السودان في مذكرات عمرو موسي

 


 

 

 

(١-٢) 

ظللت اتابع بكد حثيث وكدح موفور صدور مذكرات كبار السياسيين و وزراء الخارجية السابقين واخص بالاهتمام الدول التي لديها ارتباطات قوية او تقاطعات مع السودان. و توقفت بالفعل امام مذكرات مادلين اولبرايت و كذلك هيلاري كلنتون و كوندليزا رايس ( ليس شرفا اعلي) والذي خصصت فيه فصلا عن زيارتها للسودان، و كتاب الجنرال كولن باول ( رحلتي الامريكية) ، وظلت كتب الصحفي المخضرم بوب ودورد تحظي باهتمام خاص لانه تخصص في تحليل وقائع سياسات الامن القومي الامريكي وتقاطعاتها مع العالم وتجد ذكرا لاسم السودان ضمن مداولات مجلس الامن القومي خاصة اثناء فترة الرئيس الامريكي الأسبق جورج بوش الابن خاصة كتابيه ( حرب بوش) و ( حروب اوباما) .
لكن تكتسب مذكرات عمرو موسي الصادرة تحت عنوان ( كتابيه) اهمية خاصة لا لموقع الرجل في قيادة الدبلوماسية المصرية لمدة عقد من الزمان فحسب بل لدور الرجل وتأثيره في صنع السياسة الخارجية لمصر وقد كان فاعلا لا مراقبا للأحداث بل ومشاركا في صنع بعضها في فترة حرجة من تاريخ المنطقة العربية المعاصر. وخصص عمرو موسي أقسام من الكتاب للحديث عن علاقة مصر بالسودان او دور السودان في احداث عربية وسياسية مرت بها المنطقة او في احداث شهدتها اروقة الامم المتحدة. لعل الفرق بين مذكرات عمرو موسي الصادرة هذا العام ومذكرات احمد أبوالغيط وزير خارجية مصر الأسبق الصادرة تحت عنوان ( شهادتي) ان عمرو موسي كتب شهادته عن الاحداث بفكر و رؤية و حميمية وحس احترافي عالي المستوي ، هذا اضافة لأسلوبه الشيق في العرض ولغته السلسة وتوثيقه للأحداث بشهادات حية او تقارير من سجلات وزارة الخارجية، يغلف ذلك بحس عروبي قومي واعتداد سياسي بمكانة مصر التاريخية. اما كتاب احمد أبوالغيط وزير خارجية مصر الأسبق فقد جاء تقريريا باردا ينفض عري اللغة معلقا علي الاحداث من موقع المراقب لا الصانع لها. ويتضح الفرق في ان عمرو موسي يفخر بتصريحه الشهير اثناء احتدام الازمة مع السودان ان حدود السودان الشمالية تنتهي في الاسكندرية وحدود مصر الجنوبية تنتهي في جوبا ( قبل انفصال جنوب السودان)، وبين حديث أبوالغيط وهو يؤكد ان مصر ظلت تعمل علي تحريض الدول العربية وصناديق التمويل الإقليمية والدولية للامتناع عن تمويل اي مشروع تنموي زراعي بالسودان .

ولعلي لا ابالغ ان أقول ان مذكرات عمرو موسي تعتبر من افضل كتب المذكرات التي صدرت مؤخرا ، بل لقد زادت احترامي لهذا الرجل لصدقه في رواية الاحداث ولشخصيته الدبلوماسية المميزة وقدراته القيادية العالية وحسه القومي تجاه القضايا العربية، هذا رغم انه لم يكن متعاطفا مع تجارب السودان السياسية، لكن تحدث عن السودان بكل احترام وما يجب ان تكون عليه العلاقة مع مصر رغم اختلافه السياسي مع حكومة الإنقاذ الراهنة. في الوقت الذي لا تحس فيه ذات التقدير والاحترام في مذكرات أبوالغيط آنفة الذكر. ولعلي استشهد بحدث واحد رواه عمرو موسي في مذكراته اذ قال له عبدالحليم خدام نائب الرئيس السوري حافظ الأسد ( أنتم مَش عارفين تتصرفوا مع السودان؟ شوف احنا في سوريا بنتصرف ازاي مع لبنان. المفرض تتصرفوا زينا في لبنان).

فكان رد عمرو موسي ( ان لكل موقع ظروفه، نحن في القاهرة نري انه من الضروري ان نتعامل مع السودان معاملة مختلفة عن طريقتكم في التعامل مع لبنان الذي تتحكمون في نظامه السياسي. و ان المزاج المصري يرفض ان يمارس علاقة شبيهة بالعلاقة السورية مع لبنان مع اي دولة شقيقة خاصة لو كان السودان). و أضاف عمرو موسي سؤالا اضافيا: (هل يقبل السودان ذلك او يستكين له؟.)

و السؤال رغم انه للتعجب اكثر من الاستفهام لان عمرو موسي يعلم ان الشعب السودان لن يرضي ان تعامله مصر معاملة سوريا للبنان قبل خروج القوات السورية من بيروت لان هذا هو مصدر الحساسية التاريخية بين البلدين، و لان السودان عصي علي التركيع ويمتلك طاقة هائلة للمقاومة والاستبسال والفداء. و لعل احد توجهات حكومة الإنقاذ حينها هو هزيمة هذا التفكير في الذهن السياسي المصري وقد كان.

خاض عمرو موسي أقوي معاركه الدبلوماسية اثناء ما يسمي ( جبهة الرفض ) التي تكونت عقب توقيع الرئيس السادات لاتفاقية كامب ديفيد ومحاولة عزل مصر وإدانتها في مختلف الجبهات والمؤتمرات مثل عدم الانحياز والمؤتمر الاسلامي وغيره. وهنا يكشف عمرو موسي ان السودان كان مساندا لمصر اثناء عمل جبهة الرفض وذلك ما أعلنه الرئيس الأسبق جعفر نميري في مساندته التاريخية غير المسبوقة مع السادات. لكن لم يبرز عمرو موسي دور السودان المساند لمصر اثناء العزلة العربية ضدها ، وقد كان لموقف السودان المساند لمصر في تلك الفترة فعل السحر في نفس السادات الذي قال متهكما ( احنا والسودان اكبر من بقية الدول العربية مجتمعة لان مصر الاكثر سكانا والسودان الاكبر مساحة) .

لم يقف عمرو موسي كثيرا في وقائع القمة العربية التي استضافتها القاهرة عقب غزو العراق للكويت مباشرة وكان هو اقرب مساعدي الرئيس حسني مبارك، و ذلك علي عكس نهج الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل في كتابه ( حرب الخليج اوهام القوة والنصر)، الذي حاول ان ينقل وقائع حديث الرؤوساء في الاجتماع المغلق وتعليق المرحوم الملك فهد علي حديث الرئيس البشير الذي كان مشغولا بالتدخل الغربي في المنطقة بذريعة الغزو العراقي للكويت. وتهكم هيكل علي تحفظ الرئيس عمر البشير ذلك بعكس عمرو موسي الذي قفز للنتائج مباشرة واشاد بموقف الرئيس حسني مبارك الذي فرض علي الرؤساء التصويت علي قرار ادانة الغزو قبل اكتمال النقاش، وقال موسي ان مبارك اذا تباطأ في اتخاذ هذا القرار الحاسم فإن تكتل الدول الصديقة للعراق وعد منها اليمن وفلسطين ولم يذكر السودان كانت ستجهض القرار.

في الفصل الثالث الذي تناول تنظيم التعاون بين وزارة الخارجية والمخابرات العامة امتدح عمرو موسي دور وأداء وتعاون اللواء الراحل عمرو سليمان مدير المخابرات العامة المصرية وقال انه كان كبيرا في تصرفاته ولا يهتم بالصغائر، وقد عبّر الفريق صلاح قوش مدير المخابرات السوداني السابق عن إشادته ايضا بالتعاون الذي وجده من اللواء عمر سليمان، لكن يحفظ له عمرو موسي انه لم يشي به للرئيس مبارك خاصة وانه كان دائم الانتقاد لبعض السياسات خاصة موقفه من توريث نجله جمال مبارك.

اكد عمرو موسي ان احد إنجازاته في وزارة الخارجية المصرية انه استعاد ملفي السودان والصومال من المخابرات العامة بموافقة اللواء عمر سليمان. وقد كان ملف السودان تاريخيا تحت إشراف المخابرات العامة لكن حسب شهادة عمرو موسي فقد أعاده الي وزارة الخارجية. ويدعم الدكتور مصطفي الفقي من شهادة عمرو موسي بقوله ان وكيل وزارة الخارجية السودانية سبق وان احتج له من إرسال ضباط مخابرات كسفراء في السودان وطالب بان ترسل القاهرة سفراء من وزارة الخارجية للسودان، وتم عرض الامر علي الرئيس حسني مبارك فاستجاب. لكن يؤكد عمرو موسي ان نقل ملف السودان من المخابرات العامة الي وزارة الخارجية تمت بتنسيق وتفاهم مع اللواء عمر سليمان.

ولم اجد وصفا افضل مما ذكره عمرو في كتابه في توصيف دور واختصاص وزارة الخارجية والمخابرات العامة وضرورة التعاون بينهما في خلق سياسة خارجية فاعلة لاي دولة في العالم. وأشار الي ان الرئيس الأسبق حسني مبارك كان يشجع هذا التعاون ولم يكن يعتمد في أمنه الشخصي علي خلق التضارب بين المؤسسات كما بفعل حسب وصفه الديكتاتوريون. واستفادت الخارجية المصرية في سحب ملف السودان علي وجه الخصوص من سوء تقدير المخابرات العامة لوقائع انقلاب الإنقاذ عام ١٩٨٩ حيث أكدت المخابرات العامة للرئيس حسني مبارك انه انقلاب مصر في الخرطوم فشرع يفتح له الأبواب ويشجع الرؤوساء والملوك علي دعمه ومساندته، في حين ذهبت تقديرات وزارة الخارجية المصرية حينها ان انقلاب الإنقاذ هو انقلاب معادي للمصالح المصرية في السودان. ولكن اخذ حسني مبارك برأي المخابرات العامة وأهمل تقدير وزارة الخارجية حتي خرج في مؤتمر صحفي شهير قائلا ( احنا انضحك علينا في السودان).

نتناول في الحلقة الثانية والاخيرة شهادة عمرو موسي عن حادثة اغتيال حسني مبارك وعلاقته مع السودان وشهادة الدكتور مصطفي عثمان اسماعيل عنه وعن جهوده في اعادة العلاقات الي مسارها الطبيعي لكن الاخطر هو إشارته الخفية الي وجود أصابع مصرية في المفاصلة بين الإسلاميين.


السودان في مذكرات عمرو موسي (٢-٢)


لا يمكن كشف طبيعة تفكير الذهن السياسي في مصر وعلاقته بالسودان الا بالرجوع الي مذكرات السفير احمد جبارة الله الذي اكد انه عندما كان قائما بالاعمال في واشنطون في نهاية حقبة الثمانينات قابله وزير الدفاع المصري المشير عبدالحليم ابوغزالة وقال له (قل لجعفر نميري ان مصر أبلغت واشنطون ان مخازن السلاح ستظل مفتوحة لكفاية حاجة السودان من السلاح). لكن بعد الكشف عن خبايا هذه الرسالة الملغومة اتضح ان مصر أبلغت واشنطون انها بدلا من تقديم المعونة العسكرية للسودان فان مصر ستوفر السلاح القديم من مخازنها للجيش السوداني وتستقبل هي الدعم العسكري الامريكي الجديد بدلا عن السودان. وكما قالت مستشارة الامن القومي لاوباما سوزان رايس من قبل لوزير الخارجية الأسبق مصطفي عثمان حينها ان الشيء الوحيد الصحيح الذي فعله السودان هو الابتعاد عن مصر . فقال لها ولكن واشنطون تتعامل مع مصر فقالت له كنّا نحتاجها في السابق لتوصلنا الي ياسر عرفات لكن لم نعد نحتاجها اليوم بعد ان اصبح لدينا. اتصالات مباشرة مع القيادات الفلسطينية
.سبق وان ذكرت في الحلقة الأولي لهذا المقال ان مذكرات عمرو موسي الصادرة تحت عنوان ( كتابيه) تكتسب اهمية خاصة لا لموقع الرجل في قيادة الدبلوماسية المصرية لمدة عقد من الزمان فحسب بل لدور الرجل وتأثيره في صنع السياسة الخارجية لمصر وقد كان فاعلا لا مراقبا للأحداث بل ومشاركا في صنع بعضها في فترة حرجة من تاريخ المنطقة العربية المعاصر.

ذكر عمرو موسي اسم ياسر عرفات ٤٢ مرة في الكتاب وذكر اسم معمر القذافي ٩ مرات وذكر اسم الرئيس البشير ٣ مرات. ورغم ان مضمون الكتاب لا يمكن الاستدلال عليه بلغة الأرقام الا ان عدد تكرار اسماء رؤوساء الدول العربية يعكس الاهتمام السياسي المصري بتلك الدولة. وبالفعل تحتل القضية الفلسطينية مركز وعصب اهتمام الذهن السياسي المصري ليس لعوامل تاريخية فحسب بل للحفاظ علي مكتسبات اتفاقية كامب ديفيد مع اسرائيل وقد كان عمرو موسي احد اشرس المدافعين عن حق مصر في توقيعها و دافع عنها دفاع المستميت حتي لا يتم طرد مصر من المنظمات الإقليمية والسياسية. حيث نجح في منع طرد مصر من منظمة دول عدم الانحياز بعد ان نجحت كتلة المقاومة ضد التطبيع بقيادة سوريا والعراق وليبيا من طرد مصر من الجامعة العربية.

رغم الحديث الطيب الذي ساقه عمرو موسي عن أزلية وخصوصية العلاقات مع السودان الا ان السودان لم يكن يمثل ثقلا نوعيا في تفكير النخبة المصرية التي كانت تدير السياسة الخارجية، و التي كان يهمها ان تظل محورا مركزيا في القضية الفلسطينية والتسويات السياسية الجارية في المنطقة وتواصل الدعم الامريكي و الحفاظ علي اتفاقية كامب ديفيد واستقرار العلاقة مع السعودية ودوّل الخليج.

اكد عمرو موسي انه اجتهد لاعادة ملف السودان الي وزارة الخارجية وانتزاعه من المخابرات المصرية وقد أفاده في ذلك سوء التقدير والتقييم الذي قدمته المخابرات للرئيس المصري الأسبق حسني مبارك عن هوية انقلاب الإنقاذ اذ وصفتهم بأنهم عناصر وطنية في الجيش السوداني. وفي المقابل قدمت وزارة الخارجية تقارير مغايرة أكدت فيه الهوية الاسلامية للانقلاب.

ازاء هذا الموقف أعطي حسني مبارك مساحة أوسع لوزارة الخارجية في ملف السودان.

أعطي عمرو موسي مساحة مقدرة في كتابه لشهادة وزير الخارجية الأسبق والسفير الان الدكتور مصطفي عثمان الذي سبق وان وصفه عمرو موسي بانه افضل وزير خارجية عربي. ولعل الصدفة وحدها لعبت دورها في هذا التقارب حيث جلسا متجاورين في الطائرة الالمانية ( لوفتهانزا) المتجهة من الخرطوم عبر القاهرة الي فرانكفورت.وكان مصطفي عثمان نائما الي جوار وزير خارجية مصر وعندما أزاح البطانية وحدق حوله وجد عمرو موسي يجلس الي جواره فعرّفه بنفسه وتجاذبا أطراف الحديث ونشأت بينهما صداقة طويلة واستطاعا بجهود مشتركة إسقاط العقوبات الأممية ضد السودان في أعقاب محاولة اغتيال الرئيس حسني مبارك في اديس ابابا. اذ استطاع مصطفي عثمان ان يستصدر خطابا مشتركا من وزيري خارجية مصر وإثيوبيا الي مجلس الامن بضرورة رفع العقوبات. لكن بعض المراقبين قالوا ان مصر سعت الي رفع العقوبات عن السودان مع انتهاء اجل عضويتها غير الدائمة في مجلس الامن. ويقول الدكتور مصطفي عثمان في شهادته ان الرئيس مبارك نقل له ان سلاح الطيران تعهد أمامه بضرب السودان اذا امره بذلك لكنه تراجع عن إصدار الأوامر علي ان تحل المشاكل في الإطار السياسي. واتضح الكيد المصري لاحقا اذ سارعت القاهرة لاحتلال منطقة حلايب. والسودان في غمرة انشغاله بقضية جنوب السودان. والعقوبات والحصار الغربي.

يقول عمرو موسي ان العقبات كانت قائمة في ظل طبيعة الحكم الديني للبشير، الا " انني استطعت ان أحدث اختراقا كبيرا علي صعيد الانفتاح علي السودان ومحاولة احتواؤه بالتعاون مع الدكتور مصطفي عثمان الذي كان احد الساسة السودانيين الذين لعبوا دورا كبيرا في احداث التقارب بين القاهرة والخرطوم".

كان عمرو موسي شاهدا علي محاولة الاغتيال في اديس ابابا وروي تفاصيل حركة الموكب وملابسات تلك اللحظة الدقيقة بالقرب من مطار اديس ابابا. وتبرز شخصية عمرو موسي الدبلوماسية وهو يلتمس من الرئيس مبارك عقب محاولة الاغتيال مباشرة ان يبقي لمواصلة اجتماعات القمة الافريقية في اديس ابابا بدلا من ان يغادر مع وفد الرئيس وقد توقفت الطائرة في مدرج مطار اديس ابابا قبل الإقلاع حتي يتنزل منها عمرو موسي وعمر سليمان رئيس المخابرات.

يشير التكوين السياسي لعمرو موسي انه وفديا بامتياز تماهيا مع ولاء أسرته السياسي القديم . فهو كمعظم ابناء جيله أحب عبدالناصر لكن رأي انه جلب الهزيمة لمصر وظل بطلا في عيون الناس. واضطر للتراجع عن ما ذكره في الكتاب عندما قال ان طباخ عبدالناصر كان يشتري طعام الرئيس من سويسرا عندما كان دبلوماسيا شابا. لكن الأصل في الرواية ان عبدالناصر كان مصابا بداء السكر وكانت تصله شحنة دورية منظمة من سويسرا تحمل احتياجاته الخاصة من المطعوم والمأكول.

يصف عمرو موسي الزعيم عبدالناصر بأنه كان قائدا كارزيميا قويا لكنه كان باطشا بخصومه وديكتاتورا وأذاق مصر جراحات الهزيمة. اما السادات فقد كان حسب وصفه ثعلبا ماكرا وذكيا وتلخصت خطيئته انه صعّد الإسلاميين لضرب الشيوعيين لكنهم اغتالوه. اما حسني مبارك فكان يعتبره ( حدق) بالتعبير المصري اي ذكي ولماح ويصعب غشه. كانت أسرته وأبناؤه مصدر ضعفه خاصة مع تصاعد قضية التوريث. كان جل اهتمامه ينحصر في أمنه الشخصي (والبرستيدج) حسب تعبيره.

لم يصدر عمرو موسي اي حكم ضد الرئيس البشير لكنه عبّر عن كراهيته الراسخة ضد الإسلاميين الذين في رأيه خربوا العمل السياسي و زرعوا النفاق والكراهية ويبدو عمرو موسي متماهيا مع علمانيته الزاهية في ذلك. رغم ان الكتاب تحدث عن تجربته الدبلوماسية الممتدة وفخره بالأدوار الهامة في تاريخ الدبلوماسية المصرية خاصة نجاحه في خطة الإصلاح المؤسسي والتوجه المتوسطي للسياسة الخارجية المصرية و التركيز علي برنامج جعل منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل. الا ان عمرو موسي ورغم تجمله البائن ومزاعم اهتمامه بافريقيا الا انه لم يكتب سطرا واحدا عن قضية الحرب في السودان . كما غمط السودان حقه في تسهيل طلب عضوية مصر للانضمام ل ( الكوميسا) ونسب ذلك لجهد مشترك مع اثيوبيا. ولعل اعتراض السودان حينها كان كفيلا برفض طلب عضوية مصر الا انه لم يثبت هذا الدور والفضل للسودان. ولعله من اللافت للنظر معارضة نخبة من الاقتصاديين المصريين الانضمام الي الكوميسا وقال بعضهم متهكما ماذا تستفيد مصر من اللحوم الاثيوبية؟. وهي ذات العقلية التي أضعفت الاستثمار السياسي في القارة حتي اصطدمت بحقيقة سد النهضة الاثيوبي مع العجز علي الحوار والمناورة الذكية القائمة علي مبدأ التعاون . ولعل ما يشفع لعمرو موسي رده علي عبدالحليم خدام نائب الرئيس السوري حافظ الأسد الذي قال له ( أنتم مَش عارفين تتصرفوا مع السودان؟ شوف احنا في سوريا بنتصرف ازاي مع لبنان. المفرض تتصرفوا زينا في لبنان).

فكان رد عمرو موسي ( ان لكل موقع ظروفه، نحن في القاهرة نري انه من الضروري ان نتعامل مع السودان معاملة مختلفة عن طريقتكم في التعامل مع لبنان الذي تتحكمون في نظامه السياسي. و ان المزاج المصري يرفض ان يمارس علاقة شبيهة بالعلاقة السورية مع لبنان مع اي دولة شقيقة خاصة لو كان السودان). و أضاف عمرو موسي سؤالا اضافيا: (هل يقبل السودان ذلك او يستكين له؟.)

اشار عمرو موسي بطرف خفي علي ان لمصر دور في حدوث المفاصلة بين الإسلاميين لكنه لم يقدم اي معلومات تعضد من هذا الزعم ، وقال ان التعاون مع السودان لتحسين العلاقات مع مصر قاد في النهاية الي ابعاد الشيخ الراحل حسن الترابي من الحكم. وقال انه لا ينسب هذا الفعل او الدور الي المخابرات المصرية او اي احد اخر . لكن تم ابعاد الدكتور حسن الترابي في الوقت الذي تشهد فيه العلاقات بين القاهرة والخرطوم تصاعدا وتطورا إيجابيا . وقال شارحا ذلك تطورت العلاقات مع السودان "في ضوء تأكد السودانيين من ان التقارب مع مصر لن يتم أبدا في ظل حكم يرأسه الترابي".


kha_daf@yahoo.com

 

آراء