السودان شعبا ووطنا.. ضحية النخب السياسية والعسكرية الفاشلة
إبراهيم سليمان
13 February, 2024
13 February, 2024
إبراهيم سليمان
لأن تسلك طريقاً باختيارك، ويوصلك إلى نفق مسدود، أو أن يلقي بك في المهالك، وتجد نفسك مشردا، تثير الشفقة على حالك، وتتباكى على ماضيك الباذخ، كارهاً لمن يتقاسمون معكم الأرض والعيش والملح، وتصرّ على مسك ذات الدرب من أوله، دون مراجعة ودون اكتراث، هذا هو الفشل بعينه، ومن يتبعون هؤلاء، رغبةً أو رهبةً، معولين الخلاص على أيديهم، فهم ضحايا بلا شك، ضحايا للذين يتوسمون فيهم الدراية، وضحايا مواقفهم السلبية ثانياً.
هنالك آلاف الأبطال الذين ضحوا بأرواحهم، من أجل اقتلاع الأنظمة القمعية الظالمة، والحكومات الطائشة، وما لبثوا أن سلموا ثمار تضحياتهم لفاشلين، ليكرروا أنفسهم، ويجتروا فشلهم. ذلك أن الحذر وأخذ الحيطة توجيه نبوي شريف، سيما ممن جرب المرؤ منهم مكرا وخديعة، فلا يحسن به أن يغفل فيقع مرة أخرى في ذات الموقف، فالإنسان قد تتشكل له الأمور ويتضح له بغير شكلها الحقيقي فيُخدع، وهذا أمر طبيعي، لكن أن لا يحتاط مرة أخرى فهذه سذاجة مرفوضة، ولا تليق بأولي الألباب، وهذا التوجيه من المعاني الجامعة، والوصايا النافعة التي حثت عليها السنة النبوية المطّهرة بجامع الكلم الذي اختص به سيد الفصحاء، ومعلِّم البلغاء. حيث صحّ عنه (ص) قوله الشريف: "لا يُلدَغُ المؤمنُ من جُحْرٍ واحد مرتين".
ظننا أن المآل المخيّب لثورة رجب أبريل، بعد خيبة مآل ثورة أكتوبرــ21، كافية لاتعاظ الشعب السوداني، من تخبط الساسة، ومكر العسكر، لكن هيهات هيهات، فقد كرروا الخيبة الثالثة والمميتة، وهى الطامة الوطنية التي لم ينتظرها أحد، وهي خيبة مآل ثورة ديسمبر المجيدة، وهى أغلى الثورات السودانية طُرا، لذا جاءت الانتكاسة سريعة ومدوية، إذ سمحت السلبية الثورية للساسة الانتهازيين، التسلل إلى صفوفها القيادية، ليسمحوا بغفلتهم المعهودة، لأعوان النظام القمعي أن ينحنوا للعاصفة، ويهمدوا لبركان الثورة في مكمن، لينقضوا عليها، في وضح النهار، أمام مرأى ومسمع شباب الثورة، الذين حينه لا يزالون يبحثون على رفقاء دربهم المفقودين، وهذه المرة، لم يكتفِ أعوان البشير بالانقلاب التقليدي على الثورة، بل، اشعلوا حرباً ضروساً، لا نظنها تبقى ولا تذر الأخضر واليابس في البلد.
والغريبة في الأمر، رغم كافة التجارب الثورية المريرة المتكررة الفاشلة، ذات أعضاء النادي السياسي الفاشل، الذين تولوا زمام أمور البلاد، في الفترة الانتقالية الأخيرة، هي ذاتها مصرّة الآن على تصدر المشهد، دون اكتراث لتكرار فشل التجارب السابقة المماثلة، من حيث الطرح والتاكتيك السياسي!
الموقف السلبي للمواطن، والغير مسئول للساسة الفاشلين، سمحت تقسيم البلاد عام 2011م إلى شطر شمالي وشطر جنوبي، في استفتاء صوري، كان تحصيل حاصل، لمآمرة دولية ومقايضة مسبقة، باركتها النخبة الحاكمة (مدنيين وعسكر) بمباركة ضمنية من المعارضة الخائبة، وبذلك كان الوطن ضحية لهؤلاء النخبة غير المسؤولة.
من أين للشعب السوداني، الغارق في المثالية السياسية، بقادة يتحلون بالمسئولية؟ وقيل كيفما تكونوا يولى عليكم، إن ظل الشعب السوداني، يمارس السلبية، وترك مجريات الأمور السياسية للصدف، دون اكتراث لمن يتبرعون لتصدر المشهد، لا نتوقع التعّلم من تجارب الماضي، ويظل في دوامة التردي، الذي بدون شك سيفتت البلاد إلى عدة دويلات فاشلة، متناحرة، ويختزل طموحات المواطن، في الرفاة والعيش الكريم، أن يظل على قيد الحياة، كيفما اتفق.
إذا، الحل الأمثل، أن يضلع الشعب السوداني بمسئولياته السياسية، في اختيار قياداته، من وسط قواعدهم فدرالياً، وأن يكون للشعب كلمته الداوية، في النخب المركزية، التي ظلت تفرض نفسها على المشهد السياسي، وتكرر فشلها، دون الرغبة في المراجعة، للتعلم من أخطاء الماضي، ودون مبالاة أو اكتراث، لفقدانهم الشرعية للتصرف في شؤن البلاد، دون الرجوع إلى أصحاب المصلحة الفعليين.
اللهم أشهد فقد بلّغنا.
# لا للحرب.
ebraheemsu@gmail.com
//أقلام متّحدة ــ العدد ــ 136//
لأن تسلك طريقاً باختيارك، ويوصلك إلى نفق مسدود، أو أن يلقي بك في المهالك، وتجد نفسك مشردا، تثير الشفقة على حالك، وتتباكى على ماضيك الباذخ، كارهاً لمن يتقاسمون معكم الأرض والعيش والملح، وتصرّ على مسك ذات الدرب من أوله، دون مراجعة ودون اكتراث، هذا هو الفشل بعينه، ومن يتبعون هؤلاء، رغبةً أو رهبةً، معولين الخلاص على أيديهم، فهم ضحايا بلا شك، ضحايا للذين يتوسمون فيهم الدراية، وضحايا مواقفهم السلبية ثانياً.
هنالك آلاف الأبطال الذين ضحوا بأرواحهم، من أجل اقتلاع الأنظمة القمعية الظالمة، والحكومات الطائشة، وما لبثوا أن سلموا ثمار تضحياتهم لفاشلين، ليكرروا أنفسهم، ويجتروا فشلهم. ذلك أن الحذر وأخذ الحيطة توجيه نبوي شريف، سيما ممن جرب المرؤ منهم مكرا وخديعة، فلا يحسن به أن يغفل فيقع مرة أخرى في ذات الموقف، فالإنسان قد تتشكل له الأمور ويتضح له بغير شكلها الحقيقي فيُخدع، وهذا أمر طبيعي، لكن أن لا يحتاط مرة أخرى فهذه سذاجة مرفوضة، ولا تليق بأولي الألباب، وهذا التوجيه من المعاني الجامعة، والوصايا النافعة التي حثت عليها السنة النبوية المطّهرة بجامع الكلم الذي اختص به سيد الفصحاء، ومعلِّم البلغاء. حيث صحّ عنه (ص) قوله الشريف: "لا يُلدَغُ المؤمنُ من جُحْرٍ واحد مرتين".
ظننا أن المآل المخيّب لثورة رجب أبريل، بعد خيبة مآل ثورة أكتوبرــ21، كافية لاتعاظ الشعب السوداني، من تخبط الساسة، ومكر العسكر، لكن هيهات هيهات، فقد كرروا الخيبة الثالثة والمميتة، وهى الطامة الوطنية التي لم ينتظرها أحد، وهي خيبة مآل ثورة ديسمبر المجيدة، وهى أغلى الثورات السودانية طُرا، لذا جاءت الانتكاسة سريعة ومدوية، إذ سمحت السلبية الثورية للساسة الانتهازيين، التسلل إلى صفوفها القيادية، ليسمحوا بغفلتهم المعهودة، لأعوان النظام القمعي أن ينحنوا للعاصفة، ويهمدوا لبركان الثورة في مكمن، لينقضوا عليها، في وضح النهار، أمام مرأى ومسمع شباب الثورة، الذين حينه لا يزالون يبحثون على رفقاء دربهم المفقودين، وهذه المرة، لم يكتفِ أعوان البشير بالانقلاب التقليدي على الثورة، بل، اشعلوا حرباً ضروساً، لا نظنها تبقى ولا تذر الأخضر واليابس في البلد.
والغريبة في الأمر، رغم كافة التجارب الثورية المريرة المتكررة الفاشلة، ذات أعضاء النادي السياسي الفاشل، الذين تولوا زمام أمور البلاد، في الفترة الانتقالية الأخيرة، هي ذاتها مصرّة الآن على تصدر المشهد، دون اكتراث لتكرار فشل التجارب السابقة المماثلة، من حيث الطرح والتاكتيك السياسي!
الموقف السلبي للمواطن، والغير مسئول للساسة الفاشلين، سمحت تقسيم البلاد عام 2011م إلى شطر شمالي وشطر جنوبي، في استفتاء صوري، كان تحصيل حاصل، لمآمرة دولية ومقايضة مسبقة، باركتها النخبة الحاكمة (مدنيين وعسكر) بمباركة ضمنية من المعارضة الخائبة، وبذلك كان الوطن ضحية لهؤلاء النخبة غير المسؤولة.
من أين للشعب السوداني، الغارق في المثالية السياسية، بقادة يتحلون بالمسئولية؟ وقيل كيفما تكونوا يولى عليكم، إن ظل الشعب السوداني، يمارس السلبية، وترك مجريات الأمور السياسية للصدف، دون اكتراث لمن يتبرعون لتصدر المشهد، لا نتوقع التعّلم من تجارب الماضي، ويظل في دوامة التردي، الذي بدون شك سيفتت البلاد إلى عدة دويلات فاشلة، متناحرة، ويختزل طموحات المواطن، في الرفاة والعيش الكريم، أن يظل على قيد الحياة، كيفما اتفق.
إذا، الحل الأمثل، أن يضلع الشعب السوداني بمسئولياته السياسية، في اختيار قياداته، من وسط قواعدهم فدرالياً، وأن يكون للشعب كلمته الداوية، في النخب المركزية، التي ظلت تفرض نفسها على المشهد السياسي، وتكرر فشلها، دون الرغبة في المراجعة، للتعلم من أخطاء الماضي، ودون مبالاة أو اكتراث، لفقدانهم الشرعية للتصرف في شؤن البلاد، دون الرجوع إلى أصحاب المصلحة الفعليين.
اللهم أشهد فقد بلّغنا.
# لا للحرب.
ebraheemsu@gmail.com
//أقلام متّحدة ــ العدد ــ 136//