السودان والمحكمة الجنائية الدولية: من أجل سياسة سودانية مواكبة لتطورات القانون الدولى (1)

 


 

 

 

خصائص القانون الجنائى الدولى (International Criminal Law)

تم إنشاء المحكمة الجنائية الدولية فى عام 2002 لمحاكمة اربع جرائم: جريمة الابادة "العرقية" واطلق عليها " جريمة الجرائم" والجرائم ضد الانسانية وجرائم الحرب وجريمة العدوان . وبموجب القانون الجنائى الدولى يمكن محاكمة الجناة فى محاكم الدول الأخرى ضمن صلاحية الاختصاص الدولى للمحاكم الوطنية. وبموجبها يحق لأى محكمة ؛ الفصل فى تهم جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية التى يقترفها اى جانى فى اى موقع ؛ وكان ذلك سائدا قبل تشكيل المحكمة الجنائية فى عام 2002 ؛ إلا ان المحكمة الجنائية الدولية ICC تقتصر ولايتها القضائية على الجرائم الاربع المذكورة التى وقع ارتكابها فى اقليم محدد من قبل مواطنى ذلك الاقليم بعد ذلك التاريخ فقط. وعلى حد رؤية الخبير الايطالى وأستاذ حقوق الانسان الدولية والقانون الجنائى الدولى "انطونيو كاسيى" ان المتطلبات الجوهرية للقانون الجنائى الدولى قد تتعارض مع الخصائص التقليدية للقانون الدولى العام القائمة على العرف custom من حيث أوجه الشبه ما بين القانون الجنائى الدولى والقانون العام البريطانى common law فى خاصية الاعتماد على السوابق القضائية لأنه قانون يسهم فى تشكيله وتطويره الاحكام القضائية فى المحاكم. ولذلك يتمثل دور المحاكم الوطنية والدولية فى تسليط الضوء على عملية الضبط القانونى لاحكام القانون العرفى والتحقق من وجودها وتحديد مداها بجانب تفسير نصوص المعاهدات. ولذلك تأتى الاحكام القضائية فى الصدارة لتطوير القانون الجنائى الدولى فى عالم يتسم بسرعة المتغيرات وتتلاحق فيه الانتهاكات واقتراف الجنايات الفظيعة لا سيما جرائم الابادة الجماعية. ان القانون الجنائى الدولى يشهد نقلة متدرجة من نظرية الفلسفة الجنائية المعروفة ب Substantive Justice ، والتى بموجبها يتم معاقبة الافعال المسببة للضرر بدون سابقة تجريم لتلك الافعال بقصد حماية وتحصين امن وسلامة المجتمع ؛ إلى نظرية الشرعية القانونية الصارمة المعروفة بمصطلح Strict Legality التى تسبغ الحماية على المواطنين والافراد من وطأة الاعمال التعسفية للأجهزة التنفيذية تجاوزات السلطات القضائية والتى تتطلب عدم معاقبة الافراد على افعال غير مجرّمة جنائيا بشكل مسبق او عند ارتكابها. ومن الخصائص المهمة للقانون الجنائى الدولى انه لا يكتفى فقط بتجريم السلوك المسبب للأذى او الضرر بحق الآخرين مثل جرائم القتل والاغتصاب والتعذيب وتدميرالمستشفيات وقصف المدنيين الابرياء ؛ بل يجرم أيضا الافعال المسببة لمخاطر وأضرار غير مقبولة حيث تنطوى قواعد القانون الجنائى الدولى على مستوى وقائى preventive للحيلولة دون ارتكاب الفعل المجرّم منذ مرحلة الشروع الجنائى واتخاذ الترتيبات المبكرة والتخطيط لإرتكاب الجرائم وشيكة الاقتراف اى درء الجريمة فى مرحلتها الابتدائية inchoate crimes عبر منع القيام بالفعل المحدد الذى يفضى إلى حدوث مخاطر. ولذلك فإن الجرائم الواقعة تحت هذا النطاق تتعلق بإنتهاكات احكام القانون الدولى العرفى مثل إتفاقات جنيف الاربع لعام 1949 ، وكذلك نصوص المعاهدات التى تقنن او تؤكد على القانون العرفى وكذلك الاحكام المقصود بها حماية القيم المهمة التى تعتمدها كلية المجتمع الدولى او العالمى ؛ وبالتالى تكون ملزمة لكافة الدول والافراد وتعرف فى القانون الدولى بالقواعد الآمرة او الرئيسة Jus cogens ، مثل ميثاق الامم المتحدة 1945، والعهد العالمى لحقوق الانسان 1948، والمعاهدة الاوربية لحقوق الانسان 1950، والعهدين الدوليين للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية 1966، والميثاق الافريقى لحقوق الانسان والشعوب 1981، وإتفاقية جريمة الابادة 1948، وإتفافات جنيف لحماية ضحايا النزاعات المسلحة والبروتكول الاضافى 1977، وإتفاقية مكافحة التعذيب 1984. وكل منتهك لهذه الاتفاقات إذا كان مسؤولا حكوميا اثناء ممارسته لمهامه الرسمية لا يحق له الدفع بالحصانة السيادية لتفادى الامتثال للاختصاص الجنائى أو المدنى لمحاكم الدول الاجنبية. القانون الجنائى الدولى يختص بجنايات الحرب والجرائم المرتكبة ضد الانسانية لأن الحرب تعد فعلا من الافعال السياسية الواقعة ضمن نطاق الامتيازات السيادية ؛ وبمعنى آخر إخضاع الحرب وما يترتب عنها من جرائم لولاية القانون الجنائى الدولى المتمثل فى قانون روما لسنة 2200. هذه النقلة القانونية النوعية أدت لتأطير جديد لشكل العلاقة بين القانون وسيادة الدولة التى تتعرض لمزيد من القيود القانونية ؛ تتنازل فيه الدولة طوعا او كرها من مطلقيتها السيادية القديمة للمثول أمام إختصاص الولاية الجنائية الدولية المتمثلة فى المحكمة الجنائية الدولية ومن ثم تجريم الافعال السيادية " النابية ". ووفقا لرؤية "مارتى كوسكينيمى" الدبلوماسى الفنلندى السابق واستاذ القانون الدولى ؛ يتأرجح القانون الجنائى الدولى بين حدى الافلات من العقوبة impunity والمحاكم الجنائية الصورية show trials للأفراد مرتكبى الفظائع الانسانية الكبرى؛ حيث يعولم القانون الجنائى الدولى مبدأ حكم القانون على مستوى العالمية Universalisation of the rule of law ؛ بالترويج لعدم الافلات من العقوبة عبر مبدأ المساواة امام القانون بغض النظر عن وضعية ومكانة الجانى ؛ مما يشكل فرصة واقعية للتطوير الجنائى ضمن النظام القانونى فى الدائرة الوطنية بتحمل عبء محاكمة جرائم ذات طابع دولى مجسرا المسافة بين القانونية الوطنية والعالمية. ويحدث القانون الجنائى الدولى جدلا عبر مبدأ التكامل مع القانون الجنائى الوطنى عبر مبدأ التكامل الحقانى بين الاختصاصين القضائين الوطنى والدولى Complementarity ؛ إذ يمنح الاولوية العدلية للنظام القضائى الوطنى ويكتفى بذلك الحد عند محاكمة الجرائم المتضمنة فى قانون روما. والغاية المنشودة هى تحقيق العدالة الجنائية حيال الجرائم الاربعة الكبرى. ولذلك قامت المحاكم الدولية الخاصة بيوغسلافيا السابقة فى لاهاى والمحكمة الدولية الخاصة برواندا فى أروشا بمحاكمة كبار المسؤولين من الجناة ؛ فيما اوكل الى المحاكم الوطنية محاكمة الجناة الاقل درجة. وهذا محكوم بالمدى الذى يبلغه التعاون بين المحكمة والدول المعنية بخصوص التدابير والاجراءات الوطنية الخاصة بالقيام بمحاكمة الجناة قبل الحكم على موقف الدولة بعدم التعاون او العجز عن تحقيق العدالة الجنائية بحق الضحايا. وهذا يحيل بشكل آلى الإختصاص الجنائى الى المحكمة الجنائية الدولية أو إلى مجلس الامن من اجل تشكيل محكمة دولية خاصة ويستدعى ذلك موافقة الاعضاء الخمسة المتمتعين بحق النقض وهو الشىء الذى تحقق فى حالة المحاكم الدولية الثلاثة فى يوغسلافيا ورواندا وسير اليون. والاخيرة كانت انموذج هجين ضم قضاة دوليين عينتهم الامم المتحدة وقضاة محليين عينتهم حكومة سير اليون بشرط مراعاة الموضوعية فى إختيارهم ؛ للوفاء بمتطلبات عملية سير العدالة – والمحكمة الهجينة تستوفى افضل المعايير الدولية والوطنية ؛ كما لا يخفى أهمية الدور الصينى والروسى فى التوصل الى ذلك الخيار. ويمكن تقديم الجناة للمحاكمة فى اى محكمة من محاكم الدول الاخرى سواء الموقعة على قانون روما او غير الموقعة ضمن إطار تطبيق الاختصاص الدولى للمحاكم الوطنية. وهذا يمكننا من مقايسة وضعية الدول غير المصادقة على نظام روما الاساسى بوضعية الدول غير المصادقة على معاهدات جنيف لعام 1949 والبروتوكول الاضافى لعام 1977 الحامية للمدنيين فى فترات الحروب ؛ والتى تصنف ضمن مرتبة القانون الدولى العرفى وبالتالى ملزمة بحكم الاجماع الدولى لغير المصادقين عليها وهى تجرم ممارسة العقاب الجماعى وهو الذى تشتمل عليه بعض الاعمال الجنائية بحق دارفور. كما يسهم القانون الجنائى الدولى فى توسيع فضاء او عولمة مبدأ حكم القانون فى القانون الدستورى والمساواة امام القضاء بغض النظر عن مرتبة الجانى ووضعيته الدستورية.
دبلوماسية الفقة القانونى للحرب:
تتناول اطروحة البروفسور الاسترالى " جيرى سيمسون " استاذ القانون الدولى السابق بمدرسة لندن للعلوم السياسية ؛ القانون الدولى لجرائم الحرب من دلالات التغيير الجذرى فى مسار القانون الدولى المعاصر من حيث شكل وسياق الخطاب القانونى والجدل الدائر حول كيفية خوض الحرب كفعل سياسى وتحمل مغبة الأعمال العسكرية المنتهكة ؛ وهى تحولات شحذت من فعالية القانون الدولى المعاصر وعلاقة الحرب بالجريمة ضمن مصطلح "دبلوماسية الفقه الحقانى للحرب" Juridified diplomacy. ويعنى هذا النمط من الدبلوماسية بصلة الفقه القانونى والعدلى بضبط النزاعات السياسية والاعمال الحربية ؛ وبين تشابك العلاقات الناشئة من عملية تقنين الحرب وتشريع نظام عدلى وإقامة ولاية قضائية وإنشاء نظام حقوقى يضبط عمليات الحرب الحديثة لكونها فعلا عسكريا فضلا عن محاكمة الانتهاكات الناجمة عن الافعال العسكرية والجرائم الحربية. وهى سياسة تستهدف وضع الحلول للنزاعات السياسية بالاحتكام إلى مؤسسات قانونية لوضع حد لظاهرة الافلات من معاقبة الافعال الجنائية المرتكبة على مستوى الدولة. وقد سبق ان قلص القانون الدولى مبدأ الحصانة السيادية الممنوحة فى السابق لرؤساء الدول والحكومات؛ ونقلها من حيّز الاطلاق إلى حيِز التقييد ؛ اى من الحصانة السيادية المطلقة الى الحصانة السيادية المقيّدة. ولذلك تم تجريم فعل الحرب السيادى لتطويق الإنتهاكات المستشرية للحيلولة دون استمرار الافلات من العقاب بحجة الامتياز السيادى. ان الذين يحتجون بمطلقية الحصانة السيادية لأفعال الرؤساء انما يحتجون بقاعدة منسوخة فى القانون الدولى من حيث النظروالتطبيق. ولذا يرى بروفسور "سيمبسون: ان القانون الجنائى الدولى هو مشروع علاقات متشابكة بين الفعل اوالانتهاكات المحلية والحدود الجنائية الدولية المسنونة لتجريمها. إن تكلفة عملية التقاضى الدولى الباهظة تتم عند فشل الدول المتهمة بالتعاون مع المحكمة اوإجراء المحاكمات للمتهمين تحت نظامها القانونى الوطنى ؛ وبلغت فى محاكمة "ميلوشوفيتس" وحدها اكثر من بليون دولار ؛ كان يمكن ان وضعت فى صندوق مالى ان تسهم فى إعادة بناء المجتمعات التى دمرتها آلة الحرب الهمجية فى متوالية حروب الابادات ؛ عوضا عن إحالة شخص او أشخاص للتقاضى لينتهى الامر بحبسهم على نمط محاكمات نورمبيرغ ؛ اى القصاص الجنائى بدلا عن تصحيح وضعية ضحايا الجنايات بتفعيل مبدأ جبر الضرر الذى طوره الخبير القانونى الهولندى " ثيو فان بوفن" وهو يتكامل مع مأثور الحديث النبوى "لا ضرر ولا ضرار".
تكامل الاختصاص القانونى الدولى والوطنى:
يؤدى تطبيق القانون الجنائى الدولى إلى تجديد ظاهرة التنازع او التكامل بين الاختصاص القانون المحلى والاختصاص الجنائى الدولى ؛ وقد سبقها من قبل الجدال فى مجال حقوق الانسان العالمية. فالدول التى تطبق النظام المدنى مثل فرنسا ليست بحاجة إلى تشريع محلى لتضمين قانون روما فى نظامها القانونى الوطنى Monism ؛ اما الدول التى تطبق نظام القانون العام مثل بريطانيا يتم تضمين قانون روما فى قوانينها الجنائية الوطنية بإصدر قانون محلى وهو ما يعرف بنظام الازدواج القانونى Dualism ؛. ويتصل القانون الجنائى الدولى بعملية "موطنة القانون الدولى" والتشابك إئتلافا وإختلافا مع عدد من الحقول من بينها السياسة والقانون المحلى والتناسب والتباين بين العدالة الجنائية الوطنية ومثيلتها الدولية التى يتم تفعيلها على شكل جزاءات وعقوبات للجنايات المرتكبة؛ ومن بينها العلاقة بين الجرم الجنائى المقترف بالتعاضد الجماعى والمسؤولية القانونية الفردية ؛ وإنجاز العدالة ؛ والصلة بين شرعية القوى السياسية المهيمنة وحرية التعبير عن الرأى المعارض ؛ والتضاد بين مخطط العقليات العدوانية التى تنفذ اجندة إستئصال عرقى عبر الفعل السياسى؛ والنظم القانونية المستحدثة لمقاضاة ومحاكمة الجناة وتجسيد القانون الجنائى الدولى من خلال الإختصاص السيادى الوطنى. وقد سبق تطبيق هذا المنهج الحقانى الدولى فى منظومة حقوق الانسان الدولية وعالميتها من حيث تعارضها مع حجج المستبدين الافارقة الذين استمسكوا بالنسبية الثقافية الوطنية للافلات من العقوبات الدولية بحق انتهاكات حقوق الانسان الجسيمة.

تحالف دبلوماسية الانقاذ والاتحاد الافريقى:
اججت دبلوماسية نظام الانقاذ الخفية العداء بين الاتحاد الافريقى والمحكمة الجنائية بتحريضها وكرائها بعض الرؤساء الافارقة على معاداة المحكمة الجنائية الدولية ضمن استراتيجية خط الدفاع الاول للافلات من العقوبة الجنائية لجرائم حرب دارفور. وبالمقابل هناك ايضا بوادر إستجابة إيجابية لاتهامات المحكمة التى طالت كل من الرئيس الكينى "اوهيرو كنياتا" ونائبه " ويليام روتو" والتى تمثلت فى إمتثال طوعى للإختصاص الجنائى للمحكمة الدولية بالتضاد مع التحشيد السياسى الافريقى للإنسحاب الجماعى من قانون روما بمن فيهم جنوب أفريقيا على عهد رئيسها السابق "جيكوب زوما" وإنسحاب دولة بروندى من قانون روما الاساسى. شاهد الانتصار ان المحكمة الجنائية الدولية تولى الضحايا دورا اكبر من دورهم التقليدى المعهود فى دوائر اختصاص القانون العام مثل بريطانيا بعد بلورة مفهوم المحاكم الجنائية الدولية. اى ان دور الضحايا اكبر من دور الشهود وهو ناجم عن اثر المتدربين وفق نظم القانون المدنى ومفاهيم العدالة السائدة فى افريقيا وآسيا.
ولقد عارضت رواندا إنشاء المحكمة الجنائية الدولية لرواندا ICTR فى نوفمبر 1994 بموجب قرار مجلس الامن رقم 955 ؛ لمحاكمة مقترفى جريمة الابادة العرقية والانتهاكات الجسيمة للقانون الدولى فى رواندا وكان مقرها فى اروشا - تنزانيا ؛ لأن قانون روما لا يتضمن عقوبة الاعدام ضمن العقوبات الجنائية لمرتكبى جرائم الحرب أسوة بالنظم القانونية الاوربية. إن 28% من قضاة المحكمة الجنائية هم افارقة بمن فيهم المدعى العالم للمحكمة "فاتو بن سوده" من دولة غامبيا وعملت لفترة طويلة نائبة لاوكامبو قبل انتهاء ولايته فى عام 2012 كما عملت مستشارة للجنائية فى محاكمة جرائم رواندا وشعارها "المحكمة الجنائية من اجل الضحايا الافارقة". وهى قاضية وقانونية ملمة بالتراث العدلى والقانون الجنائى الافريقى ويمكن ان تلعب دورا اكثر دينامية فى تجسير المسافة بين المحكمة ودول افريقيا. وبدلا عن حجب فعالية افريقيا بلثام مفهوم النهضة والكرامة الافريقية والادعاء ان الجنائية تستهدفها ؛ والسعى لبلورة هوية افريقية مشتركة ليس على شاكلة رؤيا "كوامى نكروما" اول من نادى بدولة الولايات الافريقية المتحدة ؛ واطروحة النغرتيود للرئيس السنغالى السابق "ليوبولد سيدار سنغور وأطروحة الاصالة التى تمسك بها "موبوتوسيسى سيكو" رئيس دولة زائير ( الكنغو الديمقراطية) واطروحة النهضة الافريقية للرئيس الجنوب افريقى السابق " تابو مبيكى" بجانب تأثير دولارات النفط السودانى. ان ثلاثة دول افريقية قامت طواعية بإحالة اوضاع فى دولها إلى إختصاص المحكمة الجنائية الدولية وهى يوغندا والكنغو الديمقراطية وافريقيا الوسطى إضافة الى محاكمة " تشارلس تايلور" الرئيس الليبيرى السابق و" لوبانغا" الكنغولى وامتثال الرئيس الكينى اوهيرو كنياتا طواعية لاختصاصها وكذلك
السيد بحر ابو قردة وكلها امتثالات إيجابية. ان السنغال هى اول دولة تصادق على قانون روما فى العالم فى فبراير 1999 من اصل 120 دولة موقعة على قانون روما. بناء على هذه السوابق والشواهد الايجابية ينبغى البحث عن مقاربة قانونية تتجاوز القطيعة القانونية والانتقال بمواقف الدول الافريقية من الاعتراض السياسى إلى التكييف القانونى بالمطالبة بوضعية مفهوم العدالة الافريقية بخصوصيتها الثقافية ومثالاتها فى ظاهرة توضيح الحقائق وذلك للإجابة على السؤال هل تمتلك افريقيا رؤيا عدلية جنائية مختلفة عن تراث الانسانية ؟ هذا الموقف الايجابى يمكن افريقيا من الاسهام بشكل فعال فى تأطير ونمذجة القانون الدولى المعاصر وتحويره من مساره الرأسى الذى تتحكم فيه الدول الغربية الكبرى والانتقال به إلى المسار الافقى بحسبان ان لافريقيا عطاء مشهودا فى تحوير مسار الاقتصادى العالمى الرأسمالى بالوقوف ضمن مجموعة دول ال 77 فى الجمعية العامة للامم المتحدة وطرح رؤيا النظام الاقتصادى العالمى الجديد.
ويمكن بذلك ان ننقل القيم العدلية الافريقية من محليتها إلى وضعيتها العالمية برد مفهوم العدالة إلى غاياته القصوى وهى التمسك بمبادى مشتركة مثل عدم الاعتداء ؛ التضامن الجماعى؛ جبر الضرر؛ التعويض المالى ؛ الردع والمساءلة الجنائية ؛ ويؤدى هذا فى منتهاه إلى ترسيخ مبدأ عدم الافلات من العقوبة محلية او دولية ؛ وتقنين كيفية خوض الجيوش للحروب بترسية القانون الدولى الانسانى وسن قوانين حرب محلية؛ حيث ان المحكمة الجنائية لا تتدخل بإختصاصها إذا قامت الدول بإجراء التحقيقات وجمع الادلة الجنائية ومحاكمة الجناة الذين يرتكبون الجرائم الاربعة المذكورة فى القانون. فمن الاصوب توحيد الموقف الافريقى تجاه القضايا الدولية الرئيسة ومن بينها العدالة الجنائية الدولية ولكن بمقاربة ايجابية بعيدة من الهواجس والمواقف السلبية لأن المقاطعة لا تؤدى إلى إنهاء "عنصرية" الجنائية ان وجدت حال ترك الامر لهيمنة الدول الغربية. فالاطروحة التى يرّوج لها بعض قادة الدول الافريقية تحت تأثير قوى من السودان يعيد الكرّة مرة اخرى إلى اطروحات وحجج الأباطرة الأفارقة وشموليّى قادة "العالم الثالث" حيال الإنتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان الدولية خلال حقبتى السبعينات والثمانينات. اما فى حالة وضعية الرئيس البشير ومشايعيه الافارقة ممن تم وصفهم من قبل المحامين الدوليين بالمستنكرين المحليين فإن موقفهم الاستنكارى تجاه المحكمة الجنائية الدولية لم يلق التزخيم الاعلامى ولا التحشيد الشعبى الكبير ولا السجال القانونى اللائق ؛ والذين تمسكوا بنعت المحكمة الجنائية بالآلية الامبريالية التى إقتصرت محاكماتها على الافارقة دون غيرهم لم يقدموا البديل القانونى المحلى لمنع ظاهرة الافلات من العقاب. ان الموقف الصينى يتكامل مع الموقف الافريقى بدلالاته السلبية من الجنائية الدولية. فالصين قامت ببناء مقر الاتحاد الافريقى بمبلغ 200 مليون دولار بهدف التأثير على الاتحاد الافريقى فى السياسة الدولية وهى لم تصادق على قانون روما وهى التى روجت لمبدأ التماثل بين المطالبة العدلية وتحقيق السلام ضمن خطاب السفير الصينى فى مجلس الامن فى عام 2008 اى المطالبة بعدم ملاحقة البشير قضائيا قبل التأكد من تحقيق السلام فى دارفور. ان موقف دول الاستنكار القانونى يخدم تماما مصالح امريكا فى القانون والسياسة الدولين


faran.idriss5@gmail.com

 

آراء