريقة الليبية" وهذه خطيرة جداً على السودان، أو ثورة جياع كما حدث في التاريخ وهي قد تتحول إلى فوضى شاملة.
علينا في السودان إيجاد طريقة للهبوط على "سلالم أنيقة" وحل المشاكل عبر الحوار. قد ينهار النظام دون ثورة، وفي هذه الحالة فإن البديل مهم جداً لمنع تمزق البلاد، لذا أدعو القوى السياسية للتوافق على الحوار.
\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\

 

آراء