السودان بين أن يكون او الا يكون

 


 

وجدي كامل
19 April, 2023

 

في النتيجة لما يجرى ونشهد جميعا عليه من انهيار، وما هو داهم وقادم بمهددات وجودية وحشية، وبعد تآكل كامل المنظومة الانسانية من مستشفيات، ودواء وانقطاع ماء وكهرباء، وسرقة للمؤن ولسيارات الاسعاف، وانعدام كافة وسائل الحياة في غياب الهدنة المزعومة يتأكد ان العدو الاستراتيجي للطرفين العسكريين المتحاربين بات هو ذات الشعب.
فالشعب هو الضحية لكل ما وقع. والمدنيون هم من يدفعون الثمن غاليا بصحتهم وارواحهم ويتكبدون فظائع المعارك الجارية بين القوتين العسكريتين والتي صار واضحا انها لا تخدم سوى الاجندة الخاصة بالجنرالات ومن تقف ورائهم من قوى سياسية محلية فاحشة واقليمية وعالمية غاشمة مستفيدة.
بما يقف العالم عليه الان من متابعة للهدر العسكري يطحن الرعب الصغار بما يسمعونه ويرونه بام اعينهم من معارك. وتنفطر قلوب النساء، ويموت المرضى عيونهم مفتوحة وهم في اعلى درجات الوعى بهجمات الموت تغزو انحاء اجسادهم بينما تراقب مغادرتهم الحزينة دموع الاطباء والطبيبات عاجزة عن فعل أي شى وعجز اهلهم في عدم قدرتهم على وداعهم.
هذه المرة لم تهاجم السودانيين جائحة الكرونا او الفايروسات المعملية الناقلة المسببة للاعراض المرضية المميتة. هذه المرة يستيقظ سرطان العنف الكامن في الجزء المظلم من التاريخ والتاريخ المسكوت عنه بدور ماكر من مؤسسات القتل المنظم، ومنظومات السياسة المتواطئة العاجزة.
ولكل هذا وذاك فان واجب واجبات الشعب ممثلا في قواه الحية ( المأمولة) واذا ما قدر الله مخرجا من هذه الكارثة المطالبة بالاجماع ليس بخروج المنظومة العسكرية من السياسية فقط ولكن مغادرة كافة المظاهر المادية الفيزيائية للوجود العسكري داخل العاصمة لخارجها من قيادة عامة، ومقرات اسلحة، ومؤسسات مقاربة.
ما هو واجب و متوقع الا تعود الناس كما كانت من قبل وان تكون السياسة الراغبة في تحقيق أهداف الثورة وترسيخ الديمقراطية قد تعلمت من الصدمة القاسية ونظرت في عقل الامس. عقل ما قبل الحرب، وان تعي المجاميع والمجتمعات حقوقها الجوهرية في الحياة بان تبتدعها بعرفها ودموعها ودمائها. لا ان تعيشها بما هيأته لها ثنائية العسكرية الوحشية مع السياسة البائسة.
تلك الثنائية التي لم تضع الشعب في جداول اعمالها الخاصة واجندتها الساخنة العاجلة،بل وضعت مصالحها الخاصة، واعادة تدوير الدولة الريعية الكليبوقراطية وافشاء الجهل في القواعد المجتمعية بصناعة متقنة من النخب التاريخية والمعاصرة الضالعة في خيانة التطور.
علي الشعب وبعد انجلاء الكارثة المصنوعة الانخراط في بناء وولادة واقع جديد تغدو فيه المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار اشد توسعا وفعالية باستشعار للوظيفة الجوهرية لوجوده والارتقاء بمسؤلياته الوطنية.
ما نشهده في هذا الاجحاف والقسوة العسكرية غير المسبوقة على فصائل الشعب المدنية بفرض هذه الحرب القذرة وما يصحبها من رعب واراقة دماء الابرياء من شانه ان يهز شجرة الثقافة العامة ويخلصها من انتاجاتها الفاسدة من القيم والاساطير المرتبطة بالذهن العام ومنتجات السياسة الضارة بالوطنية ، المزدرية للتفكير النقدي وقبول تمثيل ثقافة الديمقراطية الجديدة بحثا عن استراتيجية جديدة حاكمة للتطور.
السودان الان تحت دك الاسلحة الثقيلة والعقول العسكرية المتوحشة دكا لاهله وبنياته التحتية وكل ما يمت بصلة التقاعس والفشل في إدارة مستقبل بديل. السماح باستمرار المناهج المتكلسة في التعاطي مع القضايا والموضوعات المفصلية لن يعن سوى الانتحار وخروج كل السودان عن الخدمة الخلاقة لبقائه ضمن شعوب الارض الباحثة عن مكان مشرق في حركة التاريخ وابداعات كفاح الشعوب.

wagdik@yahoo.com

 

آراء