الشفافية أداة التغيير الأولى … بقلم :د. عمر بادي
عمود : محور اللقيا
في شهر رمضان الكريم و مع السمو الروحي في التعبد و التقرب إلى الله قولا و عملا تزداد شفافية الإنسان حتى يصير أرق من الغمام و أصفى من البلور ! في هذا السمو الشفاف تراجع النفس مواقفها في حسابٍ للربح و الخسارة يعود بها إلى النهج الصحيح . ليت ساستنا و مسؤولينا يصلون بأنفسهم في هذا الشهر الكريم إلى درجات السمو تلك فيراجعون مواقفهم و يجنحون إلى النهج الصحيح , حتى يتغير حال بلدنا , و كما قال الله تعالى : ( لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم .. ) صدق الله العظيم .
نحن في إحتياج لممارسة الشفافية في كل شيء مع ظرف المنعطف السوداني الحالي الخطير . ببركة هذا الشهر المبارك , دعونا أحبتي أن نسمو و نحلق في سماء الوطن و ننظر بعين الصقر إلى ما عندنا و نتمعن في كيفية محافظتنا عليه ... علينا أن نجعل الشفافية ديدننا في الحياة , في العمل و في الشارع و حتى في البيت , فإنعدام الشفافية قد ملأ النفوس أحقادا و قد أضر بالسودان كثيرا في إقتصاده و أضعف الثقة في المسؤولين أينما كانوا و خلق الشعور بالغبن و بالتهميش و بالإقصاء و أوجد الفوارق الإجتماعية و زاد الفقراء فقرا و أخيرا رمى بالسودان إلى الدرك الأسفل في قائمة الدول الأكثر سلما في العالم إذ جاء في المرتبة رقم 147 قبل العراق و الصومال من مجموع دول العالم ال 149 بموجب إحصائية معهد الإقتصاد و السلام الأمريكي , كما و قد رمى به إلى أن يكون ثالث أفشل دولة في العالم بعد الصومال و تشاد بموجب تقرير مجلة السياسة الخارجية الأمريكية .
علينا أن نؤمن حقا بالديموقراطية التي أساسها النزاهة و المصداقية و إحترام الرأي الآخر مع بسط الحريات بأنواعها المختلفة . إن خاصية الشفافية في عملية تبادل السلطة السياسية عن طريق الإقتراع تكمن في القبول بما تختاره الغالبية و تجعل الكل مرتبطين و ملتزمين بإدارة السلطة الجديدة , مع حق النقد و التوجيه و المراقبة و كشف التجاوزات حتى تتوفر للناخب الحقائق التي بموجبها سوف يدلي بصوته في الإقتراع الذي يلي . لذلك كانت حرية التواصل الإعلامي و منها حرية الصحافة في غاية الأهمية في عملية التطبيق الديموقراطي . انا هنا أشيد برفع الرقابة القبلية عن الصحف و التي كانت قد عادت لأسباب أمنية , و أدعو ان يركز الإخوة الصحفيون في كتاباتهم على ما يجمع لا على ما يفرق و أن يضعوا وحدة الوطن في حدقات العيون و أن يطبقوا الشفافية في ما يكتبون .
في بلاد العالم الأول التي سبقتنا كثيرا في التطبيق الحضاري للديموقراطية نجد الشفافية قد صارت نهجا يحتذى و لذلك إنتظمت الحياة عندهم بتطبيقاتهم للحقوق و الواجبات الفردية و الجماعية و معرفتهم بما لهم و ما عليهم حتى صار المطلوب لهم أكثر بكثير من المطلوب منهم , و تنافست الحكومات عندهم في ذلك حتى كادت أن تصل بالمواطنين إلى شعار الشيوعية القديم الموغل في المثالية : ( من كلٍ حسب قدرته و لكلٍ حسب حاجته ) ! مع الضمانات الإجتماعية و التوظيفية و التعليمية و الصحية المتوفرة للجميع دون فرز , صفت النفوس من العنصرية و من الضغائن و تسامت إلى الرقي بالمجتمع بالتهذيب و التعامل الراقي و إحترام المعتقدات . في أكسفورد و هي مدينة صغيرة بل بالأحرى ضاحية من ضواحي لندن و هي مشهورة بجامعتها العريقة التي ناهز عمرها الألف عام و في أكبر شارع فيها و هو شارع ( كاولي ) أضيئت الأنوار و الفوانيس في أول يوم من شهر رمضان الجاري و قد شاهدت ذلك أثناء تواجدي فيها قبل أسبوع مضى , فالمسلمون قد تزايد عددهم فيها و تزايد عدد المساجد من مسجد واحد قبل عقد من الزمان إلى سبعة مساجد حاليا بجانب المركز الإسلامي السعودي الذي يقدم في رمضان وجبات الإفطار مجانا , و ليس المصلين كلهم من الدول العربية و الإسلامية فقط بل فيهم الأوربيون و الأفارقة و الكاريبيون .
الجالية السودانية لها مدرسة خاصة تقوم بتدريس أطفال الجالية اللغة العربية و الدين خلال عطلة نهاية الأسبوع كما تقوم بتعريف الطفل المغترب بوطنه و ربطه به , و على ذكر الجالية السودانية فهنالك مائة و ستون أسرة سودانية في أكسفورد فقط , كلها تعيش في جو سوداني بحكم تقارب المسافات فيكثر بينها التواصل بالزيارات و المجاملات في الأفراح و الأتراح بل و حتى نجد ( مراسيل الشحتة ) بين ربات البيوت ! هذه الأسر المهاجرة من خيرة البيوت السودانية لكنها قد خرجت من ديارها طلبا للعيش الكريم بعد أن عانت من التضييق و المحاربة في الرزق بفعل إختلاف الآراء أو بغرض الإذلال حتى يؤتمن جانبها , و هي في غربتها تمني النفس و تهيء أبناءها للعودة بعد أن تكتمل أسبابها , و لكن طال الإنتظار و صعب المطلوب .
الشفافية في تعامل المسلمين مع أنفسهم و مع الغير كانت من أهم الأسباب التي جذبت غير المسلمين للإطلاع على الإسلام و من ثم الإيمان به . هكذا كان الإسلام قد إنتشر في السودان منذ أكثر من الف عام , و هكذا إنتشر في شرق أفريقيا و غربها و في جنوب شرق آسيا .. دون فتوحات أو حروب , و لكن بشفافية المسلمين و بالإقناع و الإقتناع !
إذا تم تطبيق كل ما ذكرت في مقالتي هذه , هل يكون هنالك تهميش أو إقصاء أو أحقاد تقود إلى الإنفصال ؟ الوقت قصير و المشوار طويل و السودان مهدد في وجوده حتى و لو إنفصل الجنوب , فلن يكون السودان الشمالي في مأمن من التشظي الذي تخططه له دول ( الإستكبار ) و الذي سوف يقسم بموجبه إلى ثلاث دول , و للأسف الساسة و المسؤولون في خلافاتهم يعمهون ! فلنبدأ بالشفافية أداة التغيير الأولى , حتى نضع خارطة طريق للتغيير و لنستصحب في مشوارنا ما ينفع الناس أما الزبد فليذهب جفاء , و التغيير سمة العصر و معنى الحياة كما بدأه باراك أوباما في حملته الإنتخابية , و ياليتنا مارسناه كحل لقضايانا و خيباتنا بعد أن رفع شعاره قطاع الشمال في الحركة الشعبية لتحرير السودان في الإنتخابات الأخيرة , و ياليت ياسر عرمان قد أكمل به الشوط و لم يتم سحبه من سباق إنتخابات رئاسة الجمهورية , قطعا لكنا قد إستفدنا كثيرا من تجربة التغيير .
omar baday [ombaday@yahoo.com]