السودان علي أعتاب مرحلية مفصلية “1”
كلام للوطن
الحكوم والمعارضة .. الخير مصوبر في محل والخيل تجقلب في محل
لا فائدة من إعادة انتخاب البشير إذا لم يستكمل مشروع الوثبة
لم يكن للسفر وحده أن يحول دون التواصل مع القراء، إلا أن عوامل أخري لم أجد معها الكتابة متاحة وأنا خارج البلاد في مصر أخت بلادي الشقيقة منذ أن وصلتها قبل شهرين تقريباً، للإعداد للدورة التفاعلية الأولي لقيادات صحفية سودانية في مصر نظمناها عبر مركز عنقرة للخدمات الصحفية، برعاية الناقل الوطنى الخطوط الجوية السودانية، والمشغل الوطنى، شركة سوداتل، وهاتفها السيار "سودانى" برعاية كريمة من سفيري البلدين السوداني عبدالمحمود عبدالحليم، والمصري أسامة شلتوت، ونعد الآن لدورة ثانية مماثلة، نعتزم إقامتها قبل شهر رمضان الكريم، وأخري للإعلاميين المصريين في السودان، بعد عيد الفطر المبارك بإذن الله تعالي. وأهم ما حال بينى وبين الكتابة في الخارج، أن بعض الموضوعات، يضعف أثرها غياب كاتبها عن البلاد، إلا أن تلاحق الأحداث، وتنامى المخاطر، اجتمعت مع رغبة أخى وابن أخى يوسف سيد أحمد، فقررت بداية هذه السلسلة من المقالات قبل عودتى خلال أيام قلايل بإذن الله تعالي.
لم أجد مبررا لقيام الانتخابات الأخيرة سوى أنها استحقاق دستوري، واجب النفاذ. فلو لم يكن الأمر كذلك لما وقف معها كثيرون من أهل السودان الذين تعلقت آمالهم بما قدمه الرئيس عمر البشير من مبادرة للإصلاح السياسي، فيما عرف بخطاب الوثبة الذي ألقاه علي الشعب في يناير عام 2014م، ذاك الخطاب فتح الباب ومهد الطريق لإصلاح سياسي شامل، يبدأ بالحزب الحاكم، المؤتمر الوطني، علي مستوي بنائه الداخلي وسياساته، وقياداته، وعلاقته مع القوي السياسية الحزبية الأخري. ويشتمل الإصلاح كذلك علي وضع منهج تتعاطي به الحكومة مع المعارضة، والمعارضة من الحكومة، يضع من الثوابت ما لا يجوزتجاوزه، ويعلي من شأن الوطن علي أي شئ آخر.
كان الظن أن تتضح معالم الإصلاح السياسي، وتتم الوثبة قبل أن يأتى أجل الانتخابات الذي حدده الدستور، وكانت هناك نحو خمسة عشر شهراً تفصل بين خطاب الوثبة، وأجل الانتخابات المضروب في الدستور، وكان هذا وقتا كافياً للاتفاق علي كل التفاصيل التي تضع خارطة طريق الإصلاح السياسي، ولقد كانت البدايات مبشرة، بعد أن رحبت كل القوي السياسية المعارضة، وكثير من الحركات التى تحمل السلاح بمبدأ الحوار الشامل، وانتظمت قوي الداخل الفاعلة كلها في الحوار، وحدثت تفاهمات إيجابية فيما بينها وبين معارضة الخارج بشقيها السياسي والعسكري، ونتج عن ذلك تكوين آلية وطنية للحوار عرفت باسم لجنة "7+7" والتقي ممثلون لهذه الآلية ممثلين للمعارضة الخارجية في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا، ومثل وفد الداخل الدكتور غازي صلاح الدين، رئيس تيار مجموعة الإصلاح المنشقة عن المؤتمر الوطني، والقيادى في الحزب الإتحادى الأصل وزير شؤون مجلس الوزراء السيد أحمد سعد عمر، وحضر من جانب المعارضة الخارجية أكثر الفاعلين فيما يسمى بالجبهة الثورية، وحدثت تفاهمات معقولة في ذاك اللقاء، ثم التقت المعارضة بعد ذلك في مدينة برلين الألمانية، واقتربت أكثر من الحوار مع الحكومة، وأقرت المشاركة في مؤتمر جامع للحوار الوطنى داخل السودان، دون قيود أو شروط، وسمت اثنين من عقلائها للالتقاء مع وفد يمثل الحكومة، للاتفاق علي أجندة الحوار الوطنى، وسمت لهذه اللجنة السيدين الصادق المهدى ومالك عقار ممثلين لها، وأشادت الحكومة بما خرج به لقاء برلين، وبعثت وفداً ضم العميد الركن عبد الرحمن الصادق المهدى مساعد رئيس الجمهورية، والدكتور مصطفي عثمان ىإسماعيل رئيس القطاع السياسي بالمؤتمر الوطنى، والدكتور كامل إدريس الناشط بقوة في مسألة جمع الصف الوطني، والتقي الوفد السيد الصادق المهدى في مقر إقامته في العاصمة المصرية القاهرة، ونقل له ترحيب الحكومة وقوي الداخل بمخرجات ملتقي برلين، والموافقة علي المشاركة في اللقاء التحضيري لمؤتمر الحوار الوطنى في الداخل، والذي تحدد له التاسع والعشرين من شهر مارس عام 2015م بالعاصمة الأثيوبية أديس أبابا، إلا أن مياها كثيرة جرت تحت الجسر، فلم يقم اللقاء التحضيري في أديس أبابا، وبالتالي تعلق، أو طار ملتقي الحوار الوطنى الذي يكان مخططاً إقامته في الداخل بمشاركة كل القوي السياسية والعسكرية المعارضة.
لم يقف تدهور حالة الحوار عند تبعثر جهود مؤتمر حوار الداخل فحسب، ولكن حتى آلية 7+7 للحوار الداخلي تشتت شملها، فبعد خروج حزب الأمة المبكر من آلية الحوار، لحق به تيار الإصلاح بقيادة غازي صلاح الدين، ومنبر السلام العادل برئاسة المهندس الطيب مصطفي، وأدخلت مكانهم ثلاثة أحزاب، لا تساويهم إلا في العدد، ثلاثة محل ثلاثة، وأري أن الحكومة والمعارضة يتحملان معاً، مسؤولية تراجع مسيرة الحوار في البلادأ بانشغالهم بما لا يفيد وتركهم، ما يفيد، فصاروا مثل الذين قيل في حقهم المثل السوداني "الخير مصوبر في محل والخيل تجقلب في محل"
المشكلة الأكبر إن كثيرين من الذين بيدهم الأمر في الحكومة والمعارضة، لا يزالون يعيشون الأحلام والأوهام القديمة، فبعض الحاكمين يظنون أن تجديد التفويض يغنى عن الآخرين، فلا يعيرون المعارضون بأشكالهم المختلفة اهتماما، وتزيدهم بعض الانفتاحات الخارجية وهماً، وبعض المعارضين تغريهم بعض القراءات التي ظهرت في دفتر الانتخابات الأخيرة، مع بعض الأزمات، ويتصورون أن أجل الحكومة قد دنا، فيعيشون علي الأحلام الشاطحة، ويدخلون في معارك تؤزم مواقفهم، مثلما تأزم الموقف العام بالبلاد.
الأمل يظل معقوداً علي السيد رئيس الجمهورية من بعد الله تعالي، فهو فضلاً عن كونه صاحب المسؤولية الأكبر، وأنه وحده الذي يمتلك تفويضاً شعبياً، يمكنه من اتخاذ أي قرار دون أن يسأله أحد "تلت التلاتة كم؟" فهو يعلم أن لمثل هذه المحنة التي تعيشها البلاد، قرر العقلاء من أهل السودان، وفي مقدمتهم قيادات حزب المؤتمر الوطنى، وقف مسيرة التجديد في القيادة، والتجديد له لدورة أخري، يقود فيها السودان وأهله لعبور أهم وأصعب، مرحلة في تاريخه الحديث، فالانتخابات التي أملاها الاستحقاق الدستوري، يجب ألا تقطع ثورة الرئيس البشير، فلا نري جنداً في طاولة الرئيس أهم من استكمال مشروع الوثبة، واستكمال مسيرة الإصلاح السياسي، والعشم في الرئيس البشير أن يقود أهل السودان كلهم، إلي تحقيق ما ينفعهم، ولا نتوقع أن يقوده الموتورون، فعلاً أو رد فعل، فيقع ما لا يحتمل أحد عقباه.
gamalangara@hotmail.com