الشعب السوداني والاتفاق الاطاري
طاهر عمر
29 December, 2022
29 December, 2022
ثورة ديسمبر إنجاز شعب عظيم فتح نافذة بسعة حلمه أن يعيش في ظل دولة حديثة تحمل معنى و مفهوم الدولة الحديثة و كذلك مفهوم السلطة وفقا للوعي التاريخي أي السير في طريق الانسانية التاريخية و الانسان التاريخي. و حتى لا نبعد عن واقع حياتنا في السودان الشعب بثورته المجيدة و شعارها العظيم حرية سلام و عدالة يريد أن يغيّر واقع متكلس نتاج مفاهيم تقف من خلفها نخب تفتقر للوعي التاريخي الذي يجعلها تقوم بمقاربات تجعل سير المجتمع أسهل عبر مسيرة الانسان التاريخي و الانسانية التاريخية حيث تنشد تحقيق الانتصار للفرد و العقل و الحرية.
وفقا لإفتراض كل من عمانويل كانط و منتسكيو في علم اجتماعه حيث يصبح مسار الانسانية التاريخية و الانسان التاريخي صاعدا من إفتراض أن الفرد عقلاني و أخلاقي. و هنا يلتقي عالم الاجتماع الفلسطيني هشام شرابي بفكره حيث يرتكز على فكرة الوعي التاريخي و ما هو إلا إنعكاس لفكر كل من عمانويل كانط و منتسكيو فيما يتعلق بمسيرة الانسانية التاريخية و الانسان التاريخي حيث نجد أن إنتصارهم لمعادلة الحرية و العدالة في انتصارها للفرد و العقل و الحرية.
أما شرابي فنجده يشغل تفكيره عن كيفية النهوض بالعالم العربي و الاسلامي ما يطفح على السطح من جبل الجليد فيما يتعلق بتخلف العالم العربي و الاسلامي و إنعكس هذا التخلف على عجز تام للنخب للخروج من مستنقع العالم العربي و الاسلامي حيث ما زالت النخب فاشلة بامتياز في مقاربة مفهوم السلطة و الحرية و الإزدهار المادي في العالم العربي و الاسلامي.
هشام شرابي أنتبه الى حيث يكمن جبار الصدف الذي يحول ما بيننا و النهوض أي لتسجيل حقبة يقودها فكر يصعد الى مستوى فكر عصر النهضة و هنا يبرز دور الشخصية التاريخية التي تستطيع قيادة الشعوب لكي تفارق عقلها الجمعي التقليدي مثلما فعل مارتن لوثر في فكرة الاصلاح الديني و هذا عمل لا يقوم به إلا عباقرة الرجال.
لأنه يتجاوز موروث متراكم لآلاف السنيين و قد رأينا الهزة العنيفة التي قد تعرضت لها أوروبا عندما تفتحت فكرة الاصلاح الديني و لكن قد تصادف مع رغبة و أماني البرجوازية الصغيرة في تحقيق الإزدهار المادي لذا قد لاقت فكرة الاصلاح الديني حماس لكي ينجر المجتمع و يخرج من قوقعة عقله التقليدي و قد كانت لحظات تمزق نفسي و تشظي عقلي مخيف و كان هذا بين النخب أنفسهم مثلا نجد أن إراسموس الفيلسوف الهولندي الذي يصنف من الانسانيين الكبار رفض مقابلة مارتن لوثر عندما دعاه لمقابلته.
لأن أفكار الإصلاح الديني كانت هزة عنيفة لا يقوى على تحملها حتى الانسانيين الكبار أمثال إراسموس و هنا تأتي أهمية الشخصية التاريخية لأهمية دورها في تجاوز العقل الجمعي التقليدي.
لهذا نقول للنخب السودانية اذا أرادت أن تخرج من انساق الطاعة و الذاكرة المحروسة بالوصاية و ممنوعة من التفكير إذا أرادت توسيع ماعون الحرية كما يقول الفيلسوف التونسي فتحي المسكيني يجب أن يكون الاتفاق الاطاري و إبعاد الجيش من ممارسة السياسة و ممارسة المناشط الاقتصادية بداية القطيعة مع التراث القريب منه قبل البعيد و خروج النخب السودانية و رفضها لممارسة طقوس الطاعة التي تؤديها للمرشد و الامام و الاستاذ كما هو سائد عند الشيوعيين.
و من هنا التوجه صوب فكر جديد ينتصر للفرد و العقل و الحرية حيث ينفتح الطريق لمفهموم الانسانية التاريخية و الانسان التاريخي و هذا يحتاج لفلسفة منبتين ليس لهم علاقة بالماضي الذهبي كما يتوهم الاسلاميين و القوميين. المضحك يتحدث فتحي المسكيني عن فلسفة النوابت أو المنبتين و عندنا في السودان نجد المنبتين صفة لمن انقطعت مسيرتهم العرقية بسبب الرق و سبب الإختلاف الكبير بين إحتفاء فتحي المسكيني بفلسفة النوابت أو المنبتين لأن النخب السودانية كانت مشغولة بمسألة الهوية و ليست الحرية و لهذا نجد أن النوابت أو المنبتين كفلاسفة يحتاجهم فتحي المسكيني و أن المنبتين أو النوابت في السودان محل سخرية و لك أن تتأمل.
المهم في الأمر يجب أن يكون الإتفاق الإطاري بداية واضحة لمفهوم المسؤولية الاجتماعية نحو الفرد و لا يمكن تأسيسها بغير بناء فهم جديد يستوعب مفهوم الدولة كمفهوم حديث و مفهوم السلطة كمفهوم حديث و على أساسهما تقوم علاقة مباشرة ما بين الفرد و الدولة و ليس كما كان في مجتمع تقليدي للغاية في السودان حيث لا نجد أي علاقة تربط الفرد بالدولة.
لأننا لم نصل بعد لدولة حديثة بل نجد علاقة الفرد بالقبيلة و الطائفة و الطرق الصوفية و الإدارات الأهلية و هذا تجلي واضح لتقليدية مقيتة قد حكمت مفاصل المجتمع السوداني و قيّدت حركته و منعته من السير نحو مفهوم الدولة الحديثة التي تهتم بالفرد و ليس بالطبقة كما يتوهم الشيوعيين السودانيين. لأن الفرد يرنو دوما لغاية الغايات و هي الحرية أي قيمة القيم.
و عبر علاقته بالدولة يضمن مجانية التعليم و مجانية العلاج و يسير مطمئن نحو تحقيق فكرة الضمان الاجتماعي حيث تصان كرامته كانسان وفقا لفكرة المسؤولية الاجتماعية نحو الفرد و نجدها اليوم في الغرب حيث يستحق الفرد الحد الادنى للدخل لصيانة كرامته كانسان ذو علاقة بفكرة الدولة كمفهوم حديث و هذا هو ما أفضى له سير الانسانية التاريخية في الغرب في أقل مستوى نجده يؤكد فكرة المسؤولية الاجتماعية نحو الفرد بفكرة الضمان الاجتماعي و حفظ كرامته كانسان.
و عليه نقول أن فكرة المسؤولية الاجتماعية نحو الفرد لا يمكن تحقيقها بغير تأسيس دولة حديثة في السودان ليس لها علاقة بماضي السياسي السوداني الفاشل و ليس لها علاقة بماضي الأحزاب السودانية الفقيرة في الفكر و هي تحتاج لفكر غير مسبوق بعهد في السودان و ليس لنا ما يدعمه من ذاكرتنا لأن ماضينا لم يعكس فكرة دولة حديثة.
و عليه نقول أن الإتفاق الإطاري هو بداية جديدة لا تسعف فيها الذاكرة القديمة السياسي السوداني و بالتالي قد وضع السياسي السوداني نفسه أمام طريق صعب ليس له زاد من ذاكرته القديمة لكي يعون على قطع هذه المسافة الوعرة من أجل تحقيق دولة حديثة لأن ذاكرته التي تخلّد فكر الامام و المرشد و مولانا و الاستاذ كانت في حالة وعي زائف منذ أيام أتباع مؤتمر الخريجيين و هذا الوعي الزائف الذي يجعل المثقف السوداني يؤدي فروض الطاعة للامام و المرشد و الاستاذ لا يعرف الطريق المؤدي الى الدولة الحديثة.
و من هنا ننبه أصحاب الإتفاق الاطاري أن من يسعفهم في سيرهم في الطريق الوعر نحو الدولة الحديثة هو أن يستمعوا لما يوحيه لهم الشعب و قد أوحى لهم شعار عظيم حرية سلام و عدالة ما أعظمه من شعار و ما أعظمها من مسؤولية على عاتق من يريد تحقيق هذا الشعار.
و من يريد تحقيق الشعار عليه أن ينعتق من ماضيه البائس نتيجة استظلاله في أحزاب وحل الفكر الديني أي أحزاب طائفية و كيزان و سلفيين أحزاب لاجئة الى الغيب في زمن شهادة شعار يبحث عن عالم شهادة متوشح بالحرية و السلام و العدالة.
و نؤكد بأن تحقيق شعار ثورة ديسمبر المجيدة يحتاج لفكر نتاج عقل الانسان و تجربته وفقا لتجربة الانسان و ضمير الوجود و لهذا كنت قد بدأت المقال بالحديث عن الانسانية التاريخية و الانسان التاريخي. جاء الوقت بأن يعرف السياسي السوداني أن البشرية قد وصلت لمستوى نضج يسمح لعقلها بتنظيم أمورها وفقا لفكر نتاج عقلنا البشري أي فكر مفارق لفكر وحل الفكر الديني أي الفكرة المطلقة.
و نقول للنخب التي تقف خلف الإتفاق الإطاري أن الثورات الكبرى كثورة ديسمبر تلحقها تشريعات كبرى تلغي ما تركته الحركة الإسلامية من ركام يسمى تجاوز سلطة قضائية فيجب إلغاء و حل الجهاز القضائي الكيزاني كما فعل الشعب التونسي حتى ينعتق من تعطيل كيزان تونس لثورته أعني بالواضح إبعاد الكيزان من السلطة القضائية.
تفكيك التمكين بحيث تعود أموال الشعب السوداني المنهوبة الى وزارة المالية و الاقتصاد. تفكيك التمكين يعني إبعاد أتباع الحركة الاسلامية من مفاصل الدولة حتى نستطيع رؤية ملامح الدولة و بالتالي نختار لها الوجهة التي تتحرك نحوها و هي وجهة الدولة الحديثة و لا يكون ذلك إلا بفعل تفكيك التمكين حيث يكون التعامل مع الكيزان بلا رحمة و إبعادهم من وزارة المالية و الاقتصاد و إبعادهم من البنك المركزي و مراجعة سياسات السودان فيما يتعلق بالبنوك أي فيما يتعلق بالنقود و المصارف و دورها في تحقيق السياسات النقدية في تحقيق أقتصاد التنمية.
و تساعد مسالة تغيير العملة كثيرا في استرداد الأموال المنهوبة الى وزارة المالية و لا يكون ذلك باليسير بغير إبعد الكيزان من البنوك و وزارة المالية و البنك المركزي. ابعاد الكيزان بلا رحمة من وزارة الخارجية و لو دعت الضرورة بقفل أكبر قدر من السفارات في كثير من الدول التي لا تخدم غرض غير أنها كانت مرتع للكيزان و عبيدهم من دبلوماسيين يريدون أن يوهموننا أن الدبلوماسية مهنة لا علاقة لها بخدمتهم للكيزان.
يمنع الجيش الكيزاني من ممارسة أي مناشط اقتصادية و إرجاع شركات الجيش لحضن وزارة المالية إخضاع ديوان الزكاة لوزارة المالية لأنه أكبر عش دبابير كيزاني و متاجرة بالدين. إرجاع الأموال المنهوبة تكون بداية لتأسيس مجانية التعليم و مجانية العلاج و طريق يسير نحو تحقيق المسؤولية الاجتماعية نحو الفرد.
هذا يتطلب من السياسي السوداني أن ينعتق من تبعيته للمرشد و الامام و مولانا و الاستاذ الذي لا يتحدث خطابهم عن أن لهم دور لا يخرج من أن يكونوا خادميين للشعب و لك أن تتصور كيف تنقلب الامور الامام و المرشد و مولانا يصبحون خدم لخدمة الشعب و هيهات.
و عليه نقول أن تحقيق الإتفاق الإطاري يحتاج أن ينعتق السياسي السوداني من سيطرة الامام و المرشد و مولانا و الأستاذ و يصير السياسي السوداني في ظل العلاقة الجديدة خادم للشعب حيث لم يستطع الامام و مولانا و الاستاذ أن يكونوا خادمين للشعب و من هنا كان الفشل ملازم للأحزابهم.
نقول للنخب التي تريد تحقيق الإتفاق الإطاري الذي يرضي الشعب لا تبحثوا عن تجربة تساعدكم في دول الجوار ما يريده الشعب السوداني من ثورته لا يخرج من سعودية الملوك و لا مصر السيسي و لا من نموذج سلفاكير بل يخرج من إرادة الشعب السوداني التي قد أعجبت أحرار العالم. و لهذا نقول لكم لا تستمعوا لعويل الكيزان و الشيوعيين في كرههم لأحرار العالم الذين يقفون بجانب الثورة المجيدة.
الكيزان و الشيوعيين وجهين لعملة رديئة و لم يستوعبوا بعد معنى الانسانية التاريخية و الانسان التاريخي. و قد حزرنا منهم عالم الاجتماع هشام شرابي أي من الكيزان و الشيوعيين و ماهم إلا تجسيد للأبوية المستحدثة و قد تجسدت في أحزاب اللجؤ الى الغيب و أحزاب الأيدويولوجية المتحجرة. الكيزان لا يرون في الغرب غير عدو دائم لا يتغيير و لا يتبدل و في نفس الوقت تقدم الغرب يجعل الكوز دوما ضد الغرب بحكم أنه يتوهم بفعل محاكاة الغريم لماذا لا يحكم المسلمون العالم بدلا من الغرب.
لذلك تجد الكوز عدو دائم للحداثة و عقل الأنوار و يحاول سد كل الأبواب و النوافذ حتى لا يتسلل شعاع عقل الأنوار و فكر الحداثة. أما الشيوعي السوداني في نسخته المتخشبة قد جلب من الغرب شيوعية متحجرة لا ترى في الغرب غير أنه امبريالي.
لهذا تجد الكوز و الشيوعي السوداني أسيري لنصف قرن لشعارهم المحبب لن يحكمنا البنك الدولي و هذا بسبب جهلهم بمفهوم الانسانية التاريخية و الانسان التاريخي و قد بداء مسيرته أي الشعب السوداني بشعار حرية سلام و عدالة و لا يمكن تحقيق هذا الشعار بغير الفكر الليبرالي بشقيه الاقتصادي و السياسي و أول ملامحه ظهور ملامح الدولة بعد إبعاد الكيزان من مفاصلها و إبعاد الجيش من السياسة و منعه من ممارسة أي منشط اقتصادي.
في الختام وجب التنويه بأن هذا المقال هو مقارنة ما بين فكر هشام شرابي و فكر فلاسفة الغرب و كيف أن هشام شرابي عبر مسيرة طويلة قد قدم فكر يجعله يقف جنبا لجنب مع فلاسفة و مفكري الغرب و خاصة في كتبه التي قد خاضت في النظام الأبوي و إشكالية تخلف المجتمع العربي و كتابه المثقفون العرب و الغرب.
taheromer86@yahoo.com
//////////////////////////
وفقا لإفتراض كل من عمانويل كانط و منتسكيو في علم اجتماعه حيث يصبح مسار الانسانية التاريخية و الانسان التاريخي صاعدا من إفتراض أن الفرد عقلاني و أخلاقي. و هنا يلتقي عالم الاجتماع الفلسطيني هشام شرابي بفكره حيث يرتكز على فكرة الوعي التاريخي و ما هو إلا إنعكاس لفكر كل من عمانويل كانط و منتسكيو فيما يتعلق بمسيرة الانسانية التاريخية و الانسان التاريخي حيث نجد أن إنتصارهم لمعادلة الحرية و العدالة في انتصارها للفرد و العقل و الحرية.
أما شرابي فنجده يشغل تفكيره عن كيفية النهوض بالعالم العربي و الاسلامي ما يطفح على السطح من جبل الجليد فيما يتعلق بتخلف العالم العربي و الاسلامي و إنعكس هذا التخلف على عجز تام للنخب للخروج من مستنقع العالم العربي و الاسلامي حيث ما زالت النخب فاشلة بامتياز في مقاربة مفهوم السلطة و الحرية و الإزدهار المادي في العالم العربي و الاسلامي.
هشام شرابي أنتبه الى حيث يكمن جبار الصدف الذي يحول ما بيننا و النهوض أي لتسجيل حقبة يقودها فكر يصعد الى مستوى فكر عصر النهضة و هنا يبرز دور الشخصية التاريخية التي تستطيع قيادة الشعوب لكي تفارق عقلها الجمعي التقليدي مثلما فعل مارتن لوثر في فكرة الاصلاح الديني و هذا عمل لا يقوم به إلا عباقرة الرجال.
لأنه يتجاوز موروث متراكم لآلاف السنيين و قد رأينا الهزة العنيفة التي قد تعرضت لها أوروبا عندما تفتحت فكرة الاصلاح الديني و لكن قد تصادف مع رغبة و أماني البرجوازية الصغيرة في تحقيق الإزدهار المادي لذا قد لاقت فكرة الاصلاح الديني حماس لكي ينجر المجتمع و يخرج من قوقعة عقله التقليدي و قد كانت لحظات تمزق نفسي و تشظي عقلي مخيف و كان هذا بين النخب أنفسهم مثلا نجد أن إراسموس الفيلسوف الهولندي الذي يصنف من الانسانيين الكبار رفض مقابلة مارتن لوثر عندما دعاه لمقابلته.
لأن أفكار الإصلاح الديني كانت هزة عنيفة لا يقوى على تحملها حتى الانسانيين الكبار أمثال إراسموس و هنا تأتي أهمية الشخصية التاريخية لأهمية دورها في تجاوز العقل الجمعي التقليدي.
لهذا نقول للنخب السودانية اذا أرادت أن تخرج من انساق الطاعة و الذاكرة المحروسة بالوصاية و ممنوعة من التفكير إذا أرادت توسيع ماعون الحرية كما يقول الفيلسوف التونسي فتحي المسكيني يجب أن يكون الاتفاق الاطاري و إبعاد الجيش من ممارسة السياسة و ممارسة المناشط الاقتصادية بداية القطيعة مع التراث القريب منه قبل البعيد و خروج النخب السودانية و رفضها لممارسة طقوس الطاعة التي تؤديها للمرشد و الامام و الاستاذ كما هو سائد عند الشيوعيين.
و من هنا التوجه صوب فكر جديد ينتصر للفرد و العقل و الحرية حيث ينفتح الطريق لمفهموم الانسانية التاريخية و الانسان التاريخي و هذا يحتاج لفلسفة منبتين ليس لهم علاقة بالماضي الذهبي كما يتوهم الاسلاميين و القوميين. المضحك يتحدث فتحي المسكيني عن فلسفة النوابت أو المنبتين و عندنا في السودان نجد المنبتين صفة لمن انقطعت مسيرتهم العرقية بسبب الرق و سبب الإختلاف الكبير بين إحتفاء فتحي المسكيني بفلسفة النوابت أو المنبتين لأن النخب السودانية كانت مشغولة بمسألة الهوية و ليست الحرية و لهذا نجد أن النوابت أو المنبتين كفلاسفة يحتاجهم فتحي المسكيني و أن المنبتين أو النوابت في السودان محل سخرية و لك أن تتأمل.
المهم في الأمر يجب أن يكون الإتفاق الإطاري بداية واضحة لمفهوم المسؤولية الاجتماعية نحو الفرد و لا يمكن تأسيسها بغير بناء فهم جديد يستوعب مفهوم الدولة كمفهوم حديث و مفهوم السلطة كمفهوم حديث و على أساسهما تقوم علاقة مباشرة ما بين الفرد و الدولة و ليس كما كان في مجتمع تقليدي للغاية في السودان حيث لا نجد أي علاقة تربط الفرد بالدولة.
لأننا لم نصل بعد لدولة حديثة بل نجد علاقة الفرد بالقبيلة و الطائفة و الطرق الصوفية و الإدارات الأهلية و هذا تجلي واضح لتقليدية مقيتة قد حكمت مفاصل المجتمع السوداني و قيّدت حركته و منعته من السير نحو مفهوم الدولة الحديثة التي تهتم بالفرد و ليس بالطبقة كما يتوهم الشيوعيين السودانيين. لأن الفرد يرنو دوما لغاية الغايات و هي الحرية أي قيمة القيم.
و عبر علاقته بالدولة يضمن مجانية التعليم و مجانية العلاج و يسير مطمئن نحو تحقيق فكرة الضمان الاجتماعي حيث تصان كرامته كانسان وفقا لفكرة المسؤولية الاجتماعية نحو الفرد و نجدها اليوم في الغرب حيث يستحق الفرد الحد الادنى للدخل لصيانة كرامته كانسان ذو علاقة بفكرة الدولة كمفهوم حديث و هذا هو ما أفضى له سير الانسانية التاريخية في الغرب في أقل مستوى نجده يؤكد فكرة المسؤولية الاجتماعية نحو الفرد بفكرة الضمان الاجتماعي و حفظ كرامته كانسان.
و عليه نقول أن فكرة المسؤولية الاجتماعية نحو الفرد لا يمكن تحقيقها بغير تأسيس دولة حديثة في السودان ليس لها علاقة بماضي السياسي السوداني الفاشل و ليس لها علاقة بماضي الأحزاب السودانية الفقيرة في الفكر و هي تحتاج لفكر غير مسبوق بعهد في السودان و ليس لنا ما يدعمه من ذاكرتنا لأن ماضينا لم يعكس فكرة دولة حديثة.
و عليه نقول أن الإتفاق الإطاري هو بداية جديدة لا تسعف فيها الذاكرة القديمة السياسي السوداني و بالتالي قد وضع السياسي السوداني نفسه أمام طريق صعب ليس له زاد من ذاكرته القديمة لكي يعون على قطع هذه المسافة الوعرة من أجل تحقيق دولة حديثة لأن ذاكرته التي تخلّد فكر الامام و المرشد و مولانا و الاستاذ كانت في حالة وعي زائف منذ أيام أتباع مؤتمر الخريجيين و هذا الوعي الزائف الذي يجعل المثقف السوداني يؤدي فروض الطاعة للامام و المرشد و الاستاذ لا يعرف الطريق المؤدي الى الدولة الحديثة.
و من هنا ننبه أصحاب الإتفاق الاطاري أن من يسعفهم في سيرهم في الطريق الوعر نحو الدولة الحديثة هو أن يستمعوا لما يوحيه لهم الشعب و قد أوحى لهم شعار عظيم حرية سلام و عدالة ما أعظمه من شعار و ما أعظمها من مسؤولية على عاتق من يريد تحقيق هذا الشعار.
و من يريد تحقيق الشعار عليه أن ينعتق من ماضيه البائس نتيجة استظلاله في أحزاب وحل الفكر الديني أي أحزاب طائفية و كيزان و سلفيين أحزاب لاجئة الى الغيب في زمن شهادة شعار يبحث عن عالم شهادة متوشح بالحرية و السلام و العدالة.
و نؤكد بأن تحقيق شعار ثورة ديسمبر المجيدة يحتاج لفكر نتاج عقل الانسان و تجربته وفقا لتجربة الانسان و ضمير الوجود و لهذا كنت قد بدأت المقال بالحديث عن الانسانية التاريخية و الانسان التاريخي. جاء الوقت بأن يعرف السياسي السوداني أن البشرية قد وصلت لمستوى نضج يسمح لعقلها بتنظيم أمورها وفقا لفكر نتاج عقلنا البشري أي فكر مفارق لفكر وحل الفكر الديني أي الفكرة المطلقة.
و نقول للنخب التي تقف خلف الإتفاق الإطاري أن الثورات الكبرى كثورة ديسمبر تلحقها تشريعات كبرى تلغي ما تركته الحركة الإسلامية من ركام يسمى تجاوز سلطة قضائية فيجب إلغاء و حل الجهاز القضائي الكيزاني كما فعل الشعب التونسي حتى ينعتق من تعطيل كيزان تونس لثورته أعني بالواضح إبعاد الكيزان من السلطة القضائية.
تفكيك التمكين بحيث تعود أموال الشعب السوداني المنهوبة الى وزارة المالية و الاقتصاد. تفكيك التمكين يعني إبعاد أتباع الحركة الاسلامية من مفاصل الدولة حتى نستطيع رؤية ملامح الدولة و بالتالي نختار لها الوجهة التي تتحرك نحوها و هي وجهة الدولة الحديثة و لا يكون ذلك إلا بفعل تفكيك التمكين حيث يكون التعامل مع الكيزان بلا رحمة و إبعادهم من وزارة المالية و الاقتصاد و إبعادهم من البنك المركزي و مراجعة سياسات السودان فيما يتعلق بالبنوك أي فيما يتعلق بالنقود و المصارف و دورها في تحقيق السياسات النقدية في تحقيق أقتصاد التنمية.
و تساعد مسالة تغيير العملة كثيرا في استرداد الأموال المنهوبة الى وزارة المالية و لا يكون ذلك باليسير بغير إبعد الكيزان من البنوك و وزارة المالية و البنك المركزي. ابعاد الكيزان بلا رحمة من وزارة الخارجية و لو دعت الضرورة بقفل أكبر قدر من السفارات في كثير من الدول التي لا تخدم غرض غير أنها كانت مرتع للكيزان و عبيدهم من دبلوماسيين يريدون أن يوهموننا أن الدبلوماسية مهنة لا علاقة لها بخدمتهم للكيزان.
يمنع الجيش الكيزاني من ممارسة أي مناشط اقتصادية و إرجاع شركات الجيش لحضن وزارة المالية إخضاع ديوان الزكاة لوزارة المالية لأنه أكبر عش دبابير كيزاني و متاجرة بالدين. إرجاع الأموال المنهوبة تكون بداية لتأسيس مجانية التعليم و مجانية العلاج و طريق يسير نحو تحقيق المسؤولية الاجتماعية نحو الفرد.
هذا يتطلب من السياسي السوداني أن ينعتق من تبعيته للمرشد و الامام و مولانا و الاستاذ الذي لا يتحدث خطابهم عن أن لهم دور لا يخرج من أن يكونوا خادميين للشعب و لك أن تتصور كيف تنقلب الامور الامام و المرشد و مولانا يصبحون خدم لخدمة الشعب و هيهات.
و عليه نقول أن تحقيق الإتفاق الإطاري يحتاج أن ينعتق السياسي السوداني من سيطرة الامام و المرشد و مولانا و الأستاذ و يصير السياسي السوداني في ظل العلاقة الجديدة خادم للشعب حيث لم يستطع الامام و مولانا و الاستاذ أن يكونوا خادمين للشعب و من هنا كان الفشل ملازم للأحزابهم.
نقول للنخب التي تريد تحقيق الإتفاق الإطاري الذي يرضي الشعب لا تبحثوا عن تجربة تساعدكم في دول الجوار ما يريده الشعب السوداني من ثورته لا يخرج من سعودية الملوك و لا مصر السيسي و لا من نموذج سلفاكير بل يخرج من إرادة الشعب السوداني التي قد أعجبت أحرار العالم. و لهذا نقول لكم لا تستمعوا لعويل الكيزان و الشيوعيين في كرههم لأحرار العالم الذين يقفون بجانب الثورة المجيدة.
الكيزان و الشيوعيين وجهين لعملة رديئة و لم يستوعبوا بعد معنى الانسانية التاريخية و الانسان التاريخي. و قد حزرنا منهم عالم الاجتماع هشام شرابي أي من الكيزان و الشيوعيين و ماهم إلا تجسيد للأبوية المستحدثة و قد تجسدت في أحزاب اللجؤ الى الغيب و أحزاب الأيدويولوجية المتحجرة. الكيزان لا يرون في الغرب غير عدو دائم لا يتغيير و لا يتبدل و في نفس الوقت تقدم الغرب يجعل الكوز دوما ضد الغرب بحكم أنه يتوهم بفعل محاكاة الغريم لماذا لا يحكم المسلمون العالم بدلا من الغرب.
لذلك تجد الكوز عدو دائم للحداثة و عقل الأنوار و يحاول سد كل الأبواب و النوافذ حتى لا يتسلل شعاع عقل الأنوار و فكر الحداثة. أما الشيوعي السوداني في نسخته المتخشبة قد جلب من الغرب شيوعية متحجرة لا ترى في الغرب غير أنه امبريالي.
لهذا تجد الكوز و الشيوعي السوداني أسيري لنصف قرن لشعارهم المحبب لن يحكمنا البنك الدولي و هذا بسبب جهلهم بمفهوم الانسانية التاريخية و الانسان التاريخي و قد بداء مسيرته أي الشعب السوداني بشعار حرية سلام و عدالة و لا يمكن تحقيق هذا الشعار بغير الفكر الليبرالي بشقيه الاقتصادي و السياسي و أول ملامحه ظهور ملامح الدولة بعد إبعاد الكيزان من مفاصلها و إبعاد الجيش من السياسة و منعه من ممارسة أي منشط اقتصادي.
في الختام وجب التنويه بأن هذا المقال هو مقارنة ما بين فكر هشام شرابي و فكر فلاسفة الغرب و كيف أن هشام شرابي عبر مسيرة طويلة قد قدم فكر يجعله يقف جنبا لجنب مع فلاسفة و مفكري الغرب و خاصة في كتبه التي قد خاضت في النظام الأبوي و إشكالية تخلف المجتمع العربي و كتابه المثقفون العرب و الغرب.
taheromer86@yahoo.com
//////////////////////////