الشيخة فاطمة

 


 

 

كيف لا

يُطلق لقب الشيخ في مجتمعنا على علماء الدين وزعماء القبائل والقرى مثل "شيخ الحِلّة" وفي أحايين كثيرة يُطلق توقيراً على كبار السن. وقد اتخذ في فترة من الفترات إضافة توقيرية إلى أسماء بعض قيادات الحركة الإسلامية في السودان .ولكن اللقب لم يتنزّل على أحد من الإسلاميين منزل قبولٍ كما تنزّل على الأستاذ علي عثمان محمد طه الذي يناديه محبوه من الإسلاميين ب "شيخ علي" .
في حالة العلماء فقد كان اللقب حكراً على العلماء المتبحرين في علوم الدين ووفقاً لشروط معينة تجيز إسباغ اللقب عليهم بعد أن يكونوا قد بلغوا من العمر عِتيّاً، وقبل أن يتجه نحو هذا القسم من العلوم عدد مقدّر من شباب الأمة الإسلامية لنرى شيوخاً في عمر الزهور. أما لقب الشيخ المطلق على زعماء القبائل فهو متوارث ولكن السلطة والنفوذ الواسع تجعل "شيخ الحلة" أو زعيم القبيلة على قدر كبير من تحمل المسئوليات الجسام ، يلبي احتياجات أهل منطقته ، يحمي مصالحهم ، يتميز بسعة علاقاته العامة وكرمه وقوة شخصيته المكتسبة من هالة السلطة من حوله .
أما في محيطنا العربي فاللقب يطلق على علماء الدين أيضاً ولكن بعد إجازة اللقب الذي يخضع طالبه إلى اختبارات عديدة يتعذر أن ينالها إلا من أفنى عمره في طلب العلم الديني ، يتتلمذ على يد أكبر العلماء ، ليتتلمذ على يديه من بعد أجيال وأجيال قبل أن يظفر باللقب. أما الفئة الأخرى فهي فئة  الحكّام في الخليج العربي وورثتهم ومن تبعهم من كل ذي مال وجاه . أما ذوي المال فتختلف أوضاعهم كل حسب رزقه ، منهم من يرث ومنهم من يكسبه بجده وعرقه مثل الشيخ صالح عبد العزيز الراجحي رجل الأعمال السعودي وصاحب امبراطورية الراجحي المصرفية الذي كان عصامياً ابتدأ بمتجر صغير لتبديل العملة.
في كل هذه ا"الحدوتة"حيرني لقب "الشيخة فاطمة" كما لم يحيرني لقب من قبل . وهو ما أطلقته صحيفة الرأي العام في عددها ليوم الإثنين 13 يونيو الجاري على السيدة فاطمة الأمين حرم الأستاذ على عثمان محمد طه نائب رئيس الجمهورية ، ورئيسة منظمة البر والتواصل . فورود تاء التأنيث مع لقب الشيخ المذكّر في حد ذاتها مشكلة تحتاج إلى كثير من التوضيح حتى يتبين المراد بالضبط من اللقب.فالشيخة المؤنث على غرابة اللفظ تزداد غرابة في مجتمعنا السوداني ، وتتكثف حولها الأسرار والغموض. لا أتوقّع أن يكون محرر الخبر في الصحيفة قد استلف هذا اللقب من الأسر الحاكمة الخليجية ليغدق به على السيدة فاطمة الأمين  ، لأن اللقب هناك تابع لنظام الحكم ويتم بالتوارث ويطلق على سيدات وبنات وكافة نون النسوة من أعضاء الأسر الحاكمة . كما لم ينبؤنا أحد بأن السيدة فاطمة الأمين قد أخذت الإجازة في كتاب الله تعالى وهو شرط "المشِيخة" من  ناحية العلم تخضع فيه الممتحنة لاختبارات في علوم الدين وحفظ القرآن الكريم حفظاً متقناً بعد أن تتلمذ على يد شيوخ القرآن ومجوديه وهذا أمر لم نسمع أنه حدث في السودان ذات مرة. ففي السعودية وفيها من حافظات القرآن كُثرٌ لا يتم إعطاء المشيخة إلا من مُنحت الإجازة في كتاب الله تعالى وتم امتحانها في حفظ القرآن وعلم التجويد وكيفية تدريسه .
السيدة فاطمة الأمين هي رئيسة منظمة اجتماعية صحية ، وحسب نشاطات المنظمة المنشورة في الصحف فإن محورها هو النساء والطلاب ومراكز الأمومة والطفولة .فهذه المنظمة أياً كان انتماؤها فهي منظمة إنسانية بالدرجة الأولى ، ولئن رعت أسر الشهداء وتركت غيرهم ، أو تكفلّت ببعض طلاب الخلاوى دون غيرهم فتكون قد حرّكت راكد الخير في نفوس الناس وأبرأت جزءاً ولو يسيراًَ من سقم المجتمع المحتاج. وهي في النهاية إنسانة من هذا الوطن ، فهل يجد لقب "الشيخة" هنا محلاً من الإعراب  !
عن صحيفة "الأحداث"

moaney [moaney15@yahoo.com]

 

آراء