السودان .. مشكلات أكبر من أن تحلها الإنتخابات … بقلم: أسماء الحسينى

 


 

 

Alshareefaasmaa224@hotmail.com

 

 

 

رغم الآمال الكبيرة التى ظل السودانيون يعلقونها على الإنتخابات الأخيرة بإعتبارها أول إنتخابات تعددية منذ 24 عاما ،إلا أن ماسبقها وماصاحبها من ظروف وترتيبات جعل تلك الآمال والتوقعات الكبيرة تخفت إلى حد كبير ،فالإنتخابات لن تكون نقلة نوعية ،تنقل البلد إلى مربع جديد كما كان يؤمل منها ،ولن تحل التأزم فى الوضع السودانى وربما فاقمته ،إن لم يتم تدارك ذلك بعد الإنتخابات بمعالجات حقيقية ،وذلك لأنها جرت فى جو من الإنقسام بين أحزاب شاركت فيها وأخرى قاطعتها ،وهوما يخشى أن يؤدى إلى تعميق مأزق السودان وأزماته العديدة ،وفى مقدمتها وحدته المهددة اليوم أكثر من أى وقت مضى ،ومشكلة دارفور التى تراوح مكانها فى مفاوضات الدوحة ،وأزمة المحكمة الجنائية الدولية التى تحكم خناقها على السودان كله الآن ،وتؤثر على قضاياه جميعا بشكل أو بآخر .

وخطورة هذه الإنتخابات إنه سيتحدد على ضوء نتائجها إلى حد كبير نتائج إختبار آخر مهم ،هو إستفتاء تقرير المصير بعد ثمانية اشهر من الأن ،حيث سيقرر أبناء الجنوب ما إذا كان السودان سيظل وطنا واحدا أم ينقسم الجنوب ،ولا أحد يدرى على هل سيكون وقتها إنفصالا سلميا أم تقسيما بالدماء فى ظل العديد من المشكلات العالقة الآن ،وما إذا تم إنفصال الجنوب هل سيكون ذلك نهاية المطاف أم بداية عدوى التقسيم فى السودان ودول جواره .

 

مواقف الأحزاب

تباينت مواقف الأحزاب السودانية تجاه الموقف من المشاركة فى الإنتخابات وكيفيتها ، فحزب المؤتمر الوطنى أصرعلى إجراء الإنتخابات لكسب شرعية جديدة فى وجه مايراه من هجمة شرسة لنزع الشرعية عنه وعن رئيسه  الرئيس السودانى عمر البشير من قبل قوى دولية ،تقف خلف المحكمة الجنائية الدولية التى تطالب بإعتقال البشير بتهمة إرتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بدارفور .

بينما الطرف الجنوبي لم يكن يريد الانتخابات في ذاتها لكنه يعلم بانها المدخل الرئيسى  لقيام الاستفتاء علي حق تقرير المصير في يناير من العام  القادم،الذى أصبح بالنسبة للجنوبيين خط أحمر لاينبغى تجاوزه بأى حال من الأحوال .

أما  أطراف المعارضة الشمالية  التي لم تكن طرفا في اتفاقية السلام فقد ظلت تطلب تأجيل الإنتخابات و المزيد من الوقت لزيادة الاستعدادات والترتيبات اللازمة لمشاركتها الفاعلة ، وان كانت لم تترك الزخم الانتخابي يمر دون مشاركتها قبل أن يعلن بعضها المقاطعة ، وكذلك كانت المطالبة بتأجيل الإنتخابات  حتى نهاية العام الحالى هو أحد مطالب حركة العدل والمساواة كبرى حركات التمرد فى دارفور وشرط أساسى لها للتوقيع على إتفاق سلام نهائى مع الحكومة وكذلك مطلبا للحركات المسلحة الأخرى بدارفور.

 

وقد حاولت أحزاب المعارضة الشمالية  التنسيق مع الحركة الشعبية  فى مواجهة المؤتمر الوطنى ،وقد قطع هذا التنسيق أشواطا متسارعة عبر إجتماعات مكثفة  فى  مؤتمر جوبا فى أكتوبر من العام الماضى وقبله وبعده ،إلا أنهم فشلوا فى النهاية فى الإتفاق على مرشح واحد للرئاسة أو فى التنسيق بينها بشكل فعال ،وإن كانت قدأثارت تحركاتها  على مايبدو فى البداية مخاوف المؤتمر الوطنى الذى جدد على لسان عدد من قياداته التأكيد على قدرته على إكتساح أى إنتخابات مقبلة ،ووصف هؤلاء تهديدات المعارضة والحركة بمقاطعة الإنتخابات بأنها تعبير عن قوى يائسة من قدرتها على المنافسة غير واثقة من قدرتها على المنافسة ،وأنها تسعى لإسقاط المؤتمر الوطنى مع قوى خارجية ،وان ذلك لن يكون بمقدورها عن غير طريق الإنتخابات .

وقد ظل موقف بعض هذه الأحزاب السودانية حتى قبيل بضعة أيام فقط من إجراء الإنتخابات فى حالة حراك مستمر ،وكان هناك حديث حول تسويات تجرى وصفقات تتم ،وأيضا مؤشرات على تباينات وإنقسامات داخل كل حزب بشأن الموقف من الإنتخابات ،وتمخض ذلك فى نهاية المطاف عن إنسحاب الحركة الشعبية لتحرير السودان من الإنتخابات بكل مستوياتها فى شمال السودان ،وذلك بعد أن قامت أولا بسحب مرشحها للرئاسة ياسر عرمان ،بعد تهديدات من الرئيس البشير أنه إذا لم تلتزم الحركة بإجراء الإنتخابات فلن يكون هناك إستفتاء لتقرير المصير ،وذلك فى خطوة تشير إلى زهد الجنوبيين فى المنافسة فى إطار السودان كله والإكتفاء فقط بالجنوب ،وهو ما يعد مؤشرا خطيرا ذو ابعاد ودلالات مبكرة لما سيحدث فى يناير عام 2011حينما يحين موعد إستفتاء تقرير المصير ،ولاتخلو مواقف الحركة بشأن الإنتخابات من إرتباك وتصريحات متباينة ،وهو مايشير إلى وجود تيارين أساسيين ،تيار كان يريد أن يبقى فى الشمال وينافس بقوة ،ويعتقد أن مرشحه عرمان كان يمكن أن يحرز نتائج طيبة أو على الأقل يرهق البشير ويجعل فوزه عملية غير مريحة،وهو ذات التيار الذى أصر بعد ذلك على مقاطعة الإنتخابات فى الشمال ،وتيار آخر أراد ألا يدخل نفسه فى متاهات الشمال وهو الذى كان يريد عدم مقاطعة الإنتخابات حرصا على التوافق مع المؤتمر الوطنى فى المرحلة المقبلة،وكلا الفريقين ومثلهما باقى أحزاب المعارضة لديهم إعتقاد جازم بأن العملية الإنتخابية لن تكون نزيهة رغم آلاف المراقبين الذين تدفقوا على الخرطوم من الأمم المتحدة والإتحاد الأوروبى والإتحاد الأفريقى والجامعة العربية ومصر وغيرها من المنظمات والمراكز الدولية .

أما موقف حزبى الأمة القومى الذى يتزعمه السيد الصادق المهدى والحزب الإتحادى الأصل الذى يتزعمه السيد محمد عثمان الميرغنى ،فقد ظل مترددا مرتبكا حتى اللحظات الأخيرة قبيل الإنتخابات ،مابين الرغبة فى المشاركة فى إنتخابات يؤكدون أنها غير نزيهة ،ومابين رفض البقاء فى عزلة بمعزل عن التطورات التى ربما تأتى بها الإنتخابات ،وهما الحزبان الكبيران فى السودان اللذان كانا يحوزان أعلى تأييد جماهيرى حتى آخر إنتخابات ديمقراطية عام 1986، وقد شهدت الأيام الأخيرة قبل الإنتخابات مدوالات كثيرة بينهما وبين حزب المؤتمر الوطنى الحاكم من جهة ،وبين مبعوثين دوليين وإقليميين من جهة أخرى ،ولكن كانت هناك أيضا لاشك ضغوطا داخلية من قيادات وكوادر  لاترغب فى المشاركة فى إنتخابات يرونها عملية عبثية و أن نتيجتها محسومة سلفا لصالح البشير وحزبه  ،بينما قيادات وكوادر أخرى تريد المشاركة وترى أنهم حرموا من كعكة السلطة منذ عام 1989،ثم أخيرا فى الفترة الإنتقالية بعد إتفاق السلام الذى قسمها على حزبين فقط هما المؤتمر الوطنى والحركة الشعبية ،وهو الأمر الذى قاد فى النهاية إلى موافقة الحزب الإتحادى على المشاركة فى الإنتخابات ومقاطعة حزب الأمة لها .

بينما كان موقف حزبى الأمة الإصلاح والتجديد بزعامة مبارك الفاضل المهدى والشيوعى بقيادة محمد إبراهيم  نقد بمقاطعة الإنتخابات واضحا ،وكذلك موقف حزب المؤتمر الشعبى الذى يتزعمه الدكتور حسن الترابى بالمشاركة واضحا .

 

 

مواقف الأطراف الإقليمية والدولية

نصحت بعض الأطراف الإقليمية مثل اريتريا السودان بتاجيل الإنتخابات،بينما بدت مصر التى زار أرسلت للخرطوم وفدا رسميا قبيل الإنتخابات إلتقى القيادات السودانية مؤيدة لإجراء الإنتخابات فى موعدها ،  أما الموقف الدولى فقد بدا منقسما تجاه تلك الإنتخابات ،حيث طالبت منظمات وجهات مراقبة دولية بتأجيلها ،بسبب غياب مئات الآلاف من الأسماء عن قوائم الإنتخابات وأسباب أخرى تتعلق بنزاهة الإعداد لتلك الإنتخابات ،وهو ما اعتبرته الخرطوم تدخلا فى الشئون الداخلية ،وهدد الرئيس السودانى بطرد تلك المنظمات ،وقد دخل لويس مورينو أوكامبو المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية على خط التشكيك فى جدوى تلك الإنتخابات ،واصفا إياها بأنها أشبه بإنتخابات تحت نظام هتلر،بينما أوفد الإتحاد الأوروبى مراقبيه ،مؤكدا عليهم عدم التدخل فى الشئون الداخلية للسودان ،وإقتصار عملهم على ضمان نزاهة وشفافية الإنتخابات ،وقد جاء الموقف الأمريكى متسقا مع الموقف الأوروبى فى التاكيد على ضرورة إجراء الإنتخابات فى موعدها ،حتى تتكون الهياكل الديمقراطية اللازمة لعلاج القضية الخاصة بوضع جنوب السودان ،الذى سيتحدد عبر إستفتاء تقرير المصير المقرر فى يناير المقبل ،رغم إقرار واشنطن بوجود مشكلات فى الإعداد للإنتخابات ،وقد فسر الموقف الأمريكى المتحمس لإجراء الإنتخابات ،بأنه يعتبرها تمهيدا وتوطئة لفصل سلس لجنوب السودان .

 

 

إرتباك وإرباك :

أدت مواقف القوى السياسية السودانية المرتبكة حيال أمر المشاركة فى الإنتخابات من عدمه حتى اللحظات الأخيرة قبل بدء الإنتخابات ،إلى إرباك كبير للمواطن السودانى ،الذى وقف حائرا ،وهو من لم يشارك فى إنتخابات على مدى 24 عاما هل يذهب إلى صندوق الإنتخابات بإعتباره أداة للتداول السلمى السلمى للسلطة وآلية للتحول الديمقراطى أم يعتبر أن الأمر برمته مهزلة وأن الأمور محسومة سلفا لصالح حزب المؤتمر ا لوطنى فى الشمال والحركة الشعبية فى الجنوب ،وإذا ذهب كيف ينجز عملية الإقتراع الصعبة المعقدة ،حيث عليه أن يختار ممثليه لرئاسة الدولة وفى رئاسة الولاية والبرلمان الولائى والقومى دفعة واحدة عبر 8 بطاقات إقتراع للمواطن فى الشمال و12 بطاقة للمواطن فى الجنوب ،فى أعقد عملية إنتخابية ليس فى السودان وحده ،وإنما على مستوى العالم وفقا لروايات بعض المراقبين ،حيث كان على المواطن السودانى فى بلد تحتل الأمية فيه نسبة كبيرة تصل فى بعض التقديرات إلى 70%،ووقد زاد من صعوبة العملية الإنتخابية حرارة الجو التى تصل إلى أقصى معدلاتها فى هذه الفترة من العام ،وزاد الأمر سوءا الأخطاء الفنية التى شابت العملية الإنتخابية ،التى أنفق عليها  أموال طائلة قدرها البعض ب2 مليار دولار ،والتى تنوعت مابين خلط رموز المرشحين وخلط أوراق الإقتراع مابين مركز وآخر وإختفاء لأسماء بعض المرشحين من الكشوف الإنتخابية ،وهو ما إعتبرته أحزاب المعارضة الشمالية والحركة الشعبية الشعبية سواء من شارك منهم أو قاطع مهزلة ورغبة من المؤتمر الوطنى والمفوضية التى اعتبروها تابعة له بالتزوير ،فضلا عن إتهامات وشكاوى أخرى من مرشحين بالجنوب  من تزوير وعنف قالوا إنه واسع النطاق من قبل الحركة الشعبية والجيش الشعبى لتحرير السودان ،وجاءت هذه الشكاوى فى الشمال والجنوب مخالفة لتقديرات كثير من المراقبين الدوليين ،الذين يبدوا أنهم يصلوا إلى كثير من المناطق النائية والطرفية فى السودان البلد الشاسع المساحة .

 

لا تغيير مؤثر :

من المتوقع ألا تحدث تغييرات فى شكل الخريطة السياسية المستقبلية فى السودان ،ولن يكون هناك تغييرات كبيرة مؤثرة فى شكل هذه الخريطة ،فحزب المؤتمر الوطنى سيحصل  على الأغلبية فى الشمال والحركة الشعبية ستحصل على الأغلبية فى الجنوب ،ورغم ذلك هناك توقعات بأن يسعى المؤتمر الوطنى إلى تشكيل حكومة شبه قومية تضم باقى الأحزاب والقوى السياسية ،وعلى المستوى الرئاسة السودانية ورئاسة حكومة الجنوب  لم يكن هناك مفاجآت فى الأمر ،حيث كان فى حكم المؤكد أن الفائز فيها هو  الرئيس الحالى عمر البشير ،وذلك بعد إنسحاب السيد الصادق المهدى رئيس حزب الأمة ،و ياسر عرمان نائب الأمين العام للحركة الشعبية لتحرير السودان ،كما أنه من المؤكد أيضا أن يكون  سلفاكير ميارديت رئيس حكومة الجنوب حاليا هو أيضا الفائز فى بمنصبه مجددا فى مواجهة لام أكول وزير الخارجية السابق وزعيم الحركة الشعبية للتغيير الديمقراطى .

وبعد الرئاسة تأتى المنافسة على مناصب حكام الأقاليم ،ورغم أن المؤتمر الوطنى يحكم قبضته فى الشمال والحركة الشعبية تحكم قبضتها فى الجنوب ،فإن معالم الصورة المرتقبة فى إنتخابات حكام الولايات والمناصب التشريعية ،ومايمكن أن تسفر عنه هذه الإنتخابات ماتزال غير واضحة ،ولايستبعد مراقبون حدوث مفاجآت فى هذه المستويات من الإنتخابات ،فى بلد لاتحكمه الولاءات السياسية وحدها ،فهناك الولاءات القبلية والمناطقية والولاءات للمصالح وغيرها،وإن كان المؤتمر الوطنى سيظل حريصا أن تكون الأغلبية من مقاعد البرلمان فى حوزته ،حتى لايفاجأ بوضع يفقد فيه هذه الاغلبية فى حال أى تحالف محتمل بين الحركة الشعبية لتحرير السودان ومعارضين آخرين فى الشمال .

 وتوقعت مصادر المؤتمر الوطنى ألاتقل نسبة المشاركة فى الإنتخابات عن 70% من إجمالى عدد المسجلين الذى يقدر ب16مليون نسمة ،وذلك رغم دعوة  أحزاب المعارضة والحركة الشعبية أنصارها إلى مقاطعة الإنتخابات ،ووجد المؤتمر الوطنى  منافسة كبيرة من الأحزاب والمستقلين فى المجالس التشريعية بالولايات .وهناك توقعات بحدوث  مفاجآت فى هذا الصدد ، وتوقعات أخرى بأن يستفيد حزب المؤتمر الشعبى بزعامة الدكتور حسن الترابى من الإنتخابات الحالية ،وقالت :إنه قدم مرشحيه على كافة المستويات ،وأن فوز الترابى ذاته اصبح مؤكدا حيث وضع على راس قائمة حزبه فى الخرطوم ،وتوقعت المصادر أن يكون الترابى هو زعيم المعارضة فى المرحلة المقبلة .

المخرج الحقيقى

ورغم ذلك فإن الخروج الكامل من مشكلات السودان يحتاج إلى تغيير ديمقراطى حقيقى ،وتبقى مشكلات السودان الراهنة أكبر وأعقد من أن تحل عبر هذه الإنتخابات وحدها ،وتحتاج إلى توافق حقيقى بين القوى الأساسية فى السودان لخلق وضع متوافق عليه أيا كان مسماه يخرج البلد من أزماتها المستعصية ،لأن هذه الإنتخابات أيا كان نتائجها حتى وإن اعترف بها المجتمع الدولى لأسباب خاصة به ،وهو أنه لايريد أن تنهار المنظومة التى أفرزتها إتفاقية نيفاشا للسلام والتى تتلخص فى شراكة المؤتمر الوطنى فى الشمال والحركة الشعبية فى الجنوب حتى يحين موعد الإستفتاء المقبل ،ستظل موضع تشكيك فى نزاهتها من قبل أطراف عديدة داخل السودان ،فعلت ذلك قبل الإنتخابات بتشكيكها فى الإحصاء والتسجيل الإنتخابى ،وفعلته أثناء الإنتخابات ،ولن تتورع عن فعله بعدها ،وبعض هذه القوى دعت إلى مقاومة نتائج الإنتخابات ،وهو مايعنى أن الخطر لازال قائما .

 

آراء